يُعد رمضان فرصة لتعزيز العلاقات الاجتماعية عبر أنشطة موسمية تميز الشهر المبارك. وكغيرهم في العالمين العربي والإسلامي، يحرص الأردنيون خلاله على الالتزام بعاداته وتقاليده الخاصة.

لكن الظروف الاقتصادية الصعبة هذا العام أدت إلى تراجع هذه العادات، مدفوعة بمشاعر الحزن والألم على وقع حرب دموية مدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4حلوى "المخارق" الرمضانية.. فخر مدينة باجة التونسيةlist 2 of 4مسلسل "مليحة".. ترحيب بأول عمل درامي مصري عن القضية الفلسطينيةlist 3 of 4الدعاء الجماعي وإجلال كبار السن.. أبرز التقاليد الرمضانية المتوارثة في أوزبكستانlist 4 of 4مبادرات فلسطينية رمضانية جماعية وفردية.. يد الخير ممدودة وهذه أشكالهاend of list

ومن أبرز هذه العادات "موائد الأرحام"، التي يقيمها أردنيون، خاصة في مناطق الأرياف والقرى، بهدف جمع أقاربهم وأرحامهم على مائدة رمضانية، ابتغاءً للأجر والثواب وتعزيز الروابط الاجتماعية.

إلا أن الحالة الاقتصادية الصعبة في الأردن، ضمن أزمات عامة إقليمية ودولية، تسببت في تراجع ملحوظ لـ"موائد الأرحام"، كما أثرت أحداث غزة على الأردنيين أيضا.

طعام وزعه أهل منطقة الصريح شمال الأردن على المتضررين من الحرب الإسرائيلية على غزة (الجزيرة) إطعام جياع غزة

أستاذ العقيدة الإسلامية في الجامعة الأردنية محمد الخطيب قال إن "صلة الأرحام ليس لها وقت وزمان، ولكن الناس اعتادت في شهر رمضان أن يقيموا هذه الموائد للأرحام؛ زيادةً في الأجر. لكن في وقتنا الحاضر، يبدو أن الناس ترى فيما يجري في غزة من جوع وقتل وتدمير، فرصةً لتوجيه نفقات هذه الموائد إلى الجياع من أهلنا في القطاع".

وإلى جانب مجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، خلّفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة عشرات آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا، حسب بيانات فلسطينية وأممية.

وأضاف الخطيب، "يجب على الإنسان أن يقتصد في نفقاته، ولكن ليس على حساب صلة الأرحام. يجب أن لا نقطع عادةً طيبةً، وأن نجتهد في هذا الشهر لزيادة الأجر والثواب، وأن نقيم الموائد لأرحامنا، وهذا لا يعني أن تكون بإسراف؛ فالمقصد من إقامة تلك الموائد هو الجمع الجيد والطيب للأقارب والأرحام؛ ليستأنسوا ببعضهم، وليس المقصود الأرحام بقدر ما هو زيادة الألفة والمحبة".

ورأى أن ذلك "يعطي أجرين: الأول أننا لم نقطع أرحامنا، والثاني الاقتصاد وتوجيه الأموال إلى الجياع في غزة".

حسين محادين: لا بد من المحافظة على قيمة صلة الرحم من خلال التوازن في ولائم رمضان (الجزيرة) ضرورة تعديل السلوك

أما أستاذ علم الاجتماع بجامعة مؤتة حسين محادين، فقال إنه "من حيث المبدأ، صلة الرحم هي فريضة مستدامة من منظور ديني، لكن التعبير عن هذه الفريضة بالسنوات السابقة أخذ مظاهر استهلاكية مبالغا جدا فيها".

وأضاف أن "الناس أصبحوا يربطون بين ضرورة تفعيل صلة الرحم والمبالغة في التعبير عنها، دون مراعاةٍ للظروف الاقتصادية الضاغطة على معظم شرائح مجتمعنا، والذين جلهم يحتاج إلى إعطاء هذه النفقات لأبنائهم وأسرهم".

وأكد أنه "يمكن أن نحافظ على هذه القيمة النبيلة بشكل متوازن، بحيث إن الداعي لولائم رمضان يتصرف بمعقولية في تقديم ما يود تقديمه للمستضافين. وعلى الضيوف أن يدركوا إمكانات مضيفهم".

وأردف محادين، "علينا أن نعمل لتعديل كثير من سلوكياتنا المرتبطة بصلة الرحم، سواء في رمضان أو الأعياد، بأن نلجأ إلى رمزية التعبير عن فضائل هذه القيمة"، مشددا على ضرورة أن "تتعاون كل الأطراف لإنضاج مثل هذا الموقف الحضاري، وسندنا في ذلك أن الإسراف مرفوض في قيمنا الإسلامية".

ورأى أستاذ علم الاجتماع أن "حرب غزة والمقاومة مثّلا أنموذجا مميزا عبر التاريخ بأن بإمكان الإنسان أن يتخلى جزئيا عن المظاهر والموجودات المادية لصالح قيم الإسلام العظيمة القائمة على القناعة وإيثار الآخرين على أنفسنا".

وأضاف أن ذلك يتمثل في "ما نشاهده من حرب إبادة ضد أهلنا في غزة (نحو 2.2 مليون فلسطيني) تشمل الطعام وأسباب العيش الأساسية".

مازن مرجي: أسباب اقتصادية وظروف سياسية تتعلق بما يجري في غزة وراء تراجع موائد الأرحام الرمضانية (الجزيرة) صعوبات اقتصادية

من جانبه، قال المحلل الاقتصادي مازن مرجي إن "الموضوع يتكرر في كل رمضان؛ لأن البعد الاقتصادي والتكاليف التي تفرض على المسلمين تأخذ بعدا يتعلق بالواقع الاقتصادي".

وتابع، "بالنسبة للأردن، فالمعاناة مستمرة من حيث الصعوبات الاقتصادية، الأجور لم ترتفع، والقوة الشرائية هبطت، ومستويات الأسعار مرتفعة، وكل ذلك له علاقة بظروف داخلية وخارجية، وهي اقتصادية بحتة إلى جانب ظروف سياسية. رمضان بالذات؛ ونتيجة للمتطلبات الاقتصادية الكبيرة، يتحول إلى عبء اقتصادي على الصائمين؛ بسبب مجموعة من العوامل الاجتماعية".

مرجي أضاف أن "التجار يحاولون استغلال الشهر، وهذا من أسوأ ما يُمارس في الأردن، فبدل التخفيف عن الناس، فإنهم يحاولون استغلال الظروف رغم تأكيد الحكومة على تشديد الرقابة، وفي الواقع ليس لإجراءاتها أي تأثير".

ولكنه اعتبر أن "تراجع الحضور بالنسبة لموائد الأرحام الرمضانية ليست له علاقة بالوضع الاقتصادي؛ لأنه ليس للأردن بالقطاع (غزة) أي ارتباطات تجارية، والتأثر طال السياحة في المنطقة بشكل عام، لكن تأثير ما يجري هناك اجتماعي على الأردنيين".

وأكد أن "المواطن الأردني مجبور على تلك الموائد تحت ضغوط العادات والتقاليد، مدفوعة بالبعد الديني الذي يؤكد على صلة الأرحام بالدرجة الأولى".

وتأثرت العديد من القطاعات الاقتصادية الأردنية بالحرب على غزة، وخاصة السياحة، إذ تفيد البيانات بإلغاء نحو 50% من الحجوزات السياحية.

وتبلغ إيرادات الخزينة العامة من قطاع السياحة 15% من الناتج المحلي الإجمالي، بنحو 4.8 مليارات دينار سنويا.

كما تأثر الأردن بتداعيات ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين في البحر الأحمر، وبالتالي زيادة أسعار السلع؛ جراء الهجمات التي يشنها الحوثيون من اليمن، "تضامنا مع غزة"، على سفن مرتبطة بإسرائيل.

وتواصل إسرائيل الحرب على قطاع غزة رغم صدور قرار من مجلس الأمن، في 25 مارس/آذار الماضي، بوقف فوري لإطلاق النار خلال رمضان، ورغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات رمضان 2024 صلة الرحم فی غزة

إقرأ أيضاً:

إبراهيم الهدهد يحدد شرطين يتحقق بهما نصر الله للمؤمنين

أكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، أن جميع المناهي التي وردت في القرآن الكريم إنما هي لحماية الأرض من الفساد، موضحًا أن عدم الالتزام بها يؤدي إلى خرابها وذهاب خيرها. 

وأشار "الهدهد"، تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء، إلى أن القرآن الكريم يؤكد أن الخير يأتي بالالتزام بأوامر الله، ويبقى ما دام الناس يجتنبون ما نهى عنه سبحانه وتعالى، مستشهدا بقول الله تعالى: "وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا"، مؤكدًا أن الفساد هو السبب الرئيس للتدمير والهلاك، وأن الله تعالى يُمهل المفسدين ولكنه لا يُهملهم. 

وأضاف أن الفساد لا يقتصر على الإفساد الحسي مثل التلوث البيئي والتجارب النووية، بل يشمل كل ما يؤدي إلى إفساد حياة الناس وتحويل النعمة إلى نقمة، موضحا أن التصدي لهذا الفساد لا يكون إلا بالعبودية الحقيقية لله والاعتماد عليه، حيث قال تعالى: "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ"، موضحًا أن النصر لا يكون للمسلمين بالاسم فقط، وإنما لمن تحقق بالإيمان والتوكل الخالص على الله. 

إبراهيم الهدهد: عدم إكرام اليتيم من أخطر صور الفسادإبراهيم الهدهد: أخطر أشكال الفساد في الأرض هو استغلال النعم

وشدد على أن التاريخ يشهد بسقوط قوى الفساد حين تبلغ ذروتها، وأن اليهود ومن يسير على نهجهم يدركون أن صفة العبودية لله هي مفتاح النصر عليهم، لذا يسعون لإفساد عقيدة الشباب وإبعادهم عن التوجه الحق، مشددًا على ضرورة العودة الصادقة إلى الله والتوكل عليه لتحقيق النصر الموعود.

صلة الأرحام تعزز قوة الأوطان

وكان أكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق، أن الدعوة لتواصل الأرحام هي من أهم المبادئ التي يجب أن يتحلى بها المسلمون، مشيرًا إلى أن هذه الدعوة كانت أحد الأسس التي ركز عليها الأنبياء في رسالاتهم.

وأوضح رئيس جامعة الأزهر السابق، في تصريح له، أن الله سبحانه وتعالى عندما أرسل سيدنا هود عليه السلام إلى قومه، قال "وإلى عاد أخاهم هودًا"، لافتًا إلى أن استخدام كلمة "أخاهم" في القرآن ليس محض صدفة، بل هي إشارة عظيمة لضرورة تعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية بين أفراد المجتمع، فقد كان الأنبياء الأقرب إلى قومهم، وأكثر الناس حبًا ورأفة بهم.

وأضاف أن في عصرنا الحالي، نلاحظ تزايد الدعوات إلى القطيعة وفك الروابط العائلية، وهو ما يعكس فسادًا كبيرًا في العلاقات بين الناس، مشيرًا إلى أن بعض الآباء قد ينصحون أبناءهم بعدم حضور جنازات أقاربهم، وهو أمر يمثل تهديدًا اجتماعيًا لهدم القيم والأخلاق في المجتمع.

وأكد أن تواصل الأرحام هو أساس البركة في الرزق والحياة، كما أنه من أهم عوامل قوة الأوطان، حيث إن المجتمع المتماسك قائم على روابط أسرية متينة، وهو ما يعزز من تماسك الدولة ويعطيها قوة واستقرارًا.

مقالات مشابهة

  • “الشؤون الإسلامية” تقيم موائد لتفطير الصائمين بالسودان استفاد منها 15 ألف مستفيد
  • فرص عمل بالأردن في مجالات صناعة الزجاج والحديد والبلاستيك
  • إبراهيم الهدهد يحدد شرطين يتحقق بهما نصر الله للمؤمنين
  • “الشؤون الإسلامية” تقيم موائد لتفطير الصائمين بأثيوبيا لـ 9600 مستفيد
  • موائد الإفطار بحائل.. لوحة تجوبها نسمات شهر رمضان
  • معرض فيصل الثالث عشر للكتاب يناقش أثر صلة الأرحام في الترابط المجتمعي
  • من السفة إلى الهريس والفول المحوج.. أسرار السحور على الموائد العربية
  • “الشؤون الإسلامية” تقيم موائد لتفطير الصائمين في باكستان لـ 12 ألف مستفيد
  • موائد الخير تُزين شوارع الإسكندرية في رمضان لإفطار الصائمين
  • الذهب يستقر مع استمرار المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية