شتاء الذكاء الاصطناعي.. وتأثيره على عالم الأعمال
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
د.مبارك بن خميس الصلطي **
يطلق مصطلح شتاء الذكاء الاصطناعي على تلك الفترة الزمنية التي شهدت توقف العمل بتطوير الذكاء الاصطناعي نتيجة لنقص أو توقف التمويل وفتور حماسة العلماء له.سوف يناقش هذا المقال تأريخ الذكاء الاصطناعي والتحديات التي واجهته وكادت أن تقضي عليه وتأثيره على عالم الأعمال.
تعود البدايات الأولى الخجولة للذكاء الاصطناعي إلى سنة 1956 في أروقة كلية "دارتموث" في نيو هامبشاير بالولايات المتحدة الأمريكية وصاحب تلك البداية ارتفاع في سقف توقعات العلماء عن مستقبل الذكاء الاصطناعي.
ومع بزوغ النهضة العلمية في الجانب الآسيوي من العالم بقيادة اليابان والتي ضخت مليارات اليوانات بعملتها المحلية في مشاريع الذكاء الاصطناعي أحيت أمل العلماء من جديد بهذا المشروع لكن صغر حجم ذواكر أجهزة الحواسيب في مطلع الثمانينات من القرن الماضي أجهض المشروع مرة أخرى.
وفي مطلع القرن الحالي ومع تطور تخصص "تعلم الآلة" تمكنت الخوارزميات والنماذج الإحصائية من آداء مهامها المطلوبة منها دون برمجة سابقة أو الاعتماد على خبرات العلماء وملاحظاتهم مما اعتبر فتحا علميا كبيرا في الذكاء الاصطناعي توسعت تطبيقاته في شتى التخصصات العلمية والصناعية مثل روبوتات المساعدة في المطارات وروبوتات إنقاذ العالقبن في الأماكن الخطرة والتي تستخدم في أوقات الطوارئ إلى السيارات ذاتية القيادة وكذلك والمسيرات الحربية.
وكاد أن يكون نوفمبر الماضي شتاء آخر للذكاء الاصطناعي حينما قامت شركة جوجل بتعليق إنشاء الصور لـ"جيمناي" بسبب شكاوى المستخدمين لتوليده صورا غير دقيقة ثم أعيد طرح استخدامه في الأسواق وما زال يحتاج للمزيد من التطوير.
ثم واجه الذكاء الاصطناعي تحديًا من نوع مختلف ومن الجانب الأخلاقي هذه المرة؛ حيث أوردت الصحف عن التصرف المسؤول لرئيس البرمجيات في شركة مايكروسوفت "شين جونز" بعد أن انتبه للاستخدام السيء من قبل البعض لمنشئ الصور المدعومة بالذكاء الصناعي لبرنامج "كوبايلوت ديزاينر" فأنتج صورًا تحتوي على العنف والجنس. فقام بمخاطبة الجهات الرسمية في الشركة منبها ومحذرا من تلك الثغرة واعتبرها سقطة خطيرة قد تنتهك وتعرض لمن هم دون السن القانوني لخطر جسيم واستجابت الشركة لهذه المخاوف وقامت بحلها.
ويمثل الذكاء الاصطناعي سفينة النجاة لإنعاش سوق الهواتف النقالة وسبب رئيس لعودة الزخم لمبيعاتها بعد أن انحسرت مبيعاتها في السنوات العشر الأخيرة ووصلت لأدنى مستوياتها نتيجة عدة عوامل منها التضخم وغلاء الأسعار مما دفع بالمستهلكين لاستخدام هواتفهم لمدة زمنية أطول. وعند استخدام تقنية "متقدمة" من الذكاء الاصطناعي وليست تقنية "أساسية " كما هو موجود في معظم هواتفنا اليوم سيرفع معدل المبيعات مرة أخرى لذلك تعول كثيرا شركات الهواتف النقالة على حملات التسويق والترويج لتسليط الضوء على هذه المزايا. وهذا بحد ذاته سيدفع شركات الهواتف لتوظيف الكثير من خريجي أقسام التسويق للاستعانة بهم للخروج من دائرة الركود.
وقد عبر "إلون ماسك" وهو أحد عمالقة المستثمرين في الذكاء الاصطناعي عن اعتقاده بضرورة إتاحة ونشر ابتكارات الأكواد الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي للجميع وأنه لا يجوز كتمانها لضمان الشفافية وعدم احتكار العلم.لهذا رفع دعوى قضائية ضد شركة "أوبن إيه آي" مطلع الشهر الجاري واتهمها بالتخلي عن حماية البشرية من أضرار الذكاء الاصطناعي لعدم مشاركتها الآخرين لتلك الأكواد وذلك لأنها ترى- من وجهة نظرها- أن النشر يهدد الأمن القومي للدول.
ويعبر الصراع القضائي في أروقة المحاكم الأمريكية عن وجهات النظر المتعارضة بين المهيمنين على الذكاء الاصطناعي حول كيفية تطوير أدوات الذكاء وتأثيرها على أمن واستقرار الدول.
وفي ختام هذا المقال.. يبقى التساؤل هل ستمضي مسيرة التطور في الذكاء الصناعي للأمام أم سنشهد تأجيلا آخر لثورة تبدو من بعيد بأنها آتية لتنقل البشرية إلى عهد جديد لم تعرفه من قبل!
** دكتوراة إدارة أعمال
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نظرة عن سلبيات وإيجابيات الذكاء الاصطناعي
يمثل الذكاء الإصطناعي أحد أكثر التقنيات تحويلاً في العصر الحديث، ويُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه نظرية وتطوير أنظمة الكمبيوتر القادرة على أداء المهام التي تتطلب عادةً الذكاء البشري، ويشمل مجموعة واسعة من الأنشطة، بما في ذلك الإدراك البصري، والتعرف على الكلام، واتخاذ القرار، وترجمة اللغة، ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، فإنه يجلب العديد من المزايا، مثل زيادة الكفاءة والدِقَّة، فضلاً عن التحدِّيات، بما في ذلك المخاوف الأخلاقية وتعطيل التوظيف.
أحرز الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً، حيث وجدت تطبيقات في قطاعات مختلفة، من الترفيه والإعلان الرقمي، إلى الوقاية من الجريمة، والرعاية الصحية، ويؤكد الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في هذه المجالات، على إمكاناته في تحويل الصناعات، وإعادة تشّكيل المجتمع، لكن مع استمرار نمو تأثير الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري فهم فوائده وتحدِّياته.
لقد أثبت الذكاء الإصطناعي قيمته الهائلة، وخاصة في قدرته على معالجة كميات كبيرة من البيانات، وإجراء حسابات معقَّدة بسرعة ودقّة غير مسبوقة، وقد أدّت هذه القدرة إلى دمج الذكاء الإصطناعي في قطاعات مختلفة، حيث يعزِّز الإنتاجية والكفاءة، فقد تبنَّت الشركات الذكاء الإصطناعي لتحّسين عملياتها، وتبّسيط العمليات، وتعزيز الأرباح، فالذكاء الاصطناعي لا يكمل مهارات الموظفين فحسب، بل يخلق أيضًا طلبًا على العمال ذوي المهارات العالية، وهذا يشير إلى أنه عند استخدامه بشكل استراتيجي، يمكن للذكاء الإصطناعي أن يؤدي إلى النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل.
إن إمكانات الذكاء الاصطناعي تمتد إلى ما هو أبعد من عالم الأعمال، فالحكومات تستفيد من الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات تعتمد على البيانات، وتعزِّز الأمن الوطني، والسلامة العامة، حيث تساعد أدوات الذكاء الإصطناعي الجمارك وحماية الحدود في تحديد التهديدات المحتملة بين المسافرين، ممّا يساهم في الأمن الوطني، لكن وعلى الرغم من مزاياه العديدة، فإن الذكاء الإصطناعي يطرح أيضا تحدّيات ومخاوف كبيرة، ومن بين القضايا الأكثر إلحاحاً، التأثير المحتمل على العمالة، فمع انتشار الذكاء الإصطناعي على نحو متزايد، ظهرت مخاوف بشأن تشّريد الوظائف، لأنه في حين قد يخلق الذكاء الاصطناعي وظائف جديدة، فإنه يهدِّد أيضا بأتمتة جزء كبير من الوظائف القائمة، وقد يؤدي هذا التحول إلى تفاوتات اقتصادية، وزيادة البطالة، ممّا يستلزم تدخلات سياسية، وبرامج إعادة تدريب القوى العاملة، وهناك مصدر قلق آخر: يتمثل في الإفراط في الإعتماد على أنظمة الذكاء الإصطناعي، والتي على الرغم من قدراتها، ليست معصومة من الخطأ، حيث هناك حالات وضع الناس ثقة مفرطة في الذكاء الإصطناعي، حتى في المواقف التي كان من المعروف فيها أنه غير موثوق به، وقد يكون لهذه الثقة المفرطة، عواقب وخيمة خاصة في السيناريوهات الحرجة، حيث ينبغي أن يسود الحكم البشري فيها، كذلك يشكِّل الاستخدام الخبيث للذكاء الإصطناعي، تهديداً كبيراً، فهو ناقوس خطر بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي على تسهيل شنّ هجمات إلكترونية أكثر فعالية واستهداف، ومع تزايد تعقيد أنظمة الذكاء الإصطناعي، تتزايد أيضا المخاطر المرتبطة بإساءة استخدامها، ويتطلب معالجة هذه المخاوف، إتخاذ تدابير قوية للأمن السيبراني، والتعاون الدولي لمنع الذكاء الإصطناعي من أن يصبح أداة في يد الجهات الخبيثة.
مستقبل الذكاء الإصطناعي واعد، وغير مؤكد في الوقت نفسه، ويشكِّل البحث والتطوير المستمران، أهمية بالغة لإطلاق العنان لإمكانات الذكاء الإصطناعي الكاملة مع التخفيف من مخاطره، وعلى النقيض من المخاوف بشأن فقدان الوظائف على نطاق واسع، فإن الذكاء الإصطناعي لديه القدرة على خلق فرص عمل جديدة، لأن التقدم التكنولوجي، أدّى تاريخيًا إلى خلق فرص العمل في صناعات جديدة، حتى مع تعطيل الصناعات القائمة، ومن خلال التركيز على إعادة تأهيل القوى العاملة، ورفع مهاراتها، يمكن للمجتمع الاستفادة من فوائد الذكاء الإصطناعي مع تقليل آثاره السلبية إلى أدنى حد. الذكاء الاصطناعي أداة قوية قادرة على إعادة تشكيل العالم، ورغم أنه يوفر العديد من المزايا، مثل زيادة الكفاءة وتعزيز قدرات اتخاذ القرار، فإنه يطرح أيضا تحديات يجب معالجتها، ويتطلب تحقيق التوازن بين فوائد الذكاء الإصطناعي وعيوبه، دراسة متأنية، وتنظيماً مدروساً، وتدابير استباقية، لضمان خدمة التكنولوجيا للصالح العام.
ومع استمرار الذكاء الإصطناعي في التقدم، من المهم أن يتعامل المجتمع مع تعقيداته بعناية، وتعظيم إمكاناته لحل القضايا العالمية الملِحَّة، مع الحماية من العواقب غير المقصودة.
@NevenAbbass