مستوطنون يركبون موجة الحرب على غزة ويرهبون فلسطينيي البوادي والقرى
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
سرايا - على التلال الواقعة في أقصى جنوب محافظة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، اعتاد أبو الكباش أن يستيقظ يوميا ليتفقد ممتلكاته الثمينة، وقوامها بستان من أشجار الرمان والتين، التي تعلوها 6 أنواع مختلفة من نباتات الصبار الذي يحيط بمنزله.
منذ أن بدأ الاحتلال حربه المسعورة والعدوانية على غزة في أعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على المستوطنات المحيطة بغزة، أصبحت اعتداءات المستوطنين في الكيان المحتل على الفلسطينيين مفرطة في عنفها، لدرجة اضطر معها المزارع الفلسطيني البالغ من العمر 76 عاما إلى ترك الأرض التي ورثها عن والده وجده وجد جده، ويقول أبو الكباش: "كان علي الاختيار بين الحياة والموت".
لم يكن الرجل وحده في هذه المحنة، فقد أُجبر أكثر من 1200 فلسطيني في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة على ترك منازلهم منذ بدء العدوان، وفقا لجماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
وتظهر البيانات التي جمعها النشطاء أنه في الفترة بين تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وكانون الثاني (يناير) 2024، قام المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة ببناء ما لا يقل عن 15 بؤرة استيطانية و18 طريقا، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الإسرائيلي والدولي. وبالإضافة إلى ذلك، قام المستوطنون ببناء مئات الأمتار من الأسلاك الشائكة وحواجز الطرق المزدوجة، مما زاد من تقييد حركة الفلسطينيين.
أدى هذا التهجير غير المسبوق لغاية الآن إلى تفكك ما لا يقل عن 15 تجمعا فلسطينيا، مع توسيع المستوطنين الإسرائيليين وجودهم بسرعة. ويقول الخبراء إن هدفهم هو إعادة تشكيل التركيبة السكانية للضفة الغربية مع كسر العمود الفقري للأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
وقال موريسيو لابتشيك، الناشط في حركة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية توثق الأنشطة الاستيطانية: "عندما تكون هناك حرب فإن المستوطنين يستغلون الفرصة ويحاولون إنشاء أكبر عدد ممكن من البؤر الاستيطانية". علما أن ارتفاعا مماثلا في البؤر الاستيطانية غير القانونية سجل خلال سنوات الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من هذا القرن.
والبؤر الاستيطانية هي في العادة مخيمات مؤقتة يتراوح حجمها من بضعة كرفانات إلى عدد قليل من المباني مسبقة الصنع المقامة في المناطق الفلسطينية الريفية.
وبنيت هذه البؤر على يد أعضاء حركة الاستيطان الإسرائيلية الأوسع، التي تسعى إلى فرض الوجود الإسرائيلي على الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني. وغالبا ما يكون بناة البؤر الاستيطانية مدفوعين بأيديولوجية متشددة للغاية تطالب اليهود بملء جميع الأراضي الفلسطينية وإجبار الفلسطينيين على المغادرة.
ومثلها مثل المستوطنات تعتبر هذه البؤر الاستيطانية غير قانونية بموجب القانون الدولي. ورغم أن إسرائيل تعتبرها غير قانونية، مدعية أنها أقيمت دون موافقة الحكومة، ومع ذلك، تقوم في الغالب بإجازتها بأثر رجعي باعتبارها مستوطنات، ويقوم الجيش من جهته بربط البؤر الاستيطانية والكرافانات المؤقتة بالماء والكهرباء، قام المستوطنون بفرضها كأمر واقع.
ويشكل الربط بالكهرباء والماء أحد أهم مراحل تحويل هذه البؤر الاستيطانية إلى دائمة، حين تصبح قابلة للحياة بالنسبة إلى عائلات المستوطنين، بعد أن تكون محصورة في البداية بـ"شبيبة التلال" الذين يقومون بعملية الاستيلاء الأولية، ثم تمدها الدولة والجيش بمقومات البقاء والتوسع.
وتظهر صور الأقمار الاصطناعية مواقع استيطانية بنيت في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب منتشرة في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، مما يشير إلى أن المستوطنين الإسرائيليين أصبحوا أكثر جرأة ويوسعون وجودهم خارج المناطق القريبة من المستوطنات القائم.
وتعتبر الطرق أساسية لتثبيت الحضور في المناطق النائية، وقد تم شق العديد منها على أملاك فلسطينية خاصة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
لا تمثل عشرات الطرق استيلاء على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل تحولت أيضا إلى مسالك يخشى المزارعون والرعاة الفلسطينيون عبورها لأنهم سيتعرضون لهجمات المستوطنين.
ويجبر المستوطنون السكان الفلسطينيين على الخروج من أراضيهم في الضفة الغربية المحتلة عن طريق ترهيبهم باستخدام العنف أو عن طريق الحد من وصولهم إلى المراعي من خلال بناء بؤر استيطانية وطرق حول مجتمعاتهم، مما يجبرهم على الابتعاد بحثا عن الأمان وتأمين سبل العيش لعائلاتهم.
كان هذا يحدث منذ عقود ولكنه اتسع نطاقه وشدته منذ بداية الحرب، على خلفية عام قياسي بالفعل من أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية.
ويقول في هذا الصدد الباحث أحمد حنيطي المهتم بالمجتمعات البدوية في فلسطين إن المجتمعات الرعوية مستهدفة من قبل الاحتلال كونها تستخدم مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية للسكن والرعي. ويوضح في تسجيل مصور بثته مؤسسة الدراسات الفلسطينية قائلا "في السنوات الخمس الأخيرة زادت الاعتداءات على التجمعات البدوية والرعوية من قبل المستوطنين والجيش. لكن بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) تسارعت هذه الاعتداءات أكثر فأكثر، حيث تم تسليح المستوطنين بسبب حالة الطوارئ والحرب، والتحق عدد منهم بالخدمة العسكرية وخدموا في منطقة الأغوار. وباتت اعتداءاتهم تتم باللباس العسكري وأحيانا باللباس المدني، فهؤلاء بنظر الحكومة يدافعون عن أرض إسرائيل التوراتية".
يشار إلى أن الأمم المتحدة سجلت في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، ما لا يقل عن 1038 حادث عنف من جانب المستوطنين، بمعدل 3 هجمات يوميا، وتضاعف الرقم نفسه 3 مرات تقريبا منذ أكتوبر/تشرين الأول.
ويضيف الباحث الحنيطي في هذا الصدد أن "عنف المستوطنين هو عنف مدروس وبرعاية حكومة الاحتلال، وليس عنفا فوضويا كما يظهر أو يتم الإعلان عنه أحيانا، لكن عشرات الأسر الفلسطينية ما زالت صامدة في الأغوار وتحاول مقاومة الاعتداءات لكن الزيادة السكانية في الأغوار هي للأسف الشديد الأقل في فلسطين وقرية الجفتلك مثلا التي تعتبر من أكبر قرى الأغوار الزيادة السكانية فيها سلبية".
"هذه الأرض ليست لك"، هذا ما يتذكره أبو بشار المزارع والوجيه المحلي من صراخ أحد المستوطنين في وجهه في آخر ليلة أمضاها على أرضه في الجبال شرق رام الله. تبع ذلك تدمير المستوطنين لمنازل الفلسطينيين وتحطيم النوافذ وسرقة الحيوانات.
وتقول الجماعات الحقوقية والقرويون إن الجنود الإسرائيليين غالبا ما يساعدون ويدعمون أنشطة المستوطنين.
وقال درورو إتكس، مؤسس مجموعة كيرم نافوت، وهي مجموعة تتابع سياسة إدارة الأراضي منذ أكثر من عقدين: "لا شيء يحدث من دون الدعم العسكري، يمكن أن يكون مباشرا إلى حد ما، لكنه موجود دائما".
وقالت السلطات الإحتلال إنها "تتحرك بشكل منتظم" ضد البناء غير القانوني، لكنها لم تجب عن سبب بقاء البؤر الاستيطانية هناك وفشلت في الإجابة عن سؤال حول وجود الجنود الإسرائيليين ودعمهم أثناء هجمات المستوطنين العنيفة.
يشار إلى أن البؤر الاستيطانية ازدهرت في التسعينيات في ظل أول حكومة إسرائيلية يقودها اليميني بنيامين نتنياهو الذي يشغل الآن أيضا منصب رئيس الوزراء. وقد نمت منذ ذلك الحين لتغطي أكثر من 390 ألف كيلومتر مربع، وفقا لتقديرات "كيرم نابوت".
لكن البؤر الاستيطانية ليست هي الطريقة الوحيدة لترسيخ الوجود المدني الإسرائيلي، فمنذ عام 1967، أنشأ الاحتلال أكثر من 160 مستوطنة في جميع أنحاء الضفة الغربية، بأسطحها الحمراء الزاهية، وأسوارها العالية، وأشجار الصنوبر المستوردة التي تنتشر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبحلول أواخر التسعينيات، بدأت الحكومة الإسرائيلية في توسيع المستوطنات القائمة من خلال منح تصاريح إسكان، بدلا من بناء مستوطنات جديدة. وفي عام 2022، اعتُبر انتخاب الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية بمثابة نعمة لحركة المستوطنين.
واليوم، يوجد في الضفة الغربية ما يصل إلى 700 ألف مستوطن، أي 10 % من سكان الكيان المحتل البالغ عددهم حوالي 7 ملايين نسمة.
ومنح نتنياهو المستوطن بتسلئيل سموتريش، المؤسس المشارك لمنظمة ريجافيم الاستيطانية وزعيم الحزب الصهيوني الديني اليميني المتطرف، سلطة الموافقة على التخطيط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.
وفي العام الماضي، قدم الوزير خطة لإدخال نصف مليون مستوطن إضافي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تتقلص الأراضي الفلسطينية وإمكانية الوصول إليها، لكن المهجرين مثل أبو الكباش لم يفقدوا الأمل في العودة إلى رقعة خضراء.
وهو يقول: "الحياة مخيفة، لكننا راغبون بالعودة".-(وكالات)
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: فی الضفة الغربیة المحتلة الأراضی الفلسطینیة البؤر الاستیطانیة تشرین الأول أکثر من
إقرأ أيضاً:
“الخارجية الفلسطينية” تدين تسمية إسرائيل “يهودا والسامرة” للضفة الغربية
دانت وزارة الخارجية الفلسطينية مصادقة ما تسمى اللجنة الوزارية لشؤون التشريع لدى الاحتلال الإسرائيلي على مشروع قانون لاعتماد تسمية “يهودا والسامرة” بدلًا من الضفة الغربية.
وأفادت في بيان أن هذا المشروع وغيره من إجراءات الاحتلال لن ينشئ حقًا لإسرائيل في أرض دولة فلسطين، وهو باطل وغير شرعي وانتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتهديد سافر لأمن واستقرار المنطقة والعالم.
وأكدت في بيانها أن تلك الخطوة تعد تصعيدًا خطيرًا، وتأتي ضمن الخطوات أحادية الجانب غير القانونية للاحتلال، تمهيدًا لاستكمال ضم الضفة الغربية وفرض القانون الإسرائيلي عليها بقوة الاحتلال، وتقويض ممنهج لفرصة تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض وحل الصراع بالطرق السياسية السلمية، مطالبة بتدخل دولي عاجل لوقف محاولات الاحتلال تغيير الواقع السياسي والقانوني والجغرافي لأرض دولة فلسطين المعترف بها دوليًا.