د. أحمد زايد يكتب: الجمهورية الجديدة.. الضرورة والأولويات
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
كانت ثورة يونيو فى عام 2013 نقطة تحول جوهرية فى تاريخ مصر المعاصر.
لقد استطاعت مصر بهذه الثورة أن تتخلص من حكم الإخوان الذى كاد يجرف البلاد إلى متاهات الفوضى والتفكيك، كما نجحت فى صياغة دستور جديد للبلاد صدر فى عام 2014، وترتبت عليه بداية عهد جديد من بناء أركان الدولة، والانطلاق فى عملية متكاملة من التنمية، ترتبت عليها إنجازات ضخمة فى مجال تطوير البنية الأساسية، وفى شبكات الكهرباء، واستصلاح الأراضى، وما يرتبط بذلك من تنمية الثروة السمكية، والإسكان، والطاقة، والخدمات الاجتماعية، التى كان أبرزها شبكات الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة، والشروع فى مبادرات لتقديم خدمات صحية واجتماعية مجانية، وانطلاق مشروع تنمية القرية المصرية لضمان الحياة الكريمة لسكان الريف.
ولقد تواكب ذلك مع تحولات جادة لتطوير التعليم ومناهجه والتوسّع فى بناء الجامعات الأهلية والحكومية. وشكلت كل هذه الإنجازات انطلاقة كبرى نحو بناء مجتمع جديد، له سمات جديدة، تواكبها دعوة قوية لإعادة بناء الإنسان.
وعلى خلفية هذه التغيّرات كان من الضرورى التفكير فى رؤية وطنية جديدة. رؤية تحدّد معالم مجتمع جديد، ومستقبل جديد. ولقد تم التعبير عن هذه الرؤية بطرق كثيرة كان أهمها إصدار رؤية مصر 2030، التى حدّدت لمصر طريقاً للنمو والتنمية المستدامة، فى إطار بناء جديد عبّرت عنه الرؤية على النحو التالى: ولقد وضعت الرؤية مبادئ وأسساً للمجتمع الجديد، وشيّدت أطراً للسياسات فى مختلف قطاعات الحياة، بدءاً من الاقتصاد وحتى الثقافة والتعليم. ولقد تفرّعت عن هذه الرؤية استراتيجيات كثيرة فى مجالات مختلفة، مثل حقوق الإنسان، وحماية الحقوق الفكرية، وحماية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، وتمكين المرأة وغيرها من المجالات.
وتحتاج المجتمعات فى مثل هذه الظروف من التغير السريع لأن تضع لنفسها إطاراً سياسياً عاماً. صحيح أن دستور البلاد يقدّم هذا الإطار ويحدد معالمه، ويضع الأسس التشريعية لبنائه، ولكن يحتاج الأمر فى كثير من الأحيان إلى قوة دفع سياسية، أو بمعنى آخر خطاب سياسى يحفّز المواطنين ويعمل على شحذ طاقاتهم، بحيث تتكون لديهم العقيدة الراسخة بأننا بصدد مجتمع جديد، يؤسسها المواطنون ويحافظون على استمراريتها للأجيال القادمة، لأن بناء الأمم لا يتكون من مجرد سياسات يتم تنفيذها فى المجال الاقتصادى والخدمى، فتلك الأخيرة لا تنجح ولا تستمر إلا إذا أصبحت الأمة كلها قائمة فى ضمائر الأفراد وفى وجدانهم.
فعندما يتحقّق هذا الهدف فإن الأفراد -الذين يكونون سكان هذه الأمة- يلتفتون إلى بعضهم البعض، ويتدبّرون أمرهم من أجل صالح مجتمعهم وصالح معاشهم وسياستهم وهويتهم الجمعية. ومن هذا المنطلق يؤكد المفكرون الاجتماعيون أهمية التكامل الوطنى، والتماسك الاجتماعى، مع التأكيد فى الوقت ذاته على أهمية العمل على استبعاد كل ما من شأنه أن يُقوض تكامل المجتمع وتماسكه كانتشار الجريمة والمخدرات والفساد بطرقه المختلفة (الرشوة والمحسوبية واستملاك الفرص والملكية العامة).
ولا يتحقّق مثل هذا المطلب إلا فى ضوء فكرة تجمع الناس على كلمة سواء، وعندما يطالب المجتمع بتأسيس جمهورية جديدة فإنه يسعى إلى تحقيق الهدف الأسمى للبناء. فالبناء لا يتم إلا بأفراد يؤمنون برسالة معينة، ويسعون إلى تحقيقها وسائل مشروعة ورشيدة.
ولا يوجد هؤلاء الأفراد إلا إذا تكيّفوا مع الأهداف العامة للمجتمع عبر مشروع وطنى كبير، حينئذ يتخلّق لديهم ما لمّحنا إليه آنفاً عندما أشرنا إلى أهمية أن تصبح الأمة حاضرة فى وجدان أبناء الوطن الواحد.
ويبدو الأجر هنا وكأنه محاولة لتأسيس ضمير جمعى قوى ومتماسك يستمد منه المجتمع طاقته على الاستمرار، كما يستمد منه الحفاظ على هويته من أن تتفكك أو تسيل، أو أن تُصبها لزوجة تجعلها تأكل بعضها بعضاً.
وإذا كان لنا أن نُحدد بعض الأولويات التى يمكن أن تتحقّق فى الجمهورية الجديدة، فإننا نشير إلى الأولويات التالية:
- مجتمع الإنتاج والإنجاز: لا سبيل إلى بناء مجتمع مستقر دون ضمان استقرار المعاش الذى اعتبره ابن خلدون أساس تكوين العمران البشرى.
لقد كان المجتمع المصرى طوال تاريخه مجتمعاً منتجاً، وشكل هذا سمته الدائم المميز لتدفّق عملياته الحضارية.
لذا فإن مجتمع الجمهورية الجديدة يجب أن يحافظ على مستويات عليا من الإنتاج، ويتحول إلى مجتمع إنجاز فيزرع قحمه، وينتج غذاءه، وحاجاته الأساسية، ولا يعتمد على عمليات الاستيراد إلا فى النزر اليسير، وبما يقوّى قدراته الإنتاجية.
- قيم عمومية حداثية: لابد للأمة من قيم عامة تحكم سلوكها وتحقّق إنجازاتها، لذا فإن مجتمع الجمهورية الجديدة يجب أن يرفع قيم العدالة والمساواة، والجدارة والكفاءة، والمواطنة، والمسئولية الأخلاقية النابعة من ذوات الأفراد ورغبتهم فى التطوع والعمل، والحوكمة الرشيدة، والشفافية والنزاهة، وغير ذلك من القيم الدافعة إلى البناء والعمل الخلاق.
- الطاقة الشبابية المنجزة: لا يقوم للمجتمع شأن إلا بأبنائه، وشبابه.
ولذلك فإن قضية بناء البشر تُعد أولوية كبرى فى تحقيق التقدّم وتتطلب بناء البشر فى المجتمع الجديد حزمة من السياسات تبدأ بضبط النمو السكانى، وتحسين خصائصهم الاجتماعية عبر العناية بالتعليم والصحة وخدمات السكن والمرافق، والعمل على انتشال الشباب من براثن غرائز الاستهلاك والمخدرات والطموحات الجامحة المتخلقة من العوالم الإلكترونية.
وتظهر هنا الأولوية القصوى للتعليم الجيد، وما يلحق به من أساليب ترقية العقول وصقلها وإعدادها لمواجهة المستقبل، مثل العناية بالجاهزية التكنولوجية والرقمية، وفنون الموسيقى والمسرح والتشكيل، وترقية القدرات اللغوية والاتصالية.
- التنمية التشاركية: لا سبيل إلى بناء مجتمع جديد إلا بتأكيد مفهوم الدولة التنموية التشاركية، التى تضع سياسات عامة لتعبئة الموارد، والإشراف والرقابة على توزيعها واستثمارها عبر شراكة رباعية الأبعاد، تظهر فيها أدوار واضحة للقطاع الخاص، والمجتمع المدنى، والمواطنين الذين يعملون جميعاً تحت المظلة السياسية والتشريعية التى تضعها أجهزة الدولة السياسية والتشريعية والتنفيذية، والتى تراقبها الهيئات القضائية.
- التماسك الاجتماعى: تتحقق أهداف المجتمع الجديد عبر قدرته على تحقيق مستويات من التماسُك الاجتماعى، والتقليل من مظاهر التباعد بين الطبقات الاجتماعية على المستوى الثقافى إن لم يتحقق على المستوى الاقتصادى، وقدرة أجهزة الدولة على أن تخلق أحزمة رابطة للبنية الاجتماعية، عبر دوائر تنظيمية تبدأ بالمجالس المحلية، وتتدرّج إلى مجالس المركز والمحافظة، وعبر أدوات فعّالة لضبط السلوك العام، وإنفاذ القانون بشكل فعّال، والتعرّف السريع على حاجات المجتمعات المحلية ومشكلاتها وتقديم حلول سريعة. والمفترض فى كل ذلك أن يتم وضع الدولة فى قلب المجتمع، ووضع المجتمع فى قلب الدولة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الجمهورية الجديدة قواعد الديمقراطية حياة كريمة الحوار الوطنى الجمهوریة الجدیدة
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي: السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إننا: نحتفل فى هذا اليوم المجيد، بالذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء .. تلك البقعة الطاهرة من أرض مصر، التى طالما كانت هدفا للطامعين، وظلت على مدار التاريخ، عنوانا للصمود والفداء .. سيناء؛ التى نقشت فى وجدان المصريين، حقيقة راسخة لا تقبل المساومة.. بأنها جزء لا يتجزأ من أرض الكنانة محفوظة بإرادة شعبها وجسارة جيشها، وعزيمة أبنائها الذين سطروا أروع البطولات، حفاظا على ترابها المقدس.
وأضاف الرئيس السيسي: لقد كان الدفاع عن سيناء، وحماية كل شبر من أرض الوطن، عهدا لا رجعة فيه، ومبدأ ثابتا فى عقيدة المصريين جميعا، يترسخ فى وجدان الأمة جيلا بعد جيل، ضمن أسس أمننا القومى.. التى لا تقبل المساومة أو التفريط.
وإننا إذ نستحضر اليوم هذه الذكرى الخالدة، فإننا نرفع الهامات، إجلالا للقوات المسلحة المصرية، التى قدمت الشهداء، دفاعا عن الأرض والعرض، مسطرة فى صفحات التاريخ، ملحمة خالدة من البذل والتضحية .. جنبا إلى جنب مع رجال الشرطة المدنية، الذين خاضوا معركة شرسة، لاجتثاث الإرهاب من أرض سيناء الغالية.
كما نذكر بكل فخر، الدبلوماسية المصرية وفريق العمل الوطنى، فقد أثبتوا أن الحقوق تنتزع بالإرادة والعلم والصبر، وخاضوا معركة قانونية رائدة،
أكدوا بموجبها السيادة المصرية على طابا.. عبر تحكيم دولى .. فكان ذلك نموذجا ساطعا.. فى سجل الانتصارات الوطنية.
شعب مصر الكريم،
لقد أثبتم، برؤيتكم الواعية، وإدراككم العميق لحجم التحديات،
التى تواجه مصر والمنطقة، أنكم جبهة داخلية متماسكة،
عصية على التلاعب والتأثير .. وأن الوطن فى أيديكم، وبوعيكم وفطنتكم، محفوظ إلى يوم الدين.
وفى ظل ما تشهده المنطقة، من تحديات غير مسبوقة، تستمر الحرب فى قطاع غزة، لتدمر الأخضر واليابس، وتسقط عشرات الآلاف من الضحايا، فى مأساة إنسانية مشينة.. ستظل محفورة فى التاريخ.
ومنذ اللحظة الأولى، كان موقف مصر جليا لا لبس فيه، مطالبا بوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن والمحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية بكميات كافية، ورافضا بكل حزم، لأى تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم.
إن مصر تقف - كما عهدها التاريخ - سدا منيعا، أمام محاولات تصفية
القضية الفلسطينية .. وتؤكد أن إعادة إعمار قطاع غزة، يجب أن تتم وفقا
للخطة العربية الإسلامية، دون أى شكل من أشكال التهجير، حفاظا على
الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وصونا لأمننا القومى.
إننا نؤكد مجددا، أن السلام العادل والشامل، لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقا لمقررات الشرعية الدولية .. فذلك وحده، هو الضمان الحقيقى، لإنهاء دوائر العنف والانتقام، والتوصل إلى السلام الدائم ..
والتاريخ يشهد، أن السلام بين مصر وإسرائيل، الذى تحقق بوساطة أمريكية،
هو نموذج يحتذى به، لإنهاء الصراعات والنزعات الانتقامية، وترسيخ السلام والاستقرار.
واليوم، نقول بصوت واحد: "إن السلام العادل، هو الخيار الذى ينبغى أن يسعى إليه الجميع" .. ونتطلع فى هذا الصدد، إلى قيام المجتمع الدولى، وعلى رأسه الولايات المتحدة، والرئيس ترامب تحديدا، بالدور المتوقع منه فى هذا الصدد.
الإخوة والأخوات،
وكما كان تحرير سيناء واجبا مقدسا، فإن السعى الحثيث لتحقيق التنمية
فى مصر، هو واجب مقدس أيضا ..وإننا اليوم، نشهد جهودا غير مسبوقة،
تمتد عبر كل ربوع مصر، لتحقيق نهضة شاملة، وبناء مصر الحديثة.. بالشكل الذى تستحقه.
وفى الختام، حرى بنا الوقوف وقفة إجلال وإكبار، أمام شهدائنا الأبرار،
الذين ضحوا بأرواحهم، فداء للوطن،ودفاعا عن المواطنين.
وستبقى مصر بوحدة شعبها، وبسالة جيشها ورعاية ربها، رافعة الرأس.. عزيزة النفس.. شديدة البأس، ترعى الحق وترفض الظلم.
كل عام وأنتم بخير..
ومصر فى أمان ورفعة وتقدم.
ودائما وأبدا:
"تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر"
﴿والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته﴾