الأب بطرس دانيال يكتب: هل أنا عبء على الوطن؟
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
يقول السيد المسيح: «الأمين فى القليل، يكون أميناً فى الكثير». ونقرأ فى سورة التوبة: «وقُلُ اعْمَلُوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورَسولُهُ والمؤمنون» (آية 105).
عندما مرّ كسرى أنوشروان بفلاح عجوز يغرس نوعاً من الشجر الذى لا يؤتى ثمره إلا بعد زمن طويل، فقال له كسرى: «يا والدى العزيز! إنك تتعب نفسك عبثاً لأنك لن تذوق ثمره أبداً!» فأجاب العجوز: «لقد صدقت يا مولاى! ولكن الذين سبقونا غرسوا، فأكلنا.
ونحن نغرس ليأكل من يأتى بعدنا». ففرح كسرى من هذه النفس النبيلة والعظيمة وأمر بأن يكافئوه. فقال الفلاح للتو: «يا مولاى! هأنذا جنيت ثمرة غرسى قبل الأوان». أين نحن من هذه الشهامة والتضحية؟!
مع كل الإنجازات التى لمسناها ورأيناها فى الجمهورية الجديدة، كلٌّ منّا يتساءل: «ماذا فعلتُ لوطنى وأهلى ومجتمعى؟»، كل فرد منّا هو جندى فى موقعه، وكما أن الواجب يفرض على الجندى أن يرضى بالدور المطلوب منه، ويلازم المكان المعيّن له، كذلك يجب على كل شخص أن يقوم بعمله بإخلاص وأمانة ليس حُبّاً فى نفسه، ولكن من أجل مصلحة الآخرين. ونجد شعار الجندى المخلص: «الموت ولا الاستسلام»، لذلك يصون بلاده، والاستقلال بالعزّة والكرامة.
فالوطنية الحقيقية هى دفاع عن أرض الوطن ولو اقتضى الأمر التضحية بالحياة، فالوطن بالنسبة للشرفاء والمخلصين أغلى من الحياة. وأنت أيها الشاب الملىء بالقوة والحيوية والصحة، ماذا قدّمت لأبناء وطنك وجيلك؟
كل من حولك ينتظر منك دوراً مهماً فعّالاً، وفى أبسط الأمور اليومية والسلوكيات الحميدة. فالمجتمع ينتظر منك أن تصبح عنصراً خيّراً للإنسانية جمعاء، فهل قمت بهذا؟ والأخلاق النبيلة تقتضيك أن تحترم المرأة، مهما كان عمرها، وتعتبرها كأم أو أخت أو ابنة لك.
هل أخلصت فى ذلك؟ وأسرتك الصغيرة التى تعبت وقامت بتضحيات لا حصر لها من أجلك، تأمل منك أن تكون فخرها وعزّها، فهل تفكّر فى هذا وتحقّقه لها؟ والعلم يدعوك لأن تنهل من كنوزه وثرواته، حتى تنشر النور من حولك للقضاء على الجهل والظلام، فهل لديك النيّة الصادقة للقيام بهذا؟
والوطن الذى احتضنتك أرضه وظللتك سماؤه يبنى عليك أفضل آماله مقابل ما يقدّمه لك كل يوم، فهل بادرت بشىء نحوه؟ فالوطن له فى أعناقنا ديون كثيرة لن نوفيه إياها مهما قدّمنا له وضحّينا فى سبيله. لأنه الأرض التى فتحت ذراعيها لاستقبالنا حين أتينا هذا العالم، ونستظل بسمائه ونستنشق هواءه، ونعيش من خيراته، نُولد ونحيا ونموت فيه.
والإنسان الوطنى الخالص يسعى لخير وطنه ويحافظ على مصالحه.
فالواجب دائماً ويجب أن يبقى، الهمّ الأول والأخير لكل شخص، حتى لو تعرّض بسببه لخطر الموت، لذلك يجب علينا أن نقوم بواجبنا على أكمل وجه، كما نطالب بحقوقنا اليومية. مما لا شك فيه أن الله يعتنى بطيور السماء، فيهب كل طائر رزقه، ولكن لا يُلقى له طعامه فى عشّه، بل يدفعه بالغريزة إلى البحث عنه.
وكما يقول المثل: «لنطلب من السماء أن تساعدنا فى عملنا، لا أن تنجزه عنّا»، فالإنسان الاتكالى كاللص الذى يعيش من تعب الغير. وتقول الحكمة الصينية: «إذا أردت أن تحصد بعد بضعة أشهر فازرع حنطة، وإذا أردت أن تحصد بعد بضعة أعوام فاغرس شجرة، وإذا أردت أن تزرع للأجيال فعليك أن تربّى رجالاً».
تُحيط بنا نماذج كثيرة مشرّفة فى الإخلاص والتفانى والتضحية من أجل الغير، فلنعتبرها مثالاً لنا نحتذى به. وما أجمل الصورة المشرّفة التى يقدّمها الوالدان لأبنائهما، خاصة ما يقومان به نهاراً وليلاً من تضحيات ليساعدا هؤلاء البنين حتى آخر لحظة، دون انتظار أى مقابل! كم من مُسنين يقومون بواجباتهم، حتى لو كانت الصحة هشّة والعمر يتوارى! لنتعلّم إذاً أن نعمل دائماً غير منتظرين المنفعة الشخصية، التى نحصل عليها فى أقرب وقت.
ولكن نعمل لأن العمل شريعة كل مخلوق، حتى لو لم يكن فى حاجة. وليكن هدفنا الأول هو منفعة الغير. فكما أننا نأكل ونتنعّم من تعب الذين سبقونا، كذلك علينا أن نسعى فى إفادة الغير من ثمرة شقائنا.
إن فعلنا هذا لن نُصبح عالة أو عبئاً على مجتمعنا. ونتمنى فى الجمهورية الجديدة أن يعمّ السلام والرخاء والواجب بين الجميع، وأن يستطيع كل مواطن العيش بحياة مستورة، يجد ما يسد احتياجات أسرته. ونختم بالمثل الإنجليزى: «خيرٌ لك أن تبلى بالعمل من أن تصدأ بالراحة».
* رئيس المركز الكاثوليكى للسينما
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: بطرس دانيال السيد المسيح سورة التوبة
إقرأ أيضاً:
هنو: لست ضد قصور الثقافة.. ولكن أي مؤسسة تحتاج إعادة تطوير الرؤية
قال الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، إننا نحرص على تقديم الثقافة والفنون لكل أقاليم مصر المختلفة تجنبا للفراغ الثقافي.
وزير الثقافة: الفراغ هو التهديد الأول للعمل الثقافي والتربوي..ودافع تلقي الأفكار غير السويةوزير الثقافة: المصريون يتمتعون بـ "ذكاء فطري" بغض النظر عن الدرجة العلميةوأضاف الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، خلال حواره مع الإعلامي أسامة كمال، ببرنامج "مساء دي إم سي"، على قناة "دي إم سي"،: "لست ضد "قصور الثقافة".. ولكن أي مؤسسة تحتاج إعادة تطوير الرؤية".
وشدد أنه يجب تطوير "قصور الثقافة وفقًا للمخرجات الجديدة والتطلعات العمرية المختلفة، موضحا أنه يجب تطوير "قصور الثقافة وفقًا للمخرجات الجديدة والتطلعات العمرية المختلفة.
وأوضح أن هناك تعاون مع القطاع الخاص بشأن "قصور الثقافة" من أجل تحسين الإمكانيات وتعظيم المردود، لافتا: "المنتج الصادر عن قصور الثقافة "غير جاذب".. ويوجد إحجام ملحوظ من الفئات الشبابية".
وأشار: "المنتج الصادر عن قصور الثقافة "غير جاذب".. ويوجد إحجام ملحوظ من الفئات الشبابية"، متابعا: "الاستثمار داخل قصور الثقافة "ليس عيبا" بل يضمن الاستمرارية وجودة المنتج الصادر عنها".