انتهت المهلة التي حددها العاهل المغربي لإعادة النظر في مدونة الأسرة، وتقديم اقتراحات في غضون ستة أشهر ، أي المدة الفاصلة ما بين 26 أيلول/ سبتمبر 2023 و26 آذار/ مارس 2024. ومن الملاحظ أن اللجنة التي كُلفت بصياغة المشروع، المكونة من رئيس الحكومة وعضوية كل من رئيس النيابة العامة ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووزير العدل قد، انتهت، بعد سلسلة من المشاورات مع كافة الجهات والمؤسسات ذات العلاقة، لتقديم تقريرها لرئيس الحكومة، بُغيه تسليمه بدوره للعاهل المغربي، كي يستكمل، بعد ذلك، إجراءاته القانونية والتشريعية.



شهد المغرب منذ استقلاله عام 1956 محطتين أساسيتين في تطور موضوع الأسرة والقوانين الناظمة  لشؤونها: سنة 1958 تاريخ وضع  ما سُمي "قانون الأحوال الشخصية"، وعام 2004، لحظة تغيير  هذا القانون ليُصبح "قانون الأحول الشخصية"، والمحطتان معا تمتا تحت الاشراف الملكي، وبواسطة لجنتين  ملكيتين  شُكلتا  لهذا الغرض، أي اصلاح  قانون الأسرة. ومنذ نصف سنة يعيش المغرب على وقع نقاش شبع عمومي للانتقال إلى محطة ثالثة بع مرور أكثر من عشرين سنة على دخول قانون الأسرة حيز التنفيذ (2004 ـ 2023). والحال أن ثمة خيطا رابطا بين المحطات الثلاث، قوامه السعي إلى تحقيق قدر من المواءمة  بين  القانون والتطورات الحاصلة في المجتمع المغربي، التي تُعد الأسرة نواته الأولى  واحد  الوحدات  الجوهرية في بنائه العام.

نلمس هذا المسعى التوافقي في الرسالة الملكية الموجهة لعمل لجنة اصلاح مدونة قانون الاسرة، حيث شددت في توجيهاتها على "الحاجة لتكييف مدونة الاسرة مع تطور المجتمع المغربي واحتياجات  التنمية المستدامة". وأساسا على التوفيق بين مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها من جهة، ومظاهر التطور الحديثة التي عرفتها البل من جهة أخرى، فالإصلاح الجديد لمدونة الأسرة، بمقتضى توجيهات لرسالة الملكية، يجب أن "تلتزم بمقاصد الشريعة  الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي" وفي الآن معا الالتزام بضرورة "استخدام  الاجتهاد  البناء لضمان  التوافق بين المرجعية  الإسلامية  والمستجدات الحقوقية  العالمية".

كشف مرور عقدين من الزمن على صدور مدونة الأسرة لعام 2004 عن وجود اختلالات وفجوات كثيرة، و أكد الحاجة إلى إعادة النظر في أحكام المدونة في ضوء نتائج وخلاصات الممارسة القانونية والقضائية، وما تكون للمجتمع من صور ورؤى عن المدونة، وما عرفت مكوناته من تغيرات جوهرية خلال سنوات الألفية الجديدة. نحن إذن أمام إطار مرجعي واضح ومحدد على الإصلاح المرتقب لمدونة الأسرة في المغرب أن يظل  مقيدا به، وسائرا على هديه، أي التوفيق بين  المرجعية الدينية، لارتباط الأسرة وموضوعاتها ذات صلة وثيقة بها، والالتزامات القانونية والحقوقية العصرية التي ارتبط بها المغرب منذ عقود، بخصوص  موضوع الاسرة وما يرتبط بها من قضايا وإشكاليات. والحقيقة أن محطة وضع قانون الأحوال الشخصية لأول مرة عام 1958، أو عند الانتقال إلى قانون مدونة الأسرة سنة 2004، ظل النفس التوافقي والتوفيقي في الآن معا حاضرا وموجها للإصلاحين معا. ففي 1958 اتسم قانون الأحوال الشخصية بميسم  المحافظة والتقليد، ووردت مكانة المرأة في احكامه ومقتضياته بصورة محدودة ومتواضعة في العديد من الجوانب في علاقتها بالرجل، وقد جهد قانون الأسرة لعام 2004، من أجل  الارتقاء بالأسرة إلى وضعية متقدمة، حيث تضمن أحكاما ومقتضيات جديدة، مكنت المرأة من الكثير من  الحقوق والوسائل لم تكن في متناولها من قبل، في موضوعات بالغة الأهمية والحساسية، من قبيل: انحلال الرابطة الزوجية (الطلاق والتطليق)، والحضانة، والنفقة، والولاية، والذمة المالية، والجنسية، وثبوت النسب، واثبات الزوجية، والميراث، وتعدد الزوجات، وغيرها من الموضوعات  المرتبطة  بالأسرة وبمكانة المرأة في منظومتها.

كشف مرور عقدين من الزمن على صدور مدونة الأسرة لعام 2004 عن وجود اختلالات وفجوات كثيرة، و أكد الحاجة إلى إعادة النظر في  أحكام المدونة في ضوء نتائج وخلاصات الممارسة القانونية والقضائية، وما تكون  للمجتمع من صور ورؤى عن المدونة، وما عرفت مكوناته من تغيرات جوهرية خلال  سنوات الألفية الجديدة.

فمن جهة القانون الناظم لمدونة الأسرة، أفرزت الممارسة عددا من الفجوات والاختلالات، إما بسبب وجود نقائص في القانون، تحتاج إلى تطوير  بالتعديل والتتميم، أو لسوء فهم  القيمين على التطبيق، وفي مقدمتهم مؤسسة القضاء لنصوص المدونة، والتأويل غير المتوازن لأحكامها، أو عدم احترام  قطعية النصوص وطابعها الصريح الذي لا يحتاج التفسير والاجتهاد. والحال أن الأمثلة كثيرة عن هذا الشكل الأول من الاختلالات الملحوظة في التطبيق، وقد تضمنت متون التقارير المعدة بهذا الخصوص    عينات وأدلة عن حصول فجوات في الممارسة القانونية والقضائية، من قبيل احترام سن الزواج (18 سنة كقاعدة عامة)، حضانة الأطفال بعد الطلاق، وحالات سقوطها بالنسبة للمرأة، ومدى احقية المرأة المغربية المتزوجة بأجنبي في منح جنسيتها لزوجها الأجنبي، حيث ما زال هناك نوع من التردد في حسم هذه القضية، علاوة على الإشكاليات التي تُثيرها القضايا الاجتماعية ومدى وجود مساواة بين الجنسين في إطارها.

لذلك، وعلى الرغم من أن قانون مدونة الأسرة المغربي لسنة 2004، والذي يُنتظر صدور إصلاح له قريبا، قد بدا وقتئذ القانون الأكثر تطورا في منطقة المينا MENA ، أي شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فقد كشفت الممارسة عن الحاجة الماسة إلى تطوير الوعاء الثقافي للمجتمع المغربي كي تُنتج نصوص المدونة الآثار الإيجابية المنتظرة منها. فالمغرب في حاجة ماسة لجرعة جديدة في وعي المرأة حقوقها  بحرية ومسؤولية كاملتين، كما أنه في حاجة إلى نفس اجتهادي متنور من قبل القيمين على تطبيق القانون ونفاذ العدالة، والطريق إلى تحقيق ذلك يبدأ من امتلاك القضاء لقدر من الشجاعة في حسن  تأويل النصوص وتكييفها لفهم الوقائع كما يفرزها الواقع المغربي بانتظام.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المغربي مدونة الأسرة المغرب اصلاحات رأي أسرة مدونة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مدونة الأسرة

إقرأ أيضاً:

واجه الفصل التعسفي .. مشروع قانون العمل يحدد شروط إنهاء العقد غير محدد المدة

واجه مشروع قانون العمل الجديد الفصل التعسفي بالقطاع الخاص المعروف باسم “استمارة 6”، حيث نصت المادة (156) على أنه مع عدم الإخلال بأحكام المادة (165) من هذا القانون إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لأي من طرفيه إنهاؤه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بثلاثة أشهر.

إنهاء عقد العمل غير محدد المدة

ووفقًا لـ مشروع قانون العمل الجديد، فلا يجوز لأصحاب الأعمال، والعمال، إنهاء عقد العمل غير محدد المدة، إلا بمبرر مشروع وكاف.
ويراعى في جميع الأحوال، أن يتم الإنهاء في وقت مناسب الظروف العمل.فإذا أبرم العقد أو جدد لمدة تزيد على خمس سنوات، جاز للعامل إنهاؤه دون تعويض عند انقضاء خمس سنوات، وذلك بعد إخطار صاحب العمل قبل الإنهاء بثلاثة أشهر.

وتسري أحكام الفقرة السابقة على حالات إنهاء العامل للعقد بعد انقضاء المدة المذكورة.فإذا كان الإنهاء من جانب صاحب العمل استحق العامل مكافأة تعادل أجر شهر عن كل سنة من سنوات الخدمة.

6 ممنوعات على الموظفين بمشروع قانون العمل .. تفاصيلإجراءات جديدة لتشغيل المصريين بالداخل والخارج في قانون العمل

وإذا أبرم عقد العمل لإنجاز عمل معين، انتهى العقد بإنجاز هذا العمل، ويجوز تجديده باتفاق صريح بين طرفيه، وذلك لعمل أو أعمال أخرى مماثلة.

مشروع قانون العمل الجديد

فإذا انتهي العقد المبرم لإنجاز عمل معين واستمر طرفاه في تنفيذه، اعتبر ذلك تجديداً منهما لهذا العقد العمل، أو أعمال أخرى مماثلة.


فإذا استغرق إنجاز العمل الأصلي، أو الأعمال التي جدد لها لأكثر من خمس سنوات، لا يجوز للعامل إنهاء العقد قبل تمام إنجاز هذه الأعمال.


اقشاتٍ موسعة ومستفيضة حول مواد مشوع القانون محل النقاش والتى تتعلق بتشغيل النساء، وأحكام عمل الأطفال، وأحكام عمل الأجانب، وتشغيل العمالة غير المنتظمة، وعقود العمل الفردية، والأجور وساعات العمل والاجازات وواجبات العمال ومساءلتهم، وكذلك إنشاء المجلس القومى للأجور، وخلال المناقشات أكد النواب أن مشروع القانون يعد رؤية جديدة لحقوق العمال وأصحاب الأعمال دون الإخلال بمبدأ التوازن بين الطرفين خاصة فى مجال القطاع الخاص لخدمة الإنتاج والاقتصاد الوطنى، كما أشاد النواب بالقانون كونه يتبنى سياسة عادلة لحماية النساء من التمييز وضمان المساواة بين جميع العاملين، وكذلك حظر التمييز فى الأجور والعمل، كما تضمن مجموعة من المواد الخاصة بتوفير بيئة عمل آمنه للمرأة بمنحها إجازة وضع مدفوعة الأجر لمدة (4) أشهر، وإجازة لرعاية الطفل لمدة سنتين دون أجر لـ3 مرات طول الخدمة، كما أقر المجلس حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم 15 عاماً، وأكد النواب أن القانون تضمن حماية لحقوق العامل وحيث لن يفصل عامل إلا بناء على إذن من قاضى بالمحكمة العمالية.

مقالات مشابهة

  • المغرب يضع مشروع قانون إطار جديد لحماية حقوق الأطفال
  • الأمن المغربي يقترب من الوصول إلى نفق المخدرات مع سبتة (+فيديو)
  • مناقشة قانون تنظيم الاتصالات بمجلس الدولة
  • ضوابط الاستقالة والعدول عنها في مشروع قانون العمل
  • «اقتصادية الدولة» تناقش مشروع قانون التنظيم العقاري
  • تدارس مشروع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بمجلس الدولة
  • واجه الفصل التعسفي .. مشروع قانون العمل يحدد شروط إنهاء العقد غير محدد المدة
  • ترامب يوقع على مشروع قانون للإنفاق المؤقت
  • 2004 العام الأغرب في تاريخ كرة القدم
  • خمسة حكام مغاربة يمثلون التحكيم المغربي في كأس الأمم الإفريقية لأقل من 17 سنة