*{لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مَّاۤ أَلَّفۡتَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَیۡنَهُمۡۚ}*
هناك خطرٌ زاحفٌ يهدف لهدم جسور التضامن الوثيق ما بين الشعب والجيش ، وهو تهديدٌ قديمٌ بدء قبل سقوط النظام السابق من اتهاماتٍ جزافيةٍ للجيش باستحواذه على أكثر من ٧٠% من ميزانية الدولة ، وسيطرته على اقتصاد البلاد من خلال شركاته ، وتمظهر هذا الكيد من خلال شعارات المحتجين التي بلغت حداً تجاوز الإسفاف بهتافات معليش معليش ما عندنا جيش ونعت منسوبي القوات المسلحة علناً بأولاد الحرام ، ثم تجريف كفاءاتها وبعض مؤسساتها بسياسات تفكيك التمكين ، وتجدد ذات المخطط بعد بدء الحرب من خلال اتهاماتٍ عديدة أهمها عجز الجيش عن حماية المدنيين في حدود مسئولية الحاميات التي تمترست داخل أسوارها لأسبابٍ موضوعيةٍ مُقدَّرة ، فيما تفنَّنت المليشيا تنكيلاً بالمدنيين حول هذه الحاميات حتى مستوى الإبادة الجماعية كما حدث في الجنينة.

الإنسحاب من الجزيرة دون قتال في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣م قدح زِناد التعبئة العامة والمقاومة الشعبية بشكلٍ عفوي من عامة الشعب التي انطلقت من واقع التهديد الوجودي على عامة الشعب وعياً منهم بأن المخطط الجاري لا يستهدف القوات المسلحة وحدها والتي كانت تتجاهل دعوات المطالبة بالتعبئة العامة ، ورغم أن قيادة السلطة سايرت الشعب في انتفاضته ، غير أنها لم تخفي توجُّسها من هذه التعبئة الشعبية وأعلنت أنها ستتعامل معها بسياسة إدارة الغضب ، فتأخر تحرير ولاية الجزيرة لما يقارب أربعة أشهر حتى اليوم ١ أبريل ٢٠٢٤م رغم استباحة العشرات من قراها كل يوم واستمرار قتل وسحل واغتصاب ونهب أهلها.

بعض المواقع العسكرية التي انسحبت كانت تضم مئات المُستَنفرين غير المسلحين (جبل أولياء ومدني على سبيل المثال) ، ثم استعرضت المليشيا المخازن التي استولت عليها في هذه المواقع وهي موفورة السلاح والعتاد والذي لو كان بيد المُستَنفرين فلربما تغيرت كفة المعارك في تلك المواقع ، ولايزال حتى اليوم التباطؤ في تسليح وتوظيف المقاومة الشعبية قائماً ، وعِوَضاً عن ذلك فقد تم إغراق المقاومة الشعبية في مسائل احتفالية وإدارية ولجانٍ تجتمع وتنبثق وتسافر هنا وهناك ، مع اللمز والتشكيك في المقاومة الشعبية أو بعضها بأنها ذات بواعث سياسية (إسلامية) ، وتأتي هذه الإشارات متزامنةً مع حملةٍ ممنهجة تقوم بها القنوات الإماراتية والمليشيا ربيبتها.

ليس سِرَّاً أن التضامن الشعبي غير المسبوق مع القوات المسلحة لم يكن شيئاً مدبراً من السلطة أو قيادة القوات المسلحة ولا حتى من القوى السياسية ، وإنما استدعى هذا التضامن التهديد الوجودي على كل البلاد وشعبها والوعي الشعبي العميق بحجم هذا التهديد ومراميه والذين يقفون وراءه ، ولقد كان هذا التلاحم الشعبي الكبير أقوى وأعتى حاجز صدٍّ تحطم على سفوحه هذا المخطط الآثم ، واليوم نرى بوضوح تركيز الأعداء على كسر هذه اللُّحمة ، وتحطيم هذا التضامن من خلال عوامل متعددة تستهدف نسف الثقة ما بين الجيش وشعبه.

المؤكد يقيناً أن أكثر من ٨٠% من الشعب السوداني اليوم قد كفروا تماماً بكل التنظيمات والكيانات السياسية التي كانت قائمة قبل ١٥ أبريل ٢٠٢٣م ، والمؤكد عند غالبيتهم (ولا سيما جيل الشباب ممن هم دون الخمسين عاماً) بأنه لن يبقى لها وجود في الحياة السياسية بعد الحرب … سيبقى هناك إسلاميون ويساريون وربما قليل من الطائفيين كبار السن ، ولكنهم لن ينتظموا في ما سبق من كيانات وأحزاب .. بل سيتم تأسيس أحزاب عملاقة على أسس سودانية صِرفة ، وبواعث فكرية وطنية محضة ، وسيكون ذلك بنص الدستور والقانون المنظم للنشاط السياسي ، والذي لن يسمح بإنشاء أحزاب قزمة على شاكلة (الفكة) ، وهذا ما ينبغي أن نعمل جميعاً عليه ، فلا يجرفن البعض شنآن الإسلاميين فيقوموا مقاماً يفُتُّ في عضد التماسك الوطني ، فيكون جهدهم في ذلك مُتَّسقاً مع الحملة المنظمة لتجريم المقاومة الشعبية بمزاعم استجلاب مقاتلين دواعش ، أو أنها تضم متطرفين ، فاليوم في السودان لا إرهاب ولا تطرف إلا فيما تفعله المليشيا ومن يقف معها ، وقد تمادوا في جرائمهم لمستوىً يندى له جبين داعش الكبرى نفسها.

إن الوعي الشعبي المدهش كان أكبر من أن يلوم القوات المسلحة والقوات النظامية على ما حدث ، بل إنه تعالى حتى على لوم السلطة القائمة ولو شاء لفعل ، والسلطة القائمة وقيادة الجيش سيكفيهم اليوم للمحافظة على هذه الثقة الهائلة مساندة الإرادة الشعبية ، واتباع سياسة الصدق والشفافية مع شعبهم ، وربما تجدر الإشارة هنا إلى أننا البلد الوحيد الذي يخوض حرباً شاملةً على امتداد عامٍ كامل دون أن تكلف سلطته السياسية أو قيادته العسكرية نفسها عناء عقد مؤتمرٍ صحفي تجيب فيه على تساؤلات شعبها الذي يخوض معها غمار المعارك بكل إخلاصٍ وتفاني ، وحيث أن زجاجة الثقة لم تنكسر بعد ولم يُهراق ما فيها ، فلازال بيد ولاة الأمر أن يستدركوا من الأمورما فاتهم حتى لا يقع ما نخشاه ويرجوه الأعداء.
*واحرص على حفظ النفوس من الأذى*
*فرجوعها بعد التناكر يصعُبُ*
*إن القلوب إذا تنافر وُدُّها*
*شِبهُ الزجاجةِ كسْرُها لا يُشعبُ*

اللواء (م) مازن محمد إسماعيل

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: المقاومة الشعبیة القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

حسن عز الدين: الشعب الفلسطيني وحده من يرسم اليوم التالي في غزة

أقام "حزب الله" احتفالا تكريميا ل "الشهيد السعيد على طريق القدس"  في أربعين المجاهد علي حسن سلطان في بلدة الصوانة الجنوبية، بمشاركة عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن عز الدين، إلى جانب عائلة الشهيد وجمع من الفاعليات والشخصيات وعلماء دين وأهالي البلدة وعوائل شهداء.

افتتح الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وتخلله عرض لوصية "الشهيد" ومراسم تكريمية خاصة أدّتها فرقة من كشافة الإمام المهدي ومجلس عزاء حسيني، فيما قدمت عائلة الشهيد درعاً تقديرية كعربون وفاءٍ للنائب عز الدين الذي ألقى كلمة بإسم "حزب الله" اعتبر فيها أن "الشعب الفلسطيني هو وحده من يرسم اليوم التالي في غزة، ومن يحدد السلطة التي يريدها دون أن يتدخل أحد سواء من العرب أو من المنطقة أو قوى دولية في ذلك، لأن المقاومة لم تضحِ بهذه الدماء التي قدمتها حتى توزّع جوائز على هذا العدو، الذي لن يحصل في السياسة على ما عجز عن الحصول عنه في الميدان، والمقاومة مدركة لذلك، وهي قوية في موقفها، ولن تقبل دون طموح شعبها وأهلها وبيئتها الحاضنة التي ضحت إلى جانبها".

وفي سياق حديثه عن التطورات في المنطقة، رأى عز الدين أنه "لم يعد لدى قادة العدو سوى خيار واحد، وهو الخضوع لشروط المقاومة الفلسطينية، والعودة إلى التفاوض والقبول بشروطها لا سيما الانسحاب من غزة، وتبادل الأسرى، ووقف إطلاق نار دائم، وإعادة الإعمار وغيرها". 

وأوضح أن "العدو الإسرائيلي لم يفعل أي جديد في رفح غير الذي فعله بوسط وشمال غزة"، مشدداً على أن "المقاومة الفلسطينية ما زالت حتى هذه اللحظة هي الأقوى، فتملك المبادرة في الميدان، وتكبّد العدو خسائر في قواته ودباباته وآلياته من خلال كمائنها المُحكمة وقدراتها العسكرية والتسليحية وجرأة وشجاعة شبابها".

مقالات مشابهة

  • المرحلة الرابعة من التصعيد .. تطوّر في القدرات وتفوّق في الأهداف
  • تصريحات لترك بشأن رئيس مجلس السيادة السوداني
  • إحراق الشاحنات التركية في سوريا ردا على أحداث قيصري
  • الأحزاب المناهضة للعدوان تبارك إنجازات القوات المسلحة اليمنية
  • المرحلة الرابعة من التصعيد.. تطوّر في القدرات وتفوّق في الأهداف
  • برلمانية أوكرانية: الجنرالات يرسلون الجنود إلى الموت
  • سلِّحوا المقاومة الشعبية في السودان و(فُكُّوا) لجامها
  • حسن عز الدين: الشعب الفلسطيني وحده من يرسم اليوم التالي في غزة
  • السيسي: موقف مصر نبيل وشريف ووطني بشأن الحرب الإسرائيلية الغاشمة في غزة
  • القوات الروسية تحرر بلدة شومي في جمهورية دونيتسك الشعبية