أسباب وانعكاسات انتكاسة حزب إردوغان في الانتخابات المحلية
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
رغم أن خسارة تحالف "الجمهور" الحاكم في تركيا كانت واحدة من بين الاحتمالات الخاصة بالانتخابات المحلية لم يكن من المتوقع أن تسفر النتائج عن "انتكاسة" كبيرة لم يشهدها حزب "العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان منذ 2002.
هذه الانتكاسة لم تقتصر على الخسارة بمعناها التقليدي والعام في إسطنبول وأنقرة (المدن الكبرى)، بل خيّم مشهدها على عموم بلديات البلاد، وهو ما تشير إليه الأرقام وبيان رئيس "الهيئة العليا للانتخابات"، أحمد ينير، الاثنين.
وأوضح ينير أن حزب "الشعب الجمهوري"، وهو أكبر أحزاب المعارضة، فاز برئاسة 35 بلدية، "العدالة والتنمية" بـ24، "المساواة الديمقراطية والشعبية" بـ10 بلديات.
وتمكن حزب "الحركة القومية" من الحظي برئاسة 8 بلديات، "الرفاه من جديد" ببلديتين، بلدية واحدة لحزب "الاتحاد الكبير" وأخرى لحزب "الجيد" القومي، الذي تتزعمه السياسية المعارضة ميرال أكشنار.
وفي غضون ذلك أشار رئيس الهيئة الانتخابية إلى أن 99.9 بالمئة من صناديق الاقتراع تم فتحها، وأن نسبة المشاركة بلغت 78 بالمئة.
"بالأرقام"بالنظر إلى الأرقام وبمقارنة انتخابات عام 2019 والحالية في 2024 يتضح حجم الخسارة التي مني بها التحالف الحاكم الذي يضم "العدالة والتنمية" وحليفه "الحركة القومية".
قبل 5 سنوات كان رصيد الحزب الحاكم في رئاسة البلدية محددا بـ39 بلدية واليوم انخفض إلى 24 (الفارق السلبي 15 بلدية).
وبينما كان "الشعب الجمهوري" في 2019 يستحوذ على رئاسة 21 بلدية ارتفع الرقم الآن إلى 35 (الفارق الإيجابي 14)، وهو ما تظهره نتائج فرز 99 بالمئة من الأصوات.
الحزب المعارض حصل أيضا على أغلبية المجلس البلدي لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول، ورفع رصيده في العاصمة من 3 إلى 16 على صعيد بلديات أحياء المدن الكبرى.
في المقابل تراجع "العدالة والتنمية" من 19 إلى 8 من أصل 25 بلدية فرعية.
وكذلك الأمر في إسطنبول حيث رفع "الشعب الجمهوري" رصيده من 14 إلى 26 بينما تراجع "العدالة والتنمية" من 24 إلى 13 من أصل 39 بلدية فرعية.
"الحركة القومية" انخفض رصيده بفارق 3 بلديات، على خلاف حزب "الرفاه من جديد" الذي يتزعمه فاتح إربكان، والذي تمكن من الفوز ببلدتين، إحداها شانلي أورفة في جنوبي البلاد.
3 أسبابتقود قراءات وتحليلات الخبراء والمراقبين إلى عدة أسباب تقف وراء الخسارة المدوية التي تعرض لها "العدالة والتنمية" في عموم البلاد، يوم الأحد.
ويقولون حسبما أوضحوا لموقع "الحرة" إنها تتوزع ما بين السياسة الداخلية والوضع الاقتصادي، وهو العامل الأكبر الذي ألقى بظلاله على توجهات الناخبين.
ديلارا أصلان مديرة مكتب صحيفة "ديلي صباح" في أنقرة تحصر الانتكاسة بـ3 أسباب، وتشير لموقع "الحرة" إلى أن أولها الوضع الاقتصادي.
وكان ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية قد أثرا سلبا على الحياة اليومية للناس.
وكانت أكثر الشرائح الغاضبة هي فئة المتقاعدين، الذين يعيش معظمهم بـ10 آلاف ليرة تركية في الشهر، وفق أصلان.
السبب الثاني هو أن الكوادر غير الفعالة نمت داخل حزب "العدالة والتنمية"، على عكس الفريق الناجح الذي قاد الحزب في سنواته الأولى.
وعلى إثر ذلك تشكلت هوّة ما بين النظر لشخص الرئيس إردوغان من جهة والحزب من جهة أخرى، كما تضيف الصحفية التركية.
وتتابع: "لقد صوت الناس دائما لصالح أردوغان نفسه، مما يدل على أن الحزب فقد أهميته".
ويرتبط السبب الثالث بأنه و"مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فإنه فقد روابطه مع الشعب".
وتشير أصلان إلى أن رد الفعل للأسباب المذكورة كان أحد العوامل التي أدت إلى فقدان حزب العدالة والتنمية دعمه.
"تحوّل كبير"ويعتقد المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو أنه و"بعد فوز المعارضة في والحصول على أكبر البلديات يمكن القول إنها وضعت الحزب الحاكم في وضع حرج".
وهذه "أول انتكاسة انتخابية للعدالة والتنمية منذ تأسيسه"، حسبما يشير عودة أوغلو لموقع "الحرة".
ويقول إن "النتائج أظهرت تحولا كبيرا للكتلة التصويتية الخاصة بالعدالة والتنمية لصالح حزب الشعب الجمهوري".
وما سبق فتح بابا جديدا للسياسة التركية بعد عقدين من الزمن، ووضع المعارضة في صدارة الواجهة، حسب حديث المحلل التركي.
وترى الصحفية أصلان أن "زيادة أصوات حزب الشعب الجمهوري ترتبط بعامل آخر هو أن الانتخابات كانت بمثابة صراع وجودي للمعارضة".
وعندما هزمت 6 أحزاب من المعارضة أمام إردوغان في شهر مايو العام الماضي خيمت حالة من خيبة الأمل على المشهد.
وكانت هزيمة أخرى للمعارضة ستعني النهاية لحزب "الشعب الجمهوري"، كما تتابع الصحفية.
وتشير أنه و"للحفاظ على الروح حية وتعزيز شعبية أكرم إمام أوغلو الذي يُنظر إليه على أنه الزعيم المستقبلي للشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي المحتمل لعام 2028، صوت الناس له".
"انعكاسات ومآلات"في كلمة أمام أنصاره وبعد اتضاح حجم الخسارة قال إردوغان من مقر حزبه بأنقرة إن ائتلافه الحاكم لم يحقق النتائج المرجوة، لكنه أضاف مستدركا أنهم سيحاسبون أنفسهم وسيعالجون أوجه القصور.
الرئيس التركي اعتبر أن الانتخابات ليست نهاية المطاف، وإنما "نقطة تحول" (منعطف).
وتابع: "سنحترم بالطبع قرار الأمة وسنتجنب العناد والتصرف ضد الإرادة الوطنية والتشكيك في قوة الأمة".
ويعتقد المحلل طه عودة أوغلو أن الرئيس التركي كان يدرك حالة الغليان الشعبي بسبب الوضع الاقتصادي لكنه كان يريد أن يحول كل خطوة من المعارضة لنتائج تصب في صالحه.
لكن تبين أن "الاقتصاد تغلب على إردوغان" ولم يستطيع أن يقلب الأخير النتائج، وفق المحلل.
ويرى أن "نتائج الانتخابات سيكون لها تداعيات على المشهد والتحالف والحزب الحاكم وقد نرى تغيرات في الأشهر المقبلة".
كما يوضح أنه "يجب دراسة الواقع وأسباب تخلف الملايين من أنصار الحزب عن المشاركة. هل هو عامل الاقتصاد أم أن هناك أسباب عميقة أخرى؟".
ويتابع عودة أوغلو حديثه: "قد يكون ذلك أحد أهم المناقشات التي سيبحثها إردوغان مع حزبه في المرحلة المقبلة".
"نداء استيقاظ"نتائج الأمس كانت بمثابة "نداء استيقاظ لحزب العدالة والتنمية"، كما تراها الصحفية ديلارا أصلان.
وبينما تشير إلى قول إردوغان بأن "رسالة الشعب وصلت" توضح أن "هذا يشير إلى تغييرات داخل كوادر حزب العدالة والتنمية نفسه، حيث زاد عدد الأشخاص غير القادرين في صفوفهم مؤخرا".
ويمكننا أن نتوقع التجديد في الحزب (العدالة والتنمية) وفق أصلان.
وتوضح أنه لا يزال أمام إردوغان 4.5 سنوات لاستعادة الدعم الشعبي.
وقد يكون خطواته في المرحلة المقبلة على شكل إصلاح الاقتصاد أو إعادة بناء مناطق الزلزال أو القضاء على حزب "العمال الكردستاني" في شمال العراق.
وقد يعمل حزبه أيضا على مجموعة من المشاريع ليصبح مرة أخرى الحزب السياسي رقم واحد في تركيا، وفق حديث الصحفية التركية.
المحلل السياسي عودة أوغلو يشير من جانبه إلى "نقطة هامة" وتتعلق بسؤال: من سيحدد مصير حزب "العدالة والتنمية" في المرحلة المقبلة ومن سيديره بعد إردوغان.
ويقول المحلل: "العدالة والتنمية أمام منعطف كبير وإذا لم يستطيع لملمة أوراقه بكل سرعة قد لا يختلف مصيره عن حزب الوطن الأم الذي أسسه تورغوت أوزال، واندثر وغاب عن المشهد السياسي في الفترة الأخيرة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: حزب العدالة والتنمیة الشعب الجمهوری
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: التلاعب بالمسميات الجديدة من أسباب الفساد الذي ملأ الأرض
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل أراد من خلقه الامتثال إلى أوامره والابتعاد عن نواهيه، لما في هذه الأوامر من خير عميم يعود على العباد والبلاد، ولما في هذه النواهي من شر وبلاء يفسد الأرض، فالله ليس بحاجة لنا، فهو يأمرنا بما ينفعنا، وينهانا عما يضرنا.
فماذا أراد الله من عباده ؟ أراد منهم الخير والنفع لهم والصلاح والإصلاح، وتأكيدًا لهذا المعنى نبدأ الحديث في سلسلة تساهم في تشييد بناء الإنسان، ألا وهي سلسلة مراد الله من عباده، ولتكن أولى حلقات تلك السلسلة هي (عدم التلاعب بالألفاظ).
فلعل التلاعب باللغة وألفاظها من أهم أسباب الفساد الذي ملأ الأرض، وضج منه جميع الصالحون، بل والعقلاء من كل دين ومذهب، فإن التلاعب باللغة يفتح علينا أبواب شر كبيرة، حيث يُستحل الحرام، ويُحرم الحلال، ويُأمر بالمنكر ويُنهى عن المعروف، وذلك كله عكس مراد الله من خلقه، يقول النبي ﷺ: (إن ناسًا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) [أخرجه الحاكم في المستدرك].
فرسول الله ﷺ في ذلك البيان النبوي لا يريد أن يشير إلى تلك الكبيرة وهي شرب الخمر فحسب، بل إنه يتكلم عن تلك الصفة التي ستظهر في آخر الزمان وهي التلاعب بالألفاظ، والتي يترتب عليها تضييع الأحكام الشرعية، فيستحل الناس الذنوب والكبائر، فالخمر تسمى مشروبات روحية مثلاً، والزنا يسمى حرية الحياة الخاصة، أو حرية الممارسة الجنسية، ولذلك يظن الناس أن أحكام الله عز وجل لا تنطبق على تلك المسميات الجديدة، رغم أن الحقائق ثابتة.
إن الأساس الفكري الذي نؤكد عليه دائمًا هو ضرورة أن تقوم اللغة بوظائفها التي تبرر وجودها أصلا، فإن للغة ثلاث وظائف أساسية، أولى تلك الوظائف هي : "الوضع" بمعنى جعل الألفاظ بإزاء المعاني، فهو أمر لا بد منه حتى يتم التفاهم بين البشر.
وثاني تلك الوظائف هي "الاستعمال" : وذلك أن المتكلم يستخدم تلك الأصوات المشتملة على حروف لينقل المعاني التي قامت في ذهنه إلى السامع.
وهنا تأتي الوظيفة الثالثة والأخيرة وهي "الحمل" : والتي تعني حمل تلك الألفاظ على مقابلها من المعاني التي سبق للواضع أن تواضع عليها، وقد قرر العلماء عبارة موجزة توضح ما ذكرناه، فقالوا : (إن الاستعمال من صفات المتكلم، والحمل من صفات السامع، والوضع قبلهما).
وينبغي أن يسود ذلك الأساس الفكري في التعامل مع اللغة ليواجه أساسًا فكريًا آخر أصّل الفساد عن طريق التلاعب بالألفاظ، ولعل ما ظهر من مدارس ما بعد الحداثة الفكرية تأصيلاً لذلك الأساس الذي يقرر التلاعب بالألفاظ