لجريدة عمان:
2025-01-10@20:30:29 GMT

قانون البصمات الحيوية .. نحو عدالة ناجزة

تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT

ساهمت الثروة العلمية التكنولوجية في مجالات الطب الحيوي في تأمين حياة أفضل للإنسان، وتعزيز أمن المجتمع، خاصة ما يتعلق بمجال الهندسة الوراثية واستخدام البصمة الحيوية، والتي ساعدت في كشف الكثير من الأمراض المستعصية وعلاجها من جهة، وتحديد الهوية من جهة أخرى كالمتعلقة بكشف وتحديد هوية الشخص المجرم أو المفقود.

وتغيرات العالم وتطوراته المتلاحقة، والطفرات العلمية الحديثة، والعولمة الرقمية، فضلاً عن الكثافة السكانية، انعكست في تحدٍ على مجالات عدة، لاسيما على مجال العدالة الجنائية. ولا يمكن استيعاب هذه التحديات إلا باستثمار التقدم العلمي والتقني، وإعداد التشريعات الوطنية بشكل يتواكب مع متطلبات العصر والتغيرات السريعة.

إن المتأمل للسياسة التشريعية في سلطنة عمان، ليلحظ بوضوح مضيها وفق منهجية تتابعية بنائية مدروسة، وخطط مدعومة بالحقائق العلمية، على النحو الذي يأخذ واقع الحال في الحسبان، وتراعي تدرج الثقافة المجتمعية وتطور البنية التحتية، والغايات الوطنية والتوجهات العالمية.

ولذلك كله، وتحقيقاً لمقتضيات النظام الأساسي للدولة ومساندة القوانين الجزائية والتكامل معها، وما قضت به رؤية 2040 من إيجاد منظومة قضائية متطورة ومرنة، توظف تقنيات المستقبل وتوطن أفضل الممارسات العالمية بما يتواكب مع تطور العصر وسرعته وفق أعلى المعايير تحقيقاً للعدالة الناجزة والتي تنعكس إيجاباً ومباشرة في تعزيز الأمان المجتمعي، جاء المرسوم السلطاني رقم (21 /2024) بإصدار قانون البصمات الحيوية، ممثلاً نقلة نوعية في المنظومة التشريعية العمانية، ومواكباً للمستجدات العلمية والتقنية، واضعاً الإطار القانوني لعملية جمع واستخدام وحماية البيانات المتعلقة بالبصمات الحيوية، والتي هي الخصائص المميزة القابلة للقياس، لتحديد هوية الشخص وتمييزه عن بقية الأشخاص، مثل: البصمة الوراثية، وبصمة الأصابع والكفوف، وبصمة الوجه، وبصمة العين.

صدر قانون البصمات الحيوية بتاريخ 26 مارس 2024م، ونُشر في الجريدة الرسمية العدد رقم (1539) الصادر يوم الأحد الموافق 31 مارس 2024م، وعليه دخل حيز النفاذ الإثنين الموافق 1 أبريل 2024م. ويتضمن القانون 18 مادة مقسمة على أربعة فصول، يتضمن الفصل الأول التعريفات، والفصل الثاني قاعدة بيانات البصمات الحيوية، والفصل الثالث عينات وبيانات البصمات الحيوية، بينما نص الفصل الرابع على العقوبات.

وتكمن أهمية هذا القانون في تعزيز أحد أبرز مقومات المحاكمة العادلة وهي افتراض قرينة البراءة، حتى تثبت إدانة المتهم بحكم قضائي بات مبني على الجزم واليقين، وهو حق دستوري وحق إنساني دولي بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فأضحت التشريعات الجنائية الحديثة تميل إلى الاستعانة بالأدلة العلمية وعلى رأسها البصمات الحيوية، لحجيتها في الإثبات الجنائي ما لم يثبت عكس ذلك، بموجب المادة (6) من هذا القانون، باعتبارها من الوسائل شديدة الدقة في الكشف عن الهوية، كونها ثابتة ومتفردة بين كل شخص وآخر.

علاوة على أن البصمة الوراثية كأحد أنواع البصمات الحيوية، وهي السمات الحيوية أو النمط الجيني للمواقع غير المشفرة عالية التباين في الحمض النووي الكروموسومي الناتجة عن تحليل الحمض النووي، ولا تتكرر إلا في حالات التوأم المتطابق، تتفرد بعدة خصائص عن غيرها من الأدلة العلمية، كإمكان استخلاصها من الحامض النووي من أي خلية في جسم الإنسان - عدا خلايا الدم الحمراء - إضافة إلى تعدد مصادر الجين البشري، حيث يمكن الحصول عليه من اللعاب أو الشعر أو الأنسجة البشرية مما يجعله كافياً للاعتماد عليه في حالة خلو مسرح الجريمة من بصمات الأصابع والكفوف مثلاً .

كما تبرز أهمية هذا القانون في وجود قاعدة بيانات البصمات الحيوية وهي نظام تقني تخزن فيه بيانات البصمات الحيوية، والتي يمكن للجهات المختصة بجمع الاستدلالات والتحقيق والمحاكمة الاستعانة بها بسرعة وسهولة في تحديد هوية الشخص وعلاقته بالجريمة المرتكبة، أو في أي حالات تقتضيها المصلحة العامة. بالإضافة إلى تمكين الجهات المختصة من إجراء فحص البصمة الوراثية في حالات اغتصاب القصر وفاقدي الأهلية، أو لتحديد هوية الجثث المجهولة، أو حالات الاشتباه في المواليد أو ضياعهم أو اختلاطهم بسبب الحوادث والكوارث، وتعذر معرفتهم.

علاوة على الموثوقية العلمية والتقنية لنظام البصمات الحيوية، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى تسريع وتيرة العمل القضائي بدءاً من إجراءات جمع الاستدلال والتحقيق الجنائي إلى المحاكمة، بالتكامل مع أحكام قانون الإجراءات الجزائية والقوانين ذات الصلة، وانسجاماً مع اختصاصات ومهام الجهات ذات العلاقة وتعزيز كفاءتها في التوصل للمتهمين والمتورطين في الجرائم واتخاذ ما يلزم من إجراءات، وذلك في ظل الانفتاح الاقتصادي والتطور التقني، وزيادة الكثافة السكانية ما انعكس على تطور وتنوع أساليب الجريمة.

ومن جانب آخر، تعد البصمة الحيوية من الوسائل العلمية الحديثة والمتطورة، وحتى تعطي أساسها القانوني الصحيح والسليم، يستوجب استخدامها على قدر كبير من الحيطة والحذر، تفادياً للأخطار المحتملة والناجمة عن تطبيق تقنيات الهندسة الوراثية، وحتى لا تخرج عن أغراضها القانونية والمرجوة من استعمال البصمات الحيوية، إلى جانب الموازنة بين ما توصلت إليه التقنيات والعلوم الحديثة وبين حماية حقوق الإنسان؛ فأكد المشرع في المادة (2) من هذا القانون على وجوب احترام كرامة الأشخاص وحرمة حياتهم الخاصة وحماية بياناتهم الشخصية في أثناء مراحل جمع العينات والبصمات الحيوية.

كما حصر المشرع مصادر بيانات البصمات الحيوية في خمسة مصادر وفق المادة (3) من القانون ذاته، كالأثر الحيوي المرفوع من موقع الجريمة أو من الجثث والأشلاء المجهولة، أو العينة الحيوية المأخوذة من المتهمين والمحكوم عليهم جنائيا.

إضافة إلى الضوابط الفنية لعملية جميع العينات والآثار الحيوية والبصمات وإجراء الفحوصات، بأن تُجرى من قِبل المختصين في مختبر جنائي مهيأ ومجهز بأكثر الأجهزة حداثة ودقة لإجراء هذا الفحص.

كما أولى المشرع الاهتمام والحماية بالطفل بأن حظر جمع العينة الحيوية المرجعية منه إلا بحضور ولي أمره أو من ينوب عنه قانوناً. كما حظر على المؤسسات الصحية الخاصة إجراء فحص البصمة الوراثية إلا بعد الحصول على ترخيص من الإدارة المختصة.

ومما لا شك فيه، بأن للبصمات الحيوية وبياناتها الخصوصية والسرية، فقد منع المشرع الاطلاع عليها إلا بإذن من المفتش العام أو من يفوضه، فضلاً عن حظر استخدامها في غير الأغراض المنصوص عليها في هذا القانون بموجب المادة (4). مؤكداً على ذلك بإيراد عقوبات صارمة على من أفشى أياً من البيانات، أو خالف أحكام هذا القانون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البصمة الوراثیة هذا القانون

إقرأ أيضاً:

مشروع قانون المسئولية الطبية.. يستهدف الطبيب أم يحمي المرضي؟

تسبب النقاش المستمر حول مشروع قانون المسئولية الطبية في اثارة الجدل، حيث شهد مجلس النواب تفاعلاً كبيراً من مختلف الأطراف حول هذا المشروع. 

تحالف مصرفي لتمويل مشروع تصنيع الحاصلات الزراعية في مصر.. تفاصيل  تأجيل انعقاد الجمعية العمومية

هذا التفاعل أثّر بشكل مباشر على الجوانب التنظيمية لنقابة الأطباء، مما أدى إلى تأجيل انعقاد الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الأطباء، والتي كان من المقرر أن تُعقد في اليوم التالي.

 ومن المتوقع أن يستمر هذا الجدل في التأثير على العلاقة بين الأطباء والهيئات التشريعية، مما يرفع من وتيرة النقاش حول هذا المشروع وأثره على المهنة والحقوق القانونية للأطباء.

أكد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، أن مشروع قانون المسئولية الطبية ما زال في مرحلة النقاش وأن الحكومة تبذل جهدًا للاستماع لآراء الأطباء وتنفيذ ما يتوافق مع الدستور. 

 حماية الأطباء من الاعتداءات 

وأضاف أن المشروع يتضمن بنودًا تهدف إلى حماية الأطباء من الاعتداءات بمختلف أشكالها، سواء بالإشارة أو القول أو التهديد أو الفعل.

كما تضمن القانون إنشاء لجنة عليا للمسئولية الطبية، تتبعها لجان فنية من الخبراء والمتخصصين من الكوادر الطبية، التي ستنظر في الشكاوى الطبية. 

وأشار عبدالغفار إلى أن المشروع يفرق بين المضاعفات الطبية التي قد تحدث كجزء طبيعي للعمل الطبي والخطأ الطبي الجسيم الناجم عن الإهمال أو الرعونة وعدم اتباع المعايير العلمية المتعارف عليها.

 ولفت إلى أن تحديد ما إذا كان الخطأ الطبي جسيمًا أم لا سيكون من اختصاص اللجنة العليا للمسئولية الطبية التي ستتخذ القرارات بناءً على تقييم اللجان الفنية المتخصصة.

أوضح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن مشروع قانون المسئولية الطبية يتم إعداده بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية، معبرًا عن ثقته في أن القانون سيصدر بصيغة ترضي الجميع. وأكد مدبولي أن الهدف الرئيسي للقانون هو تحقيق توازن بين حماية حقوق الأطباء وحقوق المرضى، مع الحفاظ على التعاون المستمر بين الحكومة، نقابة الأطباء، ولجنة الصحة بمجلس النواب.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن مشروع القانون جاء استجابة لطلبات الأطباء، حيث تم التركيز على مشكلات عدم وجود حماية كافية للأطباء وما يتعرضون له من مشكلات قانونية. كما أضاف أن القانون يهدف إلى تنظيم حقوق الأطباء وحمايتهم في إطار احترام حقوق المرضى.

وفيما يتعلق بمسودة مشروع القانون، أكد مدبولي أن هناك تعاونًا مستمرًا مع لجنة الصحة في مجلس النواب ونقابة الأطباء، مشيرًا إلى أن الاختلاف في وجهات النظر أمر طبيعي في أي عملية تشريعية، ولكن الهدف النهائي هو الوصول إلى صيغة توافقية تحقق العدالة لجميع الأطراف.

وأكد الدكتور أسامة عبدالحى، نقيب الأطباء، أن الفترة الحالية حاسمة بالنسبة لمستقبل ممارسة الطب في مصر، مشيرًا إلى أن مشروع قانون المسئولية الطبية سيكون له تأثير كبير على هذا المستقبل.

 وأعرب عبدالحى فى تصريحات تلفزيونية، عن قلقه من أن إقرار القانون بالمسودة الحالية سيشكل "كارثة"، وهو ما يستدعي ضرورة أن يتم التوصل إلى قانون منضبط ومتوازن.

وأشار نقيب الأطباء إلى أن النقاش حول القانون يجب أن يشمل جميع الأطراف المعنية، مثل نقابة الأطباء ومجلس النواب، للوصول إلى صيغة قانونية تحافظ على مصلحة الأطباء والمرضى معًا.

 وأضاف أنه من المهم أن يحقق القانون التوازن بين حماية حقوق الأطباء وضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة.

وأوضح عبدالحى أن فكرة مشروع القانون بدأت في عام 2016، نتيجة العديد من المشاكل التي يواجهها القطاع الطبي في مصر، مشيرًا إلى أن الهدف هو الوصول إلى قانون يعالج هذه التحديات بطريقة منضبطة تضمن استمرارية العمل الطبي وتحمي حقوق الجميع.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • قانون المسؤولية الطبية بين خدمة المريض وحماية الطبيب
  • المحكمة العليا الأميركية تنظر في قانون حظر «تيك توك»
  • المحكمة العليا الأميركية تنظر في قانون حظر "تيك توك"
  • مشروع قانون المسئولية الطبية.. يستهدف الطبيب أم يحمي المرضي؟
  • صحية الشورى تواصل تدارس مشروع قانون ذوي الإعاقة
  • إسرائيل: دفع مشروع قانون بالكنيست لإحباط التوصل لصفقة تبادل
  • بدء مناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية.. صوت الدراما يصل لـ قبة البرلمان
  • (نص) .. قانون الاستثمار الجديد
  • هل يؤثر موت المتهم على انقضاء الدعوى في مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟
  • قانون بريطاني جديد يجرم إنشاء مقاطع فيديو مزيفة غير أخلاقية