يُواصل الاحتلال الإسرائيلي شن حرب الإبادة الجماعية على غزة للشهر السادس على التوالي منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023؛ مخلفًا ما يزيد علي 32 ألف شهيدٍ وأكثر من 75 ألف مٌصاب؛ مُنتهكًا كل الأعراف الإنسانية والدولية والقانونية لوقف العدوان وإيصال المساعدات الإنسانية الملحة والضرورية؛ في ظل تزايد حدة الدمار والمجاعة التي طال لهيبها ما يزيد على 2 مليون مواطن أعزل مُحولًا القطاع للأطلالٍ هُدمت عمدًا فوق رؤوس قاطنيها وتكسوها دماء الآلاف من الأبراء.

 

فعلى مدار الـ 6 أشهر من هولوكوست غزة؛ الذي يُشن بالقصف والقنص برًا وبحرًا وجوًا آناء الليل وأطراف النهار؛ يدفع ملايين المدنيين العُزل فاتورة عدوان الاحتلال الذي يأبى أن يمنح الحد الأدنى من الحياة الإنسانية للصغار والنساء والمدنيين العزل؛ مُصرًا تعميق إجرام الإبادة الوحشية حتى بلغت حصيلة قتل النساء يومًا نحو 37 أمًا يُقتلن كل 24 ساعة حسب إحصائية للهلال الأحمر الفلسطيني؛ فما أكد المتحدث باسم اليونيسف عمار عمار في حديثه مع "البوابة نيوز" أن الاحتلال قتل أكثر 13500  طفل في القصف المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن.. وإلى نص الحوار: 

المتحدث باسم اليونيسف عمار عمار في حديثه مع "البوابة نيوز"

بعد 6 أشهر من العدوان على غزة.. هل يمكن إطلاعنا على آخر تداعيات العدوان على الأطفال والنساء؟ 

بكل صراحة ووضح؛ الأطفال في قطاع غزة يعيشون في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية التي شهدها العالم خلال العقود الماضية وكابوس لا ينتهي من القتل والجرح المستمرين ليل نهار، وحسب آخر التقارير الواردة إلينا؛ فإن أكثر من 13500  طفل قتلوا حتى الآن في قطاع غزة؛ إضافة إلى الآلاف من الجرحى؛ ونتج عن القصف المُتواصل النزوح القسري لما يزيد 1.7 مليون شخص من منازلهم نصفهم من الأطفال الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية؛ فهؤلاء النازحون يعيشون في مراكز الإيواء (وهي مدارس تحولت لملاجئ ومراكز إيواء) ويعيشون في ظروف مُكتظة وصعبة جدًا بسبب العدد الهائل من الأشخاص التي يعيشون بها؛ وهم أيضًا يتشاركون الخدمات الأساسية الشحيحة والقليلة جدًا؛ من استخدام المرافق الصحية أو أماكن الاستحمام؛ وانعدام خدمات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب بشكل كاف. 

رفح تكتظ بكم هائل من النازحين قسرًا.. وكل 850 شخصًا يستخدمون مرحاضًا واحدًا.. ومكان واحد لاستحمام كل 6600 شخص

 هل يمكن أن تُحدثنا بوضوح أكثر عن الأوضاع الإنسانية لهؤلاء الملايين من النازحين قسرًا؟ 

إذا نظرنا على سبيل المثال إلى رفح؛ والتي يعيش بها الآن ما يزيد علي 1.2 مليون شخص؛ منهم ما يقرب من 900 ألف شخص من النازحين؛ فحسب المعايير العالمية لحالات الطوارئ الإنسانية فإنه يجب أن يكون هناك عشرون شخصًا كحد أقصى يستخدمون مرحاضًا واحدا؛ لكن في رفح بسبب الاكتظاظ الهائل للنازحين  يوجد مرحاض واحد فقط لكل 850 شخصًا تقريبا؛ أما بالنسبة لمرافق الاستحمام فهي أربعة أضعاف هذا الرقم؛ أي مكان استحمام واحد لكل 6600 شخص وهذا تجاهل فظيع للاحتياجات الإنسانية الأساسية والضرورية جدًا. 

لا مياه صالحة للشرب.. وحصول الفرد على لتر مياه كل 24 ساعة بـ “أعجوبة”    

وماذا عن توفر الحد الأدنى من مياه الشرب والخدمات الصحية والاحتياجات الأساسية؟ 

تشير المعايير العالمية إلى أن خلال أوقات الأزمات فإن كل شخص يحتاج إلى 15 لترًا من المياه يوميًا؛ و3 لترات من المياه يومًا كحد أدنى للبقاء على قيد الحياة؛ ولكن في غزة يعتمدون على أقل من 3 لترات من المياه في اليوم الواحد؛ حتى في بعض الأماكن أقل من لتر واحد على مدار اليوم الكامل من المياه الصالحة للشرب. 

أما التبعات الصحة النفسية؛ فإن القصف المتواصل على قطاع غزة أثر بشكل عميق وكبير على الأطفال من الناحية النفسية والاجتماعية؛ فالأطفال يعيشون في حالة رعب؛ ويُعانون من أعراض شديدة للصدمة؛ بما في ذلك الانفصال النفسي والقلق والخوف والكوابيس؛ واضطرابات النوم والذكريات وعدم القدرة على التحدث بالإضافة إلى ميول الانعزال.

فقبل السابع من أكتوبر كانت تقديرات الأمم المتحدة الرسمية تُشير إلى أن حوالي 50% من السكان من أطفال قطاع غزة بحاجة لدعم الصحة النفسية والاجتماعية؛ ولكن الآن مع المستوى الهائل من الدمار والظروف غير الإنسانية والنزوح التي يعيشها أطفال غزة خلقت واقعًا جديدًا مُروعًا فكل أطفال قطاع غزة بحاجة لنوع من الدعم النفسي والاجتماعي. 

الاطفال في غزة 

هل يتمكن الأطفال في غزة من الحصول على الحد الأدنى من الأغذية خلال شهر رمضان؟ 

إذا تحدثنا عن شُح الأغذية في غزة والحوجة الإنسانية والجوع، فحدث ولا حرج؛ فالوضع الغذائي في غزة حرج جدًا جدًا ويضع حياة مئات الآلاف من الأشخاص والأطفال خاصة في خطر مباشر؛ فقد رأينا خلال الأسابيع القليلة الماضية وفاة 23 طفلًا بسبب الجوع وسوء التغذية والجفاف "حسب التقارير الواردة"، وهذا ناتج العديد من العوامل فيما يتعلق بعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بشكل كبير وبشكل متواصل وبشكل آمن. 

فوصول المساعدات مُقتصرة على معبرين فقط؛ وهو غير كاف ويجب فتح جميع المعابر البرية مع قطاع غزة لضمان وصول المساعدات بشكل كبير جدا للاستجابة للاحتياجات الإنسانية الهائلة الموجودة في قطاع غزة؛ ولكن مع استمرار دخول المساعدات عبر معبرين فقط  وكمية المساعدات التي تدخل فإنها غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان وخاصة فيما يتعلق بمجال الغذاء. 

اليوم الوضع الغذائي والإنساني في غزة كارثي.. وطفل من بين كل ثلاثة دون العامين يُعاني من سوء التغذية الحاد 

استنادًا إلى التقارير التي تصلكم.. ما هو حجم أزمة الغذاء والمجاعة في غزة بعد 6 أشهر من الحرب؟  
حسب تقرير التصنيف المٌتكامل لمراحل الأمن الغذائي والصادر خلال الأيام الماضية فإن المجاعة وشيكة في شمال القطاع؛ خاصة وأن غزة تمتلك الآن أكبر نسبة من السكان عن أي مكان آخر حول العالم للذين يقعون في التصنيف الأكثر خطورة  منذ أن بدأت الهيئة تقديم تقاريرها في عام 2004  أي قبل هذه الحرب كان هزال الأطفال في قطاع غزة نادر؛ حيث أشارت التقارير إلى أن أقل من 1% من الأطفال دون سن الخامسة يُعانون من سوء التغذية الحاد؛ ولكن اليوم الوضع كارثي إذ يُعاني واحد من بين كل ثلاثة أطفال دون سن السنتين من سوء التغذية الحاد. 

انهيار أم على فقد ذويها 


وإذا لم يتغير وضع العمليات على الأرض فيما يتعلق بالسماح بوصول المساعدات الغذائية بشكل أكبر لداخل قطاع غزة وبشكل أكبر لشمال القطاع والذي هو بالطبع يُعاني بشكل واضح وأكبر ويحتاج إلى كميات هائلة من الغذاء والعلاجات التغذوية بشكل عاجل لأنهم كانوا مقطوعين عن المساعدات الإنسانية القليلة التي كانت تصل إلى شمال قطاع غزة مُقارنة بما كان يصل إلى جنوب القطاع واللي هو أيضا قليل مُقارنة باحتياجات السكان.

فيجب أن تكثف الجهود لتقديم تلك المساعدات ويجب أن يتم تسهيلها ولا تتعرض للعرقلة ورفع جميع القيود المفروضة على وصول المساعدات بشكل آمن وسريع عبر جميع المعابر وإيصالها لجميع المناطق داخل قطاع غزة. 

الأزمة الغذائية كارثية.. والاحتياجات الإنسانية تتزايد والوضاع من سيء إلى أسوأ 

هل ترى أن إسقاط المساعدات جوًا على غزة ساهم في تقليل حدة الأزمة الإنسانية؟ 

نحن في اليونيسيف ممتنون جدًا لاسقاطات المساعدات جوًا، ونقدر أي شيء يمكن أن يزيد من وارد المساعدة ووصولها لغزة؛ سواء كان ذلك عبر الوصول البحري أو الاسقاطات الجوية؛ لكن لا شك أن الوصول عبر الطرق هو الأكثر كفاءة لإيصال المساعدات بشكل كبير وضمان عدالة التوزيع لجميع الأشخاص والأسر؛ في ظل عدم قدرة عدد كبير من السكان للوصول إلى المساعدات التي يتم إسقاطها.

وفي ظل هذه المرحلة الحرجة فإن جهود إيصال المساعدات عبر البحر أو الجو هو جهد كبير مُقدر ويُخفف بشكل قليل من التداعيات الإنسانية الهائلة؛ ولكن ويجب أن يكون التركيز على ضمان وصول المساعدات عبر المعابر البرية حتى يتم إغمار غزة بالغذاء وهذا يكون أفضل حل للجميع؛ ونؤكد أنه لا يوجد سبب لعدم إدخال المساعات والتي تتزايد الحوجة إليها يومًا بعد يوم في ظل العدوان المتواصل لنحو 180 يومًا. 

حوجة الأطفال في غزة على الطعام 

المجاعة وشيكة في الشمال.. وغزة أعلى نسبة للسكان تحت تصنيف الأكثر خطورة

ماذا عن تعمد الاحتلال إعاقة عمل اليونيسيف وبعض المنظمات الأممية في غزة؟ 

في الفترة ما بين 1 إلى 22 مارس تم رفض أربع بعثات للمساعدات الإنسانية الأربعين المُوجهة إلى شمال غزة؛ وحسب تصريح منظمة الأونروا فإن المنظمة ممنوعة الآن من إيصال الغذاء والمساعدات إلى الشمال؛ مع العلم أن 50% من الغذاء المتجه للشمال تقوم الأونروا بتوصيلها؛ فبالتالي كل هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية التي هي هائلة بل وضع الغذاء سيكون أسوأ بمراحل مما هو عليه الآن. 

اليوم الوضع الغذائي والإنساني في غزة كارثي.. وطفل من بين كل ثلاثة دون العامين يُعاني من سوء التغذية الحاد 

هل تراجعت جهود اليونيسيف خلال الأشهر الـ 6 من العدوان على غزة.. وماذا تقدم الآن؟  

تواصل اليونسيف جهودها والمتركزة على دعم الأطفال والنساء في زمن الحرب وخاصة مع الواقع الحالي؛ ونحن متواجدون في قطاع غزة من قبل أحداث الـ 7 من أكتوبر وما زلنا مٌوجودين ولدينا فرقنا التي تعمل على الأرض بشكل مُتواصل في ظروف صعبة بل أشبه بالمستحيلة؛ من حيث القصف المتواصل والظروف الأمنية الخطرة؛ فموظفينا يعيشون كما يعيش جميع أهالي غزة في نفس الظروف الصعبة جدًا؛ ورغم كل التهديدات ما زلنا مُلتزمين وفرقنا مازالت ملتزمة بالعمل على الرغم من كل هذه الظروف بالعمل المساعدة وإنقاذ حياة السكان وخاصة الأطفال والنساء. 

دمار غزة 

نعمل بشكل أساسي من حيث توفير مياه صالحة للشرب وتوصيل النقد المُعتدد حيث وصلنا لأكثر من نصف مليون شخص؛ وهذا النقد المتعدد يسمح للعوائل بتلبية بعض احتياجاتها الأساسية من بعض الأسواق التي لا تزال موجودة؛ بالإضافة إلى ذلك نوفر بعض الملابس الشتوية للأطفال وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات توفير الأدوية العلاجية والمغذيات الدقيقة للأطفال المصابين بسوء التغذية بالإضافة إلى خدمات الصرف الصحي في بعض الملاجيء وبناء المراحيض للسكان خاصة وأن أكثر من 850 شخصا يستخدمون حماما واحدا في رفح؛ وهو الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الأمراض مع انعدام وجود المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي. 

كما نعمل على توفير مواد النظافة الشخصية والمواد الخاصة بالنساء؛ إلى جنب خدمات الحماية والبحث عن الأطفال المنفصلين والمفقودين عن عوائلهم وتقديم الحماية اللازمة لهم بالعمل مع الشركاء والعمل على إعادتهم لأسرهم ولم شملهم.

 كل الجهود المقدمة غير كافية أمام الكم الهائل من الاحتياجات.. وفتح المعابر وإدخال المساعدات المتنفس الوحيد للحد من الأزمة الإنسانية 

هل ترى أن جهود اليونيسيف خلال الأشهر الـ 6 من العدوان على غزة كافية؟ 

كل هذه النشاطات والجهود التي تقوم بها اليونيسيف على أرض الواقع في غزة؛ تحافظ فقط على الحد الأدنى المطلوب للحياة؛ ولكن غير كافية أبدًا حتى مع جهود المنظمات الدولية الأخرى فكل هذه الجهود للحفاظ على الحد الأدنى من الحياة؛ ويمكن زيادة كل هذه الخدمات والمساعدات برفع وإنقاذ المزيد من حياة الأطفال والأشخاص المتضررين من خلال رفع القيود المفروضة على وصول المساعدات بشكل أسرع وأكبر إلى قطاع غزة؛ وبالتالي كل هذه الجهود ستُساهم في تخفيف الأزمة ولكنها في النهاية غير كافية بسبب الاحتياجات الإنسانية الهائلة. 

دمار غزة 

صحيح أن بعض المنظمات لديها القدرة على الوصول وزيادة المساعدات وزيادة تقديم الخدمات لإنقاذ حياة الأطفال وعوائلهم المتأثرين بالحرب؛ ولكن إذا بقى الوضع سيئا كما هو عليه فإن عدد الوفيات بين الأطفال سيشهد انفجارا خلال الأسابيع والأيام القادمة خاصة إذا لم يتغير الوضع وظل كما هو عليه في قطاع غزة من حيث بيئة العمل الإنساني وإعاقة عمل المنظمات الدولية وخاصة في شمال قطاع غزة؛ خاصة وأن بوادر الكارثة رأيناها خلال الأيام الماضية بعد وفاة الأطفال؛ والتي يُمكن تفاديها فعلًا إذا ما تم فتح جميع المعابر للوصول إلى جميع المناطق داخل قطاع غزة بشكل آمن وسريع.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: متحدث اليونيسف غزة قصف مستشفى القدس الأردن إيران سوريا دمشق البيت الأبيض طهران القسام المقاومة الفلسطينية الملثم مصر رفح اجتياح رفح العدوان على غزة الضفة الغربية الهلال الأحمر فلسطين قصف غزة حرق مستشفى الصليب الاحمر من سوء التغذیة الحاد المساعدات بشکل وصول المساعدات الحد الأدنى من العدوان على فی قطاع غزة الأطفال فی یعیشون فی من أکتوبر القصف الم غیر کافیة من المیاه ما یزید على غزة أکثر من کل هذه ی عانی فی غزة ا واحد غزة من

إقرأ أيضاً:

الإمارات تقود العالم نحو استشراف المستقبل وجاهزية مواجهة الأزمات

أبوظبي: وام


اختتمت القمة العالمية لإدارة الطوارئ والأزمات 2025، أعمالها أمس في مركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك»، وسط توافق دولي لافت على ضرورة تسريع التحول نحو أنظمة استجابة أكثر تكاملاً وابتكاراً، وتعزيز العمل المشترك العابر للحدود في ظل بيئة عالمية تتسم بالغموض والتقلبات السريعة.
وجاءت القمة بتنظيم من الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، وبرعاية كريمة من سموّ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، وانعقدت على مدار يومين تحت شعار «معاً نحو بناء مرونة عالمية» بمشاركة دولية واسعة.

محطة استراتيجية محورية


وأكد علي سعيد النيادي، رئيس الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، أن القمة شكلت محطة استراتيجية محورية لترسيخ مكانة دولة الإمارات نموذجاً رائداً في مجال استشراف المستقبل وبناء منظومات وطنية ودولية متكاملة لإدارة الأزمات.
وقال إن القمة بما شهدته من مشاركات دولية رفيعة وتوصيات عملية، أثبتت أن الاستجابة للمخاطر العالمية المعقدة لم تعد مسؤولية وطنية فحسب، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب بناء جسور التعاون والتكامل بين الدول والمؤسسات، وتعزيز القدرات المؤسسية، وتطوير أدوات تحليل المستقبل، لافتاً إلى أن تعزيز المرونة لا يقتصر على تعزيز القدرات الأمنية أو التكنولوجية، بل يشمل أيضاً الاستثمار في الإنسان، وتبني سياسات مرنة تواكب التغيرات، وبناء ثقافة مجتمعية قادرة على التفاعل مع الأزمات باحترافية ومرونة.
وأضاف أن الجاهزية لا تُبنى في أوقات الأزمات، بل تُصنع في أوقات الاستقرار، ومن هنا فإن الهيئة تلتزم بمواصلة العمل مع كافة الشركاء لبناء منظومة وطنية ودولية مستعدة ومتكاملة تسهم في ضمان أمن المجتمعات واستدامة التنمية.
وأكد أن مخرجات القمة تمثل خريطة طريق طموحة للسنوات القادمة، وستكون محوراً لعدد من المبادرات والمشاريع التي ستطلقها الهيئة بالتعاون مع شركائها محلياً ودولياً.
وشهدت فعاليات اليوم الثاني للقمة كلمة رئيسية لفاديم سينيافسكي، وزير الطوارئ البيلاروسي، بعنوان «توقُّع اللا متوقَّع: تخفيف الغموض الاستراتيجي» ركز فيها على تعزيز الاستعداد لمواجهة العقبات غير المتوقعة بتوجه استراتيجي، فيما ألقى لي دي وو، نائب مدير مركز القيادة في وزارة إدارة الطوارئ الصينية كلمة رئيسية بعنوان «القيادة الاستراتيجية: تعزيز الصمود الوطني» استعرض فيها النهج الاستراتيجي للصين في إدارة الطوارئ، مع تسليط الضوء على نظام القيادة الموحد الذي يعزز القدرة الوطنية على الصمود، والوقاية من المخاطر، والاستجابة السريعة للكوارث.
وتضمنت المحاور الرئيسية لليوم الثاني من القمة محور إدارة الغموض: بناء المرونة في عالم متغير، إذ شهدت فعالياته سلسلة من الجلسات المتخصصة، بدأت بكلمة افتتاحية لحمد سيف الكعبي، مدير إدارة حوادث المواد الخطرة في الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، بعنوان «إدارة الغموض: الحفاظ على الوضوح»، سلّط فيها الضوء على أهمية استباق التحديات والارتقاء بمرونة أنظمة الطوارئ، من خلال تعزيز التفكير الاستراتيجي وسط بيئة عالمية مملوءة بالتقلبات.
وتلتها كلمة رئيسية لغراسيموف أنتون اندرفيج، نائب وزير الاتحاد الروسي للدفاع المدني وحالات الطوارئ وإزالة آثار الكوارث الطبيعية، بعنوان: «إدارة عدم اليقين من خلال التعاون الدولي في الاستجابة للأزمات»، تناول فيها آليات تعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف لتوحيد الجهود في مواجهة الأزمات الكبرى، مشدداً على أهمية بناء جسور الثقة وتقاسم الموارد والمعلومات بين الدول.

دور الذكاء الاصطناعي


وفي محاضرة «التعامل مع عدم اليقين: الذكاء الاصطناعي ومستقبل التواصل في الأزمات»، استعرض فيليب بورمانس، خبير التواصل الاستراتيجي، دور الذكاء الاصطناعي في صياغة خطط اتصال ديناميكية خلال الكوارث، وكيفية استخدامه لتعزيز الرسائل الاستباقية والوصول الفعّال إلى المجتمعات المتأثرة.
واختُتمت جلسات المحور بمحاضرة لمارتن ييتس، مستشار التكنولوجيا الحكومية في شركة «بريسايت»، بعنوان «توظيف البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي التوليدي لإدارة الاستجابة لحالات الطوارئ»، استعرض فيها حلول تقنية متقدمة لتسريع اتخاذ القرار وتحسين التنسيق بين الجهات المعنية عبر توظيف تحليلات البيانات والأنظمة الذكية، ما يعزز دقة الاستجابة وسرعة التعافي من الأزمات.
وفي جلسة «الاقتصاد المتكيف: نماذج جديدة للمرونة المالية» ركز محور الاقتصاد المتكيف على أهمية بناء اقتصادات مرنة قادرة على التكيف مع التحديات الطارئة والمخاطر المستقبلية.
واستهلت لوريتا هيبر جيرارديت، رئيس فرع المعرفة بالمخاطر والرصد وتنمية القدرات في مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، هذا المحور بكلمة بعنوان «الاقتصاد المتكيف: الاستثمار من أجل مستقبل أفضل»، تناولت فيها سبل تعزيز الاستثمارات التنموية المستدامة وبناء بيئة اقتصادية قادرة على الصمود في وجه الأزمات.
وتبعتها بجلسة ثانية بعنوان «تعزيز الاقتصاد: نهج قائم على تعديل المخاطر» أكدت فيها ضرورة تبني سياسات اقتصادية مرنة تعتمد على فهم دقيق لمخاطر الكوارث وتضمينها في صلب استراتيجيات التنمية، ما يتيح تعزيز المرونة الاقتصادية ويضمن استمرارية واستدامة الاقتصاد في مختلف الظروف.

بناء مستقبل مرن


وفي محاضرة «التوجه المشترك: بناء مستقبل مرن»، سلّط داغ ديتر، مستشار استثماري وخبير في الأصول التجارية العامة، الضوء على أهمية وجود منظومات اقتصادية قوية ومبتكرة تتسم بالمرونة وتستند إلى الحوكمة الفعالة والتخطيط طويل الأمد لضمان الجاهزية والاستقرار في مواجهة الأزمات.
وقدّم راشد عبد الكريم البلوشي، وكيل دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، كلمة بعنوان «تخفيف المخاطر لتحقيق اقتصادات مزدهرة» شدد خلالها على أهمية تنويع الاقتصاد والاستفادة من الشراكات الدولية والابتكار كركائز أساسية لتقليل التأثيرات الاقتصادية للأزمات، وتحقيق نمو شامل ومستدام.
واختُتم المحور بجلسة حوارية مشتركة بعنوان «التعاون العالمي: تعزيز الاقتصادات في أوقات الأزمات»، جمعت جميع المتحدثين في الاقتصاد المتكيف لمناقشة سبل تفعيل التعاون الدولي لتقوية دعائم الاقتصاد العالمي في ظل الأزمات، وذلك عبر تنسيق الجهود وتبادل الخبرات بهدف تعزيز المرونة الاقتصادية العالمية.
وقالت مريم ياعد القبيسي، المتحدث الرسمي للقمة العالمية لإدارة الطوارئ والأزمات 2025، في الكلمة الختامية التي أعلنت فيها أهم مخرجات وتوصيات القمة، إن القمة تُعتبر انعكاساً واضحاً للرؤية الإماراتية الراسخة بأهمية العمل المشترك وبناء جسور التواصل بين الدول، وقد أثبتت أن العمل الجماعي، حين يقترن بالرؤية والالتزام، بإمكانه أن يحول التحديات إلى فرص، ويصنع من الأزمات دافعاً للتطور.
وأضافت: «نحن، في دولة الإمارات، وبتوجيهات قيادتنا الرشيدة، نؤكد التزامنا بمواصلة دعم منظومة الاستجابة العالمية، عبر الاستثمار في العقول، وتطوير البنية التحتية الذكية، وتعزيز دور المجتمعات».
وأشارت إلى أن الهيئة أصدرت التقرير الختامي للقمة، والذي يضم خلاصة ما أنتجته نخبة العقول اللامعة ليكون بمثابة خريطة طريق للمستقبل، ونبراساً يهدي جميع الجهات ذات العلاقة في الخطط والاستراتيجيات والمشاريع المستقبلية، مؤكدة أن هذا التقرير المهم للتذكير بالمسؤوليات التي أخذناها على عاتقنا خلال هذه القمة لجعل العالم مكاناً أفضل.

وخرجت القمة العالمية لإدارة الطوارئ والأزمات 2025 بتوصيات:


التوصية الأولى، تعزيز التعاون الدولي لإدارة الطوارئ؛ إذ برزت الحاجة بشكل واضح إلى تعزيز التنسيق الدولي في مجال الاستجابة للأزمات، حيث أكد المشاركون عدم قدرة أي دولة على مواجهة الأزمات الكبرى بمفردها، ما يُبرز أهمية تبني نماذج فعّالة للتعاون الإقليمي، إضافة إلى تطوير بروتوكولات دولية موحّدة للطوارئ لتحقيق استجابة أسرع وأكثر تنسيقاً إلى جانب توسيع برامج التدريب العابرة للحدود في إدارة الأزمات بهدف تعزيز التوافق بين الجهات المسؤولة عن إدارة الطوارئ، إضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص لتوحيد الجهود وتكامل الموارد استعداداً للكوارث.
وتمثلت التوصية الثانية في بناء استراتيجيات مجتمعية لتعزيز المرونة، حيث أكد العديد من الخبراء أهمية تمكين المجتمعات المحلية في إدارة الطوارئ، مستشهدين بتجارب دولية رائدة أظهرت أهمية دور الإشراك المجتمعي في تعزيز المرونة والاستجابة للطوارئ والأزمات، إضافة إلى دمج برامج الاستعداد المجتمعي للكوارث ضمن السياسات الوطنية، إلى جانب تعزيز شبكات الاستجابة المحلية من خلال تأهيل الجهات المحلية وتزويدها بالموارد اللازمة، إضافة إلى ضمان شمولية استراتيجيات الاتصال أثناء الأزمات لتصل بفاعلية إلى جميع فئات المجتمع.
والتوصية الثالثة هي «توظيف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في إدارة الأزمات، برز الذكاء الاصطناعي كقوة مؤثرة في الاستجابة للطوارئ، حيث تم استعراض الخصائص والاستخدامات المتقدمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالكوارث، ورصد المخاطر، وتحسين كفاءة المساعدات الإنسانية، وتضمنت توصيات القمة، توسيع نطاق أنظمة الإنذار المبكر القائمة على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالكوارث وتعزيز الاستجابة الاستباقية وعمليات الإجلاء إلى جانب تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن المعلومات المضللة للحد من انتشار المعلومات المغلوطة خلال الأزمات، فضلاً عن تطوير منصات متكاملة لإدارة الأزمات بالذكاء الاصطناعي لتوحيد جهود الاستجابة بين مختلف القطاعات والدول».
وتضمنت التوصية الرابعة، تعزيز القيادة واتخاذ القرار خلال الأزمات، تم تسليط الضوء على أهمية القيادة خلال الأزمات، حيث أكد الخبراء ضرورة وجود قيادة مرنة وحاسمة قادرة على اتخاذ القرارات بسرعة وفاعلية، فيما شملت تضمين التدريب على القيادة في إدارة الأزمات ضمن مؤسسات الاستجابة للطوارئ لتحسين عمليات اتخاذ القرار، إلى جانب تشجيع القيادات على تبنّي إستراتيجيات تكيفية تعتمد على البيانات الآنية والتغيرات المستمرة خلال الأزمات، فضلاً عن تطبيق أدوات التقييم الذاتي لقادة الأزمات لمساعدتهم على تطوير أساليبهم بشكل مستمر.
وتضمنت التوصية الخامسة، تعزيز المرونة الاقتصادية لمواجهة الكوارث، تم التأكيد من خلال هذا المحور على أهمية الاستعداد الاقتصادي كعامل محوري في التعافي من الأزمات، حيث استعرضت القمة تجارب دول أثبتت أن امتلاك المرونة المالية القوية يسهم في سرعة التعافي من الصدمات الاقتصادية، فيما تضمنت، دمج السياسات الاقتصادية الواعية بالمخاطر ضمن التخطيط الوطني، إلى جانب تطوير أُطر لإدارة الميزانيات الحكومية بما يضمن توفير احتياطيات مالية مخصصة لمواجهة حالات الطوارئ، فضلاً عن توسيع نطاق آليات التمويل المبتكرة لتلبية احتياجات الاستجابة الإنسانية.
وتم خلال القمة توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون والعمل المشترك، حيث وقّعت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث مذكرة تعاون مع «مجموعة بيورهيلث»، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في مجالات الاستجابة الطبية للطوارئ والأزمات والكوارث، وتطوير منظومة الرعاية الصحية باستخدام أحدث التقنيات والحلول الرقمية، إلى جانب التعاون في إعداد برامج تدريبية وتخصصية، وتبادل الدراسات والخبرات العلمية، ووضع خطط استمرارية الأعمال.
كما أبرمت الهيئة مذكرة تفاهم مع «كلية أبوظبي للإدارة»، بهدف توطيد التعاون في مجال إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، والعمل المشترك في تصميم وتقديم برامج أكاديمية وتدريبية متخصصة، وتعزيز البحث العلمي المشترك، واستكشاف تطبيقات مبتكرة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
وشملت مجالات مذكرة التفاهم تنظيم مؤتمرات ومنتديات مشتركة تسهم في تبادل المعرفة، وتسليط الضوء على أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال الحيوي.
وفي إطار توسيع التعاون الدولي، وقّعت الهيئة مذكرة تفاهم مع وزارة حالات الطوارئ في جمهورية قيرغيزستان لتعزيز تبادل المعلومات والخبرات في مجال إدارة الكوارث والتقليل من آثارها.
وتنصّ المذكرة على تبادل الأبحاث العلمية والدعم الفني، والتعاون في مجالات الاتصالات والوقاية، وتوسيع نطاق العمل التطوعي، إضافة إلى تقديم المساعدة المشتركة في مواجهة آثار الكوارث الطبيعية والناجمة عن الأنشطة البشرية.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تقود العالم نحو استشراف المستقبل وجاهزية مواجهة الأزمات
  • الأونروا: الأطفال في غزة يعانون آثاراً مدمرة بسبب إغلاق المعابر
  • جوتيرش يحمل إسرائيل مسئولية منع دخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة
  • شاهد | الغزيون يعيشون بين ركام منازلهم في قطاع غزة
  • اقرأ غدًا في "البوابة".. غزة ساحة قتل.. الأمين العام للأمم المتحدة يندد بمنع إسرائيل المساعدات الإنسانية
  • جنوب السودان يسجل أسوأ تفشٍ لمرض الكوليرا بسبب نقص المساعدات الأميركية
  • أحمد عاطف يواصل جولاته الانتخابية.. وتفاعل كبير خلال زيارته لـ"البوابة نيوز"
  • “الأونروا”: أطفال غزة يعانون آثاراً مدمرة نتيجة الحصار ومنع دخول المساعدات
  • غوتيريش: غزة أصبحت ساحة “قتل” والمدنيون يعيشون في دوامة موت لا تنتهي
  • ماكرون: أشكر السلطات المصرية على جهودها الإنسانية لدعم سكان غزة