لأوّل مرة منذ تأسيسه عام 2002 يتلقّى حزب العدالة والتنمية أول هزيمة انتخابية، بعد أن أفصحت النتائج الأولية للانتخابات البلدية عن تقدّم حزب الشعب الجمهوري بحوالي اثنين في المئة. وخسارة الحزب الحاكم للعديد من معاقله التقليدية في الأناضول، والتي دعمت فوز أردوغان بالرئاسة قبل أقل من عام.

الأمر الذي فتح الباب واسعًا للحديث عن الأسباب التي أدّت إلى تلك الهزيمة القاسية.

الحديث امتد أيضًا إلى توقعات السياسة التركية خلال الفترة المقبلة، ومدى إمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة. كذلك إلى مستقبل حزب العدالة والتنمية، وهل سيتمكن من إجراء عملية تحديث قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2028؟

أسباب الهزيمة

تعددت الأسباب التي أدت إلى إلحاق الهزيمة بحزب العدالة والتنمية، وأبرزها التالي:

أولًا: العامل الاقتصادي، حيث شكلت السياسات التي تم اعتمادها عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، خيبة أمل كبيرة لدى المواطنين؛ بسبب ارتفاع نسب التضخم، وسعر الفائدة، مع تراجع سعر العملة الوطنية. ما أدى إلى زيادة كلفة الحياة على المواطنين، رغم الزيادات الكبيرة التي طالت الحد الأدنى، ومرتبات الموظفين الحكوميين، لكنها تبخّرت؛ بسبب التضخم المتصاعد، الذي شبّهه أردوغان قبل أيام بالثَقب الأسود الذي يمتصُّ أي تحسينات في الأجور.

ورغم أن هناك وعودًا ببدء انخفاض التضخم في النصف الثاني من العام الحالي، وفق المخطط الاقتصادي الذي يتبناه ويشرف على تنفيذه، وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، فإن الناخب قرر أن يعاقب الحزب الحاكم في صندوق الاقتراع.

وبالرغم من ذلك فإن أردوغان لن يتراجع عن تنفيذ المخطط، ففي كلمته التي اعتاد إلقاءها من شرفة المركز العام لحزب العدالة والتنمية بأنقرة مساء يوم الانتخابات، أكد أن حكومته ستواصل تنفيذ برنامجها الاقتصادي، وتجنب الخطوات الشعبوية، والتركيز على خفض التضخم مع عودة البلاد إلى وضعها الطبيعي. ما يعني بعبارة أخرى، تجديد الثقة في الوزير شيمشك وسياساته الاقتصادية.

إذ يأمل أردوغان أن تؤتي الخطة الاقتصادية أكلها، خلال السنوات الأربع المتبقية على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة 2028.

ثانيًا: المقاطعة الجماهيرية الواسعة للانتخابات، إذ بلغت نسبة التصويت حوالي 78.3% في مقابل 84.7%.

هذه المقاطعة أدت إلى خسائر فداحة لحزب العدالة والتنمية، إذ تعكس الأرقام الأولية عزوفًا كبيرًا من قاعدته الانتخابية عن التصويت، ما أدّى إلى خسارته حوالي 9 %، مقارنة بانتخابات 2019.

هذه المقاطعة تنوّعت أسبابها، ما بين اقتصادية، وخاصة من المتقاعدين الذين يبلغ عددهم حوالي 16 مليون متقاعد، وأبدوا في وقت سابق من هذا العام غضبهم لعدم رفع الحد الأدنى لمعاشاتهم التقاعدية أسوة بالموظفين الحكوميين، لكن لم تستجب لهم الحكومة. وهناك أسباب حزبية تتعلق بعدم رضا القاعدة الانتخابية عن بعض المرشحين.

ومع تنوع أسباب المقاطعة، يبقى أن ثمة قطاعًا واسعًا من ناخبي الحزب اختاروا معاقبته بشكل سلبي، إذ يدرك الناخب أنه في مقابل كل صوت مقاطع، سيكون هناك صوت آخر مشارك بقوة لصالح المعارضة.

ثالثًا: الالتزام الأيديولوجي الحاد من جمهور حزب الشعب الجمهوري، والذي أثبت أن انتماءه لمبادئ الحزب العلمانية أقوى من اهتمامه بالجانب الخدمي الذي تضطلع به البلديات.

ففي إزمير، معقل حزب الشعب والتي توصف بـ "قلعة العلمانية"، تراجعت الخدمات داخل المدينة، إضافة إلى اهتراء بنيتها التحتية، ومعاناة مواطنيها تحت رئاسات حزب الشعب الجمهوري المتعاقبة لبلديتها، وهو وضع كان كفيلًا بتغيير اختيارات الناخبين صوب حزب آخر، لكنهم اختاروا التصويت المكثف لصالح مرشح حزب الشعب، ولم يترددوا في منحه فوزًا مريحًا وكبيرًا على مرشح حزب العدالة والتنمية؛ بسبب البعد الأيديولوجي.

وفي إسطنبول حيث فاز أكرم إمام أوغلو بفارق يصل إلى 11 % عن مرشح حزب العدالة والتنمية، مراد كوروم، يبدو البعد الأيدلويوجي واضحًا، فالرجل لم يقدم على مدار 5 سنوات- هي مدة ولايته الأولى- شيئًا يذكر للمدينة، وعجز عن تنفيذ وعوده الانتخابية السابقة، إضافة إلى تفاقم أزمات المواصلات والمرور والنظافة، لكنه يملك كتلة أيديولوجية صلبة ترى فيه أملًا لإمكانية الفوز بانتخابات 2028 الرئاسية، وإنهاء قرابة ربع قرن من حكم "الإسلاميين" المحافظين.

رابعًا: نجاح التحالفات التي عقدها أكرم إمام أوغلو مع حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" الكردي اليساري، حيث تحاشى عقد تحالف صريح معه ليتجنّب أخطاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، نظرًا لعلاقة الحزب مع حزب العمّال الكردستاني المحظور.

لذا دفع الحزب "الكردي" بمرشح صوري على رئاسة البلدية، فيما كانت التعليمات المشددة لقاعدته الانتخابية بالتصويت لإمام أوغلو، وهذا ما أكدته مرشحة الحزب في إسطنبول، ميرال دانيش بشتاش، حيث قالت: "يجب ألا يغترّ أكرم إمام أوغلو بفوزه، ويتوهّم بأن الأصوات التي نالها هي من حزبه فقط. ناخبو حزبنا أيضًا صوتوا له بهدف تأمين خسارة حزب العدالة والتنمية".

في المقابل لم يلعب حزب الحركة القومية، الحليف في تحالف الجمهور، الدور المأمول في الحشد وصناعة الفارق، بل تعرض هو الآخر لهزيمة قاسية، بحصوله على أقل من 5 %، في مقابل 7.31٪ في انتخابات 2019.

خامسًا: بروز حزب "الرفاه من جديد" بقوة، والذي يعد أكبر الفائزين في هذه الانتخابات، إذ حلَّ ثالثًا بأكثر من 6 %.

فخلفية الحزب "الإسلامية" – وتولّي قيادته فاتح نجل الراحل الكبير نجم الدين أربكان، مؤسس حركة الرؤية الوطنية "المللي غوروش" – جعلته ملاذًا تصويتيًا آمنًا للغاضبين من حزب العدالة والتنمية، مما ممكنه من انتزاع رئاسة بلدية شانلي أورفا، إضافة إلى ما مجموعه ستون بلدية فرعية وقضاء.

الأسباب التي مكنت الحزب من تحقيق هذا الانتصار متعددة، لعل أبرزها خطاب الحزب الحاد في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومطالبته بإصلاح تشريعي ناجز فيما يخص قضايا تمس المرأة والأسرة يرى الحزب أنها أدت إلى إضعاف دور الأسرة، وظلم الرجل، فضلًا عن مخالفتها الشريعة.

هذا الخطاب المرتفع أدى إلى تفوق الحزب على الحزبين اللذين خرجا من رحم العدالة والتنمية، وهما حزب المستقبل الذي يرأسه أحمد داود أوغلو، والذي حصل على أقل من واحد في المئة، وحزب التقدم والتغيير "ديفا" الذي يرأسه علي بابا جان، الذي حصل على أقل من نصف في المئة! ونجح في استقطاب شريحة لا بأس بها من المحافظين.

هل تشهد تركيا انتخابات مبكرة؟

نتائج الانتخابات دفعت البعض للحديث عن إمكانية الذهاب خلال الفترة المقبلة إلى انتخابات مبكرة.

وفي تقديري أن مثل هذه السرديات، تجافي الواقع، فالدستور التركي حدد آلية الانتخابات المبكرة، ولا توجد أي علاقة بينها وبين الانتخابات البلدية، والجهتان اللتان تملكان هذا الحق بشروط وآليات معينة، هما رئيس الدولة والبرلمان.

كما أنه من مصلحة المعارضة الانتظار حتى انتهاء ولاية الرئيس أردوغان في 2028، إذ لا يحق له الترشح حينئذ، لاستنفاده المدتين المنصوص عليهما دستوريًا، أما الانتخابات المبكرة فتعطيه الحق للترشح مجددًا.

في هذا الإطار، فإن أردوغان في كلمته المسائية عقب ظهور النتائج الأولية، استبعد ضمنيًا فكرة الانتخابات المبكرة، حيث أكد أنه سيقضي السنوات الأربع المتبقية لإصلاح الأخطاء التي أبرزتها النتائج، خاصة داخل الحزب، والذي من المفترض أن يشهد تطويرًا كبيرًا على مستوى القيادات أو الأفكار، وتطوير أساليب الاتصال الجماهيري التي يبدو أنها ضعفت بشدة مع طول المكوث في الحكم. كذلك فإن تلك السنوات ستكون فرصة لظهور آثار الإصلاح الاقتصادي.

انتصار الديمقراطية

رغم خسارة الحزب الحاكم، فإن التجربة الديمقراطية خرجت فائزة.

حيث أشرف رئيس الدولة وحكومته على الانتخابات بكل شفافية وانضباط، لتفوز بها المعارضة في النهاية.

كما جرت الانتخابات كالعادة بكل سلاسة وهدوء، إذ أدلى أكثر من 45 مليون ناخب بأصواتهم، وأغلقت اللجان في مواعيدها، وتم فرز الأصوات، ثم أعلنت النتائج الأولية، ولم تكن ثمة شكوى من تزوير أو تلاعب أو تضييق على المعارضة.

وفي ختام اليوم، توالت الكلمات من أردوغان وزعماء المعارضة، تقرّ بصحة الانتخابات واحترام نتائجها. مؤكدة أن الفائز في الانتخابات، هي الديمقراطية التركية وإرادة شعبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الانتخابات الرئاسیة والبرلمانیة حزب العدالة والتنمیة حزب الشعب أقل من

إقرأ أيضاً:

هزيمة الدعم السريع .. دلالات ومعانٍ

تثير التطورات الأخيرة تساؤلات حول ما إذا كانت مليشيا الدعم السريع تواجه انهيارًا فعليًا، أم أنها تمر بمرحلة إعادة تموضع وتغيير إستراتيجي.

⬅️تشير تقارير إلى مواجهة القوات صعوبات لوجيستية كبيرة، بما في ذلك خسائر فادحة في الأرواح وفي الإمدادات والعتاد. وقد تعرضت لضربات موجعة منها ضرب مخازن الذخيرة في ولايات مختلفة، وتآكل شرعيتها؛ بسبب اتهامات بارتكاب جرائم حرب صدرت بحقها تقارير أممية وإدانات دولية، بالإضافة إلى تراجع الدعم الإقليمي نسبيًا، نتيجة للضغوط الدولية.
رغم ذلك، تحتفظ المليشيا بسبب هذا الدعم لا سيما الدعم اللوجيستي من تشاد بقدرة على المناورة والقتال في مناطق متاخمة لها من دارفور، ولم تُهزم بشكل حاسم، مما يجعل الحديث عن انهيار كامل ربما سابقًا لأوانه. لكن الذي يمكن تأكيده هو أنها تمرّ بمرحلة ضعف إستراتيجي قد تؤدي إلى تفككها أو تحوّلها إلى حرب عصابات.

ولذلك من المرجح أن تعمد المليشيا إلى تكتيك حرب عصابات طويلة الأمد كخيار يائس، مستفيدة من تحالفاتها القبلية وخبرتها في القتال بمعاقلها التقليدية في دارفور. خاصة إذا ما حافظت على مصادر تمويلها المتنوعة، والتي تشمل شبكات تجارية وتهريب الذهب
في المحصلة، قد يكون السيناريو الأقرب هو تحولها إلى حركة تمرد غير مركزية، تشبه تجارب بعض المليشيات في أفريقيا، بدلًا من بقائها كيانًا عسكريًا موحدًا.

وتعوِّل المليشيا على أن انتصارات الجيش انتصارات ظرفية ناتجة عن عوامل تكتيكية أو تغيرات في موازين القوى المحلية. ومع ذلك، فإن استعادة الجيش مواقع إستراتيجية في العاصمة الخرطوم، تعكس بدون شك تفوقًا إستراتيجيًا في قدراته العسكرية.

⬅️إذ يمثل تحرير القصر الجمهوريّ والوزارات السيادية في العاصمة أكثر من مجرد انتصار عسكري، إذ يحمل بعدًا رمزيًا وسياسيًا مهمًا، كونه يعيد تأكيد سلطة الدولة المركزية.
هذه الخطوة تمنحُ الجيش سيطرة على المؤسسات السيادية، ما يمكّنه من استئناف بعض المهام الإدارية والسياسية، حتى وإن كانت محدودة في البداية.

كما أن لهذا التطور تأثيرًا معنويًا، حيث يرفع من الروح القتالية للجيش، بينما يضعف معنويات قوات الدعم السريع. علاوة على ذلك، فإن السيطرة على هذه المقرّات قد تهيئ الظروف لعودة المؤسسات الحكومية إلى العمل بشكل تدريجي في العاصمة.
بيدَ أنه يبقى تحقيق الاستقرار الحقيقي مطلبًا يتطلب عملية سياسية شاملة تجمع جميع الأطراف، لتأسيس حكم رشيد ومستقبل مستقر للسودان.

وهناك تساؤلات جوهرية حول شكل الحكم المستقبلي، وسبل تحقيق المصالحة الوطنية، ومدى قدرة الجيش على إدارة إجماع سياسي يفضي إلى استقرار مستدام.
في سياق النظر إلى فترة ما بعد انتهاء الحرب، ومرحلة بناء السلام في البلاد يطرح مراقبون سياسيون تساؤلات حول خيارات التفاوض المتاحة لمليشيا الدعم السريع في حال تسليمها الكامل بالهزيمة.

لكن من الضروري التأكيد على أن تحديد هذه الخيارات بشكل قاطع أمر صعب، نظرًا لاعتماده على عدة عوامل متغيرة على أرض الواقع. ومع ذلك، يمكن تحليل السيناريوهات المحتملة والخيارات التي قد تلجأ إليها هذه المليشيا في مثل هذه الظروف، مع الأخذ في الاعتبار أن مفهوم “الهزيمة” نفسه قد يكون نسبيًا، ويتفاوت في تعريفه وتأثيره.

بشكل عام، يعني التفاوض من منطلق الهزيمة أن مليشيا الدعم السريع لم تعد في موقع قوة يمكنها من خلاله فرض شروطها، بل أصبحت في موقف أضعف كثيرًا.
هذا الوضع قد يدفعهم إلى التفاوض بهدف تحقيق عدة أهداف رئيسية، تشمل السعي لإنهاء القتال، وتقليل الخسائر في الأرواح والمعدات، ومحاولة الحفاظ على سيطرتهم على بعض المناطق أو على قواتهم ككيان، والتفاوض على شروط استسلام أو انسحاب آمن لقواتهم، والسعي للحصول على ضمانات بعدم ملاحقة قادتهم، ومحاولة الحصول على بعض المكاسب السياسية أو الأمنية حتى في ظل الهزيمة.

⭕بناءً على هذه الأهداف، يمكن أن تشمل الخيارات المطروحة للمليشيا ما يلي:
✅المفاوضات المباشرة مع الجيش السوداني، والتي قد تتضمن الاستسلام بشروط محددة كتسليم الأسلحة، وتحديد مصير فلول قواتهم، وتقديم ضمانات لبعض الأفراد، أو التفاوض على وقف إطلاق النار، وانسحاب قواتهم من بعض المناطق، مقابل الحصول على ضمانات بعدم التعرُّض لهم، أو محاولة التفاوض على دور سياسيّ أو أمني محدود في المستقبل بشروط أقل تفضيلًا من تلك التي كانوا يطالبون بها في بداية الصراع.

✅كما يمكنهم اللجوء إلى المفاوضات بوساطة خارجية عبر جهات دولية أو إقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي، أو الأمم المتحدة، أو دول الجوار، مما قد يوفر لهم بعضَ الحماية أو هامشًا أكبر للمناورة، أو السعي للحصول على ضمانات من المجتمع الدولي بشأن سلامة قواتهم أو قادتهم كجزء من أي اتفاق.

✅وقد يلجؤُون أيضًا إلى تغيير التحالفات، أو البحث عن دعم جديد من قوى إقليمية أو دولية أخرى قد تكون لديها مصالح في المنطقة، على أمل تغيير ميزان القوى، أو التفكير في الانضمام إلى تحالفات عسكرية أو سياسية أخرى للحفاظ على وجودهم، أو تحقيق بعض أهدافهم.
????كل هذه الخيارات مرهونة بموافقة الجيش ومدى تقديره لموقفه كطرف منتصر ومدى استعداده للدخول في مواجهة حرب عصابات ضد المليشيا في مناطق دارفور المختلفة.
وفي سياق ما بعد الحرب يبرز سؤال مهم وهو

هل من مخرج سياسي لـ(حميدتي)؟
إذ إن المخرج السياسي لحميدتي يزداد تعقيديًا مع استمرار توالي هزائم قواته وتصاعد الاتهامات الموجهة إليه بارتكاب جرائم حرب، مما يضيق خياراته بشكل كبير.
فالجيش السوداني والقوى السياسية المدنية تصر على ضرورة تنحيه عن السلطة ومحاسبته على أفعاله، مما يجعل أي حل تفاوضي يتطلب تنازلات كبيرة منه.
ومع ذلك، لا يبدو في الأفق أي مخرج سياسي في أفق الظروف الحالية، حيث يفضل الجيش وحلفاؤه تصفية نفوذه بشكل نهائي. فمن بين التحديات الرئيسية التي تواجه حميدتي ملفاته الجنائية، حيث إنه غدا مطلوبًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم في دارفور، بالإضافة إلى الرفض الشعبي الواسع لإدراجه في أي تسوية سياسية.

ورغم ذلك، تبقى هناك بعض السيناريوهات المحتملة، وإن كانت معقدة، فقد يلجأ إلى التفاوض عبر وسطاء إقليميين لضمان منفى آمن مقابل انسحاب تدريجي لقواته، على غرار ما حدث مع بعض قادة الحروب في إفريقيا. لكن يبقى السؤال حول أي دولة ستوافق على استضافته في ظل هذه الظروف.
التحديات والدروس المستفادة
تشهد البلاد في أعقاب هذه الحرب القاسية تحدياتٍ أمنيةً واقتصادية بالغة التعقيد، تتطلب معالجة شاملة ومستدامة لتحقيق الاستقرار والتعافي.
من أبرز هذه التّحديات وأكثرها إلحاحًا تحديان هما:
تفكيك الشبكات المتبقية التي خلفتها الحرب، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني الذي تضرر بشدة.
إن تفكيك الشبكات الأمنية المتبقية وإعادة بناء الاقتصاد يمثلان تحديَين مترابطين ومتشابكين في السودان. يتطلب الأمر رؤية شاملة وإستراتيجية متكاملة لمعالجة هذه القضايا بشكل فعال.

يجب أن تركز الجهود على تحقيق الاستقرار الأمني، وبناء مؤسسات قوية، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، وتعزيز المصالحة الوطنية لتحقيق تعافٍ مستدام وسلام دائم.

ومن التحديات الأمنية؛ أن انتشار الأسلحة بين المدنيين والمقاتلين السابقين يشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا، حيث يمكن استخدامها في أعمال عنف وجرائم. وقد تتشكل أو تتطوّر مليشيات قبلية مسلحة، مما يزيد من احتمالية الصراعات القبلية والنزاعات على الموارد.
وتواجه عمليّة تفكيك الشبكات المسلحة في السودان تحديات معقدة تتمثل في صعوبة تحديد مواقعها نظرًا لاختبائها في مناطق نائية أو معزولة، إضافة إلى تعقيدات تحديد هويات الأفراد بين مقاتلين ومدنيين أو تمييز الانتماءات التنظيمية.

كما يعاني الجيش والأجهزة الأمنية من نقص في الموارد والقدرات اللازمة لمكافحة هذه الشبكات بشكل فعال، بينما تزيد احتمالية مواجهة مقاومة مسلحة من هذه المجموعات من مخاطر تصاعد العنف.

ويتطلب النجاح في هذه المهمة اعتماد نهج متكامل يجمع بين العمليات العسكرية وبرامج إعادة الدمج والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الشبكات العابرة للحدود.
إن تجربة الحرب تذكير مؤلم بالأبعاد المدمرة للصراعات المسلحة وأهمية العمل على تجنبها في المستقبل.

يمكن استخلاص العديد من الدروس الهامة من هذه التجربة: إذ إن بناء مؤسسات قوية وفعالة هو أساس تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة. وبناءً على الظروف الراهنة، هناك احتمال قائم لتكرار أزمات مماثلة في السودان، أو في مناطق أخرى من العالم.

تساهم عدة عوامل في هذا الاحتمال، من بينها عدم معالجة جذور المشاكل التي أدت إلى الصراع في السودان، مثل التدخلات الخارجية التي تفتقر إلى المسؤولية قد تؤدي إلى تفاقم الصراعات وزعزعة الاستقرار. كما أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، مثل الفقر والبطالة، يمكن أن تزيد من التوترات الاجتماعية واحتمالية اندلاع العنف.

لتجنب تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل، يجب العمل على تعزيز مبادئ الحكم الرشيد والعدالة والمساواة، ودعم الحوار والمفاوضات الشاملة بين جميع الأطراف المعنية.
كما يجب معالجة الأسباب الأساسية للصراع من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والامتناع عن أي تدخلات خارجية قد تؤدي إلى تفاقم الصراع

د.ياسر محجوب حسين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أردوغان يشارك في وداع صديقه “بورهان أبيش”
  • من هو حسن علي بدير الذي استهدفه الاحتلال الإسرائيلي في غارة على الضاحية الجنوبية في بيروت؟
  • «البلديات والنقل» تواصل تنفيذ مسارات الدراجات الهوائية في جزيرة أبوظبي
  • هزيمة الدعم السريع .. دلالات ومعانٍ
  • نائب أردوغان يشن هجوماً لاذعاً على إسرائيل.. ما الذي يحدث؟
  • تطور تاريخي في العلاقات السياسية التركية
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • قراءة في خطاب حميدتي
  • “إرهاب الشوارع لن يخفي فساد البلديات”.. أردوغان يكشف الخطط القادمة
  • بعد «الإساءة لشخص الرئيس».. السلطات التركية تعتقل صحفي من السويد