تردّدات رسالة الفصح بين بري والراعي.. أين الميثاق؟
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
على الرغم من كثرة الاستحقاقات المؤجّلة أو المجمَّدة، وفي مقدّمها الانتخابات الرئاسية، يبدو أنّ السياسيّين أخذوا مع عطلة عيد الفصح المجيد، إجازة "مفتوحة" يُخشى أن "تتمدّد" لما بعد عيد الفطر الأسبوع المقبل، وهو ما انعكس "جمودًا إضافيًا" سيطر على الساحة، لم تخرقه سوى الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الجنوب، توازيًا مع الحرب على غزة، التي لم تشهد حتى الآن على الهدنة الموعودة والمُنتظَرة منذ أسابيع.
وسط هذه الإجازة، حملت "رسالة الفصح" التي وجّهها البطريرك الماروني بشارة الراعي من بكركي للبنانيين جميعًا والمسيحيين خصوصًا، ما يمكن اعتبارها "مفاجآت"، من خلال رفع السقف عبر اتهام المجلس النيابي "بشخص رئيسه وأعضائه"، بحرمان دولة لبنان من رئيس "عمدًا ومن دون مبرّر قانوني"، وفق وصفه، وهو ما يشكّل مخالفة للدستور في مقدّمته التي تعلن أنّ "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية".
وفيما لفت الراعي أيضًا إلى "فقدان المجلس صلاحيته الاشتراعية ليكون فقط هيئة ناخبة بالمادة 75"، ما فُسّر على أنّه "رسالة مكرّرة" إلى بري، فإنه خلص إلى أنه لا يوجد أي سلطة تعيد المجلس النيابي إلى الانتظام وفقًا للدستور، وأنّ مؤسسات الدولة متفكّكة والشعب يعاني، ليسأل: "أين الميثاق؟ وأين العنصر المسيحي الأساسي في تكوين الميثاق الوطني؟"، ليفتح الباب أمام نقاش متجدّد حول "التطبيع مع الفراغ"، الذي يبدو أنّه يتمدّد..
استياء مسيحي واضح
بمعزل عن بعض التفاصيل التي قد يعتبرها البعض "إشكاليّة"، خصوصًا عند الحديث عن المسؤوليات وتوزيعها، فإنّ رسالة البطريرك الراعي في عيد الفصح عكست، بما لا يقبل الشكّ، استياءً مسيحيًا جوهريًا ليس خافيًا على أحد، من استمرار الفراغ الرئاسي منذ تشرين الأول 2022، من دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات عن نوايا جدّية لوضع حدّ لهذا الشغور، في ظلّ ما بات يُعرَف بـ"التطبيع مع الفراغ"، القائم على قدم وساق.
ولعلّ مثل هذا "التطبيع مع الفراغ" هو الذي حمل الراعي لقول ما قاله، بحسب العارفين الذين يشيرون إلى أنّه أراد أن يعكس شعورًا مسيحيًا بالغبن، إن جاز التعبير، فعدم انتخاب الرئيس لا يبدو أنه يشكّل أزمة لأحد، بعكس الواقع في مناصب أخرى، لا تتحمّل الفراغ ولو لدقيقة واحدة، بل إن القوى السياسية باتت تتعامل مع الأمر وكأنه "تحصيل حاصل"، ولا تعيره أيّ أهمية، بل إنه لم يعد يحتلّ "أولوية" في المتابعات والمعالجات السياسية.
لكنّ الأكيد أن الراعي أراد برسالته هذه، وفق العارفين، بموازاة الحديث عن الدور المسيحي الغائب، وربما المهمَّش، أن يعيد وضع الأمور في نصابها، عبر التأكيد على "المسؤولية الكاملة" لمجلس النواب عن هذا الوضع، فهو من كان يجدر به انتخاب رئيس للجمهورية وفقًا للدستور منذ أشهر طويلة، وهو من يجب أن يكون "مستنفرًا" اليوم لإنجاز الاستحقاق، بدل الرهان على كلمة سرّ خارجية، أو متغيّر إقليمي لا أحد يعرف متى يأتي.
من يتحمّل المسؤولية فعليًا؟
بعكس ما حاول البعض تصوير الامر، يقول العارفون إنّ هجوم الراعي على مجلس النواب، لم يكن مستهدَفًا منه الرئيس بري تحديدًا، باعتبار أنّ المسؤولية في هذا الإطار "جماعية"، ولو تفاوتت بين فريق وآخر، علمًا أنّ ذلك لا يعني أنّ الراعي لم يوجّه رسائل "مبطنة" لبري، الذي يتوانى عن الدعوة لجلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس، بحجّة غياب التوافق، علمًا أنّ الحديث عن "التشريع والانتخاب"، قد يكون بحدّ ذاته "انتقادًا ضمنيًا" لأداء رئيس المجلس.
وفي وقت يستبعد العارفون أن يردّ بري على كلام الراعي، ويرجّحون أن يعمل على "استيعابه"، ولا سيما أنّ بري يكرّر أنّ الانتخابات الرئاسية "شغله الشاغل"، يقول المؤيّدون لرئيس المجلس إنّ السؤال عن "الميثاق" ينبغي أن يوجَّه للقوى المسيحية، التي تتحمّل المسؤولية الأساسية في إطالة أمد الشغور، بعكس الرئيس بري، الذي طرح أكثر من مبادرة منذ ما قبل الفراغ الرئاسي، لكنّ أحدًا لم يتجاوب معها بكلّ بساطة.
يشير هؤلاء إلى أنّ الدعوة لجلسة انتخابية لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد فعلها بري كثيرًا، إلا أنّ النتيجة كانت تحوّل الجلسات إلى "سوق عكاظ" أضرّت بسمعة وهيبة المجلس النيابي ككلّ، حيث أصبح واضحًا انّ المطلوب تفاهم مسبق بالحدّ الأدنى يضمن تحقيق أيّ جلسة لنتيجة، وهو ما لا يزال يصطدم بتعنّت القوى المسيحية تحديدًا، التي ترفض مبدأ الحوار، من دون أن تقدّم بديلاً يمكن أن يوصل إلى إنجاز الاستحقاق.
سأل البطريرك الراعي عن العنصر المسيحي الأساسي في تكوين الميثاق الوطني، وهو محقّ بذلك، طالما أنّ الفراغ الرئاسي يبقي قصر بعبدا شاغرًا حتى إشعار آخر. لكن ثمّة علامات استفهام تبدو مشروعة، تُطرَح في هذا السياق: فمن الذي يتحمّل المسؤولية؟ أليس من يرفض مبدأ التفاهم رغم كلّ شيء؟ وأبعد من ذلك، هل المسيحيون موحَّدون أساسًا؟ وألا يتحمّلون مسؤولية في التأسيس لعرف "سيناريو 2016"؟! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
هل يُنجب تحالف الميثاق التأسيسي حكومة موازية في السودان؟
الخرطوم- مهّد توقيع قوات الدعم السريع وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي أمس على "الميثاق التأسيسي"، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، وسط مخاوف من تعميق حالة الانقسام من جهة، وتطمينات من جهة أخرى، بأن هذه الخطوة لا تعدو كونها "فرقعة إعلامية" لا أثر لها في الوقع.
وجاء توقيع الميثاق التأسيسي بعد مخاض عسير وتأجيل لـ3 مرات، بسبب خلافات مُبكِرة حول هيكلية السلطة الموازية حسب مصادر تحدثت الجزيرة نت من نيروبي، وفي غضون ذلك، اعتبر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في منشور على صفحته في "فيسبوك" أن "الموقعين شركاء في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي مارسته قوات الدعم السريع في السودان".
تحديات الحكومة الموازيةقال رئيس السلطة الإقليمية وحاكم دارفور الأسبق التجاني سيسي للجزيرة نت إن "الحكومة الموازية لا تتوفر لها فرص النجاح، خاصة أن مجرد طرح فكرة تكوينها أدى إلى انقسام "تقدم" التي سبق أن وقعت اتفاقا مع الدعم السريع العام الماضي في أديس أبابا، بالإضافة إلى التعقيدات التي أدت إلى تأخير التوقيع على الميثاق وإعلان الحكومة الموازية، مما يدل على أن هنالك جملة من التحديات التي تواجه القائمين على هذا الأمر.
إعلانوأوضح أن من أكثر التحديات التي ستواجه الحكومة الموازية هو أنها لن تتمكن من ممارسة سلطتها القانونية في هذا الوقت الذي بدأت فيه القوات المسلحة والقوات المساندة لها بأخذ زمام الأمور وتحرير المزيد من المناطق، "وهي في طريقها إلى تحرير دارفور من قبضة المليشيات" حسب قوله.
وأفاد سيسي بأن قوات الدعم السريع وقيادتها تواجه تحديات أخرى منها العقوبات التي فُرضت عليها من الإدارة الأميركية بالإضافة إلى اتهامها بارتكاب جرائم الإبادة والتطهير العرقي، بينما تنادي مجموعات دولية ومنها أميركية بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
وأضاف "في ظل هذه الاتهامات يصعب أن تجد الحكومة الموازية التي ستُشكل بإشراف الدعم السريع أي اعتراف إقليمي أو دولي، ربما نتوقع أن تعترف بها بعض دول الجوار، في تحدٍّ واضح لمواثيق الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة".
قلق أممي ورفض شعبيأعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلق المنظمة الدولية إزاء إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية في السودان، وحذرالمتحدث ستيفان دوجاريك، من أن هذه الخطوة قد تزيد من حدة الانقسام وتُفاقم الأزمة المستمرة في البلاد.
وأكد دوجاريك، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، أهمية الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، كشرط أساسي للتوصل إلى حل دائم للنزاع، بينما لم يتأخرالرد الشعبي الرافض للميثاق التأسيسي والتوجه الرامي لإنشاء حكومة موازية في المناطق خارج سيطرة الجيش السوداني.
وشهدت مدينة شندي بولاية نهر النيل اليوم الأحد مسيرة كبرى سيَّرتها القطاعات والفئات المختلفة بالمدينة، رفضا واستنكارا للحكومة الموازية التي أطلق عليها الموقعون على ميثاقها "حكومة السلام والوحدة" في حين أطلق عليها المنددون بها في ميدان المولد اليوم اسم "حكومة العمالة والمهزلة".
إعلان فرقعة إعلامية وعلاقات عامةوقال رئيس حركة تحرير السودان ووالي ولاية غرب دارفور مصطفى تمبور للجزيرة نت إن "ما تم في نيروبي هو فرقعة إعلامية ولقاء علاقات عامة لعناصر مليشيا الدعم السريع ليس أكثر"، وأضاف أن "الفائدة الوحيدة من اجتماعات نيروبي أنها كشفت زيف من كانوا يقولون إنهم محايدون، واتضح أنهم داعمون لمليشيا الدعم السريع".
وأكد أن الدعم السريع وحلفاءه ظلوا منذ وقت طويل يحاولون السيطرة على مدينة الفاشرلإعلانِ حكومةٍ على طريقة ليبيا، لتكون بداية تقسيم السودان، وقطع بأن "السودان لن يتشظى أبدا وسيعود قريبا أقوى وأفضل مما كان".
وقال تمبور "إن مليشيا الدعم السريع تسعى لتكرار النموذج الليبي في السودان لأن الخطة (ب) بعد فشل الاستيلاء على السلطة في الخرطوم هي إعلان حكومة موازية في دارفور، ولكن سنبذل قصارى جهدنا لقطع الطريق أمام هذا المخطط مهما كلفنا ذلك من ثمن".
مؤيدون للميثاقيؤيد الموقعون على الميثاق التأسيسي الحكومة الموازية في السودان، وأبرزهم قوات الدعم السريع، الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، والعديد من الحركات العسكرية والتنظيمات السياسية والمدنية، فضلا عن توقيع رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر عن حزب الأمة القومي، وإبراهيم الميرغني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
وكان الحزب الاتحادي الأصل قد استبق التوقيع على الميثاق بتوضيح صحفي أشار فيه إلى أن إبراهيم الميرغني تم فصله من الحزب منذ الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2022 ولم يعد يمثل إلا نفسه بمشاركته في ما يسمى بميثاق السودان التأسيسي بنيروبي.
وفي السياق، أوضحت رباح الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي في منشور على صفحتها بفيس بوك قبل أيام من توقيع رئيس الحزب فضل الله برمة ناصر، أن مشاركة برمة في تشكيل الحكومة المدنية الموازية انتحار سياسي لشخصه ومحاولة لنحر الحزب.
إعلانوقالت "إن خيارات اللواء برمة خيارات تخصه، أما هذا الحزب فقد بنته مجاهدات وأقيم على أسس ومبادئ ديمقراطية ومؤسسية"، معتبرة أنه لا يمكن لأحد أن يتجاوزها أو يتجاهلها، وأكدت أن الحزب بريء من ذلك.
اتساع الرفضاتسعت دائرة الرفض للميثاق التأسيسي للحكومة الموازية في الأوساط الشعبية والرسمية في السودان، بعد أن كان التوجه نحو خيار الحكومة الموازية سببا مباشرا في انقسام حلفاء الأمس في تنسيقية القوى المدنية "تقدم".
و يستبعد مراقبون اعتراف أي دولة بالحكومة الجديدة بشكل علني باعتبارها الحكومة الشرعية في البلاد، في حين يشير آخرون لدعم غير معلن للحكومة الموازية والقوى الموقعة على الميثاق السياسي.
ومن المرجح أن يتم التعامل مع الحكومة الموازية المرتقبة، التي أثارت قلق الأمم المتحدة قبل تشكيلها، كحكومةِ أمرٍ واقعٍ في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في دارفور غربي السودان، حيث تسعى كثير من الجهات الدولية لإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق خارج سيطرة الجيش، مما يحتم تواصلها وتنسيقها مع السلطات الموجودة على الأرض.
ويبدو أن نجاح الحكومة الموازية في مهامها رهين بمجريات الوضع العسكري والميداني على الأرض، حيث تتسع رقعة تقدم الجيش السوداني الذي تمكن اليوم من الاستيلاء على مدينة القطينة من قبضة قوات الدعم السريع، التي تسعى -وفق محللين سياسيين- لتعويض خسائرها العسكرية بما تعتقد أنه انتصارات وتحالفات سياسية تضمن وجودها وفاعليتها في أي معادلة قادمة لحكم السودان.