لجريدة عمان:
2025-03-03@17:37:01 GMT

لم نعرف بعد كيف نتغلب على داعش

تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT

كريستوفر كوستا -

كولين كلارك -

برغم كل انتصارات مكافحة الإرهاب التي حققتها الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم داعش ـ وهي انتصارات كثيرة ـ فإننا لا نعرف بعد كيف نهزمها.

لقد أدى هجوم إرهابي استهدف قاعة للحفلات الموسيقية في العاصمة الروسية موسكو في الثاني والعشرين من مارس إلى مقتل أكثر من مائة وثلاثين شخصا وإصابة كثيرين آخرين بجروح خطيرة.

فكانت تلك الهجمة أحدث تذكرة دموية بأن تنظيم داعش - وخاصة فرعه في خراسان، المعروف بداعش خراسان النشط في أفغانستان وإيران وباكستان ـ لا يزال يمثل تهديدًا قويًا. وذلك درس مؤلم تعلمه الأفغان والأمريكيون على السواء في أغسطس 2021، عندما نفذ تنظيم داعش خراسان عملية انتحارية معقدة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن مائة وسبعين مدنيًا أفغانيًا وثلاثة عشر جنديًا أمريكيًا في كابول، وسط انسحاب أمريكي فوضوي من أفغانستان.

منذ بداية العام الجديد، شن تنظيم داعش خراسان هجمات مميتة في إيران وتركيا. وتم إحباط العديد من مؤامرات داعش خراسان في أوروبا، مع اعتقالات في النمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا. وفي يوم الثلاثاء، بعد أربعة أيام من هجوم موسكو، نشرت وكالة البتار الإعلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية رسالة تهدد فيها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا تحت عنوان «من التالية؟». ومنذ ذلك الحين، رفعت كل من فرنسا وإيطاليا مستويات التهديد الإرهابي.

تشير كل هذه الأحداث إلى ما بتنا نعرفه الآن، وهو أن تجريد تنظيم الدولة من دولة الخلافة التي أعلنها، لا يعني إلحاق الهزيمة به. لقد كانت الخلافة في ذروتها، في مثل مساحة بريطانيا، بامتدادها من الشام إلى جنوب شرق آسيا، وكانت تباهي بتبعية أكثر من أربعين ألف مقاتل أجنبي لها ينتمون إلى أكثر من ثمانين دولة. وبعد إكراه داعش على الخروج من هذا المعقل، أعاد التنظيم تشكيل نفسه في بلاد أخرى، وعمل تحت الأرض بأشكال أقل قابلية للاكتشاف - ولكنها أكثر خطورة.

ولمنع هذا التهديد من الوصول إلى أمريكا وحلفائها، لا بد أن تمنع الولايات المتحدة خبرتها في مكافحة الإرهاب على مدى عقدين من الضمور. وبرغم وجود تهديدات خطيرة أخرى جديرة باهتمام واشنطن، ومنها نزعة الصين المغامرة وتحدي الذكاء الاصطناعي، فمن أجل الحفاظ على سلامة الأمريكيين، لا بد أن تظل مكافحة الإرهاب أولوية استراتيجية - وهذا يشمل إيجاد طريقة لمراقبة تنظيم داعش في أجزاء من العالم لم يعد لنا فيها موطئ قدم.

لقد طولب الرأي العام الأمريكي -بعد الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر- بأن يكون على أهبة الاستعداد؛ لأن الحرب على الإرهاب سوف تستمر لأجيال عديدة. وارتكبت الولايات المتحدة بعض الأخطاء الفادحة في القتال الذي امتد لعقود، وفي نهاية المطاف، حولت واشنطن تركيزها في ما يتعلق بالأمن القومي إلى تهديدات جيوسياسية مختلفة. ولكن أيا من هاتين الحقيقتين لم تنف الحاجة إلى الاستمرار في الالتزام بمكافحة الإرهاب العابر للحدود الوطنية. لكن الولايات المتحدة بسحبها قواتها وأصولها الاستخباراتية من مناطق صراع نشطة، سمحت لمجموعات مثل داعش خراسان بالارتداد. وليس هذا هو الوقت المناسب للاستسلام، وإلا فإننا سوف نجد أنفسنا -كما هو متوقع- في مواجهة خصم متجدد.

والمرونة هي أهم سمات تنظيم الدولة. لقد ساعدت الحملات العسكرية الغربية الهجومية في تفكيك الخلافة، وفي تقليص عمليات مقاتلي داعش خلال السنوات الأخيرة تقليصا شديدا في بلاد أخرى من قبيل الفلبين وسوريا. فإذا بهم -بدلا من الاختفاء- يواصلون تغيير مظهرهم ويجندون مقاتلين جددا تحت الراية نفسها ويخططون لهجمات جديدة. وقد عاد بعضهم للظهور مرة أخرى في بلاد أخرى، بعد أن حصلوا على تدريب أفضل وبات العثور عليهم والوقاية منهم أشد صعوبة. وبعضهم عازم على ارتكاب أعمال إرهابية كالتي نشهدها الآن، بالسفر عبر الحدود للتسلل إلى البلاد المستهدفة.

كيف تمكنت مجموعة جهادية تعمل من منطقة نائية في أفغانستان من توسيع شبكاتها والبدء في التخطيط لعمليات خارجية بهذا النطاق العالمي ؟

إن جزءًا من إجابة هذا السؤال هو أننا غادرنا. فقبل انسحاب الولايات المتحدة، كان تنظيم داعش خراسان أكثر انحصارا، وبخاصة في ما يتعلق بقدرته على شن هجمات خارجية. وفي اتفاقية عام 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان الموقعة في الدوحة بقطر، وافقت طالبان على منع الجماعات الإرهابية من استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها. وفي المقابل وافقت واشنطن على سحب قواتها بالكامل من البلد. وكان شرط منع الجماعات الإرهابية من استخدام أفغانستان كقاعدة عمليات مرتبطا في المقام الأول بالعلاقة الدافئة القديمة بين طالبان وتنظيم القاعدة. لكن في المقابل، حركة طالبان وتنظيم داعش خراسان عدوان لدودان يقاتلان بعضهما البعض منذ أن بدأ تنظيم داعش خراسان العمل في البلد في عام 2015، في ذروة ما عرف بخلافة داعش.

لذلك، ففي حين أن طالبان، بمجرد وصولها إلى السلطة، ربما كانت تنوي محاربة داعش خراسان والسيطرة على مسلحيها، فإن نجاحها كان متراوحا في أحسن الأحوال. كان مقاتلو طالبان متمردين فعالين للغاية، لكن ثبت أنهم أقل فعالية بكثير في دورهم الجديد في مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب. فقد أحرزوا تقدمًا بسيطًا في القضاء على قادة داعش خراسان واستعادة بعض الأراضي منها، فلا يزال مقاتلو داعش يعملون على طول حدود أفغانستان – ولا يزالون يحتفظون بالقدرة على شن هجمات مذهلة.

ولقد كان تحقيق حركة طالبان لبعض النجاح في الحد من هجمات تنظيم الدولة في ولاية خراسان داخل أفغانستان هو على وجه التحديد الذي جعل المجموعة تركز طاقتها عمدا على أجندة «التدويل»، بما في ذلك من تحويل للموارد من أجل بناء شبكة هجوم خارجية قوية. ولدى تنظيم داعش خراسان الآن شبكة واسعة من المتطرفين الذين يمكنه العمل بهم، ونشرهم في المناطق المضطربة من قبيل القوقاز وآسيا الوسطى. إذ انضم الآلاف من أبناء آسيا الوسطى إلى تنظيم الدولة، ويشغل العديد من الأوزبك والطاجيك مناصب قيادية، وبخاصة في تنظيم داعش خراسان. ويشكل المسلحون من أبناء آسيا الوسطى الآن العمود الفقري لكادر العمليات الخارجية لداعش خراسان. ويشير تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن «الفرع الأفغاني للجماعة قد خطط، في العام الماضي، لإحدى وعشرين مؤامرة أو هجمة خارجية في تسعة بلاد، مقارنة بثماني مؤامرات أو هجمات في العام السابق وثلاث فقط بين عامي 2018 ومارس 2022».

وببساطة: طالبان وحدها غير قادرة على احتواء تهديد داعش خراسان. ولعل الوقت قد فات لمحاولة الإطاحة بطالبان من خلال تقديم الدعم الخفي لجماعات المعارضة الأفغانية مثل البنجشيريين المنتمين إلى جبهة المقاومة الوطنية، الذين يعارضون تنظيم القاعدة وحركة طالبان. ولكن الوقت حان للدبلوماسية. فيمكن لواشنطن وحلفائها إشراك القطريين أو السعوديين لتقديم حوافز لطالبان لتكثيف ضغوطها على تنظيم داعش خراسان، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وربما في الوقت المناسب، العدول عن تعهدهم السابق بدعم القاعدة دون قيد أو شرط وتوفير الدعم والملاذ الآمن للجماعة. ولعل حركة طالبان قد تعلمت من رفض الملا عمر المشؤوم تسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولعلها لم تتعلم.

في كلتا الحالتين، ليس من الواقعية أن نتوقع من طالبان أن تكون شريكًا موثوقًا به في مكافحة الإرهاب ضمن جهد دولي لهزيمة داعش خراسان. ولكن هناك حاجة إلى مستوى معين من التعاون، مهما كان غير جذاب. فالمعلومات الاستخباراتية البشرية بالغة الأهمية في مكافحة الإرهاب هي التي لا يمكن جمعها إلا على الأرض. وفي ظل افتقار الولايات المتحدة إلى أي موطئ قدم في البلد، فمن الخير لمصالحنا في مكافحة الإرهاب أن نحصل على معلومات استخباراتية من العمليات الأمنية والاستخباراتية لطالبان ضد داعش خراسان – وهي العدو المشترك لهم ولنا. وينبغي أن يظل التعاون مقصورا على تبادل المعلومات، ولا ينبغي أن يمتد إلى التدريب أو توفير المعدات.

ويحفل تاريخ الاستخبارات بأمثلة على زواج المصلحة بين أجهزة الاستخبارات لتبادل معلومات التهديد، حتى بين البلاد المتخاصمة. فبرغم اندلاع «حرب خفية» بين إيران والولايات المتحدة لعقود من الزمن، تردد أن الولايات المتحدة أنذرت الإيرانيين بشأن هجوم إرهابي وشيك في يناير. وفعلت واشنطن مثل ذلك مع موسكو قبل أسبوعين من هجوم داعش خراسان على قاعة الحفلات الموسيقية.

وبطبيعة الحال، فإن التوصل إلى أي اتفاق مع طالبان هو مسعى معقد للغاية ومثير للجدل. بل إن محض علاقة مقيدة للغاية مع طالبان ستكون مقيتة ومحفوفة بالمعضلات الأخلاقية، في ضوء سجل النظام في مجال حقوق الإنسان.

ولكننا تعرضنا لذلك في مقال سابق. والبديل أسوأ، فهو هجوم مدمر موجه إلى الأمريكيين في الخارج أو في الداخل.

كريستوفر كوستا عمل ضابط مخابرات محترفًا وكان المساعد الخاص للرئيس والمدير الأول لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي من عام 2017 إلى عام 2018.

كولن كلارك هو مدير الأبحاث في مجموعة سوفان، وهي شركة استشارية في مجال المخابرات والأمن مقرها نيويورك.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مکافحة الإرهاب تنظیم داعش خراسان الولایات المتحدة تنظیم الدولة

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان؟

في 4 شباط/ فبراير 2025، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في فترته الرئاسية الثانية، أمرا تنفيذيا بقطع أي تعاون مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مشيرا إلى "انحياز مزمن ضد إسرائيل" وفشل المجلس في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان بشكل عادل. هذا القرار، الذي جاء بعد لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعكس عودة إلى سياسة "أمريكا أولا"، رافضا المؤسسات الدولية التي لا تتماشى مع المصالح الأمريكية أو حلفائها. الانسحاب يعني قطع الدعم المالي والسياسي، مما يثير تساؤلات حول تأثيره على النظام العالمي لحقوق الإنسان.

أهمية مجلس حقوق الإنسان:

إن المجلس، الذي تأسس عام 2006 بقرار الجمعية العامة 60/251، يضم 47 دولة منتخبة ويعمل كمنصة أممية لتعزيز حقوق الإنسان عبر مراقبة الانتهاكات، ومناقشة قضايا مثل حرية التعبير وحقوق اللاجئين وقضايا حقوقية أخرى، وتقديم توصيات كأداة رئيسية للضغط على الدول للامتثال للمعايير الدولية، موفرا حوارا بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية.

لكن من الواضح أن فعالية المجلس تثير جدلا واسعا بسبب طبيعته غير الملزمة قانونيا واعتماده على الإرادة السياسية بدلا من الإلزام، إذ يقتصر دوره على "تقديم المشورة" دون سلطة تنفيذية. فعلى سبيل المثال، دعا قرار المجلس (A/HRC/RES/46/1، 2021) إسرائيل لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة (المادة 49)، لكن إسرائيل رفضته ووصفت المجلس بـ"التحيز" دون تبعات. كذلك، وثّق تحقيق أحداث غزة في 2014 (A/HRC/29/52) انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي، مما أنتج ضغطا دوليا رمزيا لم يغير السياسات الإسرائيلية.

تكشف ردود الفعل هذه عن انقسام عالمي حاد، حيث عبرت الأمم المتحدة وأوروبا عن قلقهما من تداعياته على النظام الحقوقي الدولي، بينما رحبت الصين وروسيا وإسرائيل بالخطوة لأسباب تتعلق بنفوذهما داخل المجلس. المواقف العربية تباينت بين رفض مباشر من الأردن وفلسطين، وتحفظ حذر من مصر والسعودية، ما يعكس الحسابات السياسية لكل طرف. في المقابل، حذرت المنظمات الحقوقية من أن الانسحاب قد يشجع دولا أخرى على تقليص التزاماتها
قانونيا، لا تُعادل توصيات المجلس الالتزامات الملزمة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، لكنها تكمله كأداة رقابية. إجمالا، يساعد المجلس على احترام حقوق الإنسان بقدر ما تسمح ديناميكيات القوة الدولية، لكنه يظل محدودا بدون عقوبات فعلية، مما يجعل تعاون الدول الكبرى حاسما، وانسحاب دولة كالولايات المتحدة حدثا مؤثرا.

انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان: انقسامات دولية وردود فعل متباينة

كشف خروج الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان عن انقسامات حادة في المشهد الدولي، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن أسفه في بيان رسمي، مشددا على أهمية الدور الأمريكي في تعزيز حقوق الإنسان، ومحذرا من أن الانسحاب قد يؤدي إلى تراجع التقدم الدولي في مواجهة الأزمات العالمية، مثل تغير المناخ والصراعات المسلحة. كما ذكّر بموقفه في 2018 عندما وصف المجلس بأنه "هيكل حيوي" لحماية الحقوق الأساسية.

ومن جهته، أكد رئيس مجلس حقوق الإنسان، فيديريكو فيليغاس، استمرار المجلس كمنصة رئيسية للدفاع عن القضايا الحقوقية، ودعا إلى تعزيز التعاون الدولي للحفاظ على مصداقية المجلس، مستندا إلى تصريحات سابقة لـفويسلاف سوك في 2018 حول أن المجلس يبقى "المكان الأمثل" لمعالجة انتهاكات الحقوق، رغم الإقرار بتحديات متزايدة مثل تنامي نفوذ الصين في المجلس بعد الانسحاب الأمريكي.

تباينت ردود الفعل العربية، حيث أعربت مصر عن قلقها إزاء تأثير الانفصال عن المجلس على قضايا حساسة مثل فلسطين، لكنها حافظت على نهج حذر نظرا لاعتمادها السياسي والعسكري على الولايات المتحدة، بينما وصف الأردن القرار بـ"ضربة للقضية الفلسطينية"، وفق ما أعلنه وزير الخارجية أيمن الصفدي، مشيرا إلى أن الانسحاب يضعف آليات محاسبة الاحتلال الإسرائيلي. أما السعودية فاتخذت موقفا حياديا، داعية إلى "إصلاح المجلس"، في إشارة ضمنية إلى تحفظاتها القديمة حول تسييس بعض قراراته، فيما نددت فلسطين بالقرار، معتبرة أنه "تخلٍ عن الضحايا"، مستندة إلى القرار الأممي (A/HRC/RES/46/1) الذي يعترف بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، في حين أعربت جامعة الدول العربية عن أسفها للقرار، داعية إلى تعزيز دور المجلس لمواجهة التحديات الحقوقية في المنطقة والعالم.

وعلى الصعيد الدولي، عبرت ألمانيا عن أسفها العميق، محذرة من أن الانسحاب سيفتح المجال أمام تزايد نفوذ الصين وروسيا داخل المجلس، مما قد يؤدي إلى إضعاف التركيز على قضايا الحريات الأساسية والديمقراطية، بينما رحبت الصين ضمنيا يوم بالقرار، حيث صرّحت وزارة خارجيتها بأن الانسحاب سيسمح بـ"عمل أكثر فعالية دون تدخلات أحادية". من جانبها، دعمت إسرائيل القرار وأعلنت انسحابها أيضا من المجلس، حيث وصف جدعون ساعر المجلس بـ"المنحاز ضد إسرائيل". أما منظمة هيومن رايتس ووتش فحذرت من أن الانسحاب الأمريكي قد يشجع دولا أخرى على تقليص التزاماتها الحقوقية، خاصة في قضايا مثل فلسطين.

روسيا رحبت ضمنيا بالانسحاب الأمريكي، إذ أشارت موسكو إلى أن ذلك "يُقلل التدخل الأحادي"، مما يتماشى مع موقفها ضد هيمنة الغرب في المجلس، بينما اكتفت الهند بموقف حذر، داعية إلى "إصلاح شامل" دون إدانة مباشرة، مع تركيزها على دورها كوسيط في الجنوب العالمي.

سيناريو محتمل هو أن تستغل روسيا والصين الفراغ لتعزيز نفوذهما، ربما بتمويل مشروط يُركز على قضايا مثل "الحق في التنمية" (A/HRC/RES/37/23)، بينما قد تقود الهند تحالفا مع دول أفريقية لدعم المجلس، لكن بموارد محدودة (0.8 في المئة من الميزانية)، مما قد يُبطئ الاستجابة للأزمات الدولية.

تكشف ردود الفعل هذه عن انقسام عالمي حاد، حيث عبرت الأمم المتحدة وأوروبا عن قلقهما من تداعياته على النظام الحقوقي الدولي، بينما رحبت الصين وروسيا وإسرائيل بالخطوة لأسباب تتعلق بنفوذهما داخل المجلس. المواقف العربية تباينت بين رفض مباشر من الأردن وفلسطين، وتحفظ حذر من مصر والسعودية، ما يعكس الحسابات السياسية لكل طرف. في المقابل، حذرت المنظمات الحقوقية من أن الانسحاب قد يشجع دولا أخرى على تقليص التزاماتها الحقوقية، مما يضعف آليات المساءلة الدولية.

قطع التمويل يهدد موارد مجلس حقوق الإنسان:

تعتبر الولايات المتحدة، أكبر مساهم في ميزانية الأمم المتحدة، تقدم نحو 22 في المئة من الميزانية الأساسية للمنظمة (حوالي 3.4 مليار دولار سنويا في 2022) و27 في المئة من ميزانية عمليات حفظ السلام (تقارب 6.5 مليار دولار)، وفقا لتقارير الأمم المتحدة. بالنسبة لمجلس حقوق الإنسان، لا تُخصص له ميزانية مستقلة كبيرة، لكن موارده تعتمد على الميزانية العامة التي تشكل الولايات المتحدة جزءا رئيسا منها، إلى جانب تكاليف البرامج المرتبطة مثل الأونروا، التي تلقت 343 مليون دولار من الولايات المتحدة في 2022 قبل توقف التمويل.

والأمر التنفيذي الذي وقّعه ترامب في 4 شباط/ فبراير 2025 يوقف التمويل المباشر وغير المباشر للمجلس والأونروا، مما يهدد بتقليص الموارد المتاحة لعمليات مثل التحقيقات الميدانية ودعم المقررين الخاصين بنسبة قد تصل إلى 20-30 في المئة من إجمالي ميزانية المجلس المعتمدة على الدعم الغربي. هذا التخفيض يضع ضغطا كبيرا على الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والسويد، لتعويض النقص، أو قد يتيح لدول مثل الصين وروسيا فرصة زيادة نفوذها عبر توجيه التمويل وفق أجنداتها، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.

الآثار القانونية والسياسية
ابتعاد الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، بقرار ترامب الثاني، يحمل آثارا قانونية وسياسية عميقة تهدد النظام الحقوقي العالمي
إن ابتعاد الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، بقرار ترامب الثاني، يحمل آثارا قانونية وسياسية عميقة تهدد النظام الحقوقي العالمي. قانونيا، لا يُلغي التزاماتها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) لحماية الحريات (المادتان 19 و21) أو اتفاقية جنيف الرابعة (1949) بشأن المدنيين، لكنه يُقوّض دورها في صياغة قرارات مثل إدانة إسرائيل بالأراضي المحتلة (A/HRC/RES/46/1) 2021 أو دعم تحقيقات كميانمار (A/HRC/RES/34/22) 2017 التي وثّقت جرائم ضد الإنسانية، مُضعفا آليات الرقابة الدولية رغم رفضها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

سياسيا، تعكس "عقيدة ترامب" تفضيل العمل الأحادي أو تحالفات محدودة كالناتو وإسرائيل على المؤسسات متعددة الأطراف، مُفاقما التوترات مع حلفاء كفرنسا وألمانيا (اللتين دعتا للإصلاح في 2018)، ومُعقدا التعاون في مكافحة الإرهاب عبر "الائتلاف ضد داعش" أو دعم الأونروا للاجئين. هذا يُقلّص الضغط على المُنتهكين، خاصة مع صعود الصين وروسيا -اللتين عرقلتا قرارات غب سوريا (2011-2025) للهيمنة على المجلس بدعم قرارات تُبرر القمع كـ"الحق في التنمية" (A/HRC/RES/37/23) 2018، مُهددا مصداقيته كمنصة عالمية ومُشجعا دولا على التخلي عن التزاماتها منذ الإعلان العالمي (1948)

فبدون ثقل الولايات المتحدة (22 في المئة من ميزانية الأمم المتحدة)، تتراجع فعالية الاستعراض الدوري الشامل (UPR)، تاركة ضحايا كالروهينغا والفلسطينيين بلا صوت قوي. العالم قد يستجيب بقيادة أوروبية (ألمانيا 6.1 في المئة، فرنسا 4.4 في المئة من الميزانية) لسد الفراغ كما في أوكرانيا (2022)، أو تحالفات جنوبية (الهند 0.8 في المئة) لاستقلالية المجلس، أو إصلاحات تُقلّص عضوية المُنتهكين، لكن الانقسامات قد تُحيله إلى منصة رمزية ما لم تُوجد إرادة جماعية.

مقالات مشابهة

  • مكافحة الإرهاب في الساحل.. بين الضرورات الأمنية والتحديات السياسية
  • توليد الفيديو بالذكاء الاصطناعي وصل لبريطانيا ويُقلق المبدعين.. ماذا نعرف عنه
  • مولد الفيديو بالذكاء الاصطناعي وصل لبريطانيا ويُقلق المبدعين.. ماذا نعرف عنه
  • أول عقوبة من أوروبا ضد الولايات المتحدة
  • ترامب: ترحيل 8326 مهاجرا غير نظامى من الولايات المتحدة
  • ترامب: 8326 مهاجرا غير نظامي تم ترحيلهم من الولايات المتحدة
  • ترامب: 8326 مهاجرا غير نظامى تم ترحيلهم من الولايات المتحدة
  • الضربات التي أوجعت الولايات المتحدة!!
  • الولايات المتحدة تعمل على تعزيز قدراتها بأسلحة فرط صوتية.. ماذا نعرف عنها؟
  • ماذا يعني انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان؟