التصويت العقابي.. لماذا خسر العدالة والتنمية الانتخابات في تركيا؟
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
ربما كان متوقعًا أن يتراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة لعدة أسباب، لكن النتائج الأولية أظهرت تراجعًا كبيرًا غير متوقع وخسارة مدوية له، حيث تقدم عليه حزب الشعب الجمهوري لأول مرة، ولم يكتفِ بالاحتفاظ ببلديات بعض المدن الكبرى، وإنما ضم لها مدنًا ومحافظات إضافية في مشهد فوز كاسح شكّل صدمة للكثيرين.
وَفق النتائج الأولية غير الرسمية، تقدم حزب الشعب الجمهوري باقي الأحزاب وتفوق لأول مرة على العدالة والتنمية منذ تأسيس الأخير، محققًا نسبة أصوات بلغت 37.5% بينما حل حزب العدالة والتنمية – ولأول مرة – في المركز الثاني بنسبة تصويت 35.6%، والرفاه مجددًا في المركز الثالث بنسبة 6.1%.
وقد فاز الشعب الجمهوري برئاسة بلدية 36 مدينة ومحافظة منها 15 مدينة كبرى و21 محافظة، مقابل فوز العدالة والتنمية بـ 23 منها 11 مدينة كبرى، و12 محافظة، وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب (خليفة حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي") بـ 10 بلديات منها ثلاث مدن كبرى وسبع محافظات، وحزب الحركة القومية برئاسة بلدية ثماني محافظات، وحزب الرفاه مجددًا ببلديتَين إحداهما مدينة كبرى، والأخرى محافظة، وحزب الجيد ببلدية محافظة واحدة.
وهكذا يكون حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، قد رفع رصيده في بلديات المدن والمحافظات من 20 إلى 36، بينما تراجعت حصة العدالة والتنمية الحاكم من 39 إلى 23، وكذلك حليفه الحركة القومية من 11 إلى 8. وبينما فاز كل من الرفاه مجددًا والجيد برئاسة بلديات لأول مرة، رفع حزب مساواة وديمقراطية الشعوب رصيده من 8 (كان فاز بها الشعوب الديمقراطي) إلى 10 بلديات.
إضافة لذلك، فقد حصل حزب الشعب الجمهوري على أغلبية المجلس البلدي لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول اللتين كانتا بحوزة تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات السابقة؛ رغم خسارته رئاسة البلديتين للمعارضة.
وفي البلديات الفرعية أو بلديات أحياء المدن الكبرى، رفع الشعب الجمهوري رصيده في أنقرة من 3 إلى 16، مقابل تراجع العدالة والتنمية من 19 إلى 8 من أصل 25 بلدية فرعية. وفي إسطنبول رفع الشعب الجمهوري رصيده من 14 إلى 26 مقابل تراجع العدالة والتنمية من 24 إلى 13 من أصل 39 بلدية فرعية.
وبهذا يكون تقدم الشعب الجمهوري واضحًا جليًا، وكذلك تراجع العدالة والتنمية كبيرًا وشاملًا، رغم أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل 10 أشهر فقط حملت نتائج مختلفة عن الحالية، ما يدفع لدراسة ونقاش الأسباب والعوامل المساهمة في هذه النتيجة الصادمة للحزب الحاكم الذي كان فاز في كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها منذ تأسيسه عام 2001 وحتى الآن.
التصويت العقابيفي خطابه بعد ظهور النتائج الأولية، قال الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان إن: "الناخب قد قدم تقديره ورسالته عبر صندوق الاقتراع"، وهي عبارة متكررة على لسان الأخير، لكنها تبقى مفتاحية وشارحة لما حصل. المدة الزمنية القصيرة بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي فاز فيها أردوغان بالرئاسة وتحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان وبين الانتخابات المحلية الحالية التي سبق تفصيل نتائجها، تدفع للنظر في الاختلاف بين الاستحقاقين من جهة والأسباب والعوامل المستجدة من جهة ثانية.
المؤشر الثالث الذي يدعم فرضية التصويت العقابي، فهو تقدم حزب الرفاه مجددًا في هذه الانتخابات وحلوله في المركز الثالث، وهو حزب إسلامي كان تحالف مع العدالة والتنمية في 2023،
الفارق بين المحطتين، أن الأخيرة هي انتخابات محلية أو بلدية تأثيرها المباشر على الحياة السياسية في البلاد ضئيل، بالمقارنة مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولذلك قد يقل فيها التزام الحواضن الشعبية بالتصويت لأحزابها. بمعنى، اليوم خسر العدالة والتنمية الانتخابات البلدية، وتراجع فيها كثيرًا، لكن ذلك لم ولن يهز الاستقرار في البلاد، فما زال أردوغان رئيسًا والتحالف الحاكم حائزًا أغلبيةَ البرلمان.
يشجع هذا المعنى على فكرة "التصويت العقابي"؛ أي إيصال رسائل للقيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع، وهو ما حصل بوضوح في هذه الانتخابات، وعليه مؤشرات عديدة، وقد حصل من طرفين.
ففي جانب المعارضة، اتجهت معظم أصوات المعارضة لمرشحي الشعب الجمهوري بعدِّه المنافس الأبرز للعدالة والتنمية لمنع الأخير من الفوز. وشمل ذلك حتى الأحزاب التي قدمت مرشحها الخاص، بدليل تراجع نسبة مرشحيها في هذه الانتخابات عن وزنها في المحافظات والمدن المختلفة في السابقة. ففي النتائج، وباستثناء الشعب الجمهوري والحزب "الكردي" في مناطق الجنوب والجنوب الشرقي، تراجعت أصوات باقي الأحزاب كافة بدرجات ملاحظة، وخصوصًا حزب الجيد المعارض.
وأما الشريحة الثانية، فهم أنصار العدالة والتنمية أو الشرائح التي طالما صوتت له وخصوصًا من المحافظين، الذين يبدو أنهم وجهوا له الرسالة الأقسى في الانتخابات الحالية. ففي المقام الأول، تشير نسبة المشاركة المتدنية إلى عزوف واضح عن المشاركة في الانتخابات بين أنصار العدالة والتنمية، فإذا ما استثنينا الانتخابات المحلية عام 2004 (الأولى للعدالة والتنمية بنسبة مشاركة %76.2) تكون هذه النسبة الأقل في الانتخابات المحلية منذ سبعينيات القرن الماضي. كما أن تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب بأكثر من مليوني صوت (15.7 مليون صوت مقابل 18 مليون صوت في 2019)، رغم ارتفاع عدد المصوتين يعضد هذه الفرضية.
وأما المؤشر الثالث الذي يدعم فرضية التصويت العقابي، فهو تقدم حزب الرفاه مجددًا في هذه الانتخابات وحلوله في المركز الثالث، وهو حزب إسلامي كان تحالف مع العدالة والتنمية في 2023، بمعنى أنه قريب منه أيديولوجيًا ولا يُنظر له من قبل الناخبين على أنه خصم بالضرورة ما يعني أنه شكل "بديلًا آمنًا" لبعض الناخبين. في الصورة النهائية، ثمة من أراد عقاب الحزب الحاكم فقاطع الانتخابات، وثمة من أبطل صوته، وثمة من ذهب لأحزاب أخرى في مقدمتها الرفاه مجددًا.
في بحث أسباب الهزيمة، هناك ما هو قديم مستمر وما هو مستجد حديثًا. فمن بين أهم الانتقادات والتحفظات على العدالة والتنمية وحكوماته الأخيرة الأوضاع الاقتصادية المتراجعة في البلاد في السنوات القليلة الأخيرة والتي لا يبدو أن الإجراءات الحكومية فيها استطاعت إقناع الناخبين بنجاعتها ولو مستقبلًا.
ومن ضمن ما يرتبط بالاقتصاد كانت شريحة المتقاعدين غير السعيدة براتبها التقاعدي وغير الراضية عن الزيادة الحكومية. وكذلك هناك ما يرتبط بترهل الحزب والحكومة شأن الأحزاب التي تحكم لمدة طويلة، وهناك كذلك ما طرأ من تغييرات على الحزب منذ تأسيسه في الفكر والخطاب والممارسة السياسية وكذلك التحالفات.
هذه الأسباب كانت حاضرة كذلك في الانتخابات السابقة، وفي مقدمة الأسباب المسؤولة عن تراجع نسبة التصويت للحزب في الانتخابات التشريعية في العقد الأخير، لكن التصويت العقابي فيها كان سيكون ذا كلفة مرتفعة جدًا، بإيصال المعارضة لسدة الرئاسة و/أو أغلبية البرلمان، ولذلك أجّلت بعض الشرائح ذلك للانتخابات المحلية الأخيرة.
وأما ما استجد من عوامل دافعة لما يعدُّه البعض "قرصة أذن" للرئيس التركي وحزبه وحكومته، فهو الموقف من العدوان على غزة، ذلك أن الشريحة المحافظة على وجه التحديد كانت غير راضية عن الموقف الرسمي وسقفه، وطالبت مرارًا بخطوات عملية إضافية لنصرة أهل غزة وتحديدًا ما يتعلق بالتجارة مع دولة الاحتلال دون أن تلقى آذانًا صاغية، فكان الاحتجاج مقاطعةً أو إبطالًا للصوت أو التصويت لأحزاب أخرى أداة للتنبيه.
وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لناخبين كثر أبطلوا أصواتهم بكتابة شعارات داعمة لغزة ومنتقدة لموقف الحكومة "المتقاعس" منها، في إشارة واضحة لحضور غزة في مؤثرات النتائج بعد أن كانت حاضرة بوضوح في الحملات الانتخابية، بيد أنه من الصعوبة بمكان تحديد حجم هذه الشريحة بدقة.
وفي الخلاصة، كانت نتائج الانتخابات المحلية/البلدية الأخيرة رسالة صادمة وحادّة للعدالة والتنمية من ناخبيه وأنصاره بضرورة الإنصات لصوت الشارع والتناغم معه، وهو ما أكد عليه أردوغان على عادته.
إذ إن نتائج هذه الانتخابات تدق ناقوس الخطر بخصوص الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في 2024 والتي قد يكون أحد مرشحيها الرئاسيين رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، لا سيما أن الحزب الحاكم قد يخوضها بدون أردوغان، حصانه الرابح في كل الجولات الانتخابية السابقة.
وعليه، سيكون أمام أردوغان وحزبه أربع سنوات لاستعادة ثقة الناخبين والإعداد لانتخابات 2028 في حال أثبتا جدّية في التجاوب مع رسائل الصناديق بخصوص المطلوب من تغييرات وتحسينات جوهرية وحقيقية وليست شكلية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الانتخابات الرئاسیة والتشریعیة الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری فی هذه الانتخابات العدالة والتنمیة فی الانتخابات والتنمیة من والتنمیة ا فی المرکز تراجع ا
إقرأ أيضاً:
"طوفان الانفصالات في تركيا: لماذا تنهار زيجات المشاهير بهذه السرعة؟"
في مشهد أصبح مألوفًا بشكل مثير للجدل، يشهد الوسط الفني التركي موجة انفصالات غير مسبوقة بين نجومه، حيث لم تصمد بعض الزيجات سوى بضعة أشهر، فيما انتهت قصص حب بدت مثالية أمام الكاميرات في لمح البصر.
هل أصبحت العلاقات العاطفية بين المشاهير مجرد صفقات مؤقتة أم أن ضغوط الشهرة هي السبب الحقيقي وراء هذه النهايات السريعة؟
ويبرز جريدة وموقع الفجر عن أبرز حالات الانفصال في الوسط التركي
بوراك دنيز وبوسه ميرال: زفاف خاطف.. وانفصال صادم!كان خبر زواج النجم التركي بوراك دنيز من الممثلة الصاعدة بوسه ميرال مفاجأة سارة لجمهورهما، خاصة أنهما اختارا إقامة حفل زفاف بسيط بعيدًا عن الضجة الإعلامية لكن المفاجأة الكبرى جاءت بعد أربعة أشهر فقط، حيث أعلنا انفصالهما بشكل رسمي.
مصادر مقربة من الثنائي كشفت أن الخلافات بدأت تظهر منذ الأسابيع الأولى للزواج، حيث لم يستطع الطرفان التوفيق بين جداول أعمالهما المزدحمة، إضافة إلى عدم التفاهم حول تفاصيل الحياة اليومية.
لكن ما زاد الجدل هو تصريحات غير مباشرة من مقربين تفيد بأن علاقة سابقة لبوراك ربما كانت سببًا في توتر الزواج من البداية!
هاندا أرتشيل وعلاقتها الغامضة: هل هناك طرف ثالث؟تُعرف النجمة التركية هاندا أرتشيل بكونها إحدى أيقونات الجمال والشهرة في تركيا، لكن حياتها العاطفية لم تكن مستقرة كما تبدو. فبعد أن دخلت في علاقة جديدة مع شخصية غير معروفة في الوسط الفني، بدأت الشائعات تتزايد حول وجود طرف ثالث تسبب في إنهاء العلاقة بشكل سريع.
تساءل المتابعون: هل كان الانفصال بسبب خيانة؟ أم أن هاندا أرتشيل تسعى للحفاظ على صورتها كنجمة مستقلة لا تربطها علاقة طويلة الأمد بأحد؟ خصوصًا أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها عن ارتباط ثم تختفي القصة فجأة.
سيريناي ساريكايا.. هل الحب مجرد "دعاية"؟الممثلة المتألقة سيريناي ساريكايا تعيش حياتها العاطفية دائمًا تحت الأضواء، لكن هذه المرة كانت قصتها الأكثر إثارة للجدل.
بعد ظهورها المتكرر مع حبيبها الجديد، والذي لم يكن معروفًا لدى الجمهور، فاجأت الجميع بإنهاء العلاقة في وقت قياسي.
التكهنات بدأت تشير إلى أن هذه العلاقة لم تكن سوى جزء من لعبة إعلامية، حيث تتزامن غالبية ارتباطاتها العاطفية مع أعمالها الفنية الجديدة.
فهل كانت هذه العلاقة مجرد دعاية لفيلم أو مسلسل جديد؟ أم أن سيريناي تواجه صعوبة في العثور على حب حقيقي وسط أجواء الشهرة والضغوط؟
ظاهرة متكررة أم مشكلة أعمق؟الملفت في هذه القصص أن ظاهرة الانفصال السريع لم تعد مقتصرة على نجوم الصف الثاني، بل أصبحت سمة مشتركة بين كبار نجوم الدراما التركية. فهل المشكلة تكمن في طبيعة حياة المشاهير وضغوط العمل؟ أم أن هناك أسبابًا أعمق تتعلق بعدم قدرة هؤلاء النجوم على بناء علاقات حقيقية وسط عالم مليء بالضغوط والشائعات؟