يعد اعتكاف المرأة في البيت من الأمور التي يكثر البحث عنها، خاصة مع العشر الأواخر من رمضان، فما حكم اعتكاف المرأة في البيت، وما هي مدته وهل يشترط  تواجدها بالمسجد لصحته؟

اعتكاف المرأة في البيت

قالت دار الإفتاء في بيان حكم اعتكاف المرأة في البيت أن الاعتكاف لا يكون إلَّا في المسجد؛ لأن العكوف إنما أُضيف إلى المساجدِ لأنها من شرطه، كما سبق بيانه؛ ويُحمل قول مَن أجاز للمرأة الاعتكاف في بيتها على قصد حصول الثواب لها، فيما تطلعتْ إليه نفسها من الطاعة، وليس حصول الاعتكاف بمعناه الشرعي، وهذا كله مع مراعاة ترتيب الأولويات حتى تعمَّ السعادة والطاعة لله تعالى، فقيام المرأة بواجباتها هو امتثالٌ لأمر الله تعالى وطاعته في المقام الأول حتى تنال أجر ذلك كله.

هل يجوز قطع الاعتكاف والعودة مرة أخرى؟.. أحمد عمر هاشم يرد.. فيديو هل جماع الزوجة أو تقبيلها يفسد الاعتكاف أم ينقص الثواب.. الإفتاء تجيب اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة

اختلف الفقهاء في اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة ؛ فيرى جمهور الفقهاء أنَّ المرأة كالرَّجُل في اشتراط المسجد لصحة اعتكافها، وذلك على صفة المسجد التي تتحقق بإقامة الصلوات الخمس فيه؛ مع الاتفاق على أفضلية المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة.

واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187].

وبما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يعتكفَ، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبيةٌ: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، رضي الله عنهن، فقال: «آلبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟!» ثم انصرف، فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال" متفق عليه.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (8/ 68، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذه الأحاديث: أن الاعتكاف لا يصحُّ إلا في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة، لا سيما النساء؛ لأن حاجتهن إليه في البيوت أكثر] اهـ.

وقال العلامة علاء الدين ابن العطار في "العمدة في شرح العدة" (2/ 922-923، ط. دار البشائر الإسلامية): [وفي هذا الحديث أحكام... ومنها: أنَّ الاعتكاف لا يصحُّ إلا في المسجد، وأن كونه فيه شرط لصحَّته؛ حيث اعتكف صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه فيه مع المشقَّة في ملازمته، ومخالفةِ العادة في الاختلاط بالنَّاس، لا سيما النِّساء، فلو جاز الاعتكاف في البيوت لَمَا خولف المقتضى؛ لعدم الاختلاط بالنَّاس في المسجد، وتحمُّل المشقة في الخروج لعوارض الخلقة، وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وداود، والجمهور] اهـ.

وقال الحافظُ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 277، ط. دار المعرفة): [وفيه: أن المسجدَ شرطٌ للاعتكاف؛ لأن النساء شُرع لهنَّ الاحتجاب في البيوت، فلو لم يكن المسجد شرطًا ما وقع ما ذُكِر من الإذن والمنع، ولَاكْتُفِي لهن بالاعتكاف في مساجدِ بيوتهن] اهـ، وبنحوه للحافظ العيني في "عمدة القاري" (11/ 148، ط. دار إحياء التراث العربي).

وروى عمرو بن دينار عن جابر أنه سُئل عن امرأةٍ جعلت عليها أن تعتكف في مسجد بيتها؟ قال: لا يصلح، لِتعتكفْ فِي مسجد؛ كما قال الله: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187] أخرجه أبو بكر الأثرم، كما ذكر الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (3/ 170، ط. مكتبة الغرباء)، وقال عقبه: "وجابرٌ هذا يُحتَمَل أنه جابر بن عبد الله الصحابي رضي الله عنهما، ويحتمل أنه جابر بن زيد أبو الشعثاء التابعي".

نصوص جمهور الفقهاء في هذه المسألة

على ذلك تواردت نصوص جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو المختار للفتوى.

قال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 535، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا تعتكف المرأة في مسجد بيتها، وقاله ابن حنبل خلافًا (ل "ح" و "ش") محتجين بما في الموطأ: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فلما رآها سأل عنها، فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ!» ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال"، وجوابه: أنه حجة لنا من جهة فعلهن لذلك، فدل على أنه معلوم عندهم، وإنكاره صلى الله عليه وآله وسلم لم يصرح فيه بأنه للمسجد، بل لكونهنَّ قصدنَ القرب منه غيرة عليه، فخشي عليهنَّ ذهاب الأجر، ولأنه شرط للرجال فيكون للنساء] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 480، ط. دار الفكر): [لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد، ولا يصح في مسجد بيت المرأة ولا في مسجد بيت الرجل، وهوالمُعتَزَل المهيَّأ للصلاة، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 190-191، ط. مكتبة القاهرة): [وللمرأة أن تعتكف في كلِّ مسجد... وليس لها الاعتكاف في بيتها... ولنا قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]، والمراد به: المواضع التي بنيت للصلاة فيها، وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يُبْنَ للصلاة فيه، وإن سُمِّيَ مسجدًا كان مجازًا، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية؛ كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا»، ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم استأذنَّه في الاعتكاف في المسجد، فأذن لهن، ولو لم يكن موضعًا لاعتكافهن، لَمَا أذن فيه، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لَدَلَّهُنَّ عليه، وَنَبَّهَهُنَّ عليه، ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حقِّ الرجل، فيشترط في حقِّ المرأة؛ كالطواف، وحديث عائشة رضي الله عنها حجة لنا؛ لما ذكرنا، وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال، حيث كثرت أبنيتهن، لما رأى من منافستهن، فكرهه منهن، خشية عليهن من فساد نيتهن، وسوء المقصد به، ولذلك قال: «أَلْبِرّ تُرِدْنَ» منكرًا لذلك، أي: لم تفعلن ذلك تبررًا، ولذلك ترك الاعتكاف؛ لظنه أنهن يتنافسن في الكون معه، ولو كان للمعنى الذي ذكروه، لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن، ولم يأذن لهن في المسجد] اهـ.

وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 352، ط. دار الكتب العلمية): [(وللمرأة... الاعتكاف في كلِّ مسجد) لعموم الآية (إلا مسجد بيتها وهو ما اتخذته لصلاتها) لما تقدم عن ابن عباس؛ ولأنه ليس بمسجد حقيقة ولا حكمًا، ولو جاز لفعلته أمهات المؤمنين ولو مرة تبيينًا للجواز] اهـ.

وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلَّى" (3/ 431، ط. دار الفكر): [وقد صحَّ أن أزواجَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتكفن في المسجد، ولا مخالفَ لهنَّ من الصحابة] اهـ.

مذهب الحنفية في مدى اشتراط المسجد لصحة اعتكاف المرأة
بينما يَرَى الحنفية أنَّه لا يشترط المسجد لصحة اعتكاف المرأة، فلها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو: المكان المُعَدُّ لصلاتها الذي يستحب لها اتخاذه.

قال كمال الدين ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 394، ط. دار الفكر): [قوله (أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها) أي: الأفضل ذلك، ولو اعتكفت في الجامع أو في مسجد حَيِّها وهو أفضل من الجامع في حقِّها جاز] اهـ.

وقد نُسب القول بذلك أيضًا إلى الإمام الشافعي في القديم، وأنكر المحققون من أصحابه نسبته إليه.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 265، ط. دار الكتب العلمية): [ولو اعتكفت المرأة في مسجد بيتها -وهو المُعتَزَلُ المهيأُ للصلاة- لم يصح على الجديد، ويصح على القديم... قلت: قد أنكر القاضي أبو الطيب وجماعة هذا القديم، وقالوا: لا يجوز في مسجد بيتها قولًا واحدًا، وغلَّطوا مَن قال: قولان] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: اعتكاف المرأة العشر الأواخر من رمضان شروط الاعتكاف الاعتكاف في المسجد النبی صلى الله علیه وآله وسلم وقال الإمام الاعتکاف فی ا فی المسجد قال الإمام رضی الله اهـ وقال لا یصح

إقرأ أيضاً:

قصة قصيرة.. عامر السعودي (1_2)

حسين ضيف الله مريع

عامر مراهق في الخامسة عشرة من عمره، من أسرة كريمة محافظة ومتشددة!

بعد حصوله على شهادة الكفاءة بتفوق في نهاية السبعينات الهجرية أستأذن والده للذهاب مع زملائه في رحلة برية لأحد الأودية الجميلة ذات المناظر الخلابة فأذن له.

ذهب عامر مع زملائه وحطوا رحالهم في الوادي ، وبعد تناول طعام الإفطار وشرب الشاي غرر به اثنان من زملائه ليشاركهم التدخين في مكان بعيد عن الأنظار! لكنهم انكشفوا فقد رآهم أحد الزملاء وبعد عودتهم أخبر أخا عامر الأكبر بما حصل من أخيه من تدخين السجاير فأخبر والده بما حصل من عامر!

ثارت ثائرة الأب وهدد وحلف بضرب عامر ضربا يقربه من الموت؛ فالتدخين في تلك الحقبة من الزمن كبيرة من الكبائر في عرف القبيلة وجريمة كبيرة لا تغتفر!!!

همست أم عامر في إذنه قبل وصول والده للبيت بالذهاب إلى بيت أخواله حتى تنطفئ شدة غضبه. بعد علم أخواله بما حصل منه تنمروا عليه، ونبذوه ؛ لكن جدته الحنونة قالت لعامر:

لا عليك، سأشفع لك عند أبيك؛ وكانت قد لامته على فعله. غادرت الجدة الحنونة متوجهة إلى بيت والد عامر للشفاعة، لكن والده كان متصلباً ومتشدداً وأصرَّ على حضور عامر؛ لإيقاع أشد العقوبة عليه وقد هدد بسجنه!

عادت الجدة إلى بيتها، وأخبرت عامر بموقف والده، وطلبت منه أن يتوجه إلى قرية صلهبة ؛ حيث تسكن خالته على ألا يخبرهم بما حصل منه، وبأنه يريد أن يقضي عندهم بضعة أيام من الإجازة لعل وعسى أن تحل المشكلة.

في هذه الفترة خرج عامر قبل أذان المغرب هائما على وجهه، متخفيا في ظروف نفسية صعبة!!!

مشى حتى شعر بالتعب!

لقي دكة في طرف المدينة… جلس عليها وهو يفكر في مخرج من هذه الورطة التي لقي نفسه فيها!!!

فجأة! ظهر محمد جنادي وهو أحد أبناء الحي كان قد اختفى من فترة طويلة، رحب به وسأله عن سر اختفائه فأجابه بأنه هاجر إلى الكويت من أجل لقمة العيش وهناك حط رحاله وحصل على الجنسية وأنَّ اسمه حاليا (محمد العجمي) وقد حصل على عمل في إحدى الشركات وتدرج فيها حتى وصل إلى درجة كبيرة وعين في وظيفة مرموقة وقد تزوج وبنى بيتا وهو في غاية السعادة، ثم التفت إلى عامر وسأله:

مالي أراك واجما شاحب الوجه شارد الذهن؟!

فما كان من عامر إلا أن أخبره بكامل علومه.

عرض (العجمي) على عامر الهجرة معه وأنه مستعد لدفع كافة مصاريف سفره حتى دخول الكويت… فقط عليه أن يحضر معه الهوية ( حفيظة النفوس ) !

وافق عامر على الفور وقال له: اتفقنا…

عندها أخبره العجمي أنَّ موعد السفر غداً بعد صلاة العصر…

عاد عامر إلى بيت جدته، وأخبرها أنه سينام الليلة عندها وغدا سيتوجه إلى بيت خالته؛ لأنه لا يستطيع الآن ولاسيما أن الشمس قد بدأت تميل إلى الغروب…

خرج عامر متسللاً قبل صلاة الفجر، وجلس على الطريق التي يسلكها والده إلى المسجد متخفيا! وبعد أن تأكد من دخوله للمسجد ذهب للبيت وطرق الباب بهدوء…

خرجت أمه تسأل من بالباب؟! فأخبرها بصوت خفيض إنه عامر! فتحت الباب، وطلب مساعدتها في إعطائه بعض الثياب؛ لأنه سيتوجه غداً إلى خالته في القرية بناء على توجيه من جدته؛ ليقضي عندها بضعة أيام لعل المشكلة تحل في هذه الفترة انشغلت الأم بإحضار بعض الملابس، أما عامر فقد توجه لسرير والده، وأخذ الكمر (الحزام) من تحت الفراش، وأخذ ما فيه من نقود، ووضعها في جيبه! بعدها ذهب لأمه في الداخل، وأخذ الملابس، وودعها بحرارة، و وضع رأسه على صدرها، وأجهش بالبكاء حتى أبكاها وقالت له: ستفرج يا عامر بإذن الله، لكنها لم تعلم أنه الوداع الأخير!!!

توجه عامر إلى المسجد؛ لأداء صلاة الفجر، ثم عاد لبيت جدته، ونام، وحين حان وقت صلاة الظهر ذهب لأداء الصلاة ، ومن هناك توجه إلى بيت صديقه العجمي، وبعد العصر توجها إلى محطة نقل الركاب، ومن هناك استقلا سيارة شحن مرسيدس إلى الرياض…

كانت رحلة مليئة بالصعاب والمخاطر؛ حيث أصابه الكثير من التعب والنصب ووعثاء السفر ولم يصل إلى الرياض إلا بعد ثلاثة أيام بعد رحلة شاقة ومضنية….

ومن هناك ركبا في سيارة تعتبر مريحة إلى الكويت وقد نام عامر نومة هنية في السيارة وهو في طريقه إلى الكويت وصل عامر ودخل الكويت بطريقة غير رسمية، وقد وصل عامر ومضيفه إلى البيت مع أذان المغرب، وكانت المفاجأة الصادمة حينما دخلا إلى البيت إذ لا وجود لعائلة كما قيل له! وحين فتح الثلاجة لقي قوارير ملونة مملوء بشراب لم يعهده من قبل، ولم يسبق له أن رآه!!! فاستفسر من مضيفه فقال له على الفور: هذا ويسكي (ي-يا عامر) وسيأتي بعد صلاة العشاء الشباب وسنقضي ليلة صاخبة وسهرة ماتعه!!!
التزم عامر برباطة جأشه، بحكمة -وهوالذكي بطبعه- فقال لصديقه العجمي:

-كما تعلم أنا محافظ على صلاتي وقد أذن للمغرب ولا بأس أن أذهب للمسجد وأصلي ثم أعود لنقضي ليلة صاخبة وماتعة كما تريد.. طار العجمي فرحا بهذا الرأي واحتضن عامر وقال له:

– أيوه كذا “ي عامر” و “بلا شي عقد” ….

خرج عامر للصلاة ولكنه ترك المسجد القريب من البيت وهو يمشي بخطى سريعة وليس على لسانه سوى لاحول ولا قوة إلا بالله حتى صار بعيدا عن البيت ودخل في حي آخر ثم وجد مسجداً كبيراً حوله دكاكين كثيرة ما يشير إلى أنه سوق…..

دخل عامر المسجد وقد انتهت صلاة المغرب ولم يبق في المسجد أحد من المصلين إلا المؤذن يهم بإغلاق المسجد… استأذنه عامر ليصلي فأذن له، صلى عامر وتوجه للمؤذن الجالس في انتظاره، اقترب منه وسلم على رأسه وجثى على ركبتيه وشرح له قصته من بدايتها إلى نهايتها، وسأله فيما إذا كانت هناك غرفة في المسجد يمكن أن يسكن فيها حتى يجد عملا… تعاطف معه المؤذن ورحب به وسهل وقال له: نعم توجد غرفة صغيرة ربما تناسبك فيها بعض الأجهزة والأثاث، يمكن أن تضعها في ركن من أركان الغرفة…

أعجب عامر بالغرفة وشكر المؤذن وقال له: جزاك الله خيراً… بعدها أعطاه المؤذن مفتاح الغرفة التي يطل أحد أبوابها على الشارع، وشعر بالاطمئنان وتنفس الصعداء وعرض عليه المؤذن خدماته حين يحتاج مساعدة، فقال له عامر: إن لدي مبلغا من المال أخذته من والدي دون علمه تحسبا لموقف كهذا، ثم شكره… خرج عامر وتناول طعام العشاء في أحد المطاعم وابتاع من السوق ما يحتاجه للسكن من لوازم النوم والشرب، ثم عاد إلى الغرفة ونام بعد تعب، وصحا على أذان الفجر وقام وصلى جماعة، وبعد الصلاة شكر مضيفه المؤذن على ما قدمه له ليلة البارحة وطمأنه على وضعه، ثم انصرف إلى غرفته، وبعد أن استراح قليلا…

قرأ جزء من القرآن وبعض الأذكار، أصبح هذا ورده اليومي ثم نام وخرج مع تباشير الصباح وذهب إلى أحد المطاعم القريبة وتناول وجبة الإفطار ثم دخل السوق يبحثه ويستقصي علمه فوجد شباباً من جنسيات مختلفة يبسطون بضاعتهم على عربيات عبارة عن _إكسسورات خاصة بالرجال والنساء… استحسن عامر فكرة البيع على العربية، ولكن لأنه من أسرة تبيع الملابس والقماش فقد أمضى يوماً كاملاً في السوق صباحاً ومساءً يتعرف على ما يبتاعه النساء من هذا السوق بعدها سأل أحد الباعة الباسطين:

أين تباع هذه العربيات؟ وقد دله على مكانها وطلب من صاحب المنجرة أن يزيد في مساحتها قليلا ويضع لها دولابا في الأسفل؛ فلديه مبلغ من المال لا بأس به، وبه بدأ، حيث (أشترى-اشترى) بضاعة خاصة بالنساء من النقاب والمقالم والعباءات والأرواب وأدوات الزينة ووضع بسطته أمام أحد المتاجر بعد أن استأذن من صاحبه فأذن له وقال له: رزقي ورزقك على الله “ي وليدي”؛ مما شجعه وأكسبه الطمأنينة.

بدأ عامر في ممارسة البيع بعد أربعة أيام من سكنه ، كان عامر حريصا على الصلاة فكان يذهب للمسجد قبل الأذان للصلوات بوقت كافٍ حيث يغطي بسطته ويتوجه للمسجد مما أكسبه احترام أهل السوق! لقد أقنع عامر نفسه إن الله عز وجل قد كتب له رزقا في هذا البلد، وسخر له (العجمي) لينقله من بلده إلى حيث رزقه ثم يفترقا بعد وصولهما !!! كان عامر يقضي جزءا من ليله في الصلاة وقراءة القرآن وحفظ بعضا منه، أما النهار والمساء فيقضيهما في البيع والشراء، وقد بارك الله لعامر في بسطته، وكسب محبة الناس بأخلاقه وحسن تعامله معهم!

مقالات مشابهة

  • غدًا.. الأوقاف تفتتح 16 مسجدًا في عدد من المحافظات.. اعرفِ الأسماء
  • العدو الصهيوني يدمر مسجد “ابن عثمان” ثاني أكبر المساجد التاريخية بغزة
  • إمام مسجد عبد الرحيم القنائي: أشد أنواع النكبات تسريب اليأس للقلوب
  • تشييد مركز ثقافي ملحق بمسجد القبلتين.. المساجد التاريخية.. مقصد الزوار بالمدينة
  • قصة قصيرة.. عامر السعودي (1_2)
  • علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية في السنة النبوية
  • إعلامية مصرية ترد على رقصها داخل حرم المسجد
  • الأوقاف: افتتاح 16 مسجدًا بالجمعة الأولى للعام المالي الجديد
  • مسجد القبلتين التاريخي بالمدينة المنورة يشهد مئات الزائرين يومياً للصلاة فيه
  • مسجد القبلتين التاريخي بالمدينة المنورة يستقبل مئات الزائرين يومياً للصلاة فيه