أسباب أعمق.. وأسباب أكثر عمقًا: لماذا فازت المعارضة التركية؟!
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
#سواليف
أمسِ كانت #انتخابات_البلدية بتركيا، وأمسِ كانت #تركيا على موعد مع #زلزال يضربها بيدها لا بيد أعدائها؛ إذْ لم تأت نتائج الانتخابات معلنةً -فقط- عن فوز #المعارضة بالبلديات الكبرى، بل ومعربة عن #غضب_شعبي عارم على #أردوغان و #حزب_العدالة_والتنمية. والذي لا يختلف عليه اثنان من الناخبين -لا من المحللين المختصين وحسب- هو أنّ الفائز الغالب ليس أجدر من الخاسر المغلوب، ولا سيما في #إسطنبول التي شهدت فشلا ذريعا في السابق، فما الخطب إذن؟
الخير فيما وقع
بإجمال شديد أعلنها الرئيس صريحة مدوية: “الخير فيما وقع”، أجلْ.
وأي درس على وجه التحديد يمكن أن يكون قد وجد طريقه إلى مستودع الحكمة السياسية لديهم؟ فإنّ الدروس المستفادة من الشدائد تأتي على مستويات متباينة، فقد تقف الدراسات عند حدود العملية الانتخابية وأسباب الإخفاق المتعلقة بالدعاية وما شابهها من السلوك الانتخابي، وقد تذهب الدراسات إلى ما هو أعمق من ذلك بالتطرق إلى أسباب التصويت العقابي والغضب الجماهيري الذي تبدى بالأمس في الانتخابات، وقد تذهب التحليلات إلى ما هو أبعد من هذا وذاك، فتغوص في السنن الإلهية وما تفرضه في واقع الحياة، فإلى أيّ مدى يمكن أن تذهب كلمة الرئيس: “الخير فيما وقع”؟
العوامل الطافية على السطح
يأتي العامل الاقتصادي على رأس العوامل الظاهرة التي أثرت في أعصاب الناخبين، فالناخب هو ذلك المواطن الذي يرقب كل يوم أجهزة الدولة وهي تجري وراء التضخم ويجري وراءها، في دائرة مغلقة ملعونة، فكلما رفعت الفائدة لينخفض التضخم ارتفع التضخم واستدعى رفع الفائدة، وهو ذلك المواطن الذي يذهب إلى السوق ليشتري سلعة اشتراها أمس فيجدها قد فارقت ثمنها ذاهبة إلى فضاء أبعد، وهكذا بلا توقف، وليته إذْ يعيش هذه المأساة يثق بأنّ المسؤولين لديهم خطة سيصلون من خلالها إلى حلّ الأزمة ولو على المدى البعيد، وكيف يثق وهو يرى الخط ينعكس فجأة من خفض الفائدة بعنف إلى رفعها بعنف أشد، بينما مسيرة التضخم تمضي على خطّ صاعد لا تتوقف.
أسباب أعمق
لا يخفى على المتابعين للشأن التركيّ أنّ الشريحة المحافظة هي التي تمثل الكتلة الصلبة التي تدعم العدالة والتنمية، فإذا نشطت هذه الشريحة صعدت بالحزب بعيدًا عن مستوى الرسوب، وإذا فترت همتها وضعفت الدوافع التي تحركها انعكس ذلك على الحزب بالسلب، وهذا ما وقع في 2019م وعاد ليقع اليوم، هذه الشريحة العريضة أصيبت بالصدمة بسبب موقف الدولة التركية من قضية غزة، فقد كانت تنتظر -على الأقل- طرد السفير الإسرائيلي فإذا بها تفجع بأخبار عن صادرات للكيان الصهيونيّ إن صحت فهي داهية الدواهي، وليتها وجدت من مواقف الرئيس ما يدفع هذه الظنون، ولكنّ هذا لم يحدث، فهل نظنّ أنّ هذه الشريحة التي كانت تعدو في الشوارع من قبل نشوانة بقرار تحويل آياصوفيا إلى مسجد يمكن أن تقف اتجاه هذه المتغيرات صماء بكماء؟ أم إنّها ستعبر عن غضبها بمقاطعة الانتخابات أو بالانزياح إلى بديل كالرفاه الجديد ترى فيه -على ضعفه- البديل؟
أسباب أكثر عمقًا
قد تكون الحكومة معذورة في بعض ما اتخذته من إجراءات لضبط مسألة الهجرة، ولكنّها توسعت في هذه الإجراءات بما أدى إلى وقوع المستضعفين الذين لا سند لهم من الخلق تحت مطارق الأزمات؛ مما دفع الكثيرين منهم إلى هجرة اضطرارية تعرضهم لمخاطر جمة، هؤلاء المستضعفون كانوا يرفعون أيديهم بالليل والنهار داعين للرئيس وحكومته، وقد قال رسول الله: “وهل تصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟”.
أمّا التخلي عن المبادئ الكبرى في مقابل المصالح العاجلة فتلك قاصمة الظهر التي لا عاصم منها إلا المبادرة إلى التوبة، إنّ أهم ما كان يميز سياسة العدالة والتنمية ورئيسها هو الاعتصام بالمبادئ، ذلك الاعتصام الذي أثار غضب المفسدين والسفاحين في العالم وفي المحيط الإقليميّ، وقد كان هذا الغضب مخيفًا ومنذرًا بخطر كبير وشر مستطير، ومع ذلك صعد الحزب ورئيسه وسط كل هذه المخاطر والتهديدات، صعد بتركيا لتصبح رقمًا صعبًا، وصعد بالحزب ليستمر في سدة الحكم ربع قرن من الزمان بلا منازع، وصعد كذلك في جانب آخر بدأ اليوم ينحسر ويتراجع بشكل مخيف، وهو البعد الجيوسياسي والعمق الاستراتيجي، حيث استطاعت التجربة التركية أن تصبح حلمًا للشعوب العربية والإسلامية الطامحة في التغيير، واستطاع الرئيس أردوغان أن يصير لدى الشعوب المسلمة رمزًا يشار إليه بالبنان، وهذا بعد ليس بالهين، حتى في آثاره الاقتصادية على المدى البعيد.
عمق المراجعة ضرورة عاجلة
إنّ المراجعة التي تراعي كل الأبعاد القيمية والإنسانية إلى جانب الأبعاد السياسية والاقتصادية هي المطلوبة تحديدًا، أمّا إن جاءت المراجعة محصورة في الدواعي الظاهرة مطمورة تحت وطأة المصالح العاجلة فلن يتغير شيء، كلا بل سيتغير كل شيء، سيتغير إلى البديل الذي يعرف الجميع -بمن فيهم الناخب الغاضب- أنّه الأسوأ، وسيكون السبب هو معاندة السنن الإلهية. إنّنا نحسن الظنّ بالرئيس وحزبه، ونراهم أهلا لأن يسمعوا النصح ويستجيبوا للناصحين، فنقول لهم اعتصموا بالمبادئ التي تؤمنون بها، ولا تخشوا المفسدين ولا تقيموا وزنًا لمن سقطوا من حساب الشعوب من الزعماء الظلمة، واعلموا أنّ الله سيتولاكم إن اعتصمتم بمنهجه، فإن كان الاقتصاد هو العلة فإنّ الله قد قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ}، وعلى العلماء أن يقوموا بدورهم في الاحتساب والنصح، { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف انتخابات البلدية تركيا زلزال المعارضة غضب شعبي أردوغان حزب العدالة والتنمية إسطنبول ما وقع
إقرأ أيضاً:
لحظات من اللاوعي
وداد الإسطنبولي
هل سبق وأن حلمتم بشيء وتحقق في الواقع؟!
لطالما راودتني أحلام غريبة، تتحقق أمام عيني، وكأنها جزء من واقع لم أدركه بعد. أستذكر هذه الأحداث في نفسي الآن، وعادة أوثق ما يحدث لي في يومياتي؛ إلّا هذه الأحداث وثّقتها الذاكرة في رأسي وبُصمتْ بحفظ لأنها أحداث مستحيل أن تنسى.
لا أخفيكم سرًا، شعرت بسعادة غامرة يومها، ولكن سرعان ما حل محلها الخوف، لأن أخوتي يومها بدأوا ينظرون إليَّ بريبة وها أنا أبتسم فشر البلية ما يضحك.... فالشريط يعيد لي ما كان، الحمد لله تلاشى هذا الأمر الآن.
نعم لم تتلاشَ أحلامنا، ولكن الشعور الذي كنت أشعر به وتحقيق ما يحدث خفت حدته، والمواقف التي أراها وبُنيت سابقا في منامي خف تأثيرها، ولكثرة التأويلات حولي، لم يبق إلا أن يعدوني بركة البيت "هه هه".
فضَّلتُ بعدها الصمت والاحتفاظ بأسرار هذه الأحلام لنفسي.
الإنسان غالبًا ما يرى نفسه في أحلامه، محاصرًا في مشاهد تبدو غريبة أو مألوفة، وكأنها تأتي من مكان بعيد في العقل الباطن. قد تكون هذه الاحلام أكثر من مجرد مجموعة من الصور المبعثرة؟ ربما هي استجابة لذكرياتنا الماضية وقفت- موقف الاستعداد- لموقف حدث لم يكتمل ليحمل رسالة دفينة تنتظر اللحظة المناسبة للظهور؟
وأكيد منكم من مر عليه كما مر بي أنا بتجربتي وتستيقظون وأنتم في حالة من الذهول.
في أحد الأيام، تحدثت في هذا الأمر لصديقتي، وكما يقول المثل "جبتك يا عبد المعين تعين وجدتك يا عبد المعين تتعان"، فقد حدث لها موقف، ولكنها تختلف فهي لم تحلم، ولكن قررت في يوم أن تغير مسار طريقها للدوام ضجرت من الروتين اليومي للطريق المعتاد إلى العمل وأرادت التغيير. تقول: "اخترت طريقًا آخر في زقاق جانبي لم أكن قد مررت به من قبل، شعرت بشيء غريب، أن هذا الأمر قد فكرت فيه من قبل أو شاهدته إنها ملّت وأرادت أن تغير ومرت بهذا الزقاق وكل التفاصيل التي مرت بها حدثت لها سابقا".
فهل هذه مجرد أحلام عابرة؟ أم رسالة من عالم لا واعٍ!
تلك اللحظة كانت بداية رحلة لاكتشاف حقيقة لم أكن أدركها. جئت لأدرك أن الأحلام قد تكون ليست مجرد صور من الذاكرة؛ بل ربما هي إشارات من أعماق النفس، تحاول أن تكشف لنا شيئًا عن ماضينا، عن تجاربنا المنسية؛ بل وربما عن أشياء يجب أن نعرفها لنكمل مسيرتنا في الحياة.
أو ربما الأحلام هذه قد تكون مخرجًا لفهم أعمق للنفس. أو لبحث أعمق حول الذكريات المدفونة.
لكني في النهاية أدركت أن الأحلام ليست عبئًا، بل هي إشارات ترشدنا إلى أمور قد تكون حياتنا بحاجة إلى معرفتها لتكتمل. بل أيضًا دعوات للنمو الشخصي، لفهم أنفسنا بشكل أعمق.
مقولة سيجموند فرويد: "الأحلام هي الطريق الملكي إلى اللاوعي".
رابط مختصر