القوة يخطئ من يظن أنها قوة البدن وفقط، بل القوة فى الإسلام لها مفهوم شامل لكل مظاهر القوة البدنية منها والإيمانية، والإسلام يريد من المسلم أن يكون قويا ليتمكن من إعمار الأرض وعبادة الحق وتزكية النفس، وردعاً للعدو فقال تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» والنبى صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».
والمؤمن القوى له سمات يتصف بها منها: التمسك بالحق والثبات على الدين فلا ينبهر بمظاهر الترف أو المنصب بل تكمن قوته فى امتلاكه لزمام نفسه، والسيطرة على كباح شهواته، والنبى صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى رفض كل هذه المظاهر عندما عرضت عليه قائلا: «والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».
والقرآن قدم نموذجا متمثلا فى ذى القرنين حيث التمسك بالحق والثبات على الدين، أتاه الله الملك ومكن له فأصلح وعدل وعمر الكون ولما طلبت منه المعونة قال: «فأعينونى بقوة».
والقوة الحقيقية للمسلم أن يؤدى ما عليه من الأمانات والقيام بأعباء المسئولية والحفاظ على الدين مهما كانت الابتلاءات والمغريات وكذلك النصر للنفس على الشهوات والهوى، وأخيرا الثبات على الحق، وقد كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك»، وبالطبع إذا تعرضت الأمة إلى اعتداء برزت هذه القوة فى الذود عن الوطن بالنفس والنفيس.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
خطبتنا الجمعة من المسجد الحرام
مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله الجهني المسلمين بتقوى الله ومراقبته سبحانه وتعالى، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأن يتدبروا كتاب الله المجيد وما فيه من الوعد والوعيد ، ولا تغرنهم الحياة الدنيا ولا يغرنهم بالله الغرور.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام ” كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأعذبهم نطقًا، وأسدهم لفظًا، وأبينهم لهجة، وأقومهم حجة، وأعرفهم بمواقع الخطاب، وأهداهم إلى طرق الصواب، تأييدًا ولطفًا إلهيًا ، وعناية ربانية ، ورعاية روحانية ، ولم يكن فاحشًا متفحشًا ولا لعانًا ولا طعانًا، فاللسان رعاكم الله عضو من أهم أعضاء الجسد، وهو من نعم الله تبارك وتعالى العظيمة على عباده امتن به عليهم فهو ترجمان الأفكار والقلوب، وبه يُعَبِّرُ الإنسانُ عن مَكنونِ نَفْسِه، ويُظهِرُ ما يَحويه قَلبه وعَقلُه ونَفسه من الخَير أو الشَّرّ، ومِن الإيمان والكُفرِ، وغَيرِ ذلك من دواخل الإنسانِ، وقد أُمِرنا بإمساكِ اللِّسانِ عنِ السُّوء والشَّرّ” .
وأضاف ” وكَفَّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، ومن ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه، وما لم يستخدم العاقل لسانه فيما يرضاه الله تعالى من الكلام كان وبالًا وحسرة على صاحبه يوم القيامة.
وأكد الشيخ عبد الله الجهني أن من أبلغ الوصايا وأقيمها وأجلها وأنفعها ، حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذا أصبح ابن آدم ، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، تقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا.
وبين أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا الكلام الذي تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه قال صلى عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت.
وشدد فضيلته على أن من أعظم آفات اللسان العظيمة القول على الله بغير علم والكذب والغيبة والنميمة والبهتان وقذف المحصنات الغافلات ، فزلة من زلات هذا العضو الصغير قد تؤدي بالإنسان إلى الهلاك والعطب ، فليحذر العاقل مما يجري به لسانه ، من انتهاك حرمات المسلمين ، وإساءة الظن، والطعن بالنيات ، والخوض بالباطل فيهم ، وعليه التعود على حفظ لسانه من الوقوع في القيل والقال ، حينئذ سيعتاد عليه ويستقيم أمره، ويسهل عليه التحكم في لسانه وينجو من شرّه ولو أن عبدًا اختار لنفسه ما اختار شيئًا أفضل من الصمت ورحم الله امرأ حفظ عن اللغو لسانه ، وعن النظر المحرم أجفانه ، وعن سماع الملاهي آذانه، وعمر أوقاته بالطاعات وساعاته بكتب الحسنات وتدارك بالتوبة النصوح ما فات، قبل أن يصبح وجوده عدمًا، وصحته سقمًا، وعظامه رفاتًا وحياته مماتًا في برزخ لا يبرح من نزله حتى يلحق آخر الخلق أوله ، فحينئذ زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها، وجوزيت الخلائق بأعمالها ، ووفيت جزاء كسبها وأفعالها ، فطوبى لعبد قال خيرًا فغنم ، أو سكت عن الشر فسلم.
ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن من محاسن إسلام المسلم وتمام إيمانه ابتعاده عما لا يخصه ولا يهمه ولا يفيده وما لا يفيده من الأقوال والأفعال، وعدم تدخله في شؤون غيره ، وعليه الحذر من المعاصي والفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالعباد مجزيون بأعمالهم، ومحاسبون على أقوالهم وأفعالهم وكفى بالله محصيًا أعمال عباده ومجازيًا لهم عليها .