لجريدة عمان:
2025-03-17@13:37:45 GMT

شيءٌ لا يُنال!

تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT

لم يكن البُغض هو ما يُنهي صداقاتي القديمة، وإنّما الشعور الحاد أنّ هنالك ما يخفت، الخفوت الذي لا يعني تيبس شجرة الصداقة الحية وحسب، بل تعفن جذورها على نحو بطيء. لا أملكُ يقينا واضحا متى كانت تنفصلُ عُرى الأشياء، لكن كان هنالك شلالٌ من اللوم الأبدي بأنّي لا أملك السعي والدأب الكافيين لإيقاد شعلة الصداقات لأمد طويل!

***

أكثر عاداتي البغيضة تكمنُ في التخلص، التخلص والمحو اللذين يرافقان الحياة والكتابة على حد سواء.

وكأنّه يتوجب علينا أن ننظف هذا العالم من كل ما يخصنا قبل أن نُغادره، حتى من تلك العلاقات التي -ولسبب غامض- لم يُكتب لها أن تتبرعم!

إن ضآلة تآلفنا مع الآخر/ الصديق، لا يعني دوما ضعفا في نسيج الحيل التي نملكها لتفادي التمزق والانكسارات، وإنّما الإيمان -كما قال أحدهم- أنّ للصداقات أعمارا كالبشر، تنقضي بانقضاء الظرف أو الزمان والمكان. هذا الانتهاء الذي ينبغي أن نقبله كما هو، لا يُلغي احتفاظنا بذكرى طيبة عن أناس عبروا حياتنا تاركين بصماتهم وخدوشهم على حد سواء! كصداقات الطفولة والجيران والمدرسة والجامعة، تلك التي تحولت إلى ألبوم الصور. فكل صورة تُضيء ذكرى، تُضيء صديق.

نشعرُ برغبة عارمة في تجنب خذلانهم، لكن عندما تنعدم أسباب الاستمرار أقول في نفسي: «يكفي أن يكونوا نشيدا خافتا في خلفية مشهد حياتنا، الذي يكر مسبحته على نحو مخاتل».

***

عندما سافرت صديقتي «رانيا» في رحلة علاج طويلة، شعرتُ بوخز مُوجع، فتذكرتُ على نحو دقيق الخفة التي حظيتُ بها أثناء صحبتها، فرصة أن أكون «أناي» بأقل درجة من المواربة، التحلي بالجنون والشطح دون أن يُراقب أحدهم عثراتي المهتزة، تذكرتُ البئر العميقة التي دفنا فيها القصص والمرايا التي عكست بصفاء مُبهر تناقضاتنا، المرايا التي لطالما كانت تدلنا على جوهرنا المُخبأ. هكذا يفعلُ مرض صديق مُقرب منك، يجعلك على درجة من الحساسية اليقظة التي تُعيد فهم هشاشتك وعاطفتك المشوشة، حيثُ تختبر المآسي كل ما ظننته صلبا!

***

سألتُ نفسي: هل تغيرت صفات الصديق منذ بدء البشرية وحتى الآن؟ شكل الصداقة، الروابط الروحية الخفية، أمّ أنّ الصداقة مرتبطة بالمثل العليا التي لا يشوبها القدم، والتي تتمثل في الشخص الذي يُعين ويُصغي ويُدافع ويُحبّ؟

من المؤكد أنّها -أي الصداقة- هي أكثر من تعبئة الوقت بالثرثرة والضحك والشكوى، ورغم أهميتها جميعا في صياغة شكل العلاقة بيننا فإنّ هنالك شيئا بالغ الرهافة يكتب كل قصّة على نحو شديد الفرادة.

***

وجدتُ في صديقتي «رانيا» نقيضي، فهي تعرفُ بدقة ما تريد، لديها حُكم غير مُلتبس على الأشياء، دون أن يمنع ذلك طبعها الإنساني بالغ العذوبة. كل شيء مُرتب في حياتها وفي حيزها الآمن، في البيت والعمل والمشاوير. وأكاد أجزم أنّها وجدتْ فيّ النقيض: الفوضى العارمة التي تطال أفكاري ومكتبتي، عدم اليقين بشيء، والتمزق الانفعالي الصارخ لحظة الكتابة، وأنا ألملم تاريخ شخصياتي كأنّما اقتطعها بفأس من شجرة حيّة. لم أخبرها أيضا عن توتري من تفاؤلها المستفز، وكأنّ الكون - بالنسبة إليها- يسير وفق خطة ناجحة تماما، بينما يأكلني القنوط من كل شيء!

لقد كانت «رانيا» ذات طبع أقل تعقيدا من طباعي، أقل حذرا، وأكثر طيبة. ذلك الانسجام مع الحياة وصروفها، وكأننا نمضي فوق حزام متحرك ناحية النهاية المؤكدة دون مُمانعة تذكر!

***

لم أنضوِ قط تحت راية الصداقات الممتدة والمتجذرة، فثمّة ما هو مخيف، أعني ذلك النوع من الصداقات التي تُعريك، بل تنظر تحت جلدك وتحكم عليك. إنّها الخشية من أن نبدو مكشوفين. ربما لأننا نختبر نوعا آخر من الانكشاف الصريح عندما نعرضُ شخصياتنا الكتابية لأمر مماثل عن قصد ووقتما نشعر أنّ ذلك ضروريا للقراء!

وكما يبدو فإنّ الريبة لا تمضي في اتجاه واحد، بل تتشكل أيضا عند الآخر/ الصديق الذي يعي إمكانية تحوله لمجرد «كركتر» روائي. إذ لا يريد «الصديق» أن يغدو مادة للكتابة - باستثناءات قليلة- إلا من وراء طبقات مكثفة من الحكي والتورية والاستعارات.

***

في غياب «رانيا» عن مشهد الصداقة اليومي والكثيف، خطرت في ذهني فكرة حول أولئك المحملين بالعطف الأبدي والمؤازرة الداعمة، أولئك الذين يجعلونا نشك دوما في إمكانية أن يُصيبهم مكروه، ربما لأنّهم في ظهرنا دوما، وكأنّما خُلقوا من أجلنا كملائكة، إلا أنّ المرض هو أول ما يهز هذا اليقين، فيحتضر الأمل لأيام وساعات، ثمّ يستشرسُ في الظهور من تحت رماد اليأس. إذ لا شيء يُمكننا أن نُجابه به الحياة أكثر من الإرادة الغامضة في العيش!

***

عندما يمرض صديقك المقرب، يجدر بك أن تتحلى بالصبر، عقب الغضب والهياج الجارف. لأن أسئلة مُلحة حول المصير ستغدو أكثر سطوعا وحدة. لكن تلك المجابهة المريرة واليومية التي يخوضها صديقك الأعزل والمجرد من اليقين، ستدفع يأسك وقنوطك للارتخاء قليلا، ليشتد الإيمان بحبل الأمل، ذلك الذي لا يُنال بيُسر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على نحو الذی ی التی ت

إقرأ أيضاً:

رانيا محمود ياسين: «قشر البندق» بوابة دخولي للفن.. وتعلمت الكثير من والدي

عبرت الفنانة رانيا محمود ياسين، عن سعادتها البالغة بعرض فيلم «قشر البندق»، في عدة مهرجانات ومنها مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ ٤٥ ومهرجان القاهرة السينمائي فضلا عن مهرجان الجونة باعتباره واحدًا من أهم الأفلام الغنائية والسينمائية المصرية، كما أنه اختير ضمن أفضل ١٠٠ فيلم غنائي مصري من كلاسيكيات السينما المصرية التي تم ترميمها، مؤكدة سعادتها بدورها في هذا الفيلم باعتباره أول محطة في مشوارها الفني فضلا عن أنه كان بمثابة البوابة لدخولها عالم الفن والتمثيل.

وجاء ذلك خلال حديث لها ببرنامج «معانا على الفطار»، تقديم لمياء سليمان، الذي يذاع يوميا في رمضان، على موجات إذاعة الشرق الأوسط.

وأكدت رانيا محمود ياسين، سعادتها وامتنانها لتكريمها من مهرجان الإسكندرية السينمائي عن مجمل أعمالها عقب مشاركتها كعضو لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية والتسجيلية بالمهرجان، موجهة الشكر لكل القائمين على المهرجان.

وتحدثت رانيا محمود ياسين، عن ذكرياتها مع كواليس تصوير فيلم «قشر البندق» حيث شعرت بالسعادة البالغة بمشاركتها بالتمثيل فيه ضمن فريق عمل فني متميز بدء من المخرج الكبير الراحل خيري بشارة ومجموعة من شباب الفنانين آنذاك والذين أصبحوا نجوما كبارا الآن، بجانب عملاقين من عمالقة الفن وهما والدها الراحل الفنان محمود ياسين والفنان الكبير حسين فهمي.

وأشارت إلى أنها تعتقد أن قدرتها على التمثيل دون رهبة أو خوف والوقوف أمام كل هؤلاء الفنانين ترجع إلى تلقائية وشجاعة الشباب، نظرا لأن عمرها لم يكن يتعد ١٨ عاما في ذلك الحين، كما أنها كانت ترى في هذه التجربة السبيل الوحيد لتحقيق حلم حياتها، فطالما كانت تحلم بالتمثيل منذ كان عمرها ست سنوات لذا كان هناك إصرارا بداخلها على النجاح وإثبات ذاتها. لافتة إلى أنها أدركت أنها اكتسبت هذه الثقة والمهارة بدون تدريب مسبق نظرا لما اختزنته طوال مرحلة طفولتها دون وعي منها بسبب نشأتها في بيت فني.

وأعربت عن اعتزازها بوالدها الفنان الراحل محمود ياسين ووالدتها الفنانة شهيرة، حيث أنها تعلمت منهما الكثير ومن أبرز ما تعلمته منهما هو الإخلاص والاجتهاد، مثمنة دور والدتها التي ضحت بعملها من أجل أسرتها، وأن والدتها الفنانة شهيرة لم تحقق كل ما تطمح له وتستحقه في عملها وكان يمكنها أن تقدم أضعاف ما قدمته من أعمال نظرا لأنها تمتلك إمكانيات فنية مميزة وكبيرة للغاية.

وذكرت الفنانة رانيا محمود ياسين، أن مشاركتها في مسلسل «العصيان» تعد مرحلة مهمة وفارقة في حياتها نظرا لأن دورها كان مميزا وترك أثرا لدى الجمهور رغم أن والدها لم يرغب في تجسيدها لدور «ناهد الغرباوي» بالمسلسل نظرا لأنه كان من أدوار الشر خوفا من أن يكرهها الجمهور، لافتة إلى أنها تعلمت من والدها أثناء تصوير المسلسل أن المخرج هو رب العمل الفني ولابد من احترام رأيه، فضلا عن نصيحته الدائمة لها بأن الأهم هو الكيف وليس الكم وأنها لابد أن تضع أسرتها على رأس أولوياتها وبالفعل سارت على هذا النهج طوال حياتها.

وأعربت عن سعادتها البالغة واعتزازها الشديد بدورها في مسلسل «فالنتينو» مع الفنان الكبير عادل إمام، والذي يعد محطة مهمة ومميزة في مسيرتها الفنية لأنها كانت تتمنى دائما العمل معه.

وعبرات الفنانة ربانيا محود ياسين، في نهاية حديثها، عن أمنيتها بتقديم عمل يجمعها بزوجها الفنان محمد رياض نظرا لأنهما لم يقدما أي أعمال فنية معا من قبل.

اقرأ أيضاً«كانت أسوأ سنة».. رانيا محمود ياسين تودع 2024 بهذه الكلمات (صورة)

«ما زلت أنتظرك يا حبيبي».. رانيا محمود ياسين تحيي الذكرى الرابعة لوفاة والدها (صورة)

رانيا محمود ياسين تشيد بالأفلام المشاركة في «الإسكندرية السينمائي»

مقالات مشابهة

  • رانيا يوسف: جمال سليمان راقي ورؤوف عبد العزيز صاحب فكر
  • جمعية الصداقة المصرية الروسية تنظم ورشة فنية لصناعة فانوس رمضان
  • رانيا يوسف تواجه انتقادات دورها في “نص الشعب اسمه محمد”
  • الأطفال الروس يصنعون فانوس رمضان في ورشة فنية بالقاهرة
  • رانيا محمود ياسين: «قشر البندق» بوابة دخولي للفن.. وتعلمت الكثير من والدي
  • رانيا يوسف: مش أول مرة ألعب كوميدي وعصام عمر موهوب
  • تعليق مثير من رانيا يوسف حول “نص الشعب اسمه محمد”
  • الصديق الحقيقى
  • مريم بنت محمد بن زايد: أطفالنا مستقبلنا والأمل الذي نحمله في قلوبنا لغدٍ أكثر إشراقاً
  • الملكة رانيا بالقفطان الشرقي في حفل افطار رمضاني.. صور