استعادة روح رمضان.. مواجهة الكسل في أماكن العمل
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
“العمل عبادة”..، مقولة يجب أن تكون مبدأً توجيهياً خلال شهر رمضان لتذكِّر الأفراد بقوة وكرامة العمل. فبدلاً من الصوم عن العمل، يجب على الأفراد أن يصوموا عن الكسل.
لقد ترسَّخت لدى الجميع من الإدارة العليا إلى الموظفين العاديين، فكرة قبول تراجع الإنتاجية خلال هذا الشهر، ويكرِّس استمرار هذه العقلية ،غياب المساءلة وتقييم الأداء المرتبط برمضان، ممّا يهيء بيئة تتسامح مع الكسل بدلاً من مكافحته.
-للأسف الشديد- تحوّل شهر رمضان المبارك في عالم اليوم ،إلى فترة مبرّرات لتراجع الأداء وقلة الإنتاجية في أماكن العمل ،ورغم دعوته للتحلِّي بروح الانضباط، وفضائل التقوى والإجتهاد، إلا أن الكثيرين ينظرون إلى رمضان على أنه شهر تراخٍ وتأخير، مستخدمين الصيام والإرهاق كمبرريْن لتراجع مستوى إنتاجيتهم.
هذه الظاهرة الثقافية لا تتعارض مع مبادئ رمضان فحسب، بل تقوّض جوهر الاحترافية والإنتاجية في بيئات العمل، فمن المنظور التقليدي، يرمز رمضان لفترة من التعبد الروحي والسمو الذاتي، لكنه في أماكن العمل على اختلاف قطاعاته، أصبح علامة على تراجع الكفاءة والتغيُّب، إذ غالبًا ما يتأخر الموظفون أو يغادروا قبل الموعد، أو يفتقرون للإنتاجية خلال ساعات العمل، مُلقين بمسؤولية تراجع أدائهم على الصيام.
هذه العقلية ،تعكس سوء فهم مؤسف بأن الإنتاجية ترتبط بالقوة الجسدية، متجاهلين أهمية التفاني
والانضباط ، فيما تعود جذور هذا السلوك اللامبالي إلى معتقدات مترسِّخة داخل ثقافات المؤسسات في القطاعيْن الحكومي والخاص، مفادها أن رمضان يستلزم التخفيف من معايير العمل.
كشفت حوارات مع أفراد من خلفيات مهنية متنوعة، عن طيف من المبررات للأداء المنخفض في رمضان، يعزو البعض خمولهم إلى التبعية لمواد مثل السجائر أو الكافيين، بينما يستسلم البعض الآخر لضغط الأقران أو للمعايير السائدة في أماكن عملهم. هذا القبول الجمعي بانخفاض الإنتاجية ،يديم سلوك التراخي وعدم الإنتاجية، ويعيق النمو الشخصي والمهني.
إن محاولات استيعاب طبيعة رمضان بتغيير ساعات العمل والجداول ،تؤدي فقط إلى ترسيخ التصور بأنه يجب التضحية بالإنتاجية خلال هذا الشهر. لكن مثل هذه التعديلات تقوِّض مبادئ الكفاءة والاجتهاد، وتديم ثقافة التوقعات المنخفضة.
يجب على المؤسسات بدلاً من الاستسلام لهذه العقلية، أن تدعم قيمة الإنتاجية ، وتحاسب الموظفين على أدائهم، بغضّ النظر عن المعتقدات الدينية.
تتطلب إستعادة روح رمضان الحقيقية ،تغييرًا في طريقة التفكير، بحيث يضع الأفراد الاجتهاد والتميز فوق الكسل والأعذار، بدلًا من اعتبار الصيام عائقاً للإنتاجية، ينبغي النظر إليه على أنه فرصة للنمو الروحي وزيادة التفاني في العمل، بإعادة صياغة رمضان على أنه شهر يرفع الإنتاجية والانضباط الذاتي، تستطيع المؤسسات تعزيز ثقافة التميُّز التي تتجاوز الحدود الدينية.
في النهاية، يجب أن يوجه الأفراد طاقاتهم لجهود ذات مغزى تساهم في تحقيق الذات والعمل،
وباحتضان روح الإجتهاد والتفاني، يمكننا تسّخير قدرة رمضان التحويلية ،لنرتقي بإنتاجيتنا ونعزِّز رفاهيتنا الجماعية.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: فی أماکن
إقرأ أيضاً:
القرارات والاختلاف
د. أحمد بن موسى البلوشي
الحياة مليئة بالقرارات التي نُواجهها يوميًا، وتشكل القرارات جزءًا أساسيًا من حياة الأفراد والمجتمعات؛ سواء كانت هذه القرارات ذات طابع سياسي، اجتماعي، تعليمي، صحي، شخصي.. إلخ، فإنها تُحدث تأثيرات متفاوتة تمتد من التأثير المباشر على بعض الأفراد إلى التأثير غير المُباشر على المجتمع ككل.
ولكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تحقق القرارات رضا الجميع؟ وهل يمكن اعتبار الرضا الشخصي معيارًا حاسمًا لتقييم نجاح القرارات؟ الإجابة ببساطة تكمن في فهم طبيعة القرارات نفسها. فالقرارات، بحكم طبيعتها، غالبًا ما تكون محاولة لتحقيق التوازن بين مصالح متعددة وأحيانًا متعارضة. ولهذا، من غير الواقعي أن ترضي جميع الأطراف. ما يعتبره البعض إنجازًا حيويًا قد يبدو لآخرين قرارًا غير منصف، بناءً على مصالحهم وأولوياتهم. لذلك، لا يمكن للرضا الشخصي أن يكون المعيار الوحيد لقياس نجاح القرارات. المعيار الحقيقي يكمن في مدى تحقيق القرار لأهدافه الأساسية وتأثيره الإيجابي على المجتمع على المدى البعيد، حتى لو كان هذا التأثير غير ملموس لبعض الأفراد.
كثير منَّا قد لا تكون القرارات الصادرة على هواه أو تتوافق مع رغباته الشخصية، ومع ذلك، فإنَّ عدم الإعجاب بكل شيء هو أمر طبيعي وصحي، إذ يعكس التنوع في الأذواق والآراء، ويؤكد أنَّ الكمال أمر مستحيل في كل جوانب الحياة، وليس من الضروري أن يعجبك كل شيء، وهذا لا يعني أن هناك خطأً فيك أو في الآخرين. المهم هو أن نتقبل الاختلاف ونتعامل معه بإيجابية.
لكل فرد مجموعة من الأولويات والتوقعات التي تشكل طريقته في رؤية الأمور، وما يراه شخص ما مثاليًا قد يبدو لآخر غير مناسب. على سبيل المثال، قد يُعجب شخص بتصميم مُعين للمنزل لما، بينما يراه آخر غير جذاب لأنه يفتقر للجمالية، وتتأثر آراؤنا بما عشناه في الماضي، فتجربة سيئة مع أمر مُعين قد تجعلنا لا نحب أي شيء مشابه له، حتى لو كان إيجابيًا، القيم والمعتقدات الشخصية تؤثر بشكل كبير على رؤيتنا للأشياء، وقرار أو فكرة تتوافق مع قيمك قد تبدو رائعة بالنسبة لك، لكنها قد تكون غير محببة لشخص لديه مجموعة مختلفة من القيم.
غالبًا ما يكون رضا الأفراد عن القرارات مرتبطًا بمدى تأثير هذه القرارات على حياتهم الشخصية وأهدافهم. إذا كان القرار يتماشى مع مصالح الفرد أو يلبي احتياجاته المباشرة، فإنه يميل إلى قبوله والشعور بالرضا تجاهه. على العكس، إذا لم يكن للقرار تأثير إيجابي واضح أو إذا تعارض مع طموحاته وأولوياته، فقد ينشأ لديه شعور بعدم الرضا، حتى لو كانت للقرار فوائد عامة تعود بالنفع على المجتمع ككل. هذا التباين في التقييم يعكس الطبيعة الفردية لتوقعات البشر، حيث تبرز المصالح الشخصية كعامل رئيسي في تشكيل مواقفهم من القرارات، بصرف النظر عن أهدافها العامة أو تأثيرها الشامل.
من الناحية العملية، من غير الممكن أن تحقق القرارات رضا جميع الأطراف، نظرًا لاختلاف الاحتياجات والمصالح بين الأفراد والجماعات، ومع ذلك، فإن القرارات التي تستهدف تحقيق المنفعة العامة وتستند إلى معايير علمية ودراسات متأنية تتمتع بفرصة أكبر لتحقيق القبول العام، حتى وإن لم تلبِ تطلعات الجميع بشكل كامل. إن الرضا الشخصي عن القرارات لا يُعد بالضرورة مؤشرًا على جودتها، بل ينبغي تقييم القرارات بناءً على أثرها الإيجابي طويل الأمد على المجتمع ككل، فالقرارات الناجحة هي تلك التي توازن بين المصالح المختلفة وتسهم في تحسين الظروف العامة، ومن الطبيعي ألا تتفق مع كل شيء في الحياة؛ فذلك يعكس التنوع في الآراء والتفضيلات بين الأفراد.
وأخيرًا.. من المهم تقبل هذا الاختلاف كجزء من طبيعة الحياة، والاعتراف بأنه مصدر غني للنمو الشخصي والتعلم. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون عدم الإعجاب بقرار معين فرصة لفهم وجهات نظر الآخرين وتقديرها، مما يعزز التعايش واحترام الخيارات المتنوعة.