التيار علىموجتين.. أزمةُ خطاب أم توزيع أدوار؟
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
ليس من الصّعب على أيّ متابعٍ للشأن اللبناني أن يلحظَ تعدّد الخطابات السياسية داخل "التيار الوطني الحر" بدءاً من الرئيس مروراً بنائبه وصولاً إلى جزء من القاعدة الشّعبية التي تتّخذ من وسائل التواصل الإجتماعي منبراً للتّعبير عن تأييدها لهذا الخطاب أو ذاك.
أولى إرهاصات هذا التعدّد الخطابي لدى "التيار" بدأت معالِمهُ بالظهور إلى العلن في الخامس من كانون الأول من العام 2022 عقب الجلسة الشهيرة التي دعا اليها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي والتي اعتبرها "التيار" آنذاك مسّاً بالشراكة الوطنية، حيث قاطعها الوزراء المحسوبون عليه ببيانٍ شديد اللهجة اعتبروا من خلاله بأنّ جدول الأعمال "فضفاض ومُتخبّط فيما الحكومة حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق للكلمة" وأضافوا بأنّ الجلسة غير ميثاقية وغير دستورية.
يرفض نائب رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون الخارجية الدكتور ناجي حايك وصفه بالمُعادي لحزب الله أو حتى اعتبار أنه ممن يُغرّدون خارج السّرب، مُؤكّداً في حديثٍ لـ"لبنان ٢٤" بأنّ تصريحاته وحتى تغريداته عبر حسابه الشخصي على مواقع التّواصل الإجتماعي تُعبّر عن "الهَوى" و"النّفَس" داخل المجلس السياسي ل"التيار"، رافضاً القول بأنّ ل"التيار" خطابين، لافتاً الى أنه حين يُعبّر عن رفضه لما يُسمّى "وحدة الساحات" فهو يلتزم بكلام رئيس "التيار" جبران باسيل اضافة الى أنه يؤيده، وعندما يشدّد على ضرورة إيجاد استراتيجية دفاعية فهو لا يحيد أيضاً عن موقف باسيل.
وعن الموقف العام من "الحزب" يُشدّد حايك بأنّ موقفه كموقف "التيار" قائلاً: "نحن مع الحزب في حال تم الاعتداء عليه من الخارج وهذا الموقف مبدئي لا يتغيّر، لا يُمكن إلا أن نكون مع إبن بلدنا اللبناني وسنُقدّم له كل الدعم الذي نقدر عليه، لكننا ضد "ربط الجبهات" واستجلاب الدمار لوطننا واقتصادنا وهذا ببساطة كل ما في الأمر". ويضيف حايك: "عليهم أن يَعوا بكل وضوح وصراحة بأنّ هناك جزءا من اللبنانيين لا يعتبر فلسطين قضية مركزية، "اسرائيل" عدوتنا بلا شكّ، لأنها بلطجيّة وتقصف أرضنا وتقتل أهلنا وتسرق مياهنا هي عدوّ للبنانيين لأجل لبنان وليس لأجل "القدس". ويتابع، "باختصار نحن مع الفلسطينيين ومُتضامنون معهم حتى النهاية رغم التاريخ السيء بيننا والذي طويناه ونَسيناه، لكننا لا نستطيع أن نأخذ قضيتهم على عاتقنا ونحن شعب (ما معو ياكل)، لماذا نحن؟ فلتُساعدهم الدول العربية بالسلاح والجيوش". أما عن سبب التصويب المُستمر عليه من قبل بيئة المقاومة يقول حايك، "يُصوّبون عليّ لأنّ مواقفي قاطعة ولا أُدوّر الزوايا، الرئيس جبران باسيل لطيف وتعابيرهُ مُنمّقة ودبلوماسية وانا لستُ كذلك، لكننا لسنا مُختلفان وعلى نفس الموجة.
ويختم حايك: "الهوّة اتّسعت والثقة تقلّصت مع "حزب الله" لكن هذا لا يعني أننا أضحينا أعداء، القيادات في "الحزب" يعلمون ذلك بل وأكثر، فهُم يعرفون أنني من أشدّ المُدافعين عنه في المحافل الخارجية ولا يُمكن أن أطعن بلبناني أو أن أُحرّض عليه لا سيّما "حزب الله"، لكنّ خلافنا معه في الملفات الداخلية ومسألة معركة الإسناد على الجبهة الجنوبية أمر مختلف.
في مُقابل الخطاب اليميني، كما يحلو للبعض تسميته، والذي يُمثله في هذه المرحلة "ناجي حايك"، تبرز أصوات لا تزال حتى اليوم ممن يُطلق عليهم "مُمانعو التيّار" أو "مُؤيّدو المقاومة" وهم كُثُر، هؤلاء يُدافعون عن العلاقة والتحالف مع "حزب الله" وهُم من دُعاة تطوير اتفاق "مار مخايل". والحديث هنا ليس عن مناصرين وحسب بل عن وجوهٍ معروفة، بعضها فنّيّ وآخرون كانوا حتى الأمس القريب في مواقعَ قيادية ومسؤولة في "التيار الوطني الحر"، وقد ازدادت وتيرة الأخذ والرّد بين المعسكريْن بشكلٍ علني على وسائل التواصل الإجتماعي في الآونة الأخيرة حتى وصلت الأمور حد التهكّم والتجريح والإتهام بالتبعية في البيت الواحد.
وأكّدت مصادر سياسية مُقرّبة من " الوطني الحرّ" على انقسام "التيار" على نفسه حول المقاومة المتمثلة بـ "حزب الله"، مشيرة الى عدّة عوامل أدّت تدريجياً الى هذا الخطاب الفاقع من قِبل فريق يميل الى الخطاب المسيحي داخل "التيار"، لذلك تجده اليوم أقرب الى خطاب نائب رئيس "التيار" ناجي حايك منه الى الخطاب المعتدل. ورفضت المصادر تشبيه خطاب "التيار" بخطاب "القوات اللبنانية"، لافتةً الى أن الخلاف مع "الحزب" مبدئي وليس كيديا.
من جهة أخرى، اعتبرت مصادر متابعة للخلاف الحاصل بين "حزب الله" و"الوطني الحرّ" بأنّ الاستنفار بين الطرفين أتى نتيجة تراكم "التخلي" من قِبل "الحزب" في العديد من الملفات، والتي بحسب المصادر تتمثّل بإفشال عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ودعم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ،وملفّ رئاسة الجمهورية ومرشّح "الحزب" سليمان فرنجية. ولفتت المصادر إلى أنّ هذه العناوين العريضة كانت كافية لتوتير العلاقة مع "حزب الله" وتشنّج الخطاب سواء على مستوى قيادات "التيار" او على مستوى القاعدة الجماهيرية.
وعبّرت المصادر عن وجهة نظر مختلفة حول الخلاف القائم، إذ اعتبرت أنّ هذا التضارب السياسي الحاصل اليوم حول الملفات الداخلية لا يجب أن ينعكس على موقف "التيار" من المقاومة، بل كان من الأفضل الركون الى موقف الجنرال ميشال عون خلال حرب 2006، حين قام آنذاك بدعم المقاومة دون قيد أو شرط وهذا ما كان من الطبيعي أن يكون الأمر عليه اليوم في ظلّ مواجهة "حزب الله" لعدوان اسرائيلي مُحتمل على لبنان، لافتةً الى أن "الحزب" لم يكن أمام العديد من الخيارات، وما يقوم به اليوم سيُترجم سياسياً بعد انتهاء المعركة وسيدرك الجميع أنه كان مُلزماً بهذه المعركة للحفاظ على حقوق لبنان وقوّته. وأضافت المصادر: "تنتهي الحرب أولاً بانتصار المقاومة على العدوّ، الامر الذي لا يمكن تحقيقه الا بالتفاف جميع اللبنانيين حولها، ثم نقاوم أي محاولة لحزب الله بالانتصار على أي فريق في الداخل" أو محاولة الاستئثار بالبلد.
ترفض المصادر ما وصفته بالابتزاز السياسي الذي يمارسه رئيس "التيار" جبران باسيل في علاقته مع "حزب الله"، مشيرة إلى أن خطابات باسيل ليست "قطش" إنّما "فكّ وربط" على حدّ تعبيرها، مؤكدة أن أسلوب البازار السياسي "ما بيمشي" مع "الحزب"، وهو لا يعكس أي وجه من وجوه الفكر الوطني الذي لطالما تغنّى به "التيار". وفي سؤال عما إذا كان باسيل يختار شخصية نائبيه بما يتماشى مع طبيعة المرحلة لجهة نوع الخطاب وشكله، تؤكّد المصادر أن هذا الأمر لا شكّ فيه، وتضيف "ها نحن اليوم نقرأ ونسمع خطاب الدكتور ناجي حايك (نائب الرئيس) والذي مهما بلغ من الاستقلالية فهو حتماً لا يتعارض مع الجو الموجود في الهيئة السياسية وعلى ما يبدو يناسب القيادة التي لم تُبد أي انزعاج من سقف خطابه".
وعن موقف رئيس "التيار" جبران باسيل إزاء كل ما يحدث وعمّا إذا كان باستطاعته لجم الخلافات الحاصلة، تُشير المصادر الى أنّ "باسيل" يترك الأمور تأخذ مجراها ولا يضغط على أي طرف بهدف إحداث توازن ما داخل "التيار" يمكّنه من حفظ "خط رجعة" متى لزم الأمر، وهو لا يتدخل إلا في حالات قليلة تستدعي ذلك، وإذا تدخّل فقد يتدخّل، وفقاً للمصادر، لضبط سقف الخطاب الداعم للمقاومة وليس العكس.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: جبران باسیل الوطنی الحر حزب الله الى أن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن دمج حزب الله داخل الجيش اللبناني؟.. محمد مصطفى أبو شامة يجيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال محمد مصطفى أبو شامة مدير المنتدى الاستراتيجي للفكر والحوار، إنّ تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون بشأن مناقشة مسألة نزع سلاح حزب الله بهدوء ومسؤولية، تعكس وجود نية حقيقية لدى الدولة اللبنانية لمعالجة هذا الملف الشائك، مشيرًا، إلى أن الطريق نحو ذلك ليس ممهّدًا على الإطلاق.
وأضاف "أبو شامة"، في تصريحات مع الإعلامية داما الكردي، مقدمة برنامج "مطروح للنقاش"، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أنّ سلاح حزب الله لم يعد مسألة داخلية لبنانية فقط، بل قضية إقليمية ودولية تحظى بمتابعة دقيقة من العديد من الأطراف، وإن كان بعضها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يتعامل معها أحيانًا بسخرية أو استخفاف، بحسب تعبيره.
وتابع، أنّ الرئيس اللبناني يسعى لإيجاد توازن دقيق في معالجة هذا الملف، مشيرًا إلى أن الوضع الراهن لحزب الله يفرض تعاملاً خاصًا، لا سيما بعد التطورات السياسية والعسكرية التي شهدها لبنان والمنطقة، خصوصًا منذ وفاة الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله في فبراير الماضي، معتبرًا، أنّ الحزب في حاجة إلى إعادة تموضع على المستويين السياسي والعسكري، وهو أمر يتطلب، بحسب قوله، وقفة مسؤولة من قيادة الحزب والمجتمع اللبناني برمّته.
وذكر، أن الأرقام المتداولة حول عدد مقاتلي الحزب – والتي تتراوح بين 25 ألفًا إلى 100 ألف – تجعل من الصعب جدًا التعامل مع هذه القوة المسلحة، خاصة إذا ما طُرحت فكرة دمجها داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية، لافتًا، إلى أن هذا المقترح، يبدو صعبًا التحقيق في ظل الخلفية الأيديولوجية للحزب وارتباطه الفكري والديني بإيران، مما يعقّد مسألة إدماجه في كيان وطني موحد.
وأوضح، أنّ تفكيك ترسانة حزب الله أو دمجه في مؤسسات الدولة لن يكون أمرًا بسيطًا، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة عن الوضع الحالي.
وأكد، أن الرئيس اللبناني يدرك صعوبة التحدي، ولهذا يدعو إلى معالجة الملف بحذر وهدوء، دون إثارة صراعات داخلية قد تفاقم من تعقيد المشهد اللبناني.
وشدد، على أنّ التحدي الأكبر لا يكمن فقط في الداخل اللبناني، بل أيضًا في الضغوط الخارجية، مؤكدًا أن المجتمع الدولي، وخصوصًا إسرائيل، لن تمنح لبنان الفرصة الكافية لتفكيك حزب الله بمرونة أو وفق إيقاع لبناني داخلي.
https://www.youtube.com/watch?v=BtUxgv8Zpls