أردوغان وضربة الانتخابات المحلية القاسية
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
صالح البلوشي
في الانتخابات الرئاسية التركية التي عقدت في الصيف الماضي وانتهت بفوز صعب جدا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية بفارق ضئيل، بعد أن حصد 52.15 من إجمالي الأصوات مقابل أقل من من 48 بالمئة لمنافسه كمال كليجدار أوغلو، كاد أن يُتهم بالكفر والخروج من الإسلام كل من انتقد أردوغان أو تمنى خسارته.
وساهمت وسائل الإعلام والحسابات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في كثير من الدول في هذه الحملة التقديسية التي وصلت إلى مقارنة الرجل بكبار الصحابة وقادة المسلمين الأوائل. لكن لم تمض إلا أيام قلائل حتى ظهر التناقض بين ما كانت تروجه الحسابات الدعائية لحزب العدالة والتنمية في وسائل التواصل الاجتماعي وبين ما يحدث في الواقع، حيث بدأت السياسة البراجماتية لحزب العدالة والتنمية ورئيسه؛ سواء في تعامله مع المهاجرين العرب في تركيا، أو أثناء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي أو في العلاقات الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني الغاصب.
ولكن من يتابع الشؤون التركية بعيدًا عن وسائل الإعلام الدعائية لا يجد هناك أي تناقض، فكما يعلم الجميع أن تركيا حسب دستورها هي دولة علمانية، ولا يستطيع أي حزب أو رئيس مهما كانت هويته إسلامية أو يسارية أو قومية أن يخرج عن علمانية الدولة ومصالحها، ولكن يبدو من خلال مجريات الأحداث أن هناك خطابين لحزب العدالة والتنمية، خطاب علماني سياسي داخلي يركز على القضايا الداخلية المهمة مثل التضخم والبطالة والمهاجرين وسوء الأوضاع الاقتصادية وغيرها، وخطاب دعائي خارجي يروج له الإعلام الخارجي للحزب ووسائل الإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة للإخوان المسلمين في العالم العربي، ويركز على تلميع صورة تركيا.
هذه الصورة التقديسية للرئيس أردوغان تعرضت لضربة قاسية جدًا بعد عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الصهيوني الغاشم على غزة بسبب المواقف الضعيفة التي أبدتها تركيا حيال ذلك، مما شكل صدمة قوية للشعوب العربية والإسلامية التي كانت تتوقع موقفًا قويًا لأردوغان ليس أقله طرد السفير الصهيوني من تركيا، ولكن بدلًا من ذلك تداولت الأخبار عن استمرار العلاقات الاقتصادية بين تركيا والكيان الصهيوني دون أدنى اعتبار أو مراعاة لما يحدث في غزة، ولم تستطع وسائل الإعلام والحسابات التابعة للإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية الناطقة بالعربية الدفاع عن هذه العلاقات أو إيجاد تبرير لها؛ بل إن كثير من المحسوبين على "الإسلاميين" في الوطن العربي انتقدوا الموقف التركي ووصفوه بأنه موقف مخذٍ لغزة وللشعب الفلسطيني.
الموقف من غزة جعل بعض العرب يبتهجون بالهزيمة الكبيرة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التركية؛ بل إن آخرين أظهروا الشماتة للحزب وتمنوا هزيمته في الانتخابات الرئاسية التركية في 2028، وهناك من وصف الهزيمة بأنها رد فعل من الشعب التركي على موقف أردوغان من العدوان الصهيوني على غزة.
هذا الانقلاب الشعبي في كثير من الدول العربية تجاه تركيا وأردوغان يؤكد أن الشعوب العربية بحاجة إلى قراءة سياسية أعمق لفهم مواقف الدول الأخرى بعيدًا عن القراءات العاطفية والآيديولوجية والطائفية، فالشعب التركي لم ينتخب أردوغان لأنه قائد إسلامي، ولم ينتخب المعارضة في انتخابات البلدية بسبب موقف أردوغان من غزة، وإنما كان هاجس الناخبين الأتراك قضايا تركية داخلية مثل الأزمة الاقتصادية وقضية اللاجئين والحوكمة المحلية والسياسات الاجتماعية وغيرها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محللون: تركيا قد تكون شريكاً رئيسياً في هيكلة الأمن الأوروبي
يقول دبلوماسيون ومحللون، إن تركيا برزت كشريك رئيسي محتمل في إعادة هيكلة الأمن الأوروبي، في وقت تسعى فيه القارة جاهدة لتعزيز دفاعها والبحث عن ضمانات لأوكرانيا، في أي اتفاق لوقف إطلاق النار، يتم التوصل إليه بمساعي من الولايات المتحدة.
وتشعر الدول الأوروبية، بالقلق من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي شكلت تحولاً جذرياً في سياسة واشنطن وأنهت عزلة روسيا، مع ورود احتمال للتقارب أيضاً، وزادت في المقابل الضغوط على كييف بعد مشادة غير مسبوقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وعرضت العلاقات عبر الأطلسي للخطر.
Turkey could be a vital partner as Europe, Ukraine seek new security framework https://t.co/paYvBR8acn
— The Straits Times (@straits_times) March 13, 2025ويقول محللون إن "مساعي الأوروبيين للحفاظ على القدرات العسكرية لأوكرانيا، والاتفاق على ضمانات أمنية بالتوازي مع تعزيز دفاعاتهم دون واشنطن، أتاح فرصة نادرة لتركيا لتعميق العلاقات مع أوروبا، رغم خلافات مستمرة بشأن سيادة القانون ومشكلات بشأن الحقوق البحرية مع اليونان وقبرص، ومحاولة أنقرة التي تراوح مكانها منذ فترة طويلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
وقال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق ومدير مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية: "الدول الأوروبية التي اعتقدت حتى اليوم أنها تتمتع برفاهية إقصاء تركيا ترى الآن أنها لم تعد قادرة على استبعادها".
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بعد محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، أمس الأربعاء، إنه قدم "مقترحاً واضحاً لتركيا لتتحمل أكبر قدر ممكن من المسؤولية المشتركة، من أجل السلام في أوكرانيا والاستقرار الإقليمي".
أردوغان يدعم هدنة "الجو والبحر" في أوكرانيا - موقع 24قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، إنه يؤيد فكرة الهدنة "في الجو والبحر"، التي اقترحها نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن "تركيا لديها وجهات نظر مهمة للغاية، بشأن ما هو مطلوب لتحقيق السلام في أوكرانيا". وأضاف أن "أردوغان نجح في تحقيق توازن في علاقته مع زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحرب، لذلك من المنطقي أن يكون مشاركاً".
ولدى تركيا ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي. وبدأت في السنوات القليلة الماضية في إنتاج طائراتها ودباباتها وحاملات طائراتها، كما تبيع طائرات مسيرة مسلحة لدول حول العالم بما في ذلك إلى أوكرانيا. وبلغ إجمالي صادراتها من الصناعات الدفاعية 7.1 مليار دولار في 2024.
ويقول أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان، إن على أوروبا إشراك تركيا في إعادة هيكلة بنيتها الأمنية بطريقة "مستدامة ورادعة".
وقال مسؤول تركي طلب عدم ذكر اسمه، إن ليس هناك أي خطط واضحة حتى الآن بشأن هيكل أمني أوروبي جديد، أو المساهمات المحتملة لتركيا فيه، لكن هناك خطوات من شأنها أن تعزز التعاون.
وأكد مسؤول بوزارة الدفاع التركية، أن أنقرة وأوروبا لديهما مصالح مشتركة من بينها مكافحة الإرهاب والهجرة، وأن المشاركة التركية الكاملة في جهود الدفاع التي يتبناها الاتحاد الأوروبي، أمر بالغ الأهمية، لكي تصبح أوروبا لاعباً عالمياً. وأضاف أن تركيا جاهزة لفعل ما في وسعها للمساعدة في تشكيل الإطار الأمني الجديد.