سمعت طرقاً علي الباب. لم أكن أتوقع أحداً. تطلعْتُ بالعين السحرية، كانت مغطاة من الخارج. سمعت ضحكتَها. فتحتُ البابَ. لم تنتظر مني دعوة للدخول. قبلتني علي خدّي، اختضتنني بنوع من التَمهّل.
قالت: هل تفاجأت؟
كذِباً قلت: كنت أتوقع حضورك، لأنك قلت لي خلال أيام المعرض سأزورك في البيت. كنت قد أعطيتها وصف البيت.
ضحِكَت و قالت سعدت برؤيتك هكذا متفاجيء، كاذب و غير مستعد لزيارة أحد. ضَحِكت ثانيةَ و قالت عندي لك أخبار سارّة جداً. في ذلك الوقت كانت قد وجدّت طريقها للكنبة، خلعت حذاءها الذي يغلب عليه اللون الأرجواني مع بقع سوداء منثورة كلآليء منطفئة، حذاء رياضي رقيق. فهِمِت نظراتي و قالت إشتريته من متجر الحاجات المستعملة سالفيشن آرمي. ضحِكت ثانية.
ثمّ قالت: جئتك بشيك بمبلغ ألفين و ثمانمائة و هي ثمن ثلاثة لوحات، إشتراها زبون إيراني. شكرتها مبتسماً. قالت ماذا هناك؟ فقلت لها لابدّ إنه كاسرا صديقي الرسام الإيراني.
قالت: لا، لأن هذا المشتري تعرّف علي معارضنا من الإنترنت. قلت لها لا بد أن أعطيك شيئا من هذا الشيك. ردّت بإستعجال و صرامة و قالت: يكفيني توقيعك علي إشعار الإستلام لأستلم عمولتي من الشركة.
كانت جواربها أيضا جميلة، لحِظْتها عندما وضَعَت قدميها علي ذراع الكنية و كانت الجوارب بلونين، أسود مرقّط ببقع أرجوانية، إرتاح جذعها علي مجلسي الكنبة، سحبت مسندا لتضغه تحت رأسها في ذراع الكنبة الآخر. كانت جانيت في بنطلون جينز داكن الزرقة و بلوزة بيضاء محففة بنطاقات حمراء ضيقة.
لاحظت أنها قد دخلت و هي تحمل حقيبة ظهر وضعتها جوار الباب.
سألتني هل تناولت غداءك؟ قلت: لا، فقالت هل تريد أن تطلب أكلاً. قلت لا. سأذهب للمطعم الإيراني القريب من عمارتي. قالت فلنذهب إذا ً لأني جائعة. غيّرت ملابسي في الغرفة، زاد إحساسي بالسعادة بزيارتها و تمنيت أن تظل معي لعطلة نهاية الإسبوع. قررّت دعوتها. وجدتها في البلكونة مضاءةً كرسم بشمس تورنتو الحنينة أوان الصيف. قالت شقتك جميلة و أكثر ما أعجبني أنك تستخدم كل غرفة الجلوس كمَرسَم. إعتذرت لها عن فوضي اللوحات و مسند اللوحات و الطاولة المبرقعة بالألوان و الألوان و الفُرْشات المنتشرة في المكان و غيرها من المعدّات. قالت: لا، هذا مكان عملك. أنا أحب هذا النوع من الفوضي فعلي أعمالكم أعيش، قالت ذلك بحاجبين مرفوعين.
نزلنا إلي المطعم الإيراني. إشتريت الكَباب و السَلَطات و الخٌبز. سألتها عمّا تشرب. قالت: أي شيء. دعوتها هامساً لماذا لا تظلّين معي خلال هذا اليوم و غد. قالت: أنا في طريقي لبيت عمتي. قلت لها: لنذهب لعمّتك و نزورها و نعتذر لها. قالت من الممكن أن أعتذر لها بالتلفون. لم تسع فرحتي لا الشوارع و لا السحب. فرحت.
حملنا طعامنا و ذهبنا إلي شقتي. كانت تضع عطراً ما ذكّرني السودان. لم أقل لها. جانيت في طولي تقريبا، كندية سوداء، خريجة تسويق من جامعة تورنتوو لها جمالٌ جاذب. تعمل في شركة تروّج و تبيع أعمال الفنانين المهاجرين و أعمال رسّامين أفارقة من غرب أفريقيا.
قلت لها أعجبتني ملابسك، و أعجبتني، أريد أن أرسمك و انت علي الكنبة. إندَهَشت و قالت و كم سيأخذ هذا؟ قلت سترتاحين علي الكنبة بنفس الطريقة التي فعلتها عندما دخلتِ. سألتقط لك صورة و أضع خطوطا عامة علي الكانفاس و أنفذ الرسم لاحقاً. و قلت: لا تنسي هذه أول زيارة لك لشقتي و للحقيقة هذه أول مرة تدخل بيتي فتاة. فتاة جميلة مثلك. قالت : لا لا لا فيما تفكر يا أيها الخبيث. قالت ذلك بنوع من العَبَث المختلط بأفراح خفّية ضجت بيننا.
بعد الغداء مشينا لمتجر تابع للمجلس الحكومي لضبط بيع المشروبات الكحولية في اونتاريو. إشترينا ما نحتاجه. قالت: لماذا لا أُجرِي معك لقاء يتم نشره في المجلّة التي تصدرها شركتنا بموقعنا علي الإنترنت؟ فتكون زيارة عمل نكسب منها. أجرت جانيت مكالمتين واحدة لعمتها و الثانية لمديرتها. طلبت مني جهاز الكمبيوتر المحمول. أعطيته لها. أخرَجت من حقيتها كاميرا. طلبت مني تغيير ملابسي. سألتها ضاحكاً ماذا تريدنني أن ألبس؟ دعني أري دولاب ملابسك. كانت ملابسي في دولاب غرفة النوم. سريعا بدأت في ترتيب الملابس في الدولاب. قلت لها لماذا تفعلين ذلك. قالت : اسكت.
أعجبني المنظر و ذكّرني غزوات أخواتي لغرفتي في البيت و مخاطبتي بنفس الطريقة. طافت برأسي ذكريات. ليس من بينها ما هو أجمل من هذه اللحظة. أحسست أن جانيت تسكن معي و أحسست بهجمة حُبٍ طاغية إلتبستني و سرَت كرَعشة في روحي إهتز لها جسدي. لم أتردد و أنا أمسك بها و أضمّها لصدري و أقبِّلها و أرتجف متسارع الأنفاس. طاوعتني و لم تمانع، أحببتها أكثر فهي كانت تعجبني من زمان و لم أقوَ علي مكاشفتها. أخافتني طلاقة لسانها، قوامها، أناقتها و حريتها كطائر عندما لقيتها أول مرة. أتذكر أنني قلت لنفسي لم يخلق هذا النوع من النساء لرجل مثلك مثقل بالأحزان والفشل و ملخبط الأفكار و سوداني. أفلتتني برفق و حنان و تضوعت حول وجهي أتفاسها الدافئة الزكية.
أختارت لي ملابسَ مناسبة للصورة علي حسب مزاجها، الصورة التي ستكون في المجلة و الموقع الإلكتروني، صففت لي شعري و شملتني برعاية أفتقدتها و نوع من الحب لم أعتد عليه، قائلة بإبتسامة رقيقة و مازحة : خالد أنت بحقٍ ولدٌ طيّب. تقول إسمي بأنفاس كتلك التي تصاحب تفتح الزهر و بنوع من الرِفق الممتلتيء بصدق المشاعر.
جلَسَت علي الكنبة لأصورها، صبَرَت لتعديلاتي في طريقة إستلقائها، كأنها أحسّت بهفو قلبي لها و أنا أتقدس في محراب جمالها، جمالُ جسدها هالة من نور الحب تحتضنها. كانت كوردة بين أصابعي و مستلقية كشعاع علي الكنبة. وَضعْت الخطوطَ التي سأحتاجها لتنفيذ الرسم و عرِفت أن إسم تلك اللوحة سيكون زيارة.
طه جعفر الخليفة
اونتاريو- كندا
22 مارس 2024م
taha.e.taha@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قلت لها
إقرأ أيضاً:
«أسوشيتدبرس»: إسرائيل تلاحق مواطنيها العرب المعارضين لحرب غزة
قالت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية، إن القمع الذى تمارسه إسرائيل منذ عام ضد مواطنيها الفلسطينيين «عرب 48» الذين يهاجمون حربها على قطاع غزة دفع الكثيرين إلى فرض رقابة ذاتية خوفا من أن يتعرضوا للسجن أو مزيد من التهميش داخل المجتمع، فى الوقت الذى لا يزال فيه البعض يجد وسائل للتعبير عن المعارضة بحذر.
وتحدثت الوكالة عن أحمد خليفة، الذى قالت إن حياته انقلبت رأسا على عقب بعد اتهامه بالتحريض على الإرهاب لهتافه تضامنا مع غزة فى احتجاج ضد الحرب فى أكتوبر 2023.
وأشارت إلى أن خليفة، المحامى ومستشار المدينة من وسط إسرائيل المحتلة، قال إنه مكث ثلاثة أشهر صعبة فى السجن تبعها ستة أشهر أخرى محتجزا فى شقة. ولم يتضح متى سيصدر حكما نهائيا بشأن إدانته أو براءته. وحتى هذا الوقت، كان ممنوعا من مغادرة منزله من الغروب حتى الفجر.
وخليفة هو واحد من أكثر من 400 فلسطيني مواطنين فى إسرائيل المحتلة، والذين تعرضوا منذ بداية الحرب فى غزة لتحقيقات من قبل الشرطة إما بتهمة التحريض على الإرهاب أو التحريض على العنف، وفقا لمنظمة عدالة الحقوقية القانونية التي تعمل لصالح الأقليات. وأكثر من نصف من تم التحقيق معهم تم اتهامهم جنائيا أو اعتقالهم وفقا للمنظمة.
وقال خليفة فى مقابلة مع أسوشيتدبرس فى مدينة أم الفهم، التي تعد ثانى أكبر مدينة فلسطينية فى إسرائيل المحتلة، إن إسرائيل أوضحت أنهم ينظرون إليهم كأعداء أكثر من كونهم مواطنين.
ويوجد حوالى 2 مليون فلسطيني فى إسرائيل، ظلت عائلاتهم داخل الأراضى التي تم احتلالها لتقام عليها إسرائيل. وبينهم مسلمون ومسيحيون ويحتفظون بصلات عائلية وثقافية بالاراضى الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية.
ورغم مزاعم إسرائيل بأن المواطنين العرب يتمتعون بحقوق متساوية، منها الحق فى التصويت والتمثيل الجيد فى العديد من المجالات، إلا أن الفلسطينيين يتعرضون لتمييز واسع فى مجالات مثل الإسكان وسوق العمل.
اقرأ أيضاًهيئة فلسطينية تحذر من انهيار منظومة العمل الإنساني في غزة
مئات الفلسطينيين ينزحون قسرًا من حي الشجاعية شرق مدينة غزة
وزير الخارجية: بوليفيا تدعم جهود مصر في وقف العدوان على غزة ولبنان