الإسلام وأهل الكتاب.. الكتب المنزلة
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
لقد أنزل الله على أنبيائه كتبًا، هدايةً للناس للإيمان به والعمل بشرائعه، وأول نبي ذُكِر بأن له كتبا هو إبراهيم، حيث ورد في القرآن بأن له صُحُفًا: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)، وعندما تُذكَر الصُحُف فيه فهي صُحُفهما. والقرآن نفسه: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) عبس:13، وقد ربط الله بين ما جاء به القرآن وهذه الصُحُف بقوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) الأعلى:18-19، إذًا؛ ما جاء به القرآن من الهدى ليس أمرًا بدعًا، فهو ما في تلك الصُحُف، وليس لأهل الكتاب احتكار الوحي لهم.
القرآن.. نزل مُفصّلًا بلسان عربي: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فصلت:3، ولم يكن النبي يعلم به قبل بعثته: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) يوسف:3. وقد أُنزل القرآن لتعقله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف:2، ولم ينزل دفعة واحدة: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) الإسراء:106، ودعا إلى تدبره ليُتيقن بأنه من عند الله: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء:82. هكذا رسم القرآن الصورة عنه للناس ليؤمنوا به. فكيف قدّم نفسه لأهل الكتاب؟
أهل الكتاب.. يعلمون أن القرآن تنزيل رباني: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) الأنعام:114، وهم يعرفون ذلك كمعرفتهم أبناءهم: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ) الأنعام:20، ولذلك؛ دعاهم إلى الإيمان به: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ) النساء:47، وخاطبهم بأن الرسول محمدًا جاءهم بكتاب يبيّن كثيرًا مما يخفون من كتبهم: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ) المائدة:15، بل أن الله دعا نبيه أن يسألهم إن خالجه الشك فيما جاءه، فهم يعرفون بأنه لا يمكن إلا أن يكون إلهي المصدر: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يونس:94.
لقد كانت ردة فعل أهل الكتاب تجاه القرآن على موقفين:
- الإيمان به.. وأغلب أصحابه نصارى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْكَ) الرعد:36، و(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) القصص:52-53، فقد جاء موافقًا لما كانوا عليه من هدي الأنبياء، ومنه: (كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونُ بِهِ) العنكبوت:47، (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) آل عمران:199.
- الكفر به.. وأغلب أصحابه يهود: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) آل عمران:23، بل سعوا للصدِّ عنه بالخداع: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) آل عمران:72-73.
أما بنو إسرائيل -والمقصود هنا اليهود- فعلماؤهم يعلمون بأن القرآن وحي كالذي أوحي للنبيين: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الشعراء:197، ولذلك؛ دعاهم إلى الإيمان به: (وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) البقرة:41، وقد بيّن لهم بأنه جاء ليحل مشكلة الاختلاف الديني لديهم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) النمل:76، ورغم كفرهم به إلا أن بعضهم آمن: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) الأحقاف:10.
أما التصور الذي قدّمه القرآن عن التوراة والإنجيل.. فعندما يذكر أهل الكتاب؛ فهو يقصدهما بالكتاب: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) المائدة:68. لم يحدد القرآن زمن نزول التوراة، ولا على مَن أنزلت، وإنما ذكر بأنها أنزلت بعد إسرائيل: (إِلَّا مَا حَرَّمَ إٍسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ) آل عمران:93، ولا توجد آية تصرّح بأنها أنزلت على موسى، وأصرح آية في هذا الشأن: (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا) الأنعام:91؛ ومع ذلك؛ فهي لا تنص صراحةً على التوراة، فقد تكون هناك كتب أخرى جاءت لموسى. أما الإنجيل فذكره القرآن بلفظ الإتيان على عيسى: (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ) الحديد:27.
التوراة والإنجيل.. أنزلهما الله هدايةً للناس: (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) آل عمران:3-4، وكان الأنبياء يحكمون بالتوراة: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) المائدة:44. وقد وصف الله الأنبياء بالإسلام ولم يعتبرهم يهودًا، فهم خارج «الطائفية الدينية». ويبدو أن نسخة التوراة زمن النبي محمد لم تكن هي التي لدى اليهود والمسيحيين اليوم، فربما أنها ضاعت، وهي التي كان فيها حكم الله: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ) المائدة:43، وقد طالب القرآن أهل الكتاب أن يقيموا التوراة والإنجيل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المائدة:66. وهدّد الله أهل الإنجيل إن لم يحكموا بما أنزل فيه: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة:47، وكذلك؛ هذا الإنجيل ربما يكون قد ضاع، أو من الأناجيل التي لا يعترف بها المسيحيون، ويسمونها المنتحلة.
شاع لدى المسلمين منذ القِدَم تحريف التوراة والإنجيل، ويستدلون عليه بالقرآن، ولكن لا يوجد نص صريح عليه، فالآية: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ) النساء:46؛ لم تذكر تحريف اليهود للتوراة، وإنما ذكرت «الْكَلِمَ» وبيّنت التحريف فيه، ومثله قول الله: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) المائدة:13. وأما قوله: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ) آل عمران:78، فهو «ليُّ اللسان بالكتاب»، وليس تحريفًا في النص المكتوب، كما أنه لم يُعرّف المقصود بـ«الكتاب». وكذلك آية الأنعام:91 السابقة تبيّن بأنهم يخفون كثيرًا من «الكتاب»، والإخفاء ليس التحريف.
وأما الآية: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة:75؛ فهي تتحدث عن بني إسرائيل الذين يسمعون القرآن ثم يحرّفونه، وهو تحريف ما يسمعونه منه ليصرفوا الناس عنه، وهذا خارج نطاق حفظ الله للذكر القرآني. ومثله ما ورد في المائدة:41.
ختامًا.. شكّلت مسألة تحريف التوراة والإنجيل جدلًا دينيًّا وعلميًّا واسعًا، ولم يعد التحريف الذي أصابهما خافيًا، وهذا ما يجعل التفريق بين النُسَخ المحرّفة وتلك التي تحدث عنها القرآن ضروريًّا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التوراة والإنجیل أهل الکتاب آل عمران ال ک ت اب تحریف ا الص ح ف
إقرأ أيضاً:
دعاء سورة الفاتحة.. اقرأه بإخلاص واطلب من الله ما تريد
دعاء سورة الفاتحة اقرأه بإخلاص ثم اطلب من الله ما تريد ، يسترعي انتباه الكثيرين، لتعلقه بتلك السورة العظيمة والتي تجعل هذا الدعاء يحمل معه الكثير من الأمل والرجاء والاستجابة لارتباطه بسورة الفاتحة التي تعد من أعظم سور القرآن الكريم بحسب ما جاء في نصوص كثيرة بالسُنة النبوية الشريفة، بل إن فضل سورة الفاتحة بلغ عِظمه أنه ارتبط بعبادة الصلاة، أحد أركان الإسلام الخمسة وعماد الدين، حيث لا يقبل الله صلاة العبد دون قراءة سورة الفاتحة، بما يجعل دعاء سورة الفاتحة اقرأه بإخلاص ثم اطلب من الله ما تريد بوابة للأحلام لا يتركها عاقل دون أن يطرقها، فجميعنا بحاجة شديدة لمثل دعاء سورة الفاتحة فبالدعاء نتخلص من البلاء والهموم ويرزقنا الله تعالى بالخير الكثير.
من أعظم سور كتاب الله عزّ وجل، وقد وردت في فَضلها الكثير من الأحاديث النبويّة الصحيحة، ومنها ما رُوي عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المعلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ حَتَّى صلّيت، قال: فأتيته، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأعلمنَّك أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: نَعَمْ {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ».
كما جاء في الحديث القدسي أنّ الله يقول: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال الله: مجدني عبدي أو قال: فوض إلي عبدي، وإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل».
وجاء منه : «اللّهم يا رزاق السائلين، يا راحم المساكين، ويا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، يا ولي المؤمنين، يا غيّاث المستغيثين، إياك نعبد وإيّاك نستعين، اكفني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمّن سواك يا إله العالمين، وصلّى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين».
دعاء سورة الفاتحة لقضاء الحوائجورد أنها وسيلة للتواصل بين العبد وربه، لذلك نجد أن قراءة سورة الفاتحة بتأمل وتدبر يقوي علاقتك وتواصلك مع الله سبحانه وتعالى، وهي تعطي شعور بالقوة والإحساس بأنك في معية الله، يحدثك ويثني عليك، وتخيل أن الملائكة يكلمون الله عنك كلما قرأت الفاتحة.
ومن أهم ما ذكر فيها شفاء المرضى والرقية الشرعية والاستعانة بالله تعالى لتحقيق كل الحوائج ، وتساعد العبد في تيسير أموره وحلها ، كما أنها من أكثر السور غذاء للروح حيث تقي من أمراض الحسد.
وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي فَإِذَا قَالَ : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَل.
الدعاء بسر الفاتحةورد فيه أن التوسل بسر الفاتحة أو بسر جاه الفاتحة كقول الشخص: اللهم بسر الفاتحة اغفر لي.. فالذي يظهر أنه لا مانع منه لأن سر الفاتحة هو جماع المعنى الذي أراده الله تعالى، وأنزل الكتب من أجله، وعليه مدار جميع العبادات. وهذا المعنى هو كلام الله غير مخلوق بل هو صفة من صفاته والتوسل بصفات الله مشروع، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله: أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع سرها في الأربعة، وجمع سر الأربعة في القرآن، وجمع سر القرآن في الفاتحة، وجمع سر الفاتحة في هاتين الكلمتين "إياك نعبد وإياك نستعين" ولهذا ثناها الله في كتابه في غير موضع من القرآن كقوله: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ {هود: 123}
ورد فيه أن الأولى تجنب الدعاء بهذه اللفظة لأنها غير واردة عن السلف، وقد يكون المقصود بذلك عند بعض الناس أو الطوائف غير المعنى الذي ذكرناه.
فضل سورة الفاتحةوقد شرّفها الله سبحانه وتعالى بأن افتَتح بها كتابه، كما أنّه فرض على المُسلم قراءتها في كلّ ركعةٍ من ركعات صلاته كي تصحّ؛ فضل سورة الفاتحة .. لا تقبل الصلاة إلا بها، فقراءة الفاتحة ركن من أركان الصلّاة لا تُقبل الصّلاة إلا بها، وقد قيل عنها بأنَّ آياتها تجمع معنى جميع آيات القرآن الكريم، ولو قُرِئَت بتدبّر لوُجِد بها حقًّا كلّ ما في القرآن الكريم من صفات الله جلَّ وعلا، وقصص الأمم السّابقة.
لا تقبل الصلاة إلا بها حيث تُعتبر قراءة سورة الفاتحة في الصّلاة بمثابة افتتاح التّخاطب مع خالق هذا الكون لعبادته ليقبل هذه العبادة، والدّعاء من سائله، وتوبة عبده وتوسّله، فيقول النّبي عليه الصّلاة والسّلام في الحديث الذي يرويه عن ربه سبحانه وتعالى في الحديث القدسيّ: (قسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْني وبَيْنَ عبدي نِصفَيْنِ فنِصفُها لي ونِصفُها لعبدي ولعبدي ما سأَل. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : اقرَؤوا يقولُ العبدُ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، يقولُ اللهُ: حمِدني عبدي. يقولُ العبدُ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، يقولُ اللهُ : أثنى علَيَّ عبدي. يقولُ العبدُ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، يقولُ اللهُ: مجَّدني عبدي وهذه الآيةُ بَيْني وبَيْنَ عبدي. يقولُ العبدُ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فهذه الآيةُ بَيْني وبَيْنَ عبدي ولِعبدي ما سأَل. يقولُ العبدُ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فهؤلاءِ لِعبدي ولِعبدي ما سأَل).
لا تقبل الصلاة إلا بها فقد فرض الله على كلّ مسلمٍ قراءة سورة الفاتحة في كلّ ركعةٍ يؤدّيها، وجُعلت ركنًا من أركان الصلاة لا تُقبل الصلاة إلّا بها، يكرّرها العبد على الأقل سبعة عشرة مرة كل يومٍ، وذلك مصداقًا لقول رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: (لا صَلاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفاتِحَةِ الكِتابِ)، وقال رسول الله: (كلُّ صلاةٍ لا يُقرَأُ فيها بفاتحةِ الكِتابِ فهي خِداجٌ كلُّ صَلاةٍ لا يُقرَأُ فيها بفاتحةِ الكِتابِ فهي خِداجٌ كلُّ صلاةٍ لا يُقرَأُ فيها بفاتحةِ الكِتابِ فهي خداجٌ)، ويُقصد بلفظ خِداج الفساد، قراءة سورة الفاتحة في الصلاة تتحقّق فيها المناجاة بين العبد وربه، وعلى المصلّي أن يستحضر المعاني السابقة؛ ليحقّق الصلة بينه وبين ربه.
قد وردت العديد من الفضائل والمميزات لسورة الفاتحة، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها: أفضل وأعظم سورةٍ وردت في القرآن الكريم، وذلك مصداقًا لقول رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ، قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ».
وفي هذا الحديث بيانٌ أنَّ سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن الكريم، وقد سُميّت في نصّ الحديث بالسّبع المثاني، ووصفها النّبي عليه الصّلاة والسّلام بالقرآن العظيم، فكانت بذلك اختصارًا لكتاب الله كلّه، حيث جاء فيها توحيد الله سبحانه وتعالى بأقسامه الثّلاثة؛ توحيد الرّبوبية بقوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)، وتوحيد الأسماء والصّفات بقوله تعالى: (الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين)، وتوحيد الألوهية بقوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين).
كما لم يرد أفضل منها في الكتب السماوية، قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفْسي بيَدِه، ما أُنزِلَ في التوراةِ، ولا في الإنجيلِ، ولا في الزَّبورِ، ولا في الفُرقانِ مِثلُها»، لسورة الفاتحة ميزةٌ مهمةٌ؛ إذ إنّها تشتمل على معاني القرآن بشكلٍ عامٍ فيما يتعلق بالتوحيد والأحكام وأحكام الجزاء، ولذلك سُميّت بأمّ القرآن وأمّ الكتاب كما ورد عن النبي- صلّى الله عليه وسلّم-، وفي العادة يقال إنّ للشيء أُمًّا إن كان له مرجعًا يرجع إليه، وعلامةً تُقصد ويُتّجه إليها، ولذلك فقد أوجب الله قراءتها في الصلاة.
سورة الفاتحة ومستحبات عند قراءتها· يستحبّ التأمين فور الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة أو سماعها، أي قول: "آمين"، ودليل ذلك قول الرسول- صلّى الله عليه وسلّم-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا فرَغ مِن قراءةِ أُمِّ القُرآنِ رفَع صوتَه وقال: آمينَ).
· كما يستحبّ ذلك للمصلي سواءً كان منفردًا أو في جماعةٍ، إمامًا أو مأمومًا، ودليل ذلك ما ثبت عن الإمام مسلم في صحيحه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا تُبَادِرُوا الإمَامَ إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذَا قالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولوا: آمِينَ).
· قسّم العلماء سورة الفاتحة إلى ثلاثة أقسام؛ فأولها رحمةٌ، وأوسطها هدايةٌ، وآخرها نعمةٌ، وتتمثل الرحمة بالعقيدة الصافية ومعرفة الله تعالى، أمّا الهداية فتكون بالعبادة المذكورة في وسط السورة، واتّباع المنهج السليم والسير على الطريق المستقيم والقيام بأوامر الله من النعم التي أنعم بها الله على عباده.
· تدلّ سورة الفاتحة على أنّ الأصل في التربية الإسلامية أن تكون بصورةٍ جماعيةٍ، وذلك ما دلّ عليه استخدام ضمير الجمع في أكثر من موضعٍ من السورة.
· بيّن الله -تعالى- أن القرآن الكريم أساس الهداية وعمودها، وذلك في بيان العلاقة والرابط في نهاية سورة الفاتحة وبداية سورة البقرة، إذ ورد طلب الهداية في آخر الفاتحة، وبدأت سورة البقرة في بيان أنّ القرآن هو طريق الهداية، إذ قال: (الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ).