اللبان الكنز الثقافي والمادي المتجدد
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
يطرح اللبان نفسه مجددا كمادة ثقافية واقتصادية على الساحة المحلية العمانية، لأنه وإن كان حاضرا في السوق بوصفه مادة مستهلَّكة تُستخدم للبخور ومستحضرات التجميل، غير أن توظيفه ثقافيا أو إخضاعه للبحث الأكاديمي العلمي لا يزال قليلا جدا. لذلك تأتي أهمية الكتاب الأكاديمي العلمي الذي صدر مؤخرا عن اللبان بعنوان «اللبان والتراث الثقافي: دراسة بحثية في التاريخ المروي» ضمن إصدارات وزارة الثقافة والرياضة والشباب لعام 2024م، من إعداد كل من الدكتور عامر الكثيري والباحث عبدالعزيز المعشني والباحث عمر الشحري.
تتوزع مادة الكتاب الغنية بالصور والخرائط والوثائق على 209 صفحات، إذ احتوى الكتاب بعد المقدمة على ممهدات أساسية (ممهدات عامة عن ظفار وعن اللبان، وأنظمة العمل في حصاده، وأنواع اللبان وتسمياته وأسعاره) تلاها التطرق إلى العناصر البشرية، ثم العلاقات والتفاعلات البشرية في مجتمع اللبان، وما نتج عنها من توظيف العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية في البيئة الثقافية المتعلقة بإنتاج اللبان، فانعكس ذلك في الأشعار والأهازيج وسرد القصص. وقد عقّب الباحثون بعد كل جزئية من أجزاء الكتاب بتعقيبات ختامية، ثم بالملاحق المكوّنة من الصور والوثائق والرواة والزيارات الميدانية التي قام بها فريق العمل.
وتتوزع القيمة العلمية للكتاب بين المادة البحثية التي قام بها الفريق سواء في جمع المادة الببليوغرافية الخاصة بمدونات اللبان، أو في جمع التراث الشفوي من الرواة المشتغلين باللبان، حيث جُمعت المادة المروية من حوالي ثلاثة وستين راويا منهم تسع نساء، وتكوّن الرواة من جناة اللبان، والتجار، وممثلي التجار (طبين) وأصحاب الركاب (الإبل والجمال) وحراس المنازل (حقول اللبان)، ومُلاّك المنازل، والشيوخ والوجهاء. وكان التحدي الذي واجهه فريق البحث هو تعدد لغات الرواة كما ذُكِر في منهجية الدراسة «لأن أغلب المرويات جمعت من أربع نوعيات لغوية، هي: الجبالية (الشحرية) والمهرية واللهجة العربية البدوية (الكثيرية) واللهجة العربية الحضرية». وقد أحسن فريق العمل حين وظّف الكتابة الصوتية (الفونمية) في كتابة أصوات اللغات المُعبّرة عن ثقافة اللبان والأدوات المرتبطة به سواء في الدلالة أو في الأشعار.
إن الجهد المبذول في هذه الدراسة التي تُعد الأولى من نوعها في دراسة التراث الثقافي المتعلق باللبان يُذكر فيُشكر، ويمكن أن تقوم عليه مستقبلا دراسات أنثروبولوجية وألسنية وأدبية لتشمل كافة الجوانب المتعلقة باللبان.
وكُنت أود لو أشار فريق العمل إلى الوضع الراهن لإنتاج اللبان والقائمين على إنتاجه في المناطق التي شملتها الدراسة، وطرح حلول للقوى العاملة الوافدة والمستترة في عمليات إنتاج اللبان، وكذلك وضع مقترحات لإحياء الثقافة المرتبطة باللبان مثل الاحتفال بالانتهاء من موسم الحصاد (سعيت)، حيث يتوافد العمال على المدن الساحلية (حواضر اللبان) لاستلام مخصصاتهم المالية فيسددون ديونهم ويشترون احتياجاتهم الفردية والأسرية، فتتحول المدن إلى مناطق ناشطة بالحركة الاقتصادية والاجتماعية.
إن إحياء مثل هذه المناسبات في المدن التي شهدت بنادرها أنشطة تصدير اللبان يُدلل على الاهتمام باللبان والثقافة الإنسانية المرتبطة به، بل يسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية في مدن المحافظة. كذلك لم أجد في الكتاب ما يُشير إلى توظيف اللبان في المادة الأدبية والفنية لأبناء المحافظة، وهذا ما يمكن إضافته للكتاب في أي طبعة قادمة.
ننتظر بعد كتاب اللبان والتراث الثقافي أن تُنشر القصص والحكايات المرتبطة بالأمكنة في محافظة ظفار، لترميم الذاكرة الشفوية المتعلقة بالسرد الشفوي في ظفار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هيئة الكتاب تصدر «الخيال عند ابن عربي» لـ سليمان العطار
أصدرت وزارة الثقافة، متمثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «الخيال عند ابن عربي» النظرية والمجالات، للدكتور سليمان العطار، ومن تحرير وتقديم قحطان الفرج الله.
العطار في هذا الكتاب لم ينظر لابن عربي بعده شاعرًا، وهو ليس كذلك، غهو فيلسوف غزير الإنتاج عميق الفكر، وهو في مقدمة فلاسفة الإسلام الذين تركوا أثرًا واضحًا ما زال يتفاعل حتى يومنا هذا في محافل الدرس الأكاديمي وخارجه.
مدخل العطار لطرح نظريته في الخلق الإبداعي ينطلق من تسليط مجهر البحث العلمي نحو أدوات الخلق التي تجعل من النص المتولد من الخيال خلقًا منفصلًا قابلًا لحالات الموت والولادة والتطور والتجديد غير قابل للفناء أو العدم.
وناقش العطار في هذا الكتاب الفريد، حضرة الخيال التي لا يعتريها وهم الوهم، سواء كان عند الإنسان بمفهومه الضيق وهو الآدمي أو بمفهومه الواسع وهو العالم، فإن خياله يخلو من الوهم ويعلو على التقليد في النظر إلى الأشياء.. فالعقل يخطئ أي يقع في الوهم، ويخيل له الخيال دون أن يدري أن هذا حق، لأن الخيال لا يخطئ، وهذا هو التخييل، الوهم قوة من قوى النفس يرمز لها ابن عربي بالشيطان.
ويقول العطار في تقديمه للكتاب: «علينا أن نوقظ الوعي بالنهضة حتى تتجاوز طور التشبث بالبقاء إلى طور صنع المستقبل، وهذه اليقظة لبناتها الأولى هي إحياء الفكر الخالد الذي تجاوزنا به العصور الوسيطة على درب النهضة والحداثة قبل أن تعرفهما أوروبا، ومن الطريف أن معظم هذا الفكر كان نابعًا من الأندلس، هذا البرزخ الذي أطل علينا دائما، كما أطل بنا على الجهة الأخرى على الغرب، ويبدو أن الأندلس كانت القاع الذي يترسب فيه الناتج الأخير لكل تفاعل كيماوي عربي، هذه الملاحظة المثيرة، تستحق الاهتمام من الدارسين لخط سير الحضارة والفنون والأدب في تاريخ العرب في طوره الإسلامي الوسيط».