ما ينشر حول جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، وما ينشر حول مؤشرات سياسية لمواقف عربية ودولية أفرزتها دبلوماسية الوحشية الصهيونية، أظهرا ملامح رئيسية ونهائية لصورة المحصلة التي انتهت إليها وعندها عملية تحطيم الإرادة الفلسطينية، ملامح دلت عليها معظم المواقف العربية والدولية، وعلى الرغم من كل ما يذاع وينشر من تحليلات وتقييمات لهذه المؤشرات، سواءا من موقع المتفائلين بوقف إطلاق النار في غزة، أو المتشائمين من تحقيق ذلك، تبقى السياسة العربية الرسمية مع سياسة السلطة الفلسطينية، هما الأكثر خطورة بالرهان على محصلة العدوان الاسرائيلي وتقاسم مكاسبه.
ولأن المواقف العربية عبرت عن عجز فاضح ومستمر مع استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الابادة الجماعية في غزة مع ارتباكات واضحة على المستوى الفلسطيني، ذلك جعلهما على مقربة من الأهداف الإسرائيلية والأمريكية حول غزة بصفة خاصة، وعلى القضية الفلسطينية التي تعاني على مستواها الدولي تاريخياً من موقف أمريكي منحاز بشكل مطلق لإسرائيل وتعاني من مواقف غربية سلبية منافقة لسياسة الإحتلال.
الجديد الأكثر سلبية في معاناة الفلسطينيين، هو السياسة العربية زمن الإبادة الفلسطينية في غزة، قسم منها غير مبالٍ لهذه الغطرسة الصهيونية والقسم الآخر يدعمها، بحيث لا يمكن إغفال هذه الحقيقة المؤلمة والقاسية رغم محاولات الظهور العربي الفاشل بارتجال بعض التصريحات والمواقف والتي توحي جميعها بخطأ خيار الشعب الفلسطيني لمقاومته الاحتلال، وبتخليه عن إظهار المزيد من المرونة والتنازلات، بمعنى ليس هناك من جديد يمكن تسجيله بالنسبة لما أصبح معروفاً وواضحاً وثابتاً بالنسبة للموقف العربي من قضية التصدي للعدوان، ووقف جريمة الإبادة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، واستمرار العدوان في بقية المدن الفلسطينية وعلو منسوب التصريحات الفاشية نحو الفلسطينيين من أقطاب حكومة نتنياهو ما هو إلا انعكاس لمجمل المواقف العربية والدولية التي نعرفها جميعاً.
غزة لم تكن البداية، ولن تكون النهاية لفهم هذه الحقيقة، الضحايا الفلسطينيون منذ النكبة يدركونها، ويدركون الالتزام الأمريكي بحماية هذا المشروع الاستعماري من خلال إكسابه الوقت للمراوغة والسيطرة ، وما تبقى من أرض فلسطين في الضفة والقدس يجسدان الحقيقة الصهيونية وسياساتها الإجرامية،من المؤسف فعلاً، بعد ستة أشهر من جريمة الإبادة الصهيونية في غزة، أن الحال العربي ثابت على شلله، وأن الحال الفلسطيني الرسمي على الرغم من وعيه بدسائس المؤسسة الصهيونية ومؤامرات التطبيع العربي والموقف الأمريكي بإسناد الاحتلال الاسرائيلي ودعمه للتملص من كل القوانين والحقوق الفلسطينية وتأمينه للإفلات من العقاب على جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ما زال الوضع الفلسطيني غارق في خداع الذات عن السلام بمفهومه الصهيوني والأمريكي، وبعيداً عن كل التفاصيل المعروفة لحقبة أوسلو والذي شكل كل بندٍ فيها عقبة حقيقة "للسلام" وفرصة ذهبية للمؤسسة الصهيونية ومشروعها الاستعماري الاستيطاني بوضع جدار مسدود أمام أوهام السلام المنشود عربياً وفلسطينياً، والأكثر أسف وخزي في هذه المرحلة أن العدوان الاسرائيلي المنتظر على مدينة رفح، يتم استكمال وقائعه على خطى المواقف السابقة من جرائم الإبادة في غزة، والشعور المتزايد أن الجريمة ستستكمل في رفح، لاسيما أن الموقف الأمريكي من سد نقص ذخيرة الإحتلال اتخذ فعلاً، وأن المشاورات العربية وتحديدا الموقف المصري يعبر فقط عن خشيته من تدفق اللاجئين إلى الجانب المصري، وبقية المواقف الدولية تعبر عن مشاعر القلق " الانساني" على مصير هؤلاء لا عن مواجهة سياسة العدوان والإبادة الجماعية للفلسطينيين.
لقد راجت في الأشهر الستة الماضية رواية إسرائيلية عن أهداف الحرب على قطاع غزة، واستئصال المقاومة فيها، والقضاء على حركة حماس، وراج معها مواقف عربية وفلسطينية بأن حال الجميع ستصبح أفضل بانجاز تلك الأهداف، هذا النقاش مستمر عبر وسطاء الإدارة الأمريكية لعواصم عربية مندفعة خلف هذه الأوهام، و بالترويج لمفاهيم قديمة جديدة أساسها أن كل مقاومة للاحتلال غير مجدية ومكلفة، غير أنه بعد السابع من أكتوبر ازدادت أهمية التخلي عن هذه الأوهام بعد اتضاح كل شيء متعلق بالموقف الأمريكي المشارك بالعدوان، وبالمواقف المتعلقة بحقيقة إسرائيل كمشروع استعماري.
غزة لم تكن البداية، ولن تكون النهاية لفهم هذه الحقيقة، الضحايا الفلسطينيون منذ النكبة يدركونها، ويدركون الالتزام الأمريكي بحماية هذا المشروع الاستعماري من خلال إكسابه الوقت للمراوغة والسيطرة ، وما تبقى من أرض فلسطين في الضفة والقدس يجسدان الحقيقة الصهيونية وسياساتها الإجرامية، وبالمفهوم التاريخي الذي خبره الفلسطينيون والعرب، أن أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل كمشروع استعماري ورصيد استراتيجي لها بالمنطقة، ولم تتلكأ لإنقاذها ، واستيعاب التطورات العربية في الثورات المضادة كان من ضمن خطة الإنقاذ هذه.
الإفلاس الرسمي العربي الظاهر في غزة وبقية فلسطين، من دون رصيد استراتيجي، لن تكون آثاره الوخيمة فقط على مصالح وحقوق الفلسطينيين، فطالما الأوضاع العربية القائمة لا تشكل تهديد مباشر للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، وتفتقر لاستراتيجية حماية قضيتها ومصالحها، فأن إسرائيل لن تشعر بأي حرج وضيق من المضي في ارتكاب المذابح ولذلك لا تأبه بكل المواقف المحذرة من جريمة واسعة في رفح، وهي التي تدفع نتنياهو لتذكير العرب والعالم بأن "كل ما حًذرنا منه فعلناه".
أخيراً، النهج السائد يعطي أطراف عربية أوراقا للمساومة والضغط على الشعب الفلسطيني وقدرة على إبتزاز الضحايا، ومصر السيسي عنوان فج لهذه القدرة، على ضوء كل هذه المعطيات العربية والدولية والإسرائيلية، نرى أن مسار الموقف الفلسطيني إن أراد لنفسه أن يكون عاملاً غير قابل للذوبان والشطب في معادلة التآمر المفضوح على قضيته، فإن له حدود واضحة يمكن أن يتجاوزها في العناوين الباقية له في مؤسساته المهمشة من المنظمة والمجلس الوطني والمركزي إلى استعادة وحدة المصير التي أفقدته التماسك الوطني واغتالت إنجازات نضاله عن وعي مسبق عندما ظنت أن استراحة المقاوم الفلسطيني قد حانت من دون تحقيق هدف تحرره من المحتل..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة العدوان الاحتلال احتلال فلسطين غزة عدوان رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی فی غزة
إقرأ أيضاً:
الخماسية في استراحة وحديث فرنسي عن إطلالة رئاسية بعباءة سعوديّة!
كتب الان سركيس في" نداء الوطن": تأخذ "اللجنة الخماسية" التي تتعاطى في الشأن الرئاسي والتي تضمّ العواصم الآتية: واشنطن والرياض وباريس والقاهرة والدوحة قسطاً من الراحة في انتظار جلاء صورة الميدان. وتتحرّك المملكة العربية السعودية على صعيد المنطقة ككل ولا يقتصر حراكها على لبنان وفلسطين فقط، وهذا الأمر ظهر من خلال استضافتها القمة العربية- الإسلامية التي ناقشت أوضاع لبنان وغزة.وإذا كانت الرياض تعمد إلى تبريد الجبهات المباشرة مع طهران، إلّا أن هذا التبريد لا ينسحب على أجنحة إيران في المنطقة وخصوصاً في اليمن ولبنان. وفي هذا السياق، يتمّ الحديث عن اتصالات من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تكفّ بموجبها إيران نشاط أجنحتها عن المنطقة مقابل ضمانات باستمرار النظام الإيراني في الداخل وعدم التعرّض له.
وتطلّ فرنسا مجدّداً على الساحة اللبنانية عبر حراك دبلوماسي يقوم به قصر الإليزيه من جهة والسفارة الفرنسية في بيروت. وتشير المعلومات إلى حصول اتصالات بين الإليزيه وكبار المسؤولين السعوديين، طُرحت من خلالها الأزمة اللبنانية، سواء السياسية أم العسكرية. وثمّة اتفاق على متابعة الاتصالات وتأمين بيئة مناسبة لإبرام تسوية متوازية تعيد لبنان إلى حضنه العربي والعالمي.
ومن جهة ثانية، تشير معلومات "نداء الوطن" إلى أن السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو يقوم بجولة على عدد من المسؤولين والكتل، ويعرض مخاطر استمرار الأزمة السياسية والرئاسية، ويؤكّد استعداد بلاده لمساعدة اللبنانيين للوصول إلى حلّ للأزمات.
وتروّج الدبلوماسية الفرنسية لوجود تنسيق بين باريس والرياض، وأن باريس لا تتحرّك بمفردها على الساحة اللبنانية، بل تنسّق خطواتها مع المملكة التي تملك نفوذاً كبيراً على الساحة السنية واللبنانية. وقد يصل هذا التنسيق إلى مراحل متقدّمة خصوصاً أن الدبلوماسية الفرنسية تروّج لعودة سعودية إلى لبنان بعد الانتهاء من الأزمة وعودة الوضع اللبناني إلى ما كان عليه قبل تغيير وضعية لبنان السياسية.
تولّت باريس في فترات سابقة التواصل مع إيران وحاولت مدّ الجسور من أجل الوصول إلى حلول في لبنان والمنطقة، لكنها باءت بالفشل لأن طهران تريد إبرام التسوية مع الولايات المتحدة الأميركية وليس مع فرنسا. وانطلاقاً من هذه الوضعية يغيب التواصل بين باريس وطهران.
وتؤكّد الإدارة الفرنسية أن التنسيق الحالي يتمّ مع المملكة العربية السعودية، والرياض قد تتفاوض مع طهران عندما يحين زمن التسوية الرئاسية، لكن للرياض حساباتها، وهي لا تريد الغرق في الوحول اللبنانية قبل انجلاء صورة الحرب الكبرى في المنطقة وإبرام تسوية شاملة تُحلّ بموجبها الملفات العالقة.
لا تستبعد الدبلوماسية الفرنسية زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان أو أي مسؤول فرنسي إلى بيروت إذا اقتضت الحاجة، لكن التركيز في هذا التوقيت على وقف إطلاق النار وإنهاء التدمير الذي يشهده لبنان. وتفرض الواقعية على باريس عدم الحماسة قبل استلام ترامب مقاليد الحكم في واشنطن لكي لا تتكرّر تجارب الفشل الفرنسي السابق.