ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية: بر الوالدين من أهم المسائل في الإسلام
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
عقد الجامع الأزهر اليوم الأحد في الليلة الثانية والعشرون من شهر رمضان المبارك، عقب صلاة التراويح «ملتقى الأزهر.. قضايا إسلامية».
جاء ذلك بمشاركة الدكتور محمد الجبالي، الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الأزهر، وفضيلة الدكتور حسني التلاوي، وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وأدار الملتقى الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، وذلك بحضور جمعٍ من علماء وقيادات الأزهر الشريف، وجاء عنوان الملتقى اليوم: «بر الوالدين».
وقال الدكتور عبدالمنعم فؤاد إن قضية بر الوالدين من القضايا التي تناساها الشباب، ولم نجد برامج تحث عليها، كما أنه لا يوجد وسائل تذكر الشباب بأن بر الوالدين من أهم المسائل في الإسلام، لكن الله تعالى يذكرنا دائما وأبدا بأن نهتم بهذه القضية، ومن ذلك قوله تعالى "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا"، فعبادة الله تعالى ترفقها مباشرة قضية البر، ولذلك ورد في الأثر "أن كل دعاء قد يؤخر إلى ما بعد الموت، إلا دعاء الأبوين فإن الله يعجل به في الدنيا قبل الآخرة"، إذا فنحن في أشد الحاجة لدعاء الأبوين، وهما في أشد الحاجة في السن الكبر أن يكون أبنائهم بارين بهم، فالشاب الصالح هو الذي يبر والديه ويقبل يد أباه ويد أمه، وهو الذي يدعو لأبويه حتى بعد الممات.
محمد الجبالي: من لم يشكر الوالدين لم يشكر اللهوأوضح الدكتور محمد الجبالي أن الإسلام الحنيف قد جاء برسالة سمحة تدعو إلى مكارم الأخلاق وإلى السلوك القويم، جاءت بضوابط تحكم ميزان المعاملات بين الناس بصفة عامة، وبين الوالدين والأبناء بصفة خاصة، ومما جاء في القرآن الكريم عن الوالدين، نستدل أن الوالدين لهما من التقدير والاحترام والتوقير ما يلفت النظر، لما يتفكر في الآيات التي تناولت ذلك، مضيفا أن بر الوالدين والإحسان إليهما قد حظي بتقدير كبير في الشريعة الإسلامية، ودليل ذلك أنه تعالى قد قرن الأمر بعبادته مع البر بالوالدين في آية واحدة، وذلك في قوله تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا"، ولا بد أن في ذلك الترابط بين عبادة الله وبر الوالدين نظرة وتأمل.
وأكد الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الأزهر أن الله تعالى قد أمرنا بأن نشكره، ثم قرن شكره تعالى بشكر الوالدين، ومن ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه "ثلاثة آيات مقرونة، منها أن اشكر لي ولوالديك"، فشكره تعالى مقرون بشكر الوالدين، ولذلك من لم يشكر الوالدين لم يشكر الله، ولقد رفع تعالى قدر الإحسان إلى الوالدين، وأمرنا بالبر بهما وجعل من يقوم بهذا الأمر في درجة المجاهد في سبيل الله، فيالها من درجة عظيمة، لافتا أن الله تعالى قد جعل منزلة من يبر والديه بمنزلة الشهيد في سبيل الله، ومن ذلك أن رجلا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له "يارسول الله ائذن لي بالجهاد في سبيل الله، فيقول له عليه الصلاة والسلام، أحي والداك؟ قال له نعم يارسول الله، فقال له : إذا ففهيما فجاهد"، فجعل الإحسان للوالدين وبرهما بمنزلة الشهيد.
حسني التلاوي: الإحسان هو أن نسدد ما علينا وزيادة ولذلك استخدم "الإحسان" في بر الوالدينومن جانبه، أوضح الدكتور حسني التلاوي أن الله تعالى قال "وبالوالدين إحسانا"، وهذا تركيب عجيب، وإن فهمناه ستتغير سياساتنا تجاه قضية بر الوالدين، ففي الجملة الأولى "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا"، ثم جاء بالجملة الثانية بصيغة الأمر، وتقديره "وأحسنوا بالوالدين إحسانا"، كأن الله تعالى أمرنا مرتين بأن نحسن لوالدينا في قوله "أحسنوا" و"إحسانا"، ولم يقل ذلك في قوله "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا"، فهو أمر واحد فقط، مضيفا أن معنى الإحسان هو أعلى طبقة من العدل، فهو العدل وزيادة، ولذلك أمرنا تعالى بالإحسان، وليس معناه أن نسدد ما علينا فقط تجاههما، بل أن نسدده وأن نزيد عليه.
وبين وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة أن الآية الكريمة أيضا قد جاءت بوقفة أخرى وهي "الباء"، حيث جاءت الباء في قوله "وبالوالدين"، ولم يستخدم غير الباء، مثل "إلى" على سبيل المثال، وذلك لأن الباء تعني الملاصقة والقرب والملاطفة والإحسان، وغيرها من المعاني المتعددة، على عكس إلى، التي تعني الإرسال، لكن الباء أفادت القرب والملاصقة، وهو ما يتماشى مع الإحسان للوالدين، والقرب منهما وملاطفتهم، لافتا أن هناك جزء آخر يتضمن وعيدا بمن لا يبر والديه، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "ورغم أنف رجل أدرك أبواه عنده الكبر ولم يدخلاه الجنة"، وفيه إفادة بأن جزاء من يبر والديه الجنة، إلا أنه استخدم الفعل "رغم" لأن به ثلاث معان ليست موجودة في "تربت" التي استخدمت في موضع آخر، المعنى الأول هو "الذل" والثاني "الضعف عن الانتصاف" والثالث هو "الرجوع بإكراه"، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام يدعو على من لا يبر والديه بأن "يذل" وبـ"الضعف عن الانتصاف"، وأخيره بأن يرجع بالإكراه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر شهر رمضان صلاة التراويح ملتقى الأزهر قضايا إسلامية جامعة الأزهر أن الله تعالى فی قوله ومن ذلک
إقرأ أيضاً:
التجديـد في الـدراسات الإسلاميـة
بعد ردح من الزمن طويل هيمن فيه الدارسون الغـربيـون بآرائـهـم وقراءاتهم وتصـوراتهم في ميدان الدراسات الإسلاميـة، وكـرسوا فيه تقاليـدهـم في الدرس ويـقـيـنيـاتـهم في النـظر حتى كادت أن تصير مسـلـمات أو شيئا بهـذه المثابة، شـرع ميدان الإسلاميـات في العـودة إلى أهـلـه تـدريجـيـا واتسـع لهم حتى باتت مساحـة حضورهم وفـعـلـهم فيه أرحب مـن مساحة المستـشرقيـن الذين أمـسـوا يتـنـاقـصون أعـدادا، ويتـضاءلـون قـيمة عـمـا كانت عليه أجيالهم الأولى.
بـدا هذا المسار الجديـد - الذي انطلق في سـتـيـنـيـات القـرن العشرين الماضي - وكأنـه يأخذ الفـكـر العربي والإسلامي نحو حال، ولو ابتدائيـة، من الاستـقـلاليـة المعـرفـيـة عن السلطـة المرجعيـة للاستـشـراق، ثم لم يلبث ازدياد عدد الدارسين العرب والمسلميـن في حقـل الإسلاميـات، وخاصـة أولئك المـسربـليـن منهم بالعـدد والأعـتـدة المنهجيـة الحديـثـة، أن أوحى بأنـنا ذاهبـون نحو حال من الظـفـر بالبغيـة الفكريـة الثمينة التي تأجـل تحـقـيقـها طـويلا: تـأميم ميـدان الدراسات الإسلاميـة.
ليس التـأميم هذا انشقاقـا عن الفكـر الإنساني المعاصر، الذي إليه ينتمي الاستـشراق ويحتـل في رحابه مكانا، وإنـما هـو استعادة سيادة كانت مفـقودة على ميـدان من المعرفة يـدور على الأنا الجماعيـة: على الحضارة، والموروث الديـني والثـقـافي، وعلى مشكـلات حاضر مجتمعات العرب والإسلام.
وما أغنانا عن التـنـفـيل في الكلام من أجل بيان لا مشروعيـة أن يـكـون شعب أو مجتـمع أو أمـة صورة عن نـفسها (عن ذاتـيـتها الحضاريـة، وثـقافـتها وتراثـها، وعن معـضلاتها المعاصرة) مرسـومة بريشة سواها! نعـم، ما مـن شك في أن الثـقافـة العربيـة والإسلاميـة، الحديثـة والمعاصرة، ظـلـت تعـتـاز المـوارد والأدوات التي تـتيـح لها أن تـفـك عن الوعـي شـرانـق التـقـليد والاجتـرار وأربـاقـه، وأن تـفـتحـه على أفـق جـديـد يـقـتـحـم فيـه المـجاهـل ويـضيء المـعـتـم من ماضيـها والحاضـر. وإذ قضـى الاعـتيـاز هـذا بأن يـضـرب مفـكـرو الإسلام بأيـديـهـم إلى كتـب الغـربـيـيـن ينهـلون منها ويـمـتحـون ما إليه يـفـتـقـرون، من أجل إعمـار معـرفي لثـقافـتـهم تـتـأهـل بـه هذه لأن تـقـرأ تراثـها وحضارتـها نحـوا جـديـدا من القراءة، فقـد استلـزم - عنـد حـد مـا مـن سـد نقـصـه وإشباعـه - بأن يـنـوضع حـد لـتـلـمـذة مـديـدة أوشـكـت على أن تصـير تسـولا فـكـريـا، وعلى أن تـرسـخ في نفـوس الباحثـيـن روح الكسل المعـرفي وأن تـفـضي، بالتـبعـة، إلى إنجاب نسخة جديدة من التـقـليد الرث نظيـر ذلك الذي كان، وما يـزال، مسلكا قائمـا تجاه الأقدميـن!
بهذا المعنى نفهم عبارة تأميم ميدان الإسلاميـات، أي بحسبانـه استعادة ما صادره منـا فـقـر التـقـليـد والاجتـرار معـطوفـا على تـفـوق السلطان المعرفي الغربي.
وهكذا، أيضا، نفهم هاتيك الاستعادة بوصفها تنـميـة دائبة للحقـل المعرفي المستـعاد، وتـنظـيما له من الداخل يـعاد بـه نصب القـواعـد والأسس لمعرفـة مستقـلة: تاريـخيـة ونـقـديـة، لا تستـبطـن مسـبـقات ولا تعيد لـوكها: أكانت مما خلـفـه فينا سلطان القـدماء، أو كانت ممـا ازدرعـته في هذا الحقل أعمال الغربـيـين وأطاريـحهم. وليس يخامـرنا شـك في أن ميـدان الإسلاميات في الفكـر العربي شهـد على انـتـعاشـة في الإنـتاجيـة ملحوظـة، منذ سنوات السـتيـنـيـات من القـرن الماضي، وأشبع مساحـة معتـبـرة من الحاجـة لدى المجتمع العربي القارئ رفـعت عنـه عـبء الالتـجاء إلى معارف الآخـر منظـورا إليها بما هي المعارف الحق عـن الإسلام وتاريـخـه وحضارته وتـراثـه. ونحـن، في هذا الذي نقولـه، لا نطعـن على معارف المستشرقيـن ولا نـزري بمكانـة مساهمـاتهـم، كما لا نجحـد فضـل قسـم رفـيـع ونـزيه منها، وإنـما نـنـوه بنجاح ثـقافـة - هي الثـقافة العربيـة اليـوم - في أن تـفرض مكـانا لقراءتـها وفي أن تـزاحـم قـراءة الآخـر ذلك التاريخ فـتـزحزحها، قـليلا، عن مقام الصـدارة الذي ظلـت تـتـربع عليه منـذ شـرعت في تحـويـل حضارتنا وثـقافـتـنا ومجـتمـعاتـنـا الحديثـة إلى موضوع للـتـفكيـر وإنتاج الصـور والأحكام...
يـنتمـي الباحث العـربي التـونسـي د. عبدالمجيـد الشـرفـي إلى كـوكبـة الدارسيـن الكبار لتراث الإسلام: الكـلاسيـكي والمعاصر، منـذ شـرع يـطـرق سـبيـله في البحث في الإسـلاميـات في سبـعـيـنيـات القـرن الماضي. هـو اليـوم مـن أظـهـر رمـوز الجـيل الثـاني من الباحـثيـن العرب في الإسلاميـات، بعد جـيل إحسـان عـبـاس، ومحسـن مهـدي، ومحمـد أركـون، ومحمـد عابـد الجابري، وحسـن حنـفي وآخـريـن، وقـد يكون أكـثـرهـم إنتاجيـة ومثـابـرة على البحـث والتـأليف في أغـراض متـنـوعـة من قـضايـا الفكـر والعمل الإسلاميـة.
وإلى ذلك فـقـد ظل مهـتجـسا، في التـفـكير والكتابة، بأسئـلة الحياة الديـنيـة أو، قـل، الحياة التي تحياهـا الجماعة الإيـمانيـة الإسلاميـة في عصـر جـديـد مزدحـم بالتـحولات الهائلة في الأفكـار والقيـم والمعاييـر وأنماط المعيش الاجتـماعي؛ وهي التـحولات التي مـا ونـت تعـصـف بتوازن تلك الجماعـة لـما ألـقـتـه على وعـيها وسلوكـها من تحـديات تـعـتاص على المواجهة والتـذليـل. ولقـد انـفـرد د. عبد المجيد الشرفي، من دون أكـثـر أتـرابـه، بمجالـدة تلك الأسئلـة بالنـظر والافـتحـاص ملـتمـسا إجـابـات عنها مقـنـعة، صادرا، في ذلك، عـن قاعـدة فكـريـة لم يـحـد عنها؛ هي نبـذ التـمسـك بحـرفـيـة النصوص وأحكامها المتـعلقة بأزمـنـتها التي وردت فيها، والانـتباه - بـدلا من ذلك - إلى روحيـة النصوص والمقـصديـة فيها ثـم تأولـها على هذا المقـتـضى الذي يـعيـد التـوازن المفـقـود، ويعـيـد مصالحة المـؤمن مع زمنـه ومنـطـق زمنـه من غير أن يـفـقـره ذلك من أي مخـزون إيـمانـي أو روحي.
يـقـبـع في خـلـفـيـة هذا المنحى في الدرس والبحـث في أسئـلة الإسلام اليـوم منـزع إلى إعادة فهـم نصوص الديـن في التـاريـخ وإحـسـان النـظـر إلى مـوقـعـيـتها في السـياق الديـنـي العام. لقـد حـذق د. عبدالمجيد الشـرفي حـذقـا ملحـوظا في النـظر إلى نصوص الإسلام بمنـظار تاريـخي يضعها حيث ينـبـغي لها أن تـوضع في مجـرى الشـروط الحافـة. هكذا نجح في تهـوية التـفـكير في نصوص الدين من الاختـناق والهـواء الاجتـراري الفاسـد، وحـرر النـظـر إليها مـن التـحنيط والتـنميط ومن نـزعة التـعالي بها عن الشرط الإنسانـي والتـاريـخي، فكـرس بذلك منحـى في البحـث العلـمي مـداره على النـقـد التاريـخي للموروث الثـقافي الإسلامي محـاذرا، في ذلك، أن تـزل قـدمـه إلى حيث تـطـأ أرض العـدميـة؛ حيث كـل أثـر يصـير، باسـم النـقـد، في خبـر كان ساعيـا - في مقابـل هذا - في إقامة الدليل على مقـدار ما تـوفـره النـظرة التـاريخيـة إلى التـراث مـن إنصـاف لذلك التـراث ومـن إنزاله المنازل التي يستحـق.
ولعمـري إنـه الرجـل بات لدى كـل منـصف عنـوانا للنـزاهة العلميـة في مضـمار البحث في مشـكلات عـادة ما كان الجـدل فيها ينـتهي بأصحابـه إلى مضاربـات إيـديـولوجيـة لا حـدود للغـوها وبؤسـها.
حين كان القسم الأعظـم من الباحثـين في تـراث الإسـلام - مـن مـفكـري الحـداثـة العـرب - منـصرفا إلى دراسة العلوم العـقـليـة والتـصوف والكـلام، ظـل د. عبد المجيد الشـرفي ضمن زمـرة قـليلة من الدارسيـن منـشغـلا بالعـلوم الشـرعيـة: علـوم القـرآن، والتـفسيـر، والحـديث، والفـقـه وأصول الفـقـه؛ وهـذه - من غير جـدال - المياديـن الأشـد صعوبـة في البحـث والمحـاطة بجـدران سميكـة من التـأويلات التـقـليديـة المحافـظة التي تمنـعها من تـدخـل جراحـي علمي.
وإذا كان هذا الاستعصاء سبـبا لأن تكـون تلك العلـوم الديـنيـة مياديـن غيـر مأبـوه بها عنـد بعـض، فهـو علـة اهـتجاس د. عبد المجيد الشرفي بها وحـرصـه على فحـص نـقـدي للكـثـير من مقالاتـها؛ إذ فيهـا - لا في غـيرها - يقـيم ذلك الذي أسماه محمـد أركون بالعقـل الأورثـوذكسي المسؤول عن حالة الانسـداد المعرفي أو الانـغلاق. وليس معنى ذلك أن عمـل عبد المجيد الشـرفي تـكـرس لـدحـض ما تركـه الأقـدمون من أئـمـة المذاهـب وأصحاب المقالات، بل كثيـرا ما أضاء جـوانب من الاجتـهـاد فيها، أو من الفائـدة وتعظيـم المنفعـة منها في زمنها، منـبـها إلى أن مـوطن الإعـضال ليس دائـما في مـواريث القـدماء، التي تـنـتمي إلى تاريخها وتـنـحـكم بأحكـام الأفـق الذهـنـي الذي كان متاحـا لهم، بـل في نزعـة الاتـباع والتـقـليد التي تـمـسك بخـنـاق المعاصـرين، من المحافظيـن فتجعلهم يـمـددون إقامـة أفكـار الأقـدميـن في وعـيـهم وكأنـها حقائـق مطلـقـة!
يطـول الكـلام على عـظـم صنـيع د. عبد المجيد الشـرفي ونـفـيـس ما قـدمـه في مجال الدراسات الإسلاميـة من أعمـال مرجعيـة تنـاولت مـروحـة واسعـة من الموضوعات، تـمتـد من مناظـرة الفـكر الإسلامي للنـصرانيـة إلى إعادة عـرض عـلوم القـرآن والتـفـسير عـرضا منـظومـيـا شامـلا، مـرورا بنـقـد هـادئ للـفكـر الإسلامي الكلاسيـكي والمعاصر، وللاستـشـراق، وللحـركات الإسلاميـة السياسيـة. لكـن واحـدة من أنـفـس نفـائـس مسـاهمـاته هي تلك التي تمـثـلت في تـكريسـه تقالـيد العـمـل الجماعـي في ميدان البحـث العـلمي في الإسلاميـات، والإشـراف على مشاريع بحـوث جماعيـة في مسائـل فـكريـة مختـلفة آخـرها ما قـام بـه مع جمـهـرة من الباحثـيـن على صعيـد الدراسات القـرآنيـة، وصـدر في سـفـر كبـيـر، من خمسـة مجـلـدات، حاملا عـنـوان المصحف وقـراءاتـه.
وعندي أن هذا الصـنيع العلـمي الرفيـع يـفصـح عن وعـي عـميـق لـديـه بمعـنى البحث العلـمي، اليـوم، الذي أضحى يـفـرض الحاجـة إلى جـهـد مـركـب تـتـضافـر كـفاءات عـدة في بـذلـه قصـد اجتـراح نـتائـج وثـمـرات من المعـرفة أجـزل مما يسـع النـفـر الواحـد مـنـا أن يـنـتـهي إليه بإمكاناتـه الفرديـة. ويـكـفـي الرجـل أنـه أنجب مـدرسـة تونسيـة للبحـث في ميـدان الدراسـات الإسلاميـة نشهـد، اليـوم، على طـيـب ثـمـار أقـلامها وعلى ألـمـعيـة الكثـيـر من أسمائـها.