الجديد برس:

لم يكن الغرب يعرف الكثير عن حركة «أنصار الله»، قبل الحرب على قطاع غزة، رغم أن اليمن يتعرّض لحرب منذ أكثر من تسع سنوات، وأن عدوان «التحالف العربي» عليه جاء بقرار غربي، وأن استمرار الحرب حتى الآن سببه العراقيل التي تضعها واشنطن.

بعد «طوفان الأقصى»، تبدّل المشهد كلياً، فالحركة باتت تتصدّر المشهد، وعزّز انخراطها في معركة نصرة قطاع غزة مكانتها لدى قطاع شعبي واسع في الغرب، حيث خرج متظاهرون في مدن مثل واشنطن ولندن ونيويورك، دعماً للهجمات التي تشنّها صنعاء ضد السفن الإسرائيلية.

ونجح الجانب اليمني، رغم إمكاناته الإعلامية البسيطة، في طرح مشروعية تدخله في دعم القضية الفلسطينية، بعدما ظهر، في بداية الحرب، أن الغرب، وخصوصاً إمبراطورياته الإعلامية الضخمة، لم يكن يحسب أي حساب لقوى هذا البلد العسكرية، ولا لقدراته الإعلامية على اختراق المجتمع الغربي وإيصال الحقيقة كما هي على أرض الواقع، وتبيان مظلومية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة.

ويمكن اعتبار مقابلة عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، مع قناة «بي بي سي»، في بداية انخراط اليمن في الدفاع عن غزة، فاتحة اختراق صنعاء للمنافذ الإعلامية للعالم الغربي.

حينها، كان الإعلام الغربي مزهواً بتفوّقه التاريخي على العرب، والطبيعي، وفقاً لأجندته، أن يسأل الضيف اليمني: «ما شأنكم أنتم حتى تتدخّلوا في صراع لا دخل لكم به؟».

ولم يكن أي إعلامي غربي يتوقّع الجرأة التي اتّسم بها رد الحوثي الصاعق حين تساءل: «وهل بايدن جار لنتنياهو؟ هل يعيشون في شقة واحدة؟ هل يعيش الرئيس الفرنسي أيضاً في الطابق نفسه، بينما يعيش رئيس الوزراء البريطاني في المبنى نفسه؟».

كذلك، كان نشر مقاطع فيديو عالية الجودة للحظة السيطرة على السفينة الإسرائيلية «غالاكسي ليدر» نهاية العام الماضي بطريقة لم تُعهد في أي من الحروب مع إسرائيل، حيث ظهر جنود البحرية اليمنية وهم يهبطون من مروحية عسكرية، مثار إعجاب لكل المتألمين من آلة الحرب الإسرائيلية والأمريكية.

وقد انتشر المقطع على نطاق واسع، فضلاً عن أن زيارات القيادات اليمنية وأبناء الشرائح المجتمعية والنخبوية للسفينة المحتجزة أدت إلى إبراز القوة والاقتدار اليمنيين.

أيضاً، توقّفت مجلة «فورين بوليسي» عند قدرة «أنصار الله» على تقديم محتوى باللغة الإنكليزية لإشراك الجماهير الغربية، وخاصة في ما يتعلق بغزة.

ورصدت المجلة كيف لجأ المسؤولون اليمنيون إلى نشر البيانات الرسمية باللغة الإنكليزية بدلاً من العربية لزيادة انتشارهم. وقال أحد الباحثين فيها إن «جهود الحوثيين في هذا المجال تعكس مدى أهمية قنوات التواصل الاجتماعي لكسب الرأي العام العالمي».

ما يقلق الغرب نجاح اليمن في التعريف بحقيقة كون شعبه في طليعة المناصرين للقضية الفلسطينية

هكذا، تغيّرت النظرة إلى اليمن خلال مدة وجيزة، وانتقلت من الاستخفاف واللامبالاة إلى الحذر والترقّب. وفي هذا السياق، نقلت مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن خبير الأمن البحري، إيان رالبي، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة «آي آر كونسيليوم» الاستشارية، قوله إنه في ضوء الهجمات التي تم الإبلاغ عنها في الأشهر الأخيرة ضد السفن البعيدة عن اليمن مثل ساحل الهند، «علينا أن نكون مستعدين لهم».

وفي الوقت نفسه، حذّر رالبي من أن توسيع العمليات العسكرية الأمريكية ضد «أنصار الله» قد يؤدي إلى تغذية شعورهم بالأهمية الذاتية على المسرح العالمي.

والاحتجاجات الجماهيرية الواسعة التي تخرج كل يوم جمعة في صنعاء وبقية المدن، أُدرجت في قائمة الظواهر المطلوب درسها باعتبار الزخم الجماهيري متّكأً لقيادة صنعاء.

وما يقلق الغرب أيضاً نجاح وسائل الإعلام اليمنية في التعريف بحقيقة أن الشعب اليمني في طليعة الشعوب المناصرة للقضية الفلسطينية.

وفي هذا السياق، تنقل مجلة «فورين بوليسي» عن خبراء قولهم إن حركة «أنصار الله» نجحت في تصوير هجماتها على أنها مصدر فخر للشعوب العربية، والاستفادة من ذلك في توسيع نفوذها المحلي إلى حد كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتضيف المجلة أنه حتى وقت قريب، لم يكن لرسالة الحركة صدى خارج حدود اليمن، وهذا ينطبق على شعار «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل» الذي تمت الاستهانة به من قبل خصومها الذين كانوا يعتبرونه «غريباً وكوميدياً في الوقت نفسه»، ليتبين لاحقاً أن ذلك الشعار كان حلم «أنصار الله» في محاربة الأمريكيين والإسرائيليين، وقد تحقّق وأصبح واقعاً.

الحسابات الغربية لا تتوقف عند هذا الحد، بل ثمة مخاوف أخرى يجري تداولها تتمحور حول أن هجمات «أنصار الله» باتت موضع فخر واستلهام لدى كثير من الشعوب الحيّة والحرّة، ويمكن أن تؤدي إلى نسخ التجربة في أماكن أخرى باعتبار ذلك مدخلاً إلى المسرح العالمي.

وينصح الخبراء الإدارة الأمريكية بوضع إستراتيجية جديدة لمواجهة حركة «أنصار الله» بطريقة فعالة، وقد لا يكون ذلك عبر المواجهة المباشرة، إذ إن الحرب على اليمن تصب في نتيجتها في مصلحة الحركة. ويقول هؤلاء إنه يتعين على الإدارة الأمريكية إيجاد طريقة لإخراج نفسها من هذا الوضع.

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: أنصار الله لم یکن

إقرأ أيضاً:

شرعنة الانقلاب و تأثيرها على الديموقراطية (1/2)

بقلم:. د. محمد حمد مفرح

بالرغم من اسهامات علماء المسلمين المقدرة في مجال التشريع الاسلامي ذي الصلة بنظام الحكم، الا انهم لم يقوموا بابتداع نظام حكم
متكامل يقوم على الشريعة و معطيات العصر، موفقا بين الأصل و العصر عبر التقيد بالقطعي الورود من الدين الاسلامي كالشعائر، مع الاجتهاد في ما عدا ذلك من مستجدات. و يستلزم هذا النظام، بطبيعة الحال، الاستناد الى الشريعة الاسلامية باعتبارها تدعو الى و تعبر عن قيم الدين مثل الحرية Freedom و العدالة Justice و السلام Peace، كأساسيات لا بد منها لارساء دعائم الاستقرار و التنمية والرفاه، كما يتعين عليه مخاطبة كل المستجدات الناتجة عن حضارة العصر الحالي من جميع مناحيها، و ذلك بالاستعانة بالخبراء في المجالات المختلفة. و من المؤكد انهم، أي علماء المسلمين، لو فعلوا ذلك و بشروا به على المستوى الدولي لتصدرت الشريعة انظمة الحكم الأخرى و لكان لذلك مردودات ايجابية كبيرة على مستوى عالمنا الاسلامي.
و في ظل عدم توافر نظام حكم اسلامي وفقا للتوصيف انف الذكر، فقد تسيدت الديموقراطية، كنظام حكم، انظمة الحكم الأخرى. و بذا فقد غدت توجها عالميا انتظم الكثير من دول العالم غربا و شرقا و عمل على احداث تحولات اجتماعية و سياسية و اقتصادية ايجابية كبيرة في هذه الدول. لذا فقد قطعت الدول التي طبقت نظام الحكم الديموقراطي اشواطا حضارية جد بعيدة نقلتها الى افاق النهضة و التطور الحقيقيين. و كان لطبيعة الديموقراطية القائمة على الحرية و العدالة و المساءلة Accountability و الشفافيةTransparency و كل ما هو ضروري لارساء دعائم الاستقرار، كان لها القدح المعلى في استشراف الدول المشار إليها افاق النهضة و الرفاه.
و نظرا لالتقاء الديموقراطية مع الشريعة في قيام كليهما على قيم الحرية و العدل و المساءلة بناء على اقرار الحقوق و الواجبات للمواطن، و استهداف سعادة الانسان و رفاهه، مع تفوق الشريعة، بطبيعة الحال، على الديموقراطية في الكثير من المناحي كونها (الشريعة) تعد ذات بعد اخروى، نظرا لذلك يمكن، في غياب نظام الحكم انف الذكر، اعتماد الديموقراطية كنظام حكم في العالم الاسلامي. غير ان من الضروري استلهام الديموقراطية لروح الدين مع اخضاعها لواقع الدول و تأصيلها، و ذلك حرصا على مخاطبتها لواقع دولنا الاسلامية و عدم اصطدامها بقيم الدين و الاصول المرعية بهذه الدول. و هذا يحتم، بالقطع، عدم التقيد الحرفي بالديموقراطية كمنتوج فكري غربي (ديموقراطية ويستمنستر) Westminister Democracy بل تأصيلها بما يتماشى مع قيم ديننا و مجتمعاتنا. بمعنى اخر يمكن أن يتم ابتداع نظام حكم ديموقراطي Democratic rule يناسب واقع الدول الاسلامية الحضاري و يتناغم مع قيمها و أصولها مع تلبيته لحاجات الشعوب المتحركة في عالم سريع التطور.
و تأتي أهمية ابتداع نظام الحكم الديموقراطي هذا من حتمية تمسكنا بقيم الدين مع اخضاع العديد من المسائل الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية و الفكرية و الثقافية التي تفرضها ضرورات الحياة و تعاملاتها، الى الاجتهاد المؤطر بالدين. و لا شك في ان قيم الدين التي يعبر عنها الكتاب و السنة تمثل معينا قيميا لا ينضب، يحتاج الى البحث ليتم استيعابه في التشريعات و القوانين. كما ان ثمة حاجة للالمام بالمستجدات العصرية في كل المجالات و اسنيعاب التشريع لها.
و إذا كانت الدول غير الاسلامية التي طبقت و تطبق الديموقراطية حريصة على قيم الحرية والعدل و السلام كممسكات للاستقرار و رفاه الشعوب Welfare of nations فمن باب أولى ان تحرص الدول الاسلامية على هذه القيم التي سبق ديننا الاسلامي كل المعتقدات لها. و تبعا لذلك فليس من الدين في شيء الالتفافOutflanking على هذه القيم بشتى الأساليب و ذلك في مسعى مكشوف لتحييدها من اهدافها و مقاصدها، تحت أي دعاوي كانت. و بالقطع فان التذرع بأي دعاوى او مبررات تتقاطع مع الدين و لا تتسق مع قيمه يصادم مقاصد الدين و يفضح أهداف الحكم المعني خاصة إذا كان هذا الحكم ينتهج الاسلام، وفقا لبرنامجه و فكره المعلن.

mohammedhamad11960@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • "أنصار الله" تستهدف "مقاتلة أمريكية" بصواريخ "سام"
  • "أنصار الله" تستهدف مقاتلة ومسيّرة أمريكية بصواريخ "سام"
  • مخاوف من تعطيل نتنياهو الإفراج عن الدفعة السابعة من الأسرى
  • شرعنة الانقلاب و تأثيرها على الديموقراطية (1/2)
  • مخاوف من الاغتيالات
  • لبنان.. مخاوف أمنية وإجراءات مشددة لتشييع جنازة حسن نصر الله
  • مخاوف سياسية في ألمانيا من تنامي التيارات اليمينية المتطرفة
  • نائب أمير الشرقية: "يوم التأسيس" شاهد على مسيرة وطن عظيم
  • نصيحة لوجه الله للجنرال البرهان وكل عاقل في صفوف الجيش السوداني من غير عضوية الحركة الاسلامية
  • اليمن.. سِــرُّ الصمود والوفاء