جمال الطبيعة الساحرة جعل من وادي القلط مكانا غنيا عن التعريف سواء من ناحية جمال المنطقة الجغرافية، أو من ناحية المياه الجارية، وطبيعة الصخور وضيق السيق في بعض المناطق، وما يتمتع به من جمال طبيعي مدهش.

وادي القلط هو انحدار طبيعي بين الهضاب المجاورة، وهو مكون من جدران صخرية عالية تمتد لمسافة 45 كيلو متر بين أريحا والقدس.



ومن المعروف أن طبيعة جبال أريحا وألوانها ووديانها تختلف عن كافة مناطق فلسطين، فهي دافئة، منبسطة بمعظم تفرعاتها، وحيواناتها الغريبة مثل الوبر الصخري وغزال الجبل البري، والثعلب الأحمر بالإضافة لوجود العديد من الطيور المختلفة مثل البلبل، وطائر الوروار، والمالك الحزين، والحمام البري، وتشكل هذه المنطقة استراحة للطيور المهاجرة.


                                  المياه المتدفقة من جماليات وادي القلط.

وقد اعترفت المنظمة الدولية للطيور الحية بالموقع على أنه منطقة هامة للطيور لأنه يدعم مجموعات من البوهة الأوراسية والنسور السمراء ونسور بونيلي والعويسق.

وكانت الطريق الضيقة والوعرة التي تمتد بمحاذاة الوادي في يوم من الأيام الطريق الرئيسي لمدينة أريحا، ولكنها تستعمل الآن من قبل السياح الزائرين لدير القديس جورج.

وادي القلط هو موطن لمجموعة فريدة من النباتات والحيوانات. ويتمتع الوادي بأربعة أقاليم مناخية منها الرطب، وشبه الصحراوي، والصحراوي والأشد صحراوية، وهذا التنوع في الأقاليم ساهم بوجود العديد من النباتات والأشجار المختلفة التي استخدمها السكان المحليون منذ الأزل كغذاء ودواء مثل نبات البصيل، وشجرة السدر، والداتورا، ونبتة الشاتيلا، والقرنفل البري، والهندباء البرية، ونبتة اللوف الفلسطينية، والخطيمة الزاحفة، والقريص، والشمر وهذا لتباين في التربة الموجودة به.

ويحمل الوادي مياه الأمطار والعيون من السفوح الشرقية لجبال القدس والبيرة ويصب في نهر الأردن. وتنبع منه 3 عيون ماء: عين فارة، والفوار، والقلط، وفيه قناة مائية رومانية.


                                      مسار وادي القلط وصولا الى عين فاره.

تم إطلاق اسم القلط على هذا الوادي نسبة إلى الأحداث التي حصلت في العام 300 للميلاد وهي تعرض المسيحيين إلى البطش من قبل الحكم الروماني، ليهرب الراهب جورج برفقة يوحنا الطيبي وهو أول قديس إلى ذلك الوادي من أجل الاختباء فيه، فأصبح مكانا أو معلما سياحيا لكل من الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين في آن واحد يأتي إليه الكثير من السياح من الخارج لرؤيته والتمتع بجماله.

وبدأ تاريخ وادي القلط، مع الملك هيرودوس، الذي بنى القناة المائية من أجل تزويد قصره الشتوي وحديقته بالماء خلال الحقبة الرومانية، حيث لا تزال آثار القناة الرومانية جلية للعيان في أجزاء من الوادي، أما القناة الموجودة حاليا فقد تم بناؤها في عهد الحكم الأردني، وتسير على خط القناة الرومانية القديمة.

واعتبر وجود المياه في العصر القديم السبب الذي جعل الوادي من الطرق الرومانية المعروفة، وبقي الحال على ما هو عليه في الحقبة البيزنطية، حيث كان يستعمل أيضا كطريق للحجاج، وبالتالي سكن العديد من الرهبان في الكهوف والمغر المنتشرة في الوادي، ولاحقا تطور الأمر إلى بناء الدير.

ويوجد في وادي القلط  دير القديس جورج للأرثوذكس، عمره يتجاوز 1500 عام. وقصر هيرودوس الشتوي "تلول أبو العلايق"، وبقايا سد عثماني لتجميع المياه، وعدد من الاستحكامات العسكرية البريطانية والأردنية.


                                           دير القديس جورج بوادي القلط.

وتحيط بالوادي 4 مستوطنات، وأبراج إسرائيلية وقواعد للمراقبة، تسبب إنشاؤها بتدمير جزء من الغطاء النباتي والحيواني للوادي، وأصبحت مياهه عرضة للتلوث المتكرر بمياه المستوطنات العادمة.

وكان الاحتلال قد أعلن جزءا من وادي القلط  "محمية طبيعية" في الثمانينيات، ومنع الفلسطينيين من تطويره والتواجد فيه، وبعد اتفاق أوسلو صار يخضع كاملا بمساحة 103 دونمات لسيطرة الاحتلال وصنف كمناطق "ج".

ويستهدف الاحتلال البدو في المنطقة ساعيا لتهجيرهم، وبينما تسرق مياهه لصالح المستوطنات، ويمنع الفلسطينيون من الاستفادة من مياه الوادي أو خيراته.

ومنذ 2007 نصب الاحتلال حاجزين على الطريق لدير القديس جورج، من جهة أريحا ومن جهة القدس، فصار زوار الدير والسياح من الجانب الفلسطيني يضطرون لسلك طرق التفافية طويلة لوصوله.

يروج الاحتلال له كمكان سياحي إسرائيلي، ويبدأ مسار التنزه من قلب إحدى المستوطنات، بعد دفع تذكرة مما جعل معالمه مرتعا للمستوطنين الذين يرقون خيرات الوادي ويحرمون سكانه الأصليين من خيرات وطنهم.

المصادر

ـ "وادي القلط..قمم مستوطنة ومياه مسروقة"، موقع متراس، 6/10/2021.
ـ فادي أبو سعدى، "وادي القلط أو دير القديس جورج قرب أريحا منحوت في الصخور ومعلق أعلى الجرف الصخري"، القدس العربي، 21/2/2015.
ـ نغم التميمي، "وادي القلط حكاية لم ترو..باكورة أنتاج أول فيلم فلسطيني مشترك"،  الحياة الجديدة، رام الله، 15/7/2021.
ـ زهير دولة، "وادي القلط.. محمية طبيعية تقـاوم الاستيطان"، صحيفة الإمارات اليوم، 14/1/2017.
ـ مصطفى عبد الرحمن، "وادي القلط بأريحا محمية طبيعية رومانية يمنع الاحتلال" تطويره، عربي21، 2/4/2022.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير وادي فلسطين تاريخ فلسطين تاريخ هوية وادي تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القدیس جورج

إقرأ أيضاً:

القضية الفلسطينية.. بين هوية النضال ومخاطر الانسحاب

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

sultankamis@gmail.com

يمثل الصراع العربي- الإسرائيلي أحد أهم مُعضلات العصر الحديث الذي انطلق مع شرارة الاحتقان بين العرب واليهود في مطلع القرن العشرين إبان الحكم العثماني ليزداد ضراوة وعنفًا مع إطلاق وعد بلفور عام 1917، الذي رسم خارطة طريق لبناء وطن قومي لليهود في فلسطين ليتمخَّض في 1948 بأول صراع مسلح حقيقي تغذّت وتوغّلت فيه عقيدة الوجود الإسرائيلي بدعم مطلق من بريطانيا وحلفائها، ليبدأ النضال العربي الموحد من مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق في مواجهة القوات اليهودية الغارقة في مستنقع الحقد والدم والعقيدة الصماء وفق النظرية الوجودية ليكون فارق الخبرة والعدة والعتاد والتحالفات في صالح الجماعات اليهودية التي تعطَّشت لقتل النضال العربي واحتلال أجزاء واسعة من فلسطين التاريخية.

تغوّلت الأطماع الصهيونية نحو خلق إسرائيل العظمى فخلقت مجتمعا عسكريا بامتياز لا يمتُّ للمدنيِّة بصلة في سبيل قطع رحم التكامل العربي الذي قد يلد يوما وحدة المصير، فجاء العدوان الثلاثي البريطاني، والفرنسي، والإسرائيلي على مصر في (1956) كردة فعل منزعجة من تأميم قناة السويس، لتُجدِّد نازيتها في حرب 1967 والتي عُرفت بـ"نكسة يونيو 1967"؛ حيث احتل الصهاينة- في حرب خاطفة مفاجئة عمرها لم يتجاوز 6 أيام- الصفة الغربية وقطاع غزة في فلسطين، وشبه جزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، لتدُّب دماء وحدة المصير العربي (المصرية- السورية) في حرب 1973 بهجوم مباغت في يوم الغفران اليهودي فينتهي الصراع بحراك دبلوماسي امتد حتى 1979 بإبرام اتفاقية "كامب ديفيد"، بين إسرائيل وأبرز مكون في العمق العربي بحجم مصر، تمخضَّ عنه استعادة سيناء، بينما لم يتضمن تسوية القضية الفلسطينية.

وفي ظل التشتت المجتمعي والفكري العربي، وغياب البوصلة السياسية المصيرية لهذه القضية التي كانت أساس تأصيل الصراع الحتمي الطويل منذ 7 عقود ونصف كان الجدل على أشدّه في المرافق العربية وأروقتها المتباينة، بينما كانت وحدة الصف والهدف والمصير قائمة على قدم وساق في إسرائيل وحلفائها، فظلت المؤسسات الأمنية والعسكرية والدولة العميقة تنخر في عمق الجسد العربي لتجعل من أصل الصراع بحجم أنها قضية هامشية ودولية لا تهمنا كدول عربية عظيمة لها ثقلها السياسي والعسكري والدبلوماسي والتاريخي والعقائدي؛ بل من يتتبّع الخيوط الرفيعة لسياسة إسرائيل نحو عزل القضية وتغييب تأصيلها حتى في عقول وقلوب الدول الإسلامية يجدها قد نجحت بامتياز، والأكثر من ذلك أنها استطاعت عبر أيادي الظل تجريد الوعي المجتمعي العربي من مفاهيم وقيم الوحدة العربية والتآخي الإسلامي والحفاظ على حياة الإنسان والدفاع عن حقوقه والأهم من كل ذلك تغييب القضية المصيرية الأساسية وطمس الكفاح العربي الطويل فيما يتصل بالقضية الفلسطينية.

وبالرجوع إلى التاريخ قليلًا، نجد أن الفلسطينيين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم قدَّموا قلوبهم على كفوف أيديهم منذ الانتفاضة الأولى التي انطلقت من قطاع غزة (1987- 1993) وامتدت إلى الضفة الغربية، ثم الانتفاضة الثانية (2000 -2005) فكان الفقهاء والعلماء والمثقفين وبعض رجالات السياسة والعسكر يجاهرون ليل نهار بالمقاطعة للمنتجات الأمريكية والصهيونية، وتأسيس جيل يستكمل مسيرة النضال العربي ضد الصهاينة المغتصبين، لنجد أن كل هذه الفقاعة الكبيرة قد انفجرت في حرب العقيدة والمصير الصهيونية التي تُبرِّر إبادة الإنسان في قطاع غزة وتصفية حثيثة للقضية الفلسطينية، وكأن لسان الحال يقول استطعنا أن نطمس فلسطين خلال سبعة عقود ونصف.

إنَّ ما تعانيه القضية الفلسطينية من تهميش دولي ومن جانب بعض العرب- للأسف- قد تسبَّب في ما تمر به المنطقة اليوم من غطرسة صهيونية وهيمنة أمريكية، ويجب أن يعلم الجميع أن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع والتأصيل والمرجعية الأولى لأي مفاوضات أو تفاهمات، وليس التنصل والتهميش والانسحاب وانتهاج سياسات تتنصل من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الدول العربية، وخاصة الكبرى منها والفاعلة تاريخيًا وسياسيًا.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • حماس تدعو للحشد في جمعة وقف العدوان على فلسطين ولبنان
  • حمدان بن مبارك يستقبل جورج ويا
  • وفاة فلسطيني نتيجة سقوط صواريخ في مدينة أريحا
  • مئات الصواريخ من إيران إلى فلسطين المحتلة
  • القضية الفلسطينية.. بين هوية النضال ومخاطر الانسحاب
  • هل اعتنق الإسلام؟.. جورج قرداحي يرد مجددًا
  • تذكار استشهاد القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة
  • الاحتلال يداهم منزلًا في مخيم عين السلطان بمدينة أريحا
  • الفنانة فردوس عبد الحميد: أتمنى أن أجسد شخصية عالمة الذرة سميرة موسى
  • البحث عن غريق مفقود بشاطئ تيبازة