سرايا - على التلال الواقعة في أقصى جنوب محافظة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، اعتاد أبو الكباش أن يستيقظ يوميا ليتفقد ممتلكاته الثمينة، وقوامها بستان من أشجار الرمان والتين، التي تعلوها 6 أنواع مختلفة من نباتات الصبار الذي يحيط بمنزله.

منذ أن بدأ الاحتلال حربه المسعورة والعدوانية على غزة في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على المستوطنات المحيطة بغزة، أصبحت اعتداءات المستوطنين في الكيان المحتل على الفلسطينيين مفرطة في عنفها، لدرجة اضطر معها المزارع الفلسطيني البالغ من العمر 76 عاما إلى ترك الأرض التي ورثها عن والده وجده وجد جده، ويقول أبو الكباش: "كان علي الاختيار بين الحياة والموت".



لم يكن الرجل وحده في هذه المحنة، فقد أُجبر أكثر من 1200 فلسطيني في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة على ترك منازلهم منذ بدء العدوان، وفقا لجماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة.

وتظهر البيانات التي جمعها النشطاء أنه في الفترة بين تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وكانون الثاني (يناير) 2024، قام المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة ببناء ما لا يقل عن 15 بؤرة استيطانية و18 طريقا، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الإسرائيلي والدولي. وبالإضافة إلى ذلك، قام المستوطنون ببناء مئات الأمتار من الأسلاك الشائكة وحواجز الطرق المزدوجة، مما زاد من تقييد حركة الفلسطينيين.

أدى هذا التهجير غير المسبوق لغاية الآن إلى تفكك ما لا يقل عن 15 تجمعا فلسطينيا، مع توسيع المستوطنين الإسرائيليين وجودهم بسرعة. ويقول الخبراء إن هدفهم هو إعادة تشكيل التركيبة السكانية للضفة الغربية مع كسر العمود الفقري للأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية المستقبلية.

وقال موريسيو لابتشيك، الناشط في حركة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية توثق الأنشطة الاستيطانية: "عندما تكون هناك حرب فإن المستوطنين يستغلون الفرصة ويحاولون إنشاء أكبر عدد ممكن من البؤر الاستيطانية". علما أن ارتفاعا مماثلا في البؤر الاستيطانية غير القانونية سجل خلال سنوات الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من هذا القرن.

والبؤر الاستيطانية هي في العادة مخيمات مؤقتة يتراوح حجمها من بضعة كرفانات إلى عدد قليل من المباني مسبقة الصنع المقامة في المناطق الفلسطينية الريفية.

وبنيت هذه البؤر على يد أعضاء حركة الاستيطان الإسرائيلية الأوسع، التي تسعى إلى فرض الوجود الإسرائيلي على الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني. وغالبا ما يكون بناة البؤر الاستيطانية مدفوعين بأيديولوجية متشددة للغاية تطالب اليهود بملء جميع الأراضي الفلسطينية وإجبار الفلسطينيين على المغادرة.

ومثلها مثل المستوطنات تعتبر هذه البؤر الاستيطانية غير قانونية بموجب القانون الدولي. ورغم أن إسرائيل تعتبرها غير قانونية، مدعية أنها أقيمت دون موافقة الحكومة، ومع ذلك، تقوم في الغالب بإجازتها بأثر رجعي باعتبارها مستوطنات، ويقوم الجيش من جهته بربط البؤر الاستيطانية والكرافانات المؤقتة بالماء والكهرباء، قام المستوطنون بفرضها كأمر واقع.

ويشكل الربط بالكهرباء والماء أحد أهم مراحل تحويل هذه البؤر الاستيطانية إلى دائمة، حين تصبح قابلة للحياة بالنسبة إلى عائلات المستوطنين، بعد أن تكون محصورة في البداية بـ"شبيبة التلال" الذين يقومون بعملية الاستيلاء الأولية، ثم تمدها الدولة والجيش بمقومات البقاء والتوسع.

وتظهر صور الأقمار الاصطناعية مواقع استيطانية بنيت في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب منتشرة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، مما يشير إلى أن المستوطنين الإسرائيليين أصبحوا أكثر جرأة ويوسعون وجودهم خارج المناطق القريبة من المستوطنات القائم.

وتعتبر الطرق أساسية لتثبيت الحضور في المناطق النائية، وقد تم شق العديد منها على أملاك فلسطينية خاصة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

لا تمثل عشرات الطرق استيلاء على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل تحولت أيضا إلى مسالك يخشى المزارعون والرعاة الفلسطينيون عبورها لأنهم سيتعرضون لهجمات المستوطنين.

ويجبر المستوطنون السكان الفلسطينيين على الخروج من أراضيهم في الضفة الغربية المحتلة عن طريق ترهيبهم باستخدام العنف أو عن طريق الحد من وصولهم إلى المراعي من خلال بناء بؤر استيطانية وطرق حول مجتمعاتهم، مما يجبرهم على الابتعاد بحثا عن الأمان وتأمين سبل العيش لعائلاتهم.

كان هذا يحدث منذ عقود ولكنه اتسع نطاقه وشدته منذ بداية الحرب، على خلفية عام قياسي بالفعل من أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية.

ويقول في هذا الصدد الباحث أحمد حنيطي المهتم بالمجتمعات البدوية في فلسطين إن المجتمعات الرعوية مستهدفة من قبل الاحتلال كونها تستخدم مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية للسكن والرعي. ويوضح في تسجيل مصور بثته مؤسسة الدراسات الفلسطينية قائلا "في السنوات الخمس الأخيرة زادت الاعتداءات على التجمعات البدوية والرعوية من قبل المستوطنين والجيش. لكن بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) تسارعت هذه الاعتداءات أكثر فأكثر، حيث تم تسليح المستوطنين بسبب حالة الطوارئ والحرب، والتحق عدد منهم بالخدمة العسكرية وخدموا في منطقة الأغوار. وباتت اعتداءاتهم تتم باللباس العسكري وأحيانا باللباس المدني، فهؤلاء بنظر الحكومة يدافعون عن أرض إسرائيل التوراتية".

يشار إلى أن الأمم المتحدة سجلت في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، ما لا يقل عن 1038 حادث عنف من جانب المستوطنين، بمعدل 3 هجمات يوميا، وتضاعف الرقم نفسه 3 مرات تقريبا منذ أكتوبر/تشرين الأول.

ويضيف الباحث الحنيطي في هذا الصدد أن "عنف المستوطنين هو عنف مدروس وبرعاية حكومة الاحتلال، وليس عنفا فوضويا كما يظهر أو يتم الإعلان عنه أحيانا، لكن عشرات الأسر الفلسطينية ما زالت صامدة في الأغوار وتحاول مقاومة الاعتداءات لكن الزيادة السكانية في الأغوار هي للأسف الشديد الأقل في فلسطين وقرية الجفتلك مثلا التي تعتبر من أكبر قرى الأغوار الزيادة السكانية فيها سلبية".

"هذه الأرض ليست لك"، هذا ما يتذكره أبو بشار المزارع والوجيه المحلي من صراخ أحد المستوطنين في وجهه في آخر ليلة أمضاها على أرضه في الجبال شرق رام الله. تبع ذلك تدمير المستوطنين لمنازل الفلسطينيين وتحطيم النوافذ وسرقة الحيوانات.

وتقول الجماعات الحقوقية والقرويون إن الجنود الإسرائيليين غالبا ما يساعدون ويدعمون أنشطة المستوطنين.

وقال درورو إتكس، مؤسس مجموعة كيرم نافوت، وهي مجموعة تتابع سياسة إدارة الأراضي منذ أكثر من عقدين: "لا شيء يحدث من دون الدعم العسكري، يمكن أن يكون مباشرا إلى حد ما، لكنه موجود دائما".

وقالت السلطات الإحتلال إنها "تتحرك بشكل منتظم" ضد البناء غير القانوني، لكنها لم تجب عن سبب بقاء البؤر الاستيطانية هناك وفشلت في الإجابة عن سؤال حول وجود الجنود الإسرائيليين ودعمهم أثناء هجمات المستوطنين العنيفة.

يشار إلى أن البؤر الاستيطانية ازدهرت في التسعينيات في ظل أول حكومة إسرائيلية يقودها اليميني بنيامين نتنياهو الذي يشغل الآن أيضا منصب رئيس الوزراء. وقد نمت منذ ذلك الحين لتغطي أكثر من 390 ألف كيلومتر مربع، وفقا لتقديرات "كيرم نابوت".

لكن البؤر الاستيطانية ليست هي الطريقة الوحيدة لترسيخ الوجود المدني الإسرائيلي، فمنذ عام 1967، أنشأ الاحتلال أكثر من 160 مستوطنة في جميع أنحاء الضفة الغربية، بأسطحها الحمراء الزاهية، وأسوارها العالية، وأشجار الصنوبر المستوردة التي تنتشر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبحلول أواخر التسعينيات، بدأت الحكومة الإسرائيلية في توسيع المستوطنات القائمة من خلال منح تصاريح إسكان، بدلا من بناء مستوطنات جديدة. وفي عام 2022، اعتُبر انتخاب الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية بمثابة نعمة لحركة المستوطنين.

واليوم، يوجد في الضفة الغربية ما يصل إلى 700 ألف مستوطن، أي 10 % من سكان الكيان المحتل البالغ عددهم حوالي 7 ملايين نسمة.

ومنح نتنياهو المستوطن بتسلئيل سموتريش، المؤسس المشارك لمنظمة ريجافيم الاستيطانية وزعيم الحزب الصهيوني الديني اليميني المتطرف، سلطة الموافقة على التخطيط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.

وفي العام الماضي، قدم الوزير خطة لإدخال نصف مليون مستوطن إضافي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تتقلص الأراضي الفلسطينية وإمكانية الوصول إليها، لكن المهجرين مثل أبو الكباش لم يفقدوا الأمل في العودة إلى رقعة خضراء.

وهو يقول: "الحياة مخيفة، لكننا راغبون بالعودة".-(وكالات)


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: فی الضفة الغربیة المحتلة الأراضی الفلسطینیة البؤر الاستیطانیة تشرین الأول أکثر من

إقرأ أيضاً:

وقفات غاضبة في مدن الضفة الغربية تنديدا باغتيال نصر الله (شاهد)

خرجت وقفات ومسيرات غاضبة، مساء السبت، في مدن ومناطق متفرقة بالضفة الغربية، تنديدا باغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وسط دعوات للإضراب غدا الأحد في محافظة جنين.

وجاءت الوقفات في مدينتي رام الله ونابلس، استجابة لدعوات مجموعات شبابية على منصات التواصل الاجتماعي، وأخرى للجان التنسيق الفصائلي.

وشارك المئات في مسيرة انتهت بوقفة وسط مدينة رام الله، رفعوا خلالها صور نصر الله وأعلام فلسطين، وردد المشاركون هتافات تندد "بجريمة الاحتلال" وأخرى تعبر عن تضامن فلسطين مع لبنان منها "من رام الله للبنان: هي يلّا.. هي يلّا.. يرحم روحك يا نصر الله".

كما شارك عشرات في وقفة مماثلة وسط مدينة نابلس (شمال)، رفع المشاركون فيها أعلام فلسطين وصور نصر الله.

في غضون ذلك، دعت القوى الوطنية والإسلامية في محافظة جنين في بيان، إلى الإضراب الشامل في المحافظة غدا الأحد، مشيرة إلى أن الإضراب يشمل المدارس ويستثني الصحة.



وظُهر السبت، أعلن حزب الله رسميا "استشهاد" أمينه العام في غارات إسرائيلية استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية، مساء الجمعة.

وقبل ذلك، أعلن جيش الاحتلال تمكنه من "القضاء" على نصر الله، في غارة جوية شنتها مقاتلات "إف 35" على هدف بمنطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي لـ"حزب الله".

وتتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها "حزب الله"، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر "الخط الأزرق" الفاصل، منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أسفر حتى السبت، عن "1640 شهيدا، منهم 104 أطفال و194 امرأة، و8 آلاف و408 جرحى" لبنانيين، وفق وزارة الصحة اللبنانية.

وتطالب الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، وخلّفت أكثر من 137 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

ونعت حركة حماس إلى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وأحرار العالم استشهاد نصر الله، مضيفة أنه "ارتقى شهيداً مع ثلة من إخوانه القادة، في معركة طوفان الأقصى وعلى طريق القدس، وإسناد شعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة في مواجهة العدو الصهيوني".

وأدانت الحركة بأشدّ العبارات هذا العدوان الهمجيّ واستهداف مبانيَ سكنية، في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، قائلةً: "نعدّ ذلك عملاً إرهابياً جباناً، ومجزرة وجريمة نكراء، تُثبت مجدّداً دموية ووحشية هذا الاحتلال، وأنّه كيانٌ مارقٌ مستهترٌ بكلّ القيم والأعراف والمواثيق الدّولية، وبات يهدّد بشكل سافرٍ الأمن والسّلم الدّوليين، في ظل الصمت والعجز والتخاذل الدولي".


بالفيديو : مسيرة في رام الله احتجاجا على اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله، على وقع هتافات "هيهات منا الذلة"

???????????????????????????????????????????? pic.twitter.com/UqMJB6oRkN

— محمد عيد (@eid_mohamad2) September 28, 2024

????هيهات منا الذلة

مسيرات غاضبة ومنددة في رام الله بفلسطين المحتلة.#لن_تسقط_الراية pic.twitter.com/RVtY5ZEKMl

— بۣۗہنۣۗہتۣۗہ آلَشۣۗہآيۣۗہبۣۗہ (@bntlsyb9) September 28, 2024

مسيرة في مدينة رام الله؛ تنديدًا باغتيال الأمين العام، حسن نصرالله في لبنان. pic.twitter.com/CHt9aHSWH8

— فلسطين بوست (@PalpostN) September 28, 2024

"بالروح بالدم نفديكَ نصر الله".. هتافات الجماهير خلال مسيرة انطلقت في مدينة نابلس؛ تنديدًا باغتيال الأمين العام حسن نصر الله. pic.twitter.com/OzQIT6pY7x

— YOREX (@yorexm) September 28, 2024

تنديدا باغتيال سماحة السيد "نصر الله"
ونصرة لأهل غزة ولبنان، خرجت الجموع في نابلس في مسيرة تلبية لنداء المقاومة وغضبا لدماء الشهداء pic.twitter.com/qTlByuCFos

— Bin Ghalib (backup account) (@bgh2_ac3b) September 28, 2024

مقالات مشابهة

  • مستوطنون يقتحمون الأقصى ويؤدون "السجود الملحمي"
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 41 فلسطينيا من الضفة الغربية المحتلة
  • هيئة شؤون الأسرى: قوات الاحتلال اعتقلت 40 فلسطينيا من الضفة الغربية أمس
  • إصابات واعتقالات بحملة دهم صهيونية في الضفة الغربية المحتلة
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي: حزب الله أطلق صاروخا على مستوطنة وسط الضفة الغربية
  • مسيرات جماهيرية في الضفة الغربية المحتلة تنديدا باغتيال القائد حسن نصرالله
  • وقفات غاضبة في مدن الضفة الغربية تنديدا باغتيال نصر الله (شاهد)
  • صفارات الإنذار تدوي في مركز إسرائيل ومستوطنات في الضفة الغربية
  • الاحتلال يستدعي 3 كتائب احتياط إلى الضفة الغربية
  • 12 دولة غربية تعرب عن قلقها من تصاعد عنف المستوطنين في الضفة