رغم أن خسارة تحالف "الجمهور" الحاكم في تركيا كانت واحدة من بين الاحتمالات الخاصة بالانتخابات المحلية لم يكن من المتوقع أن تسفر النتائج عن "انتكاسة" كبيرة لم يشهدها حزب "العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان منذ 2002.

هذه الانتكاسة لم تقتصر على الخسارة بمعناها التقليدي والعام في إسطنبول وأنقرة (المدن الكبرى)، بل خيّم مشهدها على عموم بلديات البلاد، وهو ما تشير إليه الأرقام وبيان رئيس "الهيئة العليا للانتخابات"، أحمد ينير، الاثنين.

وأوضح ينير أن حزب "الشعب الجمهوري"، وهو أكبر أحزاب المعارضة، فاز برئاسة 35 بلدية، "العدالة والتنمية" بـ24، "المساواة الديمقراطية والشعبية" بـ10 بلديات.

وتمكن حزب "الحركة القومية" من الحظي برئاسة 8 بلديات، "الرفاه من جديد" ببلديتين، بلدية واحدة لحزب "الاتحاد الكبير" وأخرى لحزب "الجيد" القومي، الذي تتزعمه السياسية المعارضة ميرال أكشنار.

وفي غضون ذلك أشار رئيس الهيئة الانتخابية إلى أن 99.9 بالمئة من صناديق الاقتراع تم فتحها، وأن نسبة المشاركة بلغت 78 بالمئة.

"بالأرقام"

بالنظر إلى الأرقام وبمقارنة انتخابات عام 2019 والحالية في 2024 يتضح حجم الخسارة التي مني بها التحالف الحاكم الذي يضم "العدالة والتنمية" وحليفه "الحركة القومية".

قبل 5 سنوات كان رصيد الحزب الحاكم في رئاسة البلدية محددا بـ39 بلدية واليوم انخفض إلى 24 (الفارق السلبي 15 بلدية).

وبينما كان "الشعب الجمهوري" في 2019 يستحوذ على رئاسة 21 بلدية ارتفع الرقم الآن إلى 35 (الفارق الإيجابي 14)، وهو ما تظهره نتائج فرز 99 بالمئة من الأصوات. 

الحزب المعارض حصل أيضا على أغلبية المجلس البلدي لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول، ورفع رصيده في العاصمة من 3 إلى 16 على صعيد بلديات أحياء المدن الكبرى.

في المقابل تراجع "العدالة والتنمية" من 19 إلى 8 من أصل 25 بلدية فرعية. 

وكذلك الأمر في إسطنبول حيث رفع "الشعب الجمهوري" رصيده من 14 إلى 26 بينما تراجع "العدالة والتنمية" من 24 إلى 13 من أصل 39 بلدية فرعية.

"الحركة القومية" انخفض رصيده بفارق 3 بلديات، على خلاف حزب "الرفاه من جديد" الذي يتزعمه فاتح إربكان، والذي تمكن من الفوز ببلدتين، إحداها شانلي أورفة في جنوبي البلاد.

3 أسباب

تقود قراءات وتحليلات الخبراء والمراقبين إلى عدة أسباب تقف وراء الخسارة المدوية التي تعرض لها "العدالة والتنمية" في عموم البلاد، يوم الأحد.

ويقولون حسبما أوضحوا لموقع "الحرة" إنها تتوزع ما بين السياسة الداخلية والوضع الاقتصادي، وهو العامل الأكبر الذي ألقى بظلاله على توجهات الناخبين.

ديلارا أصلان مديرة مكتب صحيفة "ديلي صباح" في أنقرة تحصر الانتكاسة بـ3 أسباب، وتشير لموقع "الحرة" إلى أن أولها الوضع الاقتصادي.

وكان ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية قد أثرا سلبا على الحياة اليومية للناس.

وكانت أكثر الشرائح الغاضبة هي فئة المتقاعدين، الذين يعيش معظمهم بـ10 آلاف ليرة تركية في الشهر، وفق أصلان.

السبب الثاني هو أن الكوادر غير الفعالة نمت داخل حزب "العدالة والتنمية"، على عكس الفريق الناجح الذي قاد الحزب في سنواته الأولى. 

وعلى إثر ذلك تشكلت هوّة ما بين النظر لشخص الرئيس إردوغان من جهة والحزب من جهة أخرى، كما تضيف الصحفية التركية.

وتتابع: "لقد صوت الناس دائما لصالح أردوغان نفسه، مما يدل على أن الحزب فقد أهميته".

ويرتبط السبب الثالث بأنه و"مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فإنه فقد روابطه مع الشعب".

وتشير أصلان إلى أن رد الفعل للأسباب المذكورة كان أحد العوامل التي أدت إلى فقدان حزب العدالة والتنمية دعمه. 

"تحوّل كبير"

ويعتقد المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو أنه و"بعد فوز المعارضة في والحصول على أكبر البلديات يمكن القول إنها وضعت الحزب الحاكم في وضع حرج".

وهذه "أول انتكاسة انتخابية للعدالة والتنمية منذ تأسيسه"، حسبما يشير عودة أوغلو لموقع "الحرة".

ويقول إن "النتائج أظهرت تحولا كبيرا للكتلة التصويتية الخاصة بالعدالة والتنمية لصالح حزب الشعب الجمهوري".

وما سبق فتح بابا جديدا للسياسة التركية بعد عقدين من الزمن، ووضع المعارضة في صدارة الواجهة، حسب حديث المحلل التركي.

وترى الصحفية أصلان أن "زيادة أصوات حزب الشعب الجمهوري ترتبط بعامل آخر هو أن الانتخابات كانت بمثابة صراع وجودي للمعارضة".

وعندما هزمت 6 أحزاب من المعارضة أمام إردوغان في شهر مايو العام الماضي خيمت حالة من خيبة الأمل على المشهد.

وكانت هزيمة أخرى للمعارضة ستعني النهاية لحزب "الشعب الجمهوري"، كما تتابع الصحفية.

وتشير أنه و"للحفاظ على الروح حية وتعزيز شعبية أكرم إمام أوغلو الذي يُنظر إليه على أنه الزعيم المستقبلي للشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي المحتمل لعام 2028، صوت الناس له".

"انعكاسات ومآلات"

في كلمة أمام أنصاره وبعد اتضاح حجم الخسارة قال إردوغان من مقر حزبه بأنقرة إن ائتلافه الحاكم لم يحقق النتائج المرجوة، لكنه أضاف مستدركا أنهم سيحاسبون أنفسهم وسيعالجون أوجه القصور.

الرئيس التركي اعتبر أن الانتخابات ليست نهاية المطاف، وإنما "نقطة تحول" (منعطف).

وتابع: "سنحترم بالطبع قرار الأمة وسنتجنب العناد والتصرف ضد الإرادة الوطنية والتشكيك في قوة الأمة".

ويعتقد المحلل طه عودة أوغلو أن الرئيس التركي كان يدرك حالة الغليان الشعبي بسبب الوضع الاقتصادي لكنه كان يريد أن يحول كل خطوة من المعارضة لنتائج تصب في صالحه.

لكن تبين أن "الاقتصاد تغلب على إردوغان" ولم يستطيع أن يقلب الأخير النتائج، وفق المحلل.

ويرى أن "نتائج الانتخابات سيكون لها تداعيات على المشهد والتحالف والحزب الحاكم وقد نرى تغيرات في الأشهر المقبلة".

كما يوضح أنه "يجب دراسة الواقع وأسباب تخلف الملايين من أنصار الحزب عن المشاركة. هل هو عامل الاقتصاد أم أن هناك أسباب عميقة أخرى؟".

ويتابع عودة أوغلو حديثه: "قد يكون ذلك أحد أهم المناقشات التي سيبحثها إردوغان مع حزبه في المرحلة المقبلة".

"نداء استيقاظ"

نتائج الأمس كانت بمثابة "نداء استيقاظ لحزب العدالة والتنمية"، كما تراها الصحفية ديلارا أصلان. 

وبينما تشير إلى قول إردوغان بأن "رسالة الشعب وصلت" توضح أن "هذا يشير إلى تغييرات داخل كوادر حزب العدالة والتنمية نفسه، حيث زاد عدد الأشخاص غير القادرين في صفوفهم مؤخرا".

ويمكننا أن نتوقع التجديد في الحزب (العدالة والتنمية) وفق أصلان.

وتوضح أنه لا يزال أمام إردوغان 4.5 سنوات لاستعادة الدعم الشعبي. 

وقد يكون خطواته في المرحلة المقبلة على شكل إصلاح الاقتصاد أو إعادة بناء مناطق الزلزال أو القضاء على حزب "العمال الكردستاني" في شمال العراق. 

وقد يعمل حزبه أيضا على مجموعة من المشاريع ليصبح مرة أخرى الحزب السياسي رقم واحد في تركيا، وفق حديث الصحفية التركية.

المحلل السياسي عودة أوغلو يشير من جانبه إلى "نقطة هامة" وتتعلق بسؤال: من سيحدد مصير حزب "العدالة والتنمية" في المرحلة المقبلة ومن سيديره بعد إردوغان.

ويقول المحلل: "العدالة والتنمية أمام منعطف كبير وإذا لم يستطيع لملمة أوراقه بكل سرعة قد لا يختلف مصيره عن حزب الوطن الأم الذي أسسه تورغوت أوزال، واندثر وغاب عن المشهد السياسي في الفترة الأخيرة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: حزب العدالة والتنمیة الشعب الجمهوری

إقرأ أيضاً:

تعاون بين التضامن والتنمية المحلية لتوفير سكن كريم للأسر الأكثر احتياجا

عقدت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية ، والدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعي اجتماعاً عبر الفيديو كونفرانس من مقر وزارة التنمية المحلية بالعاصمة الإدارية الجديدة مع السادة المحافظين، وذلك بحضور  أيمن عبد الموجود الوكيل الدائم لوزارة التضامن الاجتماعي، والدكتور ولاء جاد الكريم مدير الوحدة المركزية للمبادرة الرئاسية " حياة كريمة " بوزارة التنمية المحلية، والدكتور محمود فؤاد نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأورمان والدكتور محمد رفاعي الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير.

وشهد الاجتماع مناقشة آليات التنسيق  مع الجمعيات الأهلية  خاصة مؤسستي الأورمان ومصر الخير فيما يتعلق برفع كفاءة منازل الفئات الأولي بالرعاية بمراكز وقرى المرحلة الأولي للمبادرة الرئاسية "حياة كريمة " .

وفي بداية الاجتماع أشادت الدكتورة منال عوض بالتنسيق والتعاون القائم بين وزارتي التنمية المحلية والتضامن الاجتماعي في العديد من الملفات الخدمية علي أرض المحافظات ، مشيرة إلي أهمية الجهود التي تقوم بها مؤسستي الأورمان ومصر الخير والمشروعات التي يتم تنفيذها  في كافة مجالات التنمية المختلفة لخدمة المواطنين ، وتحسين معيشتهم والارتقاء بالخدمات المقدمة لهم وبصفة خاصة ضمن المبادرة الرئاسية " حياة كريمة " وتوفير سبل العيش الكريم والحياة اللائقة وتحسين جودة الحياة من خلال توفير بيئة آمنة داخل المنازل.

كما أكدت منال عوض أهمية دور رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص في كل محافظة لدعم تلك الجهود كنوع من أنواع المشاركة المجتمعية ودعم وتكامل جهود المجتمع المدني والجمعيات الاهلية بكل محافظة بما بتكامل مع الجهود التي قامت بها الحكومة في قري ومراكز المبادرة الرئاسية وتنفيذ آلاف المشروعات المختلفة التي تمس حياة الموطنين بالريف المصري.

ومن جانبها أشارت الدكتورة مايا مرسي إلي أن الحكومة تعمل بشكل متكامل لإحداث تنمية حقيقية ومتكاملة لجميع المواطنين بمحافظات الجمهورية، لافتة إلي أن الوزارة تتعاون مع العديد من المؤسسات الأهلية والمجتمع المدني لتنفيذ مبادرات وبرامج تمس حياة المواطنين خاصة الأولي بالرعاية في مختلف المحافظات ومن بينها مؤسستي مصر الخير والأورمان.

وأعربت وزيرة التضامن الاجتماعي عن استعداد الوزارة لتقديم كل الدعم اللازم من خلال الجمعيات الأهلية وحشد كافة الجهود اللازمة لتنفيذ التدخلات المطلوبة في قري المرحلة الأولي من " حياة كريمة " والتي تتفاوت درجاتها بين توصيل المرافق  للمنازل وترميم وإقامة الأسقف وتبليط الأرضيات والصرف الداخلي، مشيرة إلي أن هذه التدخلات ستكون بدعم وتحت إشراف مؤسستي الأورمان ومصر الخير وبمتابعة وزارتي التنمية المحلية والتضامن الاجتماعي والسادة المحافظين.  

كما أكدت الدكتورة مايا مرسي أهمية حشد السادة المحافظين لكل الامكانيات الموجودة لدي أبناء المحافظة من رجال الأعمال والمستثمرين وشركات القطاع الخاص لدعم تنفيذ أكبر عدد من رفع كفاءة المنازل وتوفير السكن الكريم لأبناء القري المستهدفة في “ حياة كريمة ”، لافتة إلى قيام مديريات التضامن الاجتماعي بعمل مطابقة ومراجعة للمنازل التي يتم حصرها وتدقيقها مع قواعد البيانات الخاصة بالمستحقين بتكافل وكرامة.

وشهد الاجتماع استعراض عدد من السادة المحافظين لبعض الجهود التي تم تنفيذها في هذا الملف خلال الشهور الماضية وعدد المنازل التي تم رفع كفاءتها بالفعل بالإضافة إلي وجود حصر بعدد أخر يمكن تنفيذه بعد تدقيقه بشكل نهائي علي أرض الواقع.

كما أشار المحافظون إلي وجود تواصل مع بعض الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة وبعض رجال الأعمال حيث تم تنفيذ بعض أعمال التطوير لعدد من المنازل من المواطنين الأولي بالرعاية.

كما عرض كل من الدكتور محمود فؤاد نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأورمان والدكتور محمد رفاعي الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير لمختلف الجهود التي قامت بها المؤسستان خلال المرحلة الماضية في مختلف محافظات الجمهورية  في إطار جهود التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي للقيام بالتدخلات العاجلة لرفع كفاءة المنازل.

وفي نهاية الاجتماع تم الاتفاق على سرعة التنسيق مع وزارتي التنمية المحلية والتضامن الاجتماعي والسادة المحافظين لتدقيق وتحديث قوائم المستفيدين الذين تم حصرهم سابقاً والبالغ عددهم  حوالي ١٢٣ ألف حالة على مستوى كافة المراكز المستهدفة في “حياة كريمة”، والتنسيق مع مؤسستي الأورمان ومصر الخير  لبدء رفع كفاءة المنازل وفقاً للتجارب التي نفذوها علي أرض المحافظات خلال الفترة الماضية  للانتهاء من أكبر عدد من المنازل قبل ٣٠ يونيو القادم.

مقالات مشابهة

  • جهاز تنمية المشروعات يتعاون مع الشعب الجمهوري لنشر ثقافة العمل الحر
  • العدالة والتنمية: تنازع المصالح عند رئيس الحكومة خطأ فادح يجب أن يدفع ثمنه
  • «الشعب الجمهوري»: هدفنا تأهيل وتدريب الكوادر الشبابية لانتخابات المحليات
  • تعاون بين التضامن والتنمية المحلية لتوفير سكن كريم للأسر الأكثر احتياجا
  • تعرف على رئيس حزب العدالة والتنمية الجديد في إسطنبول
  • حزب الشعب الجمهوري ينظم احتفالية ضخمة لتجهيز 150 عروس من أبناء الجيزة
  • «الشعب الجمهوري» ينظم احتفالية لتجهيز 150 عروسًا في الجيزة الثلاثاء المقبل
  • نائب وزير الإدارة والتنمية المحلية يلتقي ممثل “أحفاد بلال”
  • أحمد داوود أوغلو: مستعد لدعم العدالة والتنمية للنهاية
  • هل يستطيع إيلون ماسك التأثير على الانتخابات في المملكة المتحدة؟