75 طنا من الذهب و29 قاعدة .. واشنطن تدفع الثمن لديغول
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
بعد انقضاء مهلة 12 شهرا التي حددها الرئيس الفرنسي شارل ديغول لانسحاب قواعد وقوات الناتو، أخلت الولايات المتحدة 29 قاعدة وسحبت 33 ألف جندي من فرنسا في 1 أبريل عام 1967.
إقرأ المزيدالرئيس الفرنسي ومؤسس جمهوريتها الخامسة كان أخطر رسميا واشنطن في 7 مارس عام 1966 بانسحاب بلاده من الهيكل العسكري لحلف شمال الأطلسي
وزير الخارجية الفرنسي "كوف دي مورفيل"، كان سلّم في ذلك اليوم السفير الأمريكي لدى باريس رسالة شخصية موجهة من الرئيس ديغول إلى الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، أخطره فيها بأن "فرنسا تعتقد أن التغييرات التي حدثت منذ عام 1949 في أوروبا وآسيا وبقية العالم، وكذلك تطور وضعها وقواتها المسلحة، لم تعد تبرران القرارات العسكرية المتخذة أثناء إبرام التحالف".
ديغول أعلن في رسالته للرئيس الأمريكي أن باريس تعتزم العودة إلى ممارسة السيادة الكاملة على أراضيها، الأمر الذي يعيقه وجود قوات عسكرية أجنبية في فرنسا واستخدامها لمجالها الجوي، كما أبلغه ديغول بقرار باريس "عدم وضع قواتها تحت تصرف الناتو بعد الآن".
الولايات المتحدة إضافة إلى ذلك تلقت من فرنسا جدول إخلاء ينص على إجلاء 33000 جندي وإغلاق 29 قاعدة عسكرية، وعقب ذلك تم نقل مقر الناتو من باريس إلى بروكسل.
مهد ديغول لهذه الخطوة بتمكين بلاده من الحصول على ترسانة نووية خاصة، وكان دافعه ما كان يعتبرها شراكة غير متكافئة مع الولايات المتحدة وبريطانيا في حلف الناتو، ولرغبته كذلك في عدم انجرار بلاده إلى صراع محتمل بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو.
اتبع ديغول طوال قيادته لبلاده سياسة وطنية، مهمتها الدفاع عن مصالح فرنسا واستقلالها بعيدا عن إملاءات القوى العظمى غربا وشرقا، وكان يؤمن بشعار "فرنسا العظمى".
العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة كانت بسبب ذلك متوترة باستمرار. في النهاية، لم يستطع ديغول تحمل سياسة واشنطن المتمثلة في الإملاء والابتزاز ضد باريس "المتمردة" وبدأ في اتخاذ عدد من الإجراءات المضادة التي انتهت بإخراج بلاده من القيادة العسكرية لحلف الناتو.
ديغول في هذا السياق كان أعلن في فبراير 1965، التخلي عن استخدام الدولار في التسويات الدولية والانتقال إلى معيار ذهبي واحد، وسرعان ما نقلت فرقاطة فرنسية 750 مليون دولار إلى الولايات المتحدة، وهي دفعة أولى اعتزمت فرنسا استبدالها بالذهب، بحسب اتفاقية بريتون وودز.
هذه الخطوة خسرت جراءها الولايات المتحدة حوالي 75 طنا من الذهب، وكانت أهميتها تكمن في أنها شكلت سابقة خطيرة، إذ بدأت عدة دول تتحدث عن رغبتها في السير على خطى فرنسا. واشنطن عطلت هذا النوع من التبادل ولم يتم إرسال الدفعة الثانية من الدولارات الأمريكية الورقية.
ديغول كان أوضح في سبتمبر عام 1968 الأسباب الكامنة وراء قرار الانسحاب من الناتو بقوله إن فرنسا انفصلت تدريجيا عن حلف الناتو العسكري لكونها "منظمة تخضع الأوروبيين للأمريكيين".
الكاتب والمؤرخ الفرنسي نيكولاس بونال لفت إلى أن التحذيرات من الوقوع تحت الحماية الأمريكية لا تزال ملحة حتى الآن في أوروبا، لافتا إلى دعوة الجنرال ديغول إلى ضرورة أن تكون اوبوا "أوروبية" بالفعل وتحذيره من أن "أمريكيا تسعى إلى السيطرة على أوروبا، وأيضا على أمريكيا اللاتينية وجنوب شرق آسيا".
بونال يرى أن المواقف النقدية للزعيم الفرنسي التاريخي لديغول تجاه نهج واشنطن، يفسر سبب مواجهته ما وصفها بـ "الثورة البرتقالية الأولى" في مايو عام 1968، حين اضطر إلى الاستقالة بعد اقل من عام من طرده حلف الناتو من بلاده وإقامته علاقة خاصة مع الاتحاد السوفيتي. "الثورة البرتقالية الأولى" التي يشك بعض الخبراء أن للولايات المتحدة دورا ما فيها، تمثلت في مظاهرات طلابية اجتاحت باريس حينها حاملة شعارات يسارية.
علاوة على ذلك كان ديغول الذي قاد بلاده بين عامي 1959 – 1969 قد طرح مفهوما جديدا لتطور القارة، مؤكدا أنه يرى "أوروبا من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال"، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الاتحاد في هذه المنطقة لا يجب ان يتم من خلال مؤسسات فوق وطنية وإنما من خلال التعاون بين الدول.
الجنرال ديغول كان وعد مواطني بلاده ببذلك أقصى ما في استطاعته لتجنب توريطهم في حرب لا علاقة لهم بها.
هذا النهج الفرنسي المستقل تحت قيادة الجنرال شارل ديغول، انتهى عمليا في ربيع عام 2009 بعودة فرنسا تحت قيادة نيكولا ساركوزي إلى القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي وانخراطها لاحقا في عمليات هذا الحلف العسكرية في ليبيا وسوريا.
الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون مضى أبعد من ذلك بعدم استبعاده إرسال جنود أوروبيين إلى أوكرانيا، وقوله نهاية فبراير الماضي: "لم تعد هناك خطوط حمراء، ولا توجد حدود في مسألة مساعدة كييف". ماكرون قضى بذلك عمليا على وعد ديغول لمواطنيه بعدم توريطهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: إيمانويل ماكرون أرشيف الاتحاد السوفييتي نيكولا ساركوزي الولایات المتحدة حلف الناتو
إقرأ أيضاً:
من خراسان إلى الساحل.. نيران داعش تُهدّد فرنسا وأوروبا
لا تزال نار الجهاد والإرهاب مُشتعلة في أوروبا بحسب أحدث تقرير لخبراء الأمم المتحدة، والشعور بالقلق يتصاعد في فرنسا بشكل خاص، حيث كشف المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب أوليفييه كريستين مؤخراً، إلى أنّه من بين الهجمات الإرهابية التسع التي تمّ إحباطها عام 2024 في بلاده، كانت 5 منها "تُعتبر مرتبطة بشكل مباشر بتنظيم داعش الإرهابي في خراسان".
وأما النار الإرهابية الأخرى التي باتت على أبواب أوروبا، فهي أفريقية، فقد أظهرت التحقيقات الاستخباراتية الدولية الترابط المُتبادل بين أنشطة تنظيم داعش الإرهابي بين أوروبا، وشمال أفريقيا وصولاً لمنطقة الساحل.
Afghanistan, Syrie, Sahel, Somalie... Ces brasiers djihadistes qui menacent la France
Dans leur dernier rapport sur les activités de Daech et al-Qaida, les experts onusiens confirment que l’État islamique au Khorasan est le principal danger pour Europe.https://t.co/texeJCz46N
وكشف خبراء الأمم المتحدة المعنيين بمُكافحة الإرهاب في تقريرهم الأخير، الذي يُغطّي النصف الثاني من عام 2024 عن أنشطة تنظيمي داعش والقاعدة في العالم، حيث خلصوا إلى أنّ تنظيم داعش في خراسان لا يزال يُشكّل التهديد الرئيسي في أوروبا، وأنّ تجدد الفكر المُتطرّف تحت تأثير التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي هو اتجاه عالمي.
وحسب التقرير فإنّ التهديد الرئيسي للغرب، لم يعد يأتي من تنظيم القاعدة الذي أصبح ضعيفاً جداً، وبالتالي، فإنّ الخطر الذي يُشكّله قد انتهى، على الأقل في الوقت الراهن.
ووفقاً لما يراه الكاتب والمحلل السياسي في يومية "لوفيغارو" الفرنسية جان تشيتشيزولا، فإنّه بالنسبة للدول الأوروبية، فإنّ تنظيم داعش الإرهابي في خراسان، الفرع الأفغاني للتنظيم "يُمثّل التهديد الإرهابي الخارجي الأكبر"، حيث أنّ "الوتيرة المُتزايدة للهجمات الفاشلة" في العام الماضي، أظهرت تصميم التنظيم على "تنفيذ هجمات مميتة للغاية على الأراضي الأوروبية، وخاصة ضدّ أهداف غير محمية وحشود كبيرة".
À l’initiative de la France, nous avons adopté des sanctions européennes contre l’Etat Islamique au Khorasan et son organe de propagande.
J’ai également proposé que des sanctions soient prises contre les responsables des exactions contre des civils sur la côte alaouite en Syrie.
وبالنسبة لأوروبا، فإنّ هذا التهديد الذي يُشكّله تنظيم داعش الإرهابي "نشأ تحت تأثير جهاز دعاية قوي على شبكة الإنترنت، وتمّ تسهيله من خلال شبكات لوجستية بعيدة تستخدم اللغة الروسية المشتركة بين دول آسيا الوسطى، ومنطقة شمال القوقاز في الاتحاد الروسي".
ويُشير التقرير أيضاً إلى أنّ "الاعتقالات الأخيرة أظهرت بوضوح وجود العديد من المُتعاطفين مع شتات المُهاجرين من آسيا الوسطى، وشمال القوقاز في أوروبا ممن يحملون تصاريح إقامة قانونية، والذين سهّلوا تثبيت عملاء في منطقة شنغن وقدّموا الدعم المالي واللوجستي لتنفيذ أعمال انتهازية".
ففي يوليو (تموز) الماضي، تمّ تنفيذ عملية أمنية مُشتركة في كلّ من النمسا وبلجيكا وألمانيا، مع اعتقال 19 عضواً من الشيشان والطاجيك من الذين شاركوا في أنشطة مالية مشبوهة والتخطيط لهجمات إرهابية.
"تجديد" الإرهابيين، ظاهرة عالميةوفي هذا السياق، يُشير خبراء الأمم المتحدة إلى أنّ "تجديد" الإرهابيين ظاهرة عالمية، حيث تُشير المنظمة الدولية إلى أنّ "العديد من الدول الأعضاء لاحظت أنّ متوسط أعمار الأفراد المُتطرّفين يبدو أنه يتناقص".
وتتعزّز هذه الملاحظة بشكل خاص في جنوب شرق آسيا، مع "زيادة التطرّف الذاتي عبر الإنترنت بين الشباب"، وبين الأفراد "الأصغر سنّاً بشكل مُتزايد".
كما نفّذت قوات الأمن من عدّة دول أوروبية مؤخراً، حسب التقرير الأمني الأممي، عمليات مُنسّقة أسفرت عن تفكيك أربع خلايا إرهابية تتألف من أكثر من 25 قاصراً كانوا يتواصلون عبر الإنترنت في نفس المجموعات الافتراضية التي كانت تُنهي الاستعدادات لشنّ هجمات مُتزامنة في عدّة مدن أوروبية.
Global leader of ISIS Abdulqadir Mumin aka Abdul al-Qadir Mumin reportedly survives U.S. airstrike in Somalia. pic.twitter.com/1pdterIM8w
— Cyprian, Is Nyakundi (@C_NyaKundiH) June 16, 2024 مظلّة إرهابية واسم مُستعاروبالإضافة لهيكله الأساسي، يحتضن تنظيم داعش تحت مظلّته الإرهابية جماعات أخرى، تتألف في المقام الأول من وحدات من المُقاتلين الإرهابيين الأجانب، مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية ومجموعات مختلفة من آسيا الوسطى أو القوقاز.
ويُشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنّ التهديد في منطقة الساحل الأفريقي، سواء من جانب داعش أو التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة، يتزايد بالفعل مع التمدّد جنوباً نحو حدود بلدان خليج غينيا.
ولكنّ نيران الإرهاب لا تقتصر على منطقة الساحل، حيث يُقال إنّ الصومال، التي غرقت في الفوضى لعقود من الزمن، هي موطن الزعيم الجديد لتنظيم داعش الإرهابي، أبو حفص الهاشمي القرشي (باعتباره اسماً مُستعاراً حسب التقرير)، وذلك في شخص الزعيم المحلي لداعش، عبد القادر مؤمن، الذي عاش في السويد والمملكة المتحدة.
ولكنّ الأمم المتحدة تقول إنّ "الآراء لا تزال مُتباينة حول هذه النقطة"، حيث أصبحت الدول الأعضاء (بما في ذلك فرنسا) مُقتنعة بشكل متزايد، "بأن مؤمن هو الأمير الجديد لتنظيم داعش الإرهابي، في حين واصل آخرون التعبير عن الشكوك".
ويُشير التقرير إلى أنّه إذا كانت المعلومات دقيقة، فإنّها قد تُشير إلى أنّ " داعش يقوم بتحوّل مُتعمّد نحو هيكل عملياتي أكثر لا مركزية". وبالإضافة إلى الأعضاء الأكثر قوة في حركة الشباب المُرتبطة بتنظيم القاعدة، فإنّ الفرع الصومالي لتنظيم داعش يتمتع بتمويل وفير ونفوذ لدى فروع أخرى من داعش في أفريقيا.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ألقت الشرطة الإسبانية، بالتعاون مع المغرب، القبض على 9 أشخاص، بينهم إرهابيون سابقون أو مُدانون بالإرهاب. وكان هؤلاء الأفراد يخططون لتنفيذ هجوم في مدينة سبتة (إسبانيا)، والسفر إلى المناطق التي يُسيطر عليها داعش في منطقة الساحل الإفريقي والصومال.
وكانت هذه الخلية على اتصال بشبكة من العناصر الإرهابية من شمال أفريقيا، العاملة في هذه المناطق، وهو ما يُعزّز من المخاوف الأوروبية بشأن ما بات يُطلق عليه "الإرهابيون الأفارقة".