القاهرة – “رأي اليوم”- محمود القيعي: دعا الناقد المصري الكبير دكتور أحمد درويش إلى استقبال الشعر بما يليق بجماله وجلاله من تأهب وحفاوة، مذكّرا بمقولة الناقد الفرنسي الشهير جون كوين في كتابه “بناء لغة الشعر” “إن الشعر ذو مزاج ملكي، فإما أن يسود وحده أو يعتزل”. وذكّر درويش- الحاصل على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي والبلاغة من جامعة السربون- بقول الحطيئة: الشعر صعب وطويل سلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه ولفت درويش- في حفل توقيع كتابه” استقبال الشعر.

. محاورات مع الشعر التراثي والمعاصر” الصادر أخيرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب والحاصل على جائزة البابطين – إلى أن صرخة الحطيئة القديمة موجهة للشعراء والنقاد سواء بسواء. وقال- في الندوة التي أقيمت بمقر الهيئة العامة للكتاب وسط القاهرة مساء الخميس – إن هذه الدعوات القديمة تدعو إلى مزيد من التأمل في ارتقاء سلالم الشعر إبداعا أو نقدا، لكي نستقبله بما يليق به. وقال إن مادة الاستقبال في العربية غزيرة الإيحاءات والدلالات والاحتمالات، لافتا إلى أنها بهذا كله قريبة من جوهر الشعر الذي يطمح إلى أن يضع متلقيه في جاذبية هذه الأطر غير الراكدة. وعن الفرق بين مصطلح تلقي الشعر الأكثر شيوعا، ومصطلح “استقبال الشعر” قال إنه فرق مكاني وحركي قد يكون طفيفا، ولكنه ذو دلالة، مشيرا إلى أن المتلقي ثابت في مكانه يسعى إليه النص فيتلقاه، والمستقبل يتحرك من مكانه ليستقبل نصا لاح في الأفق ،لافتا إلى أن عنصر الإرادة والحركة والاختبار أوضح في الاستقبال منه في التلقي. واختتم درويش مؤكدا أنه يميل إلى فكرة أن أضواء النقد ينبغي أن لا تسلط على عين القارئ،وإنما على صفحات النص، لكي تعطي للمتأمل فرصة الوصول إلى مفتاح النص بمساعدة النص. وقال إن الشعر العربي له طبقات جيولوجية رهيبة،ويكاد يكون الشعر الوحيد في العالم الذي نستطيع أن نتمتع بنصوص منه تاريخها يتعدى 1500 سنة، وكأنها حفريات. شارك في مناقشة الكتاب كل من: د. محمد عبد الباسط عيد، والشاعر أحمد حسن عوض، ود. شريف حتيتة. الندوة شهدت كذلك مداخلات ثرية من الحضور، حيث تحدثت د.رشا صالح عن د. أحمد درويش الناقد القادر على الإفهام. وتحدث د. سيد إبراهيم عن أحمد درويش القيمة والقامة .

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

حول السينوغرافيا

فـي عرضه لكتاب (سينوغرافـيات المسرح الغربي- 2007م)، لمؤلفته الباحثة الفرنسية المتخصصة بالسينوغرافـيا (آن سورجيرس Anne Surgers)، يناقش الناقد أحمد بلخيري فـي مقالة له بعنوان (مفهوم السينوغرافـيا عند الإغريق) ما يتعلق بهذا المفهوم واستخداماته المتعددة. ساعيا إلى تتبع المصطلح منذ الإغريق والرومان وصولا إلى الاستعمال الفرنسي للمصطلح.

الثابت، لنا اليوم، إن السينوغرافـيا مصطلح كثر حوله الكلام، بين متخصص أو داخل على المهنة. وينشأ الكلام والجدل حول المصطلح؛ بسبب مباشر يعد إلى الخلط الواضح بين المصطلحات. لدرجة يذهب بعض الباحثين إلى وجود سينوغرافـيات متعددة كالسينوغرافـيا الرومنسية والواقعية، وأخرى الحداثية. ينتج هذا الاستقراء عن أشكال العروض المسرحية المتباين فـيها لغات تصميم فضاء العرض المسرحي. وتعد مقالة الناقد بلخيري مهمة جدا لتصديها لهذا المصطلح الذي تناثر دمه بين القبائل.

يوضح الناقد فـي مقالته الفرق الحاصل بين السينوغراف والسينوغرافـيا والكيفـية التي استقر بها المعنى لاحقا وثبوته لدينا كعرب. أوضح الناقد أن مصطلح السينوغراف فـي العصرين الإغريقي والروماني هو الذي يرسم الديكورات أو الخشبة. وفـي عصر النهضة استخدم المصطلحان باعتبارهما «فن عرض أو تنظيم الفضاء المرئي»، وحافظت فرنسا إلى حدود القرن العشرين على هذا الاستعمال. وفـي النصف الثاني من القرن العشرين حصل تعديل، فنُظِرَ إلى السينوغرافـيا باعتبارها تدخلا فـي فضاء العرض مرتكزا على تصور سابق على الإنجاز. لا شك، فـي أن الجدل الحاصل حول المصطلح منشأه فـي الترجمات القادمة من لغات مختلفة، وقلة الاكتراث لضبطها، مع غياب التخصص الدقيق. وفـي سياق هذه المشكلة المؤرقة، رأى الناقد محمود الربيعي إحدى مشكلات الحداثة تتمثّل فـي عدم تحديدنا لمفهوم المصطلحات التي نستخدمها فـي مجالنا الأدبي والنقدي. فـيكتب قائلا: «لم ينجح النقد العربي الحديث حتى يومنا هذا فـي تطوير أدواته التعبيرية، وفـي تحديد لغة خاصة به. [...] ومما يتصل باضطراب لغة النقد الأدبي وتطورها أنه لم يحقق إنجازا يعتد به فـي تحرير المصطلح النقدي وضبطه». وينطبق الكلام السابق على مصطلح السينوغرافـيا، فمن خلال لجان تحكيم المهرجانات المسرحية، يتكرر فـي بياناتها تخصيص جائزة للسينوغرافـيا، لوقوعها فـي أثناء تقويم العرض المسرحي فـي بعض الحيرة، عندما لا تلجأ بعض الفرق المسرحية إلى توضيح مصمم السينوغرافـيا بدقة، فتوزع العرض بين مصمم للديكور وثانيا للإضاءة وثالثا للأزياء ورابعا مديرا للخشبة، وخامسا للسينوغرافـيا!

وإذا عدنا إلى مقالة بلخيري، فإنه يشير إلى تلك المشكلة إشارة صريحة فـي أثناء تتبعه لمشكلة المصطلح الأساسية. حيث يتناول جذر المصطلح لدى الإغريق، وفـي عصر النهضة، وفـي فرنسا القرون الثلاثة 17-19.

إن تعدد استعمالات كلمة السينوغرافـيا يعود إلى جذريِّ الكلمة، ففـي اللاتينية Scenografia وأصلها فـي الإغريقية Skenographia. وتدل السينوغرافـيا على الكلمات «فن رسم- أو كتابة Graphein، والخشبة Skene». إن الكلمة Graphein يمكن ترجمتها فـي اللغة الفرنسية «كتب أو رسم وصبغ». إن Skene فـي الأصل الإغريقي هي «بناية خشبية تكون خلف فضاء اللعب». أما فـي فرنسا وانطلاقا من القرن الثامن عشر، فإن كلمة Scene المنحدرة منها، فتدل على فضاء اللعب، حيث صار الممثل شخصية. والمعنى الحالي يتعارض مع المعنى الأصلي. ونظرا لذلك فإنّ الكلمة كانت تدل لدى الإغريق على المكان الخفـي للمثل، بينما هي تدل بالنسبة لنا على فضاء الممثل الظاهر؛ فضاء العرض واللعب، وحافظت فرنسا على هذا المعنى حتى النصف الثاني للقرن العشرين.

فـي موضع آخر فـي المقالة يقول بلخيري: استطاع المعماريون والمنظرون الإيطاليون العثور فـي كتابات العصور القديمة على أن السينوغرافـيا تدل على فن عرض المنظور؛ أي تنظيم رسم ومعمار المدينة، أو ربما ديكور المسرح ارتباطا بوجه نظر الإنسان. وفـي طبعة عام 1884م لمعجم الأكاديمية جرى تثبيت السينوغرافـيا بأنها مصطلح يَتعلق بالرسم؛ إنها فن جعل وعرض الأشياء منظورة. أما فـي فرنسا وخلال القرون الثلاثة المشار إليها أعلاه كانت السينوغرافـيا هي فن المنظور. ويقف الناقد وقفة فاحصة عند مصطلح «صانع الديكور» فـي القرن السابع عشر الذي يعادل تَقريبا الميكانيكي أو مدير الخشبة فـي الوقت الراهن مع إضافة الرسم له. إن النقطة السابقة حسب تقديري، يمكنها أن تزيل سوء الفهم واللغة الإنشائية المتكررة حول العديد من التسميات والوظائف التي تعانيها بعض الفرق المسرحية. ومع التطور المنطلق من التفكير بالسينوغرافـيا إلى تطبيقها، يقول الناقد أحمد بلخيري، وذلك نقلا عن مؤلفة الكتاب: صار الفصل بين الوظائف فـي فرنسا منذ النصف الأول للقرن الثامن عشر واضحا جدا. فمنذ بداية القرن التاسع عشر، صارت تتميز بوضوح الوظائف الأساسية لإعداد فرجة واحدة تلو الأخرى. [...] إن كلمة «صانع الديكور» تعني الرسام الذي يبتكر الديكورات، ويرسم النماذج ويسهر على التنفـيذ فـي المحترفات. من النقاط الجديرة بالاهتمام أيضا، إشارة ذكرت فـي المقالة تقول إن مصطلح السينوغرافـيا لم يُستعمل فـي اللغة المسرحية فـي فرنسا فـي القرن السابع عشر. وإن ذلك يعود بدون شك، إلى أن العرض المسرحي لم يكن مصمما أيضا حصريا فـي إطار وظيفة الإيهام التي يحققها المنظور [...] هو إذن موضوع قرارات جماعية يتخذها الممثلون، وكل أعضاء الفرقة الذين توحدوا فـي جماعة.

إزاء النقطة السابقة، سيكون المجال قد تقدم فـي القرن التاسع عشر وبدء الثورات المسرحية الكبرى على أيادي كل من إدوارد كريغ 1872- 1966م، وأدولف أبيا 1862- 1928م المساهمين فـي تطوير السينوغرافـيا للمسرح الحديث، حيث طالب المنظرون لهذه الثورة المسرحية باشتغال على الفضاء، وعلى الجسد فـي الفضاء وعلى الحجم. فتخلى هؤلاء عن كلمتي Décor & Decoration المرتبطتين ارتباطا وثيقا بالرسم لفائدة السينوغرافـيا، وهذه الثورة فـي التفكير، وفـي التطبيق المسرحي أدت إلى ميلاد وظيفة المخرج المسرحي الذي يرافقه فـي التصور العام للفرجة صانع الديكور- السينوغراف معا يقودان تفكيرا شاملا حول العرض وأمكنة العرض المسرحي والعلاقة مع الجمهور.

وقبل اختتام العرض، ونقلا عن آن سورجيرس، يكتب الناقد أحمد بلخيري قائلا: لم يحافظ من المصطلح الإغريقي سينوغرافـيا سوى النصف: السينوغراف المعاصر مصمِّم، وبصفة استثنائية منفذ. الفرق يزداد اتساعا بين المفردتين (المصمِّم) و(المنفّذ)؛ فالأول خالق ومبتكر والثاني موظف وتابع. إن مجالات التفكير بالسينوغرافـيا متعددة، تنتهي مع مخرج العرض المسرحي والجدل القائم بين نص المؤلف ونص العرض، والممثلين وما يرتبط بهم من أنساق، والعرض المسرحي نفسه بما يتضمن أيضا من أنساق بصرية وإدراكية، وتبتدئ مع مؤلف النصّ الدرامي. ولا شك فـي أن لغات السينوغرافـيا هي أكثر من لغة، توازي لغات العرض المسرحي كلها. كما أن تنوّع العروض المسرحية مع اختلاف التيارات والاتجاهات الإخراجية، يفتح إمكانيات واسعة لتأويل لغات العرض والتنظير للإخراج وأداء الممثل وجسده الكائن بين الثبوت والرقص فـي تشكيل الفراغ البصري. فالسينوغرافـيا فن وعلم، وقدرة على إنتاج التخيل لتقديم قراءة منفتحة على فنون متعددة ولغات حية لخلق أنواع متداخلة من مقاربات التفاعل مع الجمهور والتواصل لخلق عوالم جسور نفسية جديدة، ومناظر غير متكررة فـي العرض المسرحي المحفز على الجمال والحرية.

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة يعلق على تكريم عدوية وسيد درويش: أصحاب بصمة حقيقية ومؤثرون
  • وزير الثقافة عن تكريم عدوية وسيد درويش: أصحاب بصمة حقيقية
  • أصحاب بصمة.. وزير الثقافة يعلق على تكريم عدوية وسيد درويش
  • أحمد موسى يدعو الرئيس السيسي لافتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب
  • المتحف المصري الكبير| أيقونة ثقافية عالمية تستعد لاستقبال 5 ملايين زائر
  • التنسيق الحضارى يدرج اسم الشاعرة منيرة توفيق فى مشروع حكاية شارع
  • حول السينوغرافيا
  • تعرف على ستاد جودسويل أكبابيو الذي يستضيف مباراة المصري وإنيمبا بالكونفيدرالية
  • زاهي حواس: المتحف المصري الكبير حديث العالم وأتمنى أن يكون أسطوريا يليق بمصر
  • بلينكن يدعو إلى بذل الجهود لإتمام اتفاق هدنة في غزة