أصبح من الواضح للجميع اليوم بعد ستة أشهر من حرب إبادة وحشية في فلسطين يرتكبها الصهاينة بدعم وتمويل وتسليح مستمر ومتدفق من النظام الصهيوني الحاكم في الولايات المتحدة، أن الهدف من كل ما جرى ويجري منذ الـ8 من تشرين الأول ليس القضاء على حماس ولا استرداد الأسرى الإسرائيليين ولا حل ما سموه بالصراع العربي الإسرائيلي، والذي هو احتلال عنصري استيطاني متوحش لأرض عربية وشعب فلسطين، ولكن الهدف الإستراتيجي أبعد من كل هذا وذاك بكثير، فالفتك بنساء وأطفال غزة بأكثر الأسلحة والذخائر الأميركية الصنع وحشيةً، وانتهاك كل المحرّمات التي عهدتها البشرية خلال الحروب، والإسناد الغربي الداعم لجرائم الإبادة الجماعية لكل ذلك، يطمح لسلب أي مقاومة في المنطقة حاضنتها الشعبية وترهيب الناس وإقناع المتسائلين أو المتردّدين وخاصة من جيل الشباب أن التصدي للمخطط الصهيوني المدعوم غربياً هو شكل من أشكال الانتحار، وأن الأجدى لهذه الأجيال أن تتبع الطريق الأسلم وهو الارتهان لإرادة الأقوياء كي تكون في مأمن من أخطارهم ووحشيتهم التي إن حلّت بهم لا تُبقي ولا تَذَر.

لقد أيقن العالم اليوم بما فيهم أعضاء في الكونغرس الأميركي الذي تتحكم به أموال اللوبي الصهيوني «أيباك» أن ما يقوم به الكيان الصهيوني هو حرب إبادة موصوفة، وأن الولايات المتحدة هي المورد الأساسي لكل ما تحتاجه هذه الإبادة من أسلحة وذخائر مصمّمة لإبادة أكبر عدد من البشر وأن السردية الحكومية الأميركية سردية لا قيمة لها إذا ما وُضعت على المحك ولا مصداقية لها أبداً ولم تعد تستطيع التغطية على التواطؤ بين النظامين الصهيونيين في الولايات المتحدة وفي كيان الأبارتيد المحتل لفلسطين العربية لتنفيذ حرب الإبادة الوحشية هذه، كما أيقن الجميع أن الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية التي تعتبر رسالتها «صيانة حقوق الإنسان والمرأة والطفل» قد فشلت فشلاً ذريعاً وكأنها غير موجودة على الساحة العالمية. كما أن العالم الإسلامي والعربي ودول البريكس لم يتمكنوا من اتخاذ أي خطوة فاعلة تقود إلى إيقاف أبشع مجزرة تُرتكب بحق الإنسانية في العصر الحديث. إذ لم تصدر عقوبة واحدة بحق كيان تكاملت لديه كل عناصر الأعمال الإرهابية ويقوم بأبشع إرهاب بحق مدنيين عزّل على مدى ستة أشهر ومن دون أن تصدر قوائم عقوبات ومحاكمات ومنع وسجن بحق هؤلاء الإرهابيين الذين يتحدثون على الشاشات عن إرهابهم.

ذلك لأن الغرب يخبئ في وجدانه عنصرية متجذّرة ضد شعوبنا وضد الشعوب اللاغربية عموماً سواء أكانت عربية أم إفريقية أم لاتينية أم آسيوية أو روسية، وهناك إجماع ضمني لدى الغرب أن حياة الإنسان اللاغربي لا تساوي أبداً حياة الإنسان الغربي وأن الذين يعيشون خارج الدائرة الغربية ليسوا جديرين بالحياة التي يعيشها الغربيون وليسوا قادرين على الارتقاء إلى مستواها وأنهم يستحقون كل ما يعانون منه من فقر وجوع وهلاك تسببت به القوى الاستعمارية الغربية قبل كل شيء. ولذلك فإن نظرية الغرب التي روّج لها أنه يتواجد في بلدان آسيا وإفريقيا كي يمدّ مفهوم الحضارة والعلم إلى هذه البلدان، هي نظرية بائدة تماماً ولا قيمة لها. وأكبر الأمثلة الصارخة على عنصرية الغرب هي أن القانون في الولايات المتحدة يمنع صيد أنثى الغزال الحامل، كما يمنع صيد الغزال الطفل ويعاقب من يصطاد أياً منهما، ولكنّ هذا القانون لم يمنع أبداً قتل النساء الفلسطينيات الحوامل ولا قتل أطفالهن في غزة، بل كانت المرأة والطفل والجنين الذي في بطنها أول الأهداف لحرب الإبادة هذه التي ارتكبها الصهاينة بأسلحة وذخائر أميركية الصنع بحق المدنيين العزل في غزة وشعب فلسطين عموماً في غزة والضفة.

ولكنّ هذه العنصرية الغربية الصهيونية التي سوف يستغرق الأمر سنوات لاستكشاف وتوثيق وتأريخ كل أوجه إجرامها، لا تطول العرب والمسلمين وحدهم بل هي متجذّرة في نفوس الغرب ضد كل من هو ليس غربياً، ولذلك فإن مواقف دول أميركا اللاتينية ودولة جنوب إفريقيا المشرّفة بالوقوف مع فلسطين قلباً وقالباً إنما تنطلق من رؤية إستراتيجية للعدوان الغربي على فلسطين وعلاقة هذا العدوان بحياة الشعوب الأخرى في كل بلدانها وبمستقبل هذه الشعوب. ومن هذا المنظور فقد أخطأ العرب والمسلمون ليس بحق فلسطين فقط وإنما بحق أنفسهم حين لم ينفروا في جميع بلدانهم ولم يستنفذوا كل الأدوات الممكنة لنصرة عرب فلسطين، وإن كانوا لا يلمسون ذلك ولا يرونه اليوم فسوف يمكث على أبوابهم غداً في الوقت الذي لن تنفعهم كثرتهم ولا استنفارهم لأن المعركة ستكون قد حُسمت في أمكنة أخرى وبطرائق لن يقدروا على مواجهتها في المراحل المتأخرة. وهذا أيضاً ينطبق على عالم الجنوب والشرق برمّته ومؤسساته ومنظماته الحديث منها والقديم والتي كانت قد أخذت وهجاً وزرعت أملاً في أنفس الناس قبل هذه الحرب أن النظام الدولي بدأ يتغيّر لمصلحة الشعوب المستضعَفَة وأن الهيمنة الغربية على القرار والعمل الدوليين آخذة بالأفول.

علّ هذا الوهج وهذا الشعور الذي كان واضحاً وممتداً على مدى القارات الثلاث قد حدا بالغرب ليستخدم قوة وأساليب ومظاهر إسناد تفوق عشرات المرات الحاجة الداعية إليها من قبل العدو الصهيوني ولهذا تسارع رؤساء ورؤساء وزراء ووزراء خارجية من كل الدول الغربية إلى فلسطين المحتلة ليس فقط لإسناد أكبر جيش احتلال مدان بجرائم حرب ومجازر طوال 75 عاماً في المنطقة ضد مجموعة من المقاومين للاحتلال وإنما ليقولوا: «نحن هنا ولن نسمح بتغيير الموازين الدولية والغرب هو الذي يقود وهو الذي يقرّر وهو الذي يتكاتف وممنوع على غيره الانتصار عليه». في الوقت الذي يعمل الغرب وأداته الصهيونية وفق هذه المعادلة الإستراتيجية الخطيرة فإن العالمين العربي والإسلامي ودول الجنوب والشرق كافة اكتفت بإعطاء التصريحات، في الوقت الذي خرجت الشعوب الغربية في أكثر من مكان تطالب بوقف الإبادة فإن موقف الجنوب والشرق كان باهتاً بالمقارنة مع حجم التحدي المطروح على البشرية برمّتها، وخاصة أن انتهاك إنسانية الفلسطينيين جميعاً هي بالمحصلة انتهاك لإنسانية كل إنسان على وجه هذه البسيطة سواء أَأَدرك ذلك أم لم يدركه.

إن استهداف الشعب حاضن المقاومة في غزة بكل هذه الجرائم المروّعة يستهدف كل مقاومة للغرب والاستعمار والاستيطان والإرهاب في كل مكان ولا يهدف فقط إلى ما سموه بحل الدولتين وفق الشروط الغربية والإسرائيلية ولكنه يهدف إلى أبعد من ذلك بكثير، يهدف إلى إعادة تنصيب الغرب حكماً وحيداً على الإرادة الدولية وقاضياً متفرّداً يُدين من يشاء ويعفو عمّن يشاء، ويذلّ من يشاء ويعزّ من يشاء ويوجّه كل هذا من أعمال إجرامية وسرديات ضربات هادفة لثقافة المقاومة والانتماء مع الترويج للجنّة على الأرض التي يحظى بها كلّ عاقل يقرّر أن الطاعة للغرب والعمل على خدمته في كل ما يشاء هي السبيل الأسلم لحياة آمنة وهادئة، ولكنه نسي أن يتذكر موضوع الكرامة الإنسانية والكرامة الوطنية والإباء والشهامة والتي هي جوهر حياة الإنسان ومبتغاها.

جريدة الوطن السورية

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی غزة

إقرأ أيضاً:

الغـربُ غـربـان لا غـربٌ واحـد

كما هي النّـظـرةُ الماهـويّـة الجـوهرانيّـة إلى الأنـا والـتّـراث والماضي سائـدةٌ في الوعـي العـربيّ المعاصر، كذلك هي سائـدةٌ النّـظـرةُ عيـنُـها إلى الغـرب والرّؤى والـتّـمثّـلات المنسوجـة حـوله. الـنـظرُ إلى الغـرب - بوصـفـه مفهـومـًا مُـنَـمَّـطـًا دالاًّ على وضعيّـةٍ أو حالـةٍ ثابـتـة تـتـكرّر على مثـالـها - ليس سـمـةً خاصّـةً بتـيّـارٍ فـكـريّ بعـيـنـه يـنـفرد بها عن غيره، بـل هي شامـلـةٌ تـيّـارات الفـكـر جمـيعَـها. إنّـها عيـنُـها السّـمـةُ المشـتركـة بين تلك التـيّارات في مفهـومـها للأنـا والمـوروث من حيث هُـمـا حـالـتـان أو كيـنونـتـان متجـوهـرتـان. معنـى ذلك أنّ الوعـي النـاظـر إلى المـوضوعيـن (الأنـا والآخـر أو التّـراث والغـرب) يعـانـي نقـصـًا حـادًّا في الجـدلية وتسـكـنـه، في المقابـل، نـزعـةٌ مطلـقـية تـؤدّيـهِ إلى رؤيـة الأشيـاء في قـوالبـها المغلـقـة وتكـويـن صـورٍ عـنـها منـمَّـطَة لا يشـوبُـها تـبـدُّل! ومع أنّ الذي بين تـيّـارات الـفـكـر العـربـيّ من المُبايَـنَـة عـديـدٌ لا يمكـن حصْـرُه؛ ومع أنّ كـلًا منـها تَـعي الغـربَ على نحـوٍ يختلـف عن وعـي غـيـرها له، إلاّ أنّـها تجتمع كـلُّـها على النّـظر إليه بالعـيـنِ نفـسِـها: العـيْـنُ التي تُـجَـوْهِـرْهُ وتُـنَـمِّـطُـه وتُـعَـرِّفـه تـعريـفًا مـاهـويّـًا ثـابـتـًا لا وجْـه للتّـغـيُّـر فيـه!

يعـني الغـربُ، عنـد فـريـقٍ فـكـري، نـقيـضَ ما يـعـنيـه عنـد فـريـقٍ ثـانٍ، حتّى لَـيَخَـالُ القارئ في خـطابـَي الفـريقـيْـن أنّـهـما يـدوران على مـوضوعيْـن متـبايـنـيْـن لا على المـوضوع عيـنِـه! هذا هو ذاتُـه ذلك التّـقاطُـب في تـمـثُّـلات الأنـا والمـوروث الذي نصـطـدم بـه ونحـن نـقـرأ خطـابـيْـهـما في المسألـة: الانـقـسام على المـوضوع الواحـد في صورة رؤيـتـيْـن متـقـابلـتـيْـن. نحـن في هـذا الباب، إذن، إزاء سـرديّـتـيْـن عـن الغـرب تُـشـبهان في التّـباعُـد والتّـقاطُـب السّـرديّـتـيـن عن الماضـي والمـوروث، لـكنّهـما - في الآن عيـنِـه - تـتـواطـآن مـعًا على حجب «حقـيقـة» ذلك الموضوع المَـحْـكيِّ عنـه، أو على طَـمْس ما يُـداخِـله من تـعـدُّدٍ وتـناقـضٍ أو تـوتُّـر بين وجـهات التّـطوّر الـذّاتيّ، والإبـقاءِ فـقـط على ما يُـمْـتَـكَـن به القـولُ إنّ الغـرب هو، بالتّـعريف، هذا على وجْـه الإجمـال والحصر وليس شيئـًا آخـر. تـكـفينا نظـرةٌ سريعة نلـقيها على الخطابيـن الأشـدّ اشـتباكـًا، داخل الوعـي العـربيّ، والمتمـحوريْـن حـول الأصـالة والحـداثة لنـقـف على تلك الجـوهـرانيّـة الجامعـة وذلك التّـقاطُـب المُـبايِـن.

صورة الغـرب في خطاب الأصاليّـيـن صورةٌ مظلِـمـةٌ قاتمـة لا شيء في مـلامحـها يسُـرّ النّاظـريـن. إنّـه مـوطـن الغـزوات البـربريّـة لعالَـم العـروبة والإسلام؛ منذ الحمْـلات الصّـليـبـيّـة على فلسطيـنَ والمشرق العربـيّ حتّى غـزو العـراق وأفغـانستـان؛ مـرورًا بمـذابح العرب المـوريسكـيّـين وطردهم الجماعـيّ من أرضهم وديارهم؛ ثمّ بجرائم الاحتلال الاستعماريّ في حقّ شعوب مستعمَـرات العالَـم ذاك، واغتـصاب فلسطيـن من جماعات يهوديّـة مسلّـحة قادمـة من أوروبا وأمريكا ومـدعومة من قِـبَـل بريطانيا وقـوى الاستعمار. إنّـه منبع الشّـرور الحديثة التي ما تـوقّـفت فظاعاتُـها حتّى الآن؛ ومنها النّـهبُ والهيمنـة والعنصريّـة والصّـهيونيّـة والحـروب الظّالمة وصولًا إلى العـولمة وتـدميـر الكيانات أو تمـزيـقها. إنّ الغـرب، في هذه الرّواية الأصاليّـة النّـاقـدة والمعاديـة في آن، مجـرّدٌ من كـلّ أخلاقـيّـةٍ إنسانيّـة ولا يـردعـه مبـدأٌ أو عُـرْفٌ أو قـانون عن ركـوب مَرْكب القـوّة الغاشمـة والبطش لتحقيق مصالحـه، حتّى لو سَـلَـك إليها طريق الإبـادة التي ما تـورّع، في الماضي، عن القيام بها: في الأنـدلس العربيّـة؛ وفي القـارّة الأمـريكيّـة؛ وفي أسـتراليا؛ وأثـناء الحقـبة الكولونياليّـة في أفريـقيـا وآسيا وأمـريكا اللاّتيـنيّـة. وهو، قـبل هذا وبعده، يُـبدي أشـدّ العـداوة للإسلام، أكـثر من غيره من الأديان والإيـديولوجيّـات، وللمسلمـيـن أكـثـر من غيـرهم من أمـم الأرض. بكلمـة؛ ليس في السّرديّـة الأصاليّـة ما يمكن به تهـذيـبُ صـورة الغـرب أو، على الأقـلّ، التّـخفيـف من حِـدّة سوئـها وقـتامـتها ولو من طريـقِ استـدراكٍ يُـلـقـي الضّـوء على وجـهٍ آخـر للغـرب مغايـر للأوّل.

في المقابـل، تبـدو صورةُ الغـرب - في خطـاب دعـاة الحـداثة - أضْـوَأَ وأَشَـعَّ من الصّورة السّابقـة، حتّى لا نـقـول إنّها تكـاد أن تكون نورانيّـةً عنـد بعض هـؤلاء من فرط المغالاة فيها. الغـرب في هذه السّـرديّـة، هو الرّمز الأَشْـمـخُ للمدنـيّـة والحضارة الممتـدّتيـن منـذ خمسمـائـة عـام تُظَلِّـل أغصانُـهما الوارفة مساحةَ العالم كـلِّـه؛ هو النّهضـة التي أنجبت ذائقـةً رفيعة ورؤيـةً جديدة إلى الأدب والفـنّ؛ وهو الإصلاح الـدّينيّ الذي كَـبَـح سلطان رجال الـدّين؛ وهو الثّـورة العلميّـة التي طـوّحت بالرّؤى الخـرافيّـة إلى الطّبيـعة والإنسـان ويسّـرت شروط الحياة؛ وهو العـقلانيّـة التي أعـلتْ سلطة العـقـل ونصّـبـتْـه حاكـمًا؛ هو الثّورة الصّـناعيّـة التي قلبت وجْـه العالم والإنـتاج؛ وهو عصـر الأنـوار الذي طـوى صفحـةَ فـكـر العصـور الوسطى؛ والثّـورات السّياسيّـة التي أدخلت أمم الغـرب إلى قلب التّـاريخ. ثـمّ إنّـه ثـورات التّـوحيد القـوميّ التي أنهت عـهـد الـدّويـلات والإمارات؛ وهو العلمنـة التي انْـفـكَّ بها الاشـتـباكُ بين السّيـاسيِّ والـدّينـيّ؛ وهو الـدّيمقراطيّـة التي أعادت توزيع السّـلطة داخـل المجتمع على نحـوٍ مـتوازن. الغـرب، في هذه الرّوايـة، منـبـع القيـم الكبرى: التّسامـح، والحريّـة، والمساواة، والحـقّ في الاخـتلاف، والاعتـراف وسوى ذلك. بكلمة، ليس في سرديّـة المشـغوفين بالغـرب ما يسـتـثيـر استـفهامًا عـمّـا إذا كـان المَـحْـكيُّ عن هذا الغـرب يطابق، فـعلًا، واقـعه أو يعبّـر عنـه بـقدرٍ مّـا من الأمـانـة، أو عـمّا إذا كان غـربٌ آخرٌ كريـهُ الوجـهِ والسّـيرةِ يخـتفي وراء هذه الصّورة المُـلَمَّـعـة.

هل جـذّف هؤلاء وأولئك ضـدّ تـيّـار الحقيـقة وأَوْعبـوا فيما لديهم من رصيـدٍ لانـتـحال صـورةٍ للغـرب بـرّانيّـةٍ عنه؟ لا؛ قد يكونوا بالغـوا في التّـعريف بـه، على جهة السّلب وعلى جهة الإيجاب، لكنّـهم ما عَـدَوْا الحـقَّ فيما قـالوه عن الغـرب ولا زوّروا شيئـًا من سَـمْـتِـه الذي عُـرِف بـه في التّـاريخ. الشّيءُ الذي يؤاخَـذ به هـؤلاء وأولئك - وهو مـأخـذٌ ليس هيّـنـًا على أيّ حـال - هو أنّـهم قـدّمـوا، كـلٌّ من ناحيـتـه، سـرديّـةٌ انـتـقائـيّـة عنه اصطفى فيها كـلٌّ منهم ما عَـنَّ له أن يصطفيـه من سمات الغـرب لينتصـر به لروايتـه: وعنـدي أنّ هذا فـعْـلٌ إيـديولوجيّ صارخ. نعم، الغـرب هو كذلك: هو هذا وذاك؛ الغـربُ المرسوم بريشـة الأصالـيّيـن، بما فيه من بـؤسٍ وفظاعـة؛ والغـرب المنحـوتُ بإزميل الحـداثـيّـين، بما يُضـمِـرهُ من فاتـن المحاسـن. وعليه، حيث الغـربُ هذا ونقيـضُه معًا، فهو ليس ماهيـةً واحـدةً مغلـقـة على نـفسها، كما يـقـدّمـه الخطابـان معـًا، بل هو منطـوٍ على تَـعَـدُّدٍ؛ أعنـي على تـناقضاتٍ في تكوينـه واشتـغالـه وتطـوّره: في عـلاقـته بنفسه وكيانه الذّاتيّ، وفي علاقـته بالعالم من حـولـه.

عبدالإله بلقزيز أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وحاصل على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب

مقالات مشابهة

  • عميد معهد القلب السابق يكشف سبب وفاة إيهاب جلال
  • اتْقَهر.. طبيب شهير يكشف سبب وفاة إيهاب جلال
  • اسئلة محيرة في نتائج الانتخابات. بقلم: حازم الخالدي
  • عالم مصري يحدث ضجة في الأوساط العلمية بتقينة لرؤية الجينوم في الخلايا السرطانية
  • إعلام عبري يكشف عن «الانتفاضة الصامتة» بالضفة الغربية في فلسطين.. ما القصة؟
  • الضفادع الأوكرانية.. قصة مجموعة النخبة التي دربها الغرب لإجهاد الروس
  • الغـربُ غـربـان لا غـربٌ واحـد
  • آخر أخبار فلسطين.. استمرار العدوان على غزة وحملة اعتقالات في الضفة الغربية
  • مصر تفوز على بوتسوانا برباعية
  • النعيمات يقود الأردن إلى الفوز على فلسطين