الأسباب التي تجعل من البعيد تفسير الفطرة على أنها دين الإسلام ..
٤ - ما نصَّ عليه الحديث القدسي في صحيح مسلم: ( خَلقتُ عبادى حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم ).
فالتحليل والتحريم بالدين قد جاء مع شرائع الرسل والأنبياء وليس مركوزاً في الفطرة ، فلو كانت الفطرة هي الدين لأخبرنا الله بأن التبديل قد وقع على الفطرة الفطرة.
٥ - التعارض بين تفسير الفطرة بأنها دين الإسلام وبين منطوق الحديث القدسي الصريح: (ياعبادي كُلُكم ضالٌ إلا مَنْ هديتُه فاستهدوني أهْدِكم ).
إذ كيف تكون العباد مفطورة على دين الإسلام وهُم في ضلال عام لا يمكنهم الإفلات منه إلا بهداية الله لهم؟
٦ - لو كانت الفطرة هي دين الإسلام فلماذا لم يوصِّ بها إبراهيم بنيه بل وصّاهم بالإسلام على الرغم من أنه لم تكن هناك ديانات اليهودية أو النصرانية أو المجوسية؟
٧ - البيان الإلهي بأن الهدى يكون خارجياً عن ذات الإنسان من خلال الرسل المنذرِين والمبشرين وأن مناط التوجيه لهم ومناط الثواب والعقاب مرهون باتباع ذلك الهدى : ( فإما يأتينكم مِنِّي هدى فمَنْ تبعَ هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ).
الأمر الثانى: الذي يتبين من القراءة المتأنية لمجمل النصوص القرآنية والحديثية بشأن الفطرة أن الإنسان لا يولد على إيمان بدين أو كفر بجحود ذلك الدين فهذا مما لا يتوافق مع التوجيهات القرآنية في آيات هداية الله للإنسان إلى قدرته الاختيارية بين الكفر والإيمان والتقوى والفجور ، ولا يتفق كذلك مع البيان الإلهى بشأن انتفاء العلم والمعرفة عن الإنسان عند مولده ، ومعلوم أن العلم والمعرفة من لوازم الإيمان بالدين. إذ كيف يؤمن الإنسان بدين ومايترتب عليه من اعتقاد وعمل وهو لايعلمه؟
ولذلك فالفطرة ليست شيئاً سوى عهد وميثاق الإقرار بالربوبية الذي قطعه بنو آدم على أنفسهم وهُم في حالة الذَّر بأصلاب أبيهم آدم : "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين".
وهذا العهد والميثاق قد جاء مشمولاً بالهدف منه ألا وهو إلزام الإنسان الحُجة على نفسه
لذلك لا ينكره الجاحدون والكفار في الدنيا : (ولئن سألتهم مَنْ خلقهم ليقولن الله) ، (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله).
فذلكم هو الإقرار بالعهد والميثاق الذي قطعوه على أنفسهم ، لكن الرسالات والأديان قد جاءت لتحقيق العبودية لله من خلال توحيد الألوهية الجامع بين العبادة والإيمان خاصة الإيمان باليوم الآخِر المستلزِم ضرورةً للعبادة لأجل ما فيه من ثواب وعقاب ونعيم وعذاب وذلك هو مناط العمل ومناط الجحود والاستكبار.
فمشركو مكة ماتوا كفاراً رغم إقرارهم بالربوبية لكونهم لم يؤمنوا باليوم الآخر ولم يعملوا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: لا تسألوا الله الصبر بل اللطف
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، بهذه الآية الكريمة يبدأ الدكتور علي جمعة حديثه حول فضيلة الصبر ومعناه في حياة المؤمنين، مؤكدًا أن الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد، بل هو منهج عميق يحمل أبعادًا إيمانية وروحية.
أنواع الصبر: ممدوح ومذموميوضح جمعة عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك أن الصبر ينقسم إلى نوعين: صبر ممدوح وصبر مذموم. فالصبر الممدوح هو الذي يكون "بالله، وفي الله، ولله"، أي أن يعتمد الإنسان على الله ويحتسب عنده، بينما الصبر المذموم هو "الصبر عن الله"، وهو أن يغفل الإنسان عن ذكر الله ويتجاهل حكمته في الابتلاء.
ويضيف: "ينزل الله علينا المحن لا انتقامًا منا، بل حبًا لنا. نحن صنعته، وهو ينظر إلينا برأفة ورحمة، وإذا تجلّى علينا بالجلال كسا ذلك الجلال بالجمال. فالمصائب تأتي لتذكرنا بالله، ولتعيدنا إلى الطريق المستقيم".
الابتلاء... رسالة حب ورحمةيشرح د. جمعة أن الابتلاء ليس عقابًا بل رسالة من الله، تحمل في طياتها تذكيرًا ورحمة. واستدل على ذلك بحديث النبي ﷺ: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". فالمصائب مثل الموت والكوارث تذكّرنا بضعفنا وافتقارنا إلى الله، وتحفّزنا على التوبة والعودة إلى العبادة الخالصة.
الصبر والصلاة... مفتاح الفرجيشير د. علي جمعة إلى ارتباط الصبر بالصلاة في الآية الكريمة، موضحًا أن الصلاة هي صلة العبد بربه، وهي مفتاح لتهذيب النفس والابتعاد عن الفحشاء والمنكر. كما أن الصلاة هي "خير موضوع"، فمن يسجد لله يجد الخير كله.
ويقول: "الصبر في الله ومع الله يرفعنا إلى مرتبة عظيمة، حيث يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. إنها جائزة عظيمة أن يكون الله مع الصابرين، ويجعلهم في مقام القرب".
لا تسألوا الله الصبر بل اللطفوحذر د. جمعة من طلب الصبر مباشرة في الدعاء، قائلاً: "سيدنا رسول الله ﷺ سمع رجلاً يدعو: اللهم أنزل عليّ الصبر، فقال له: سألت الله البلاء. لا تطلبوا الصبر، بل اسألوا الله اللطف، وإذا نزل البلاء قولوا: اللهم اجعلنا من الصابرين ومع الصابرين".
اختتم الدكتور علي جمعة حديثه برسالة إيمانية عميقة، مفادها أن الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد، بل هو باب لمعية الله ورحمته، وهو الوسيلة التي بها يرتقي الإنسان في مدارج الإيمان. وأكد: "الصبر بالله ولله وفي الله هو جوهر العبادة، وهو ما يضمن لنا الفوز بمعية الله ورحمته في الدنيا والآخرة".