جوليان أوبير يكتب: وقفة مع ماكرون.. الرئيس الفرنسى يضع الشعب أمام فخين: مجتمعى وجيوسياسى
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
إن اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية له تأثير مثير وضار ومزعزع للاستقرار على نوعية الحوار السياسي في فرنسا. بعد تهديده بنتيجة أقل من ٢٠٪، وهو ما قد يقضي على بقية ولايته، قرر إيمانويل ماكرون في الواقع دفع التوتر إلى الحد الأقصى لإجبار خصومه على أن يحذوا حذوه أو اتخاذ مواقف عدائية محفوفة بالمخاطر. هذا هو منطق الانتحاريين.
بالنسبة لمعارضتها، فإن المناقشات المطروحة على الطاولة تبلور رؤى مستقبلية شديدة الكاريكاتورية، ولكنها للأسف محتملة للغاية. لأنه برغبته في إنقاذ نفسه، يكشف الرئيس ماكرون في الواقع رؤية مخيفة حقًا لأوروبا ومجتمعها ومستقبلها.
الورقة الأولى التي لعبها رئيس الجمهورية كانت استغلال القضايا المجتمعية. ويهدف إلى وضع رئيسي قائمة الاستعادة Reconquete والجمهوريين Les Républicains، ماريون ماريشال وفرانسوا كزافييه بيلامي، على التوالي، في وضع صعب، وكذلك الذين لديهم قناعات قوية بشأن هذه الموضوعات المؤثرة. فهو يسمح لك بالمرور إلى التقدم وإعادة تعبئة ناخبيك بتكلفة قليلة.
ولذلك بدأ إيمانويل ماكرون باختيار أن يُدرج في الدستور الضمانة الممنوحة للنساء للجوء إلى الإجهاض. لم يكن هذا التسجيل ضروريًا بأي حال من الأحوال، استجابة للقرار المثير للجدل الذي اتخذته المحكمة العليا الأمريكية بإلغاء حكمها القضائي في قضية "Wade vs Roe". بل كان الأمر تجميليًا، إذ لم يكن المطلوب من الدستور أن يكون قائمة "للضمانات". وأخيرا، قد يكون الأمر خطيرًا لأن حرية الضمير للأطباء الممارسين لم يتم دمجها في الصياغة الدستورية.
ولكن على الرغم من المعارضة، فإن هذه الاعتراضات لم تكن قوية بما يكفي لعرقلة قطار الإصلاح. لسوء الحظ، كان العديد من المسئولين الوطنيين المنتخبين خائفين من تصويرهم كاريكاتير على أنهم "مناهضون للإجهاض".
وكأن ذلك لم يكن كافيا، أعلن الرئيس بعد ذلك أنه يريد إدراج هذه الضمانة في الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، في نوع من السباق الذي لا نهاية له بهدف تعظيم تفوقه السياسي. كل هذا مجرد "محاولة لى ذراع صغيرة" كما كان يسأل نفسه: لماذا لا نعدل إعلان حقوق الإنسان لعام ١٧٨٩، ما دمنا موجودين هنا، أو ندرج هذه الضمانة في ميثاق الأمم المتحدة؟!.
الغرق في بئر نفط!
عندما يعتقد ماكرون أنه عثر على بئر نفط جيدة، فإنه يحفر عميقًا قدر الإمكان. ولكن مما لا شك فيه أن قصر الإليزيه، خوفًا من عدم وجود المزيد من الحفر قريبًا، قرر استكشاف حقل نفط مجتمعي جديد: القتل الرحيم.
موضوع حميم وحساس، وكان في عام ٢٠١٦ في فرنسا موضوع لقانون متوازن وتوافقي بشأن التخدير العميق، لذلك أصبح القتل الرحيم موضوعًا للحملة الانتخابية. قد نتفاجأ: هذا هو بالضبط الموضوع المؤلم الذي لا ينبغي بالتأكيد تسييس قضيته. لكن الإليزيه لا يهتم: لا يمكنك إعداد عجة ستراسبورج دون كسر القليل من البيض، وإذا كان عليك القتل الرحيم لبيت الدجاج في هذه العملية، فليكن!.
هنا مرة أخرى، ليست هناك مصادفة في التوقيت: في عام ٢٠١٩، خلال الحملة الأوروبية السابقة، واجه رئيس قائمة حزب الجمهوريين LR صعوبة في النقاش المتعلق بقضية فنسنت لامبرت، وهو رجل كان غارقًا في غيبوبة وكان طبيبه قد وصفه بأنه كان في حالة من النوم العميق. واتخذ قرارًا بالشروع في "وقف العلاجات والتخدير العميق والمستمر" في أسبوع ٢٠ مايو ٢٠١٩، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات. كان هذا القرار، الذي أثار جدلًا وطنيًا كبيرًا، قد كلف حزب الجمهوريين بضع نقاط.
من الواضح أن كل هذا يتعارض تمامًا مع مواقف ماكرون السابقة. أليس هذا هو نفس الرئيس الذي كان يتحدث قبل بضعة أشهر فقط عن "إعادة تسليح البلاد ديموغرافيًا"؟.. لو أعلن الرئيس إعادة التسلح العسكري للبلاد، وأعلن عن نقاش كبير حول الكتابة في الدستور ما يضمن القتال من أجل وطنه، لقال الجميع في أنفسهم: ربما هناك شيء مفقود، مثل استراتيجية إيجابية على سبيل المثال، ولوقفوا جميعًا مؤيدين.
من الواضح أن كل هذا مرتبط بحماقات أخرى تقوض الغرب، مثل إمكانية تغيير جنس الفرد قبل سن الرشد.
بطاقة أوكرانيا
بطاقة ماكرون الثانية لتقسيم النقاش هي أوكرانيا، مزاحه السري. أثبتت أوكرانيا أنها "الورقة الرابحة" التي سمحت له في عام ٢٠٢٢ بإعادة انتخابه من خلال جذب أصوات الكتلة المركزية المرعوبة من هجوم بوتين. يتعلق الأمر بوضع حزب التجمع الوطني في موقف صعب، حيث يشتبه، منذ أن قبل قرضا روسيا، بأنه "محب لبوتين". في الواقع، تميزت الانتخابات السابقة لعام ٢٠١٩ بحشد تييري مارياني لحزب الجبهة الوطنية. ومع ذلك، كان يُنظر إلى هذا الوزير السابق في عهد نيكولا ساركوزي على أنه موالٍ لروسيا. إنها أيضًا مسألة الانقسام مع حزب إيريك زمور، الذي لم يخف في السابق إعجابه ببوتين.
وللقيام بذلك، اعتمد الرئيس ماكرون على اتفاقية التعاون مع أوكرانيا، الموقعة في ١٦ فبراير، والتي تنص على المساعدات العسكرية والمالية وحتى الدعم من فرنسا لدخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ومثل هذه الاتفاقية - التي هي في الواقع معاهدة تحالف دون ذكر هذا الوصف - كان ينبغي أن تخضع لتفويض قانوني من البرلمان بموجب المادة ٥٣ من الدستور. ويخضع دخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي إلى مادة أخرى (٨٨.٥) تنص على تصويت محدد.
ماكرون لا يهتم ويفضل خرق القواعد الدستورية للتواصل وبالتالي أحال الأمر إلى البرلمان بموجب المادة ٥٠، أي مناقشة الاتفاق، يليه التصويت. وبالتالي فإن البرلمان لا يصدق على الاتفاقية ولكنه يقرر في وقت ما المناقشة بشأن جوهرها. وكما هو الحال مع الإجهاض، فهل يعني التصويت ضد الإجهاض رفض مساعدة أوكرانيا؟ والفخ موجود لأن الشعب الفرنسي لا يهتم بالتفاصيل القانونية والمنطق الثنائي. سيكون هناك "الأخيار" من جهة، و"الأشرار" من جهة أخرى.
ومع ذلك، ليس من السهل أن نذهب ونموت من أجل كييف. وبما أنه من الضروري لكي تنجح هذه الفخاخ أن يربط الرأي العام بالانتخابات الأوروبية، فقد وجد ماكرون أيضًا خارج حدودنا رأسًا تركيًا - كما فعل بشكل فظ في عام ٢٠١٩ - يسمح له بتجسيد النقيض. وفي القضايا المجتمعية، رأينا لذلك تزدهر المحرمات ضد فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، خلال اجتماع النهضة الأول، الذي لم يتردد رئيس قائمة النهضة (الحزب الرئاسي) في إدراج أوربان مع أشباح هتلر وموسوليني. وفي الموضوعات الجيوسياسية، وصف ماكرون القادة الأوروبيين المعادين لحلوله بالتدخل فى أوكرانيا بالجبن، ولم يتوان عن الرد على أولاف شولتز المعادي لأي تدخل على الأرض.
إن بناء أوروبا من خلال إهانة جيرانها لا يبشر بالخير في المستقبل. ومع ذلك، وبعيدًا عن الكلمات، فإن الاستغلال المكيافيلي للصلاحيات التي يمنحها الدستور للرئيس لتعزيز نتيجة حزب النهضة في الانتخابات الأوروبية هو أمر متواضع. ستجعلك تبتسم إذا لم ترسم صورة مخيفة للمستقبل.
مستقبل فرنسا ٢٠٢٧
باعتباري مواطنًا أوروبيًا، أشعر بالدوار حقًا.. في الموضوعين الحميمين، القتل الرحيم والإجهاض، لدي موقف أساسي معتدل إلى حد ما: أعتبر أن هذه أفعال خطيرة، لكني أستطيع أن أفهم أن البعض يلجأ إليها، إلى الحد الذي لا نتجه فيه نحو التقليل. تظل الحقيقة أنني لا أرغب مطلقًا في الانتقال إلى مجتمع لا يستجيب فيه الإجهاض والقتل الرحيم لحاجة فردية بل لمطلب اجتماعي. أنا أومن بالحياة وليس بثقافة الموت. إن المجتمع الذي يصممه إيمانويل ماكرون مخيف. هل سيكون للغرب الأفق الوحيد لمناقشة نهاية الحياة أو انقطاعها؟ هل ينبغي لنا أن نفرح بعدم وجود آفاق أخرى سوى تخفيف المعاناة؟ إن السماح بتمرير النصوص التي تقترحها الحكومة بشأن هذه الموضوعات لا يعني التصديق على الانزلاق البطيء نحو عالم ألدوس هكسلي الجديد الشجاع؟
لقد أذهلني كيف أن الأحياء ــ في كل الأحوال أولئك الذين بقوا على قيد الحياة ولا يريدون أن يموتوا ــ لا يثيرون اهتمام ماكرون. لقد تدهورت قدرتهم الشرائية، وصعوبات الإسكان التي يواجهونها، وتعرض أمنهم للخطر بسبب تهريب المخدرات، ومستقبلهم مرهون بالديون الفادحة التي تتحملها البلاد.. ألا يستحق كل هذا القليل من الوقت البرلماني؟
وفيما يتعلق بالموضوع الجيوسياسي، هنا مرة أخرى، فإن الأفق الذي يرسمه ماكرون، أي أفق أوروبا المنجرفة إلى حرب ضد روسيا، ليس مطمئنًا على الإطلاق. لا أستطيع أن أحمل نفسي على الصفير تجاه الحرب العالمية الثالثة. لا شك أن اليمين لا يريد أن يتخلى عن أوكرانيا، ولكن هناك فرقا بين إنقاذ رجل من على متن قارب تهدده سمكة قرش وبين الغوص في الماء لمواجهة الوحش بيديك العاريتين. أليس من الجنون أن ندع الرئيس يتخيل للحظة واحدة أن حياة جنودنا يمكن أن تتعرض للخطر في حرب ليست حربنا؟.
ومن خلال سعيه الدائم إلى الانقسام، يزيل ماكرون كل الفروق الدقيقة أو الاعتدال في المواقف التي يمكن للمرء أن يتخذها بشأن موضوع معقد. ولهذا، وبما أننا مطالبون بالاختيار، كنت سأعارض، لو كنت برلمانيًا، الفخين المجتمعي والجيوسياسي الذي نصبهما ماكرون، لأنني أجد أنهما يدفعاننا نحو الهاوية الحضارية.
هذه الفترات الفاصلة ليست مرضية.. سوف نحتاج إلى جيل أو جيلين للتعافي من فترة هذا الرئيس الكارثي. ماذا سيبقى من فرنسا في ٢٠٢٧؟
جوليان أوبير: سياسى فرنسى انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أُعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022، وهو حاليًا نائب رئيس الحزب الجمهورى ورئيس الحركة الشعبية «أوزيه لافرانس»، يكتب عما يعتبره فخين ينصبهما الرئيس الفرنسى لشعبه، أحدهما مجتمعى والآخر جيوسياسى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جوليان أوبير الانتخابات الأوروبية إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي القتل الرحیم فی الواقع کل هذا فی عام
إقرأ أيضاً:
منير أديب يكتب: دستور مؤقت أم أسلمة دائمة؟ إعلان دستوري يكرس الصلاحيات في يد الرئيس ويستثني المكونات السورية من معادلة الحكم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثار توقيع الرئيس السورى المؤقت أحمد الشرع الكثير من المخاوف بعد توقيعه على الإعلان الدستوري، والذى رفضته أغلب المكونات السورية، خاصة وأنّ الإعلان ينص على أسلمة المجتمع السوري، ولا يعترف بباقى المكونات سواء غير العربية أو حتى تلك المختلفة فى العقيدة الدينية والمذهب.
توقيع الرئيس السورى على مسودة الإعلان الدستورى جاء بعد توقيع سابق مع القائد العسكري، مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، على بنود اتفاق يذهب لدمج قواته والتى قد تصل إلى مائة ألف مقاتل مع باقى القوات الأمنية السورية فى دمشق، كما أنه يتيح للسلطة فى دمشق حكم المناطق التى كانت خاضعة للقوات الكردية فى شمال شرق سوريا.
توقيع الإعلان الدستورى قد يكون بداية انقلاب على اتفاق المبادئ مع المكون الكردي، الذى كان يأمل أنّ يكون جزءً من المجتمع السورى العربى دون التخلى عن هويته، كما أنّ الإعلان أثئار المخاوف لدى باقى المكونات السورية، مثئل الدروز والإزيديين والزرادشت وباقى المكونات المختلفة عقائديًا ومذهبيًا وعرقيًا.
الإعلان الدستورى يُلمح إلى توجه القيادة العامة فى سوريا إلى السيطرة الكاملة، وتغيير ملامح المجتمع المتنوع وفق تصورات هذه القيادة، ليست فقط التصورات الإسلامية وإنما الفقهية أيضًا التى يُراد فرضها على المجتمع.
هذه القراءة تخص بنود مسودة الإتفاق وما ترمى إليه ودلالاتها وانعكاسها على المصالحة السورية بعد أحداث الساحل التى راح ضحيتها عدد ضخم من المدنيين على يد قوات الأمن العام والميلشيات المسلحة المتحالفة مع قيادة السلطة الحالية.
دستور إسلامى ورئيس لا يُعزل
مسودة الإعلان الدستورى نصت على أنّ الإسلام هو الدين الرسمى للدولة، ليس هذا فحسب، ولكنها نصت أيضًا على أنّ الفقة الإسلامى هو المصدر الأساسى للتشريع، كما أنها ضمنت بقاء رئيس الجمهورية دون عزل من أى من السلطات الأخرى، وهنا نص الإعلان الدستورى على فترة انتقالية مدتها ٥ سنوات.
حاولت السلطة الحالية تبرير إعلانها بخصوص عدم وجود سلطة أخرى تكون قادرة على عزل الرئيس، بأنّ الشعب هو المخول بهذا العزل! من المفترض أنّ المؤسسات التى يتم إنشاؤها وفق الإعلان الدستورى تكون معبرة عن الشعب، وبالتالى تكون مخولة بعزل الرئيس إذا رأت ذلك، على أنّ تكون هذه المؤسسات معبرة بحق عن الشعب بكل أطيافه.
صحيح البرلمان الذى يتم تدشينه سوف يكون ثلثه معين من قبل إدارة الرئيس أحمد الشرع، إلا أنّ الإعلان لم يخول له قرار العزل، بل لم يكن مطروحًا من أساسه العزل، مع العلم أنّ البرلمان سوف يتم تشكيله من لون واحد بدعوى التوافق، خاصة وأنّ القيادة الحالية بررت تعين الحكومة الحالية من طيف واحد واستثنت كل المكونات السورية، بأنّ الفترة الانتقالية لا بد أنّ يكون فيها التعيين من طيف واحد، حتى يمكن للعالمين التوافق والاتفاق نحو أهداف واحدة، مبرر غير منطقى وسوف يُعاد تكراره مع بقية المؤسسات الأخرى.
وهنا تهدف القيادة العامة فى سوريا إلى تأصيل وجودها وجذورها بحيث يصعب معه أى محاولات لتلاشيها أو استثنائها من المشهد السياسى ربما مستقبلًا، وفى نفس الوقت تهميش باقى الطوائف والمذاهب والمختلفين عقائديًا مع السلطة الحالية، هذا التهميش على المستوى السياسى والاجتماعى أيضًا.
وهنا افترض الإعلان الدستورى أنّ يكون رئيس الجمهورية مسلم، فلم يُراع المواطنة ولم يتم اعتمادها كمرجعية فى التعامل مع الوطنيين وفق الحقوق والواجبات، ولكنه وضع شرط الديانة والعرق حتى يتولى رئاسة البلاد.
لا يمكن للمكونات السورية الأخرى أنّ تقبل بهكذا دستور لا يمثلها، وإنما يُعبر عن المكون العربى ويضع الإسلام شرطًا لتولى رئاسة الدولة، وهنا يحرمها وفق الدستور من حق الترشح أو الفوز بدخول قصر الشعب.
صحيح الموجود مجرد إعلان وليس دستورًا كاملًا متوافقًا عليه، لكنه يُكرس لدستور آخر سوف تكون نصوصه بعيدة عن تمثيل المكونات السورية الأخرى؛ فإذا كان هذا هو الإعلان، فكيف يكون الدستور؟ حتمًا سوف يسير على نفس خطى الإعلان، بل لن يكون معبرًا عن باقى الطوائف السورية الأخرى.
الأزمة الأخرى فى الإعلان الدستورى أنه يعتمد على الفقة الإسلامى كمصدر أساسى للتشريع، وكما هو معروف الفقة هو إنتاج بشرى متغير، مبنى على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وبالتالى المسلم ليس مُلزمًا بما فهمه الفقهاء، لأن هذا الفهم قد لا يُناسب العصر وقد يكون مناقضًا للنص الديني، الأول متغير والثانى ثابت.
وهنا لا يمكن الاعتماد فى الدستور بشكل أساسى على متغير، خاصة وأننا فى دولة بها مكونات مختلفة مذهبيًا وعرقيًا، كما أنّ هناك نت يدين بديانات أخرى خلاف الإسلام.
يعتمد أغلب الجماعات الدينية على تصور فقهى واحد، تؤول من خلاله النص؛ بمعنى أنّ الذين يرفعون السلاح ويقتلون باسم الدين يستندون إلى فتوى ابن تيمية التى يتحدث فيها عن قتال الطائفة الممتنعة عن تطبيق شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة والمتواترة، والقتال هنا ليس للمنع وإنما لجحد الوجود، مع أنّ الذين أخذو بهذه الفتوى استبعدوا سياقها، والذى كان يُقاتل المسلمين فيها التتار.
وهنا معلوم أنه يتم استنساخ الفتوى وتغيرها زمانًا ومكانًا، وهذا ما يؤكد أنّ الفقه متغير، ولا يمكن أنّ تأخذ ببعض ما فيه فى مجتمع متنوع قد لا يُطيقة، وهنا تم استثناء الشريعة الإسلامية كمصدر أساسى ورئيسى للتشريع أو أحد مصادر التشريع إلى اعتماد الفقة الإسلامي.
وهنا تبدو أغلب البنود الأخرى فى مسودة الإعلان، والتى تنص على حرية التعبير والإعلام والنشر والصحافة لا قيمة لها، كما تبدو ضمان حرية المرأة أمرٌ مشكوك فيه، وهناك رؤى فقهية لا تُسلم بحق المرأة بل تحط من قدرها، وهنا يبدو التناقض فى مواد الإعلان، أو تبدو الدعائية فى طرح عدد من البنود والتى تتعلق بالحرية عمومًا وبحرية المرأة على وجه الخصوص.
خطورة القول، أنّ الرئيس لا يُعزل، وسوف يحكم باسم الفقه المتغير، وهو ما يضع الدولة بكل مكوناتها فى حالة الفوضى، وقد يمهد الطريق أمام نزاع طائفي، خاصة وأنّ السوريين يأملون فى دولة مدنية تحوى كل الطوائف والمذاهب والأديان والعرائق، والإعلان قد خيب آمال وطموحات الشعب السورى أولًا وطموحات كل المكونات السورية ثانيًا.
عروبة سوريا وتمثيل المكونات السورية
لا أحد يختلف على عروبة الدولة السورية، ولكن الاتفاق الذى تم مع المكون الكردى فهم على أنّ الدولة السورية لا تمثل العرب فقط، ولن تكون عربية، لكنها سورية تحوى كل الطوائف الأخرى، مثل الدروز والكرد كمثال، وهو ما أعاد نبرة الرفض من قبل المكونات السورية غير العربية، والتى تُريد أنّ تكون جزءًا من المجتمع العربي، ولكن تحتفظ بهويتها وشخصيتها غير العربية فى نفس الوقت.
لا يوجد تمثل حقيقى للمكونات السورية، خاصة وأنّ الدين والشريعة الإسلامية أو الفقة الإسلامى باتت هى عصب بناء الدولة وفق الإعلان؛ وكان يأمل السوريون أنّ يكون الدستور ومسودته معبرًا عنهم، فلا دين للدولة، ولكنها ترى كل المكونات وتحترم كل الأديان والطوائف المختلفة فيها.
هناك مكونات سورية لا تؤمن بالأديان السماوية، وفق تصورات الفقهاء، وهؤلاء قد تُقام ضدهم الأحكام أو قد يُحاكموا على خلفية معتقدهم، الذى يُخالف الإعلان الدستوري، وقد تكون هناك مواد فى الدستور بعد وضعه تُعبر عن رؤية هذا الفقة لهؤلاء المختلفين.
وهنا تبدو أزمة المشرع ونية السلطة الحالية، التى تُريد أنّ تعصف بكل المختلفين معها وإنّ صرحت بخلاف ذلك، وقد يُعطيها الفقه تصورًا لهذا، فالكثير من الجماعات الدينية تعتمد على رؤية فقهية أكثر من اعتمادها على نص ديني، صحيح الرؤية الفقهية مستنبطة من النص الديني، ولكنها قد تُخالفه أو عفا عنها الزمن ولا أنّ نتحرر منها، وهذا موجود فى أبواب كثيرة فى الفقة.
وهنا يمكن القول، إنّ الإعلان الدستورى قد يمهد الطريق أمام صدام طائفى وقد تكون حرب أهليّه، وفى أحسن الأحوال قد يتكرر المشهد اللبنانى فى سوريا بتنوعاته ويبنى نظام الحكم على المحاصمة، ولذلك أحداث الساحل المأسوية مهدت الطريق للحرب الأهليّة ولعل الإعلان الدستورى مهد باقى الطريق للمصير المجهول.
سيناريوهات غائبة
ما زال الباب مفتوحًا أمام سوريا نحو بناء الدولة، هذا لن يحدث إلا لو تم احترام كل المكونات السورية بلا استثناء، فضلًا عن تمثل هذه المكونات فى الدولة، مسودة الإعلان الدستورى لا تبنئ بذلك والدستور الذى يتم وضعه بعد٥ سنوات لن يختلف كثيرًا عن الإعلان، بل سوف يستثنى كل المكونات بلا استثناء.
الحل الوحيد هو استيعاب كل الطوائف والمذاهب، كما يتم إعلان دولة مدنية يتم احترام قيم المواطنة فيها، فلا تميز لعرق أو دين أو مذهب على الآخر، بل لابد من عدم رفع هذه الشعارات حتى لا يتم جر سوريا إلى حافة الهوية، ما دون ذلك سوف يواجه الحكام الجدد طواحين الهواء ولن يستطيع بناء دولة قوية.
ولذلك نضع السيناريو الأهم والمنطقى والذى تستطيع سوريا من خلال القفز إلى المستقبل وقطع الطريق أمام أى قتنة مذهبية أو طائفية أو عرقية، كما سوف يتم إزالة أى حالة احتقان من القاموس السوري، وهنا تبدو أهمية الدفع بدستور يُعبر عن كل السوريين فى كل مكان من أرضة.
لا بد ألا تُعطى السلطات جميعًا فى يد رئيس الدولة، هناك عبارات فضفاضة، ولكن فى النهاية هناك أزمة من وراء اختطاف الدولة بدعوى الثورة، فالتغيير بهذه الصورة لن يدوم طويلًا، كما أنه يفقد السلطة لحاكمة فى دمشق قدرتها على التغيير، كما أنه يفقدها شرعيتها مع الوقت، وإنّ لم ينزعها أحد على السلطة.
إدراك الخطأ قد يُساعد فى حل المشكلة والقفز بالدولة الوليدة قفزات للأمام، وهو مازال غائبًا عن مدركات القيادة الحالية، وإنّ كنت أرى صعوية تحقيق ذلك، فهو يصل إلى مرحلة الاستحالة، وفق فهمنا للقناعات الأيديولوجية التى يؤمن بها النظام السياسى فى دمشق.
صحيح المستقبل غائم وغامض ولكن يمكن تجاوزه بمستقبل أكثر اشراكًا لو تم اشراك كل الطوائف والمذاهب، ولو عبرت الدولة عن كل مواطنيها وليس على طائفة أخرى، مازالت الفرصة سانحه وما زال الباب مفتوحًا، الوقت ليس فى صالح الاستقرار فى سوريا ولا يجب الاعتماد على سيناريو واحد يتم فرضة بالقوة.