لجريدة عمان:
2024-12-17@07:00:17 GMT

المواطنة بين أنانية الحمداني وغيريّة المعرّي

تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT

يقينا نختلف في تلقينا معطيات الواقع اليومي حياتيا ووظيفيا، فمنّا من شغلته مشقة العيش وتحديات الواقع اليومي عن التنظير والتحليل والمقارنة، ومنّا من سخّر كل تفكيره لأهداف ذاتية وضعها نصب عينيه وسعى لها غافلا أو متغافلا أي عموميات لا تشير مباشرة إلى مسار أهدافه الموضوعة، وإن التفت لأي من المسائل العامة فتلك المرتبطة ارتباطا وثيقا بمصلحته وأهدافه، ومنا أولئك القلة الذين يشغلهم الوضع العام تماما كما ينشغلون بيومياتهم ولا يملكون فصل هذا عن ذاك لاعتقادهم الجازم بارتباط الأمرين وتكامل المسارين، كما أنهم مؤمنون بدورهم ومسؤوليتهم في المشاركة برسم كل مسارات الغد، وتذليل صعوباته وتجسير ضفافه.

هكذا يتأرجح الناس في تمثلهم مفهوم المواطنة بين شكلين من أشكال التفكير فرديا على نهج أبي فراس الحمداني، أو مجتمعيا مع أبي العلاء المعري؛ بين أنانية الحمداني وغيرية أبو العلاء المعري، وإذا ما تساءلنا عن تخصيص كل من المعري والحمداني فالبدء بتلخيص المقارنة أمر لا بد منه لمن لم يسبق أن تعرف عليها، أما الأول فبيت شعر للحمداني الذي استغرقه الشعور بالاستحقاق العالي الذي هو أهل له مقابل تهميش وإقصاء ابن عمه المتنفذ سيف الدولة الحمداني، معاناته في سعيه لبلوغ مكانته رغم وقوعه في أسر الروم، ثم كل قصائده استعطافا وأملا في بلوغ طموحه دون جدوى، البيت -أو حتى شطر البيت إن أردنا التحديد- من قصيدته الشهيرة «أراك عصي الدمع»:

مُعللتي بالوصلِ والموت دونه

«إذا مِتُّ ظمآنا فلا نزل القطرُ»

حفظتُ وضيّعتِ المودةَ بيننا

وأحسن من بعض الوفاءِ لك العذر

رغم أن السياق هنا سياق عاطفي، فإنه يعبر بوضوح عن أن صاحبه سئم التعلل بالمُنى وانتظار الخير المرجى في غد، مما دفعه لهذه الصرخة التي يعلن فيها صراحة أنه إن لم يأت القطر (المطر) لأرتويَ أنا المُستحِق ويذهب ظمأي فلا نزل المطر ولا سقى مخلوقا غيري، ولا يخفى ما في ذلك مما صار مثالا جليا على الأنانية وحب الذات منقطعا عن أي خير للآخرين ممن لا يقعون ضمن دائرة قلق أو حتى اهتمام الطموح الأناني، وما الخير الذاهب لغيره حينها سوى محض استفزاز لصبره وترقبه على مضض.

ثم يأتي أبو العلاء المعري بإنسانيته العالية وغيريته التي احتفى بها الاجتماعيون والتواصليون مثالا على المشاركة وحب الخير للغير في قوله:

ولو أنّي حُبِيتُ الخُلْدَ فَـرْداً لمَا أحبَبْتُ بالخُلْدِ انفِرادا

(فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا)

المعري الذي لا يريد أن تكون الجنة له وحده، بل مع الآخرين، ولا يقبل بمطر يصيب أرضه وحدها دون أن يعم غيثه على البلاد جميعها، يرفض الخير الخاص بالنخبة ويريده عاما شاملا.

أتذكر المقابلة بين الفريقين من أتباع الشاعرين عبر القرون بعد كل إعلان لمراسيم أو توجيهات يراد بها خير هذه الأرض الطيبة التي نحبها وتحبنا، فإن أعلنت سعادتي حينها ظن من حولي أنني مشمولة مباشرة بعائد المعلن، رغم أن الحقيقة أنها إن شملت بعضنا شملتنا جميعا، فإن لم يكن تكاملا فتتابعا تفاؤليا يقضي بأن أول الغيث قطرة، تذكرتها في الأيام الماضية مع التداول الرقمي لموافقة مجلس الوزراء على مواءمة رواتب شاغلي وظيفة مديري العموم ومن في حكمهم بالقيمة السوقية المستهدفة لتلك الوظائف بصرف بدل تكميلي ابتداء من يناير الماضي؛ ما أثير بعدها من نقاشات وما صدر عنها من ردود فعل على شكل تغريدات رقمية وردود تفاعلية وحتى نقاشات واقعية بين محتفين بها خطوة رائعة للنهوض بمقتضيات هذه المرحلة من التمكين إنعاشا للواقع الاجتماعي المحلي معتبرين ذلك منجزا في قائمة أطول لما تحقق وما سيتحقق بإذن الله من قرارات وإجراءات ساعية لتعزيز بيئة العمل، وتحفيز الإنتاجية من لدن قيادة حكيمة تؤمن بالإنسان محورا رئيسا لكل خططها ورؤاها ومنجزاتها، وبين آخرين انتظروا (ربما) منجزات أُخَر تخصهم هم، بصبرهم وأحلامهم المعلقة بتحسن الأوضاع محتفظين بصمت المترقب آملين خيرا قريبا ووعدا ناجزا عميما، ثم «الحمدانيون» الذين لم يستطيعوا إخفاء صرخة «إذا مِتُّ ظمآنا فلا نزل القطرُ» فانبروا في ميادين الواقع الافتراضي الرقمي أو في واقعهم الحقيقي بين مقللين من استحقاق زملائهم، أو غاضبين من عدم الالتفات للأقل دخلا، أو للباحثين عن عمل أولا، منتقدين كل ما يصدر عن أي قرار أو توجيه إن لم يصبهم وابل مباشر منه.

وعلى أن لدينا ما نشكوه مما قد يعطل الوعي بأهمية المنجز والاحتفاء به إلا أن الجميل أن نتلبس جميعا رداء أبي العلاء المعري في شعوره التكاملي الإنساني، وهذا لا ينسحب على متلقي الخبر وحسب، بل نرجو أن ينسحب كذلك على مديري العموم ومديري الدوائر ورؤساء الأقسام أنفسهم في استشعارهم جميعا هذه المسؤولية التكاملية المُمَكِّنة للجميع، المُهيئة لأسباب العمل المخلص، والجهد الابتكاري الساعي لاستثمار الموارد المتاحة تفعيلا ذكيا للوقت والجهد معا دون ترفع طبقي على مرؤوسيهم، أو استغلال غير عادل لمهاراتهم وإنتاجيتهم، أو تقييم غير واقعي لجهودهم وخبراتهم، وأن لا يؤخذوا بالمنصب والتمييز وفارق الراتب للوقوع في شَرَك «أنانية» أبي فراس معتقدين تفوقهم، مقررين سقفا أعلى لأدائهم ومهاراتهم وخبراتهم متناسين موظفيهم في انشغالهم بذواتهم العالية، ثم العجب بعدها من انخفاض الإنتاجية وخفوت الهمة وزوال محفزات الإنتاج والطاقة، وهم المتمنون زوال الخير عن الجميع إن لم يصبهم كله أو جله، فما عليهم لو أنهم تجاوزوا النظرة المادية الضيقة لرحابة ما روي عن حاتم الطائي في قوله:

إذا كنت ربا للقلوص فلا تدع

رفيقك يمشي خلفها غير راكب

أنخها فأردفـه فإن حملتكما

فذاك وإن كان العقاب فعاقبِ

سخاء وذكاء اجتماعي وإن كان هذا سياق آداب السير وركوب الناقة غير أنه صالح للقيادة وذكاء التواصل، فإن كنت راكبا ورفيقك لا ركوب له فشاركه ناقلتك، فإن لم تستطع فتعاقبا على الركوب لتظفرا معا برحلة طيبة ورفقة آمنة.

بهذا وحده تنهض بلاد كاملة؛ بوعي أبنائها وتكامل مرئياتهم وذلك العطاء المتبادل بين قيادةٍ مُؤمنة بإنسانها معززةٍ طاقاته وقدراته، وإنسانٍ واثقٍ بقيادته مُدركٍ لمسؤوليته بناءً وتنمية.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

طرق فعل الخير في الإسلام.. تعرف عليها كما أوصى النبي

أرشدنا النبي الكريم إلى كيفية فعل الخير، كما ورد في الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله : «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسرٍ يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وما جلس قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه».

طرق فعل الخير

وقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن رسول الله قد صدق في تلك الوصايا الجامعة وهي سبعة «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا» مريض وقفت معه مديون سددت دينه، فقير أنهيت عوزه «من نفّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا» غارم مسجون أخرجته من سجنه، فعلت خيرًا نفّست فيه كربة فإن الله لا يُضيّعها عليك، ويوم القيامة يوم الكربات يحتاج كل واحدٍ منا إلى هذا التنفيس، ويريد أن يُنَفّسَ عليه يومئذٍ بين يدي المالك سبحانه وتعالى، افعل لآخرتك في دنياك، عمّر هذه الحياة الدنيا التي هي موطن امتحان وابتلاء لآخرتك، نفّس الكُرب عن الناس، أصلح بين الناس ففي ذلك تنفيسٌ للكربات.

وورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن سيدنا أنه قال: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» يعني إذا قمت بحاجة أخيك كنت مستجاب الدعاء، كنت محل نظر الله سبحانه وتعالى، رأيت الله وقد وقف معك، وهل بعد هذه المعية من خيرٍ ومن فضل؟ أبدًا والله فإن رب العالمين الذي معه كن فيكون، القادر على كل شيء يقف معك.

«ومن يسّر على معسر» والتيسير على المعسر إما بإنذاره وهو فرضٌ عليك، وإما بإسقاط دينه، ويجوز أن يكون ذلك من الزكاة فإذا أسقطت دينه أو أنذرته، وإسقاط الدين هنا ليس فرضًا عليك، ولكن هذا من القليل الذي يفوق فيه النفل الفرض، الفرض خيرٌ من النفل دائمًا، صلاة الظهر خيرٌ من السنة بعدها، صوم رمضان خيرٌ من صوم الاثنين والخميس مثلًا بعدها، ولكن إلا في هذه الحالة، وفي قليلٍ من أبواب الفقه نراها تتكرر كرد السلام فإن إلقاء السلام نافلة، ورد السلام واجب، وإلقاء السلام خيرٌ من رد السلام.

الستر على المعصية

وتابع: إذن فالفرض أفضل من النفل إلا في أمورٍ قليلة منها إسقاط الدين عن المعسر، وإن كان نفلًا فهو أفضل من الفرض، وسيدنا النبي ﷺ أمرنا بالإخوة، وأمرنا بستر عيوب الناس، وأمرنا ألا نفضح المسلمين، وألا نتكلم في أعراضهم رجالًا ونساء، وقال: «إذا رأيت أخاك على ذنب فاستره ولو بهدبة ثوبك» ما هذا الجمال والرقي عامله كابنك ؛ فلو فعل ابنك المعصية سترته ونصحته، وكان قلبك يتقطع عليه، افعل هكذا مع كل الناس فإن الله سبحانه وتعالى يسترك في الدنيا وفي الآخرة كما قال ووعدنا سيدنا.

أما العلم فما بالكم بالعلم ﴿اقْرَأْ﴾ ، أول ما نزل ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ ، ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ، أمرنا بالعلم دائما، وهذه أمة علم ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ ، ولم يقل أحد الأدباء على مر التاريخ، ولم يرد في حكمة الحكماء، ولا في كلام الأنبياء لم يرد أبلغ من هذا «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» يعني وأنت تذهب تشتري كتاب، أو تحضر درس علم، أو تذهب إلى جامعتك تُلقي الدرس، أو تستمع إلى الدرس فأنت في طريق الجنة، هذا تصويرٌ لم يتم إلا على لسان سيد الخلق وأفصح البشر ، وكتاب الله هو محور حضارة المسلمين، «ما جلس قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم وأحاطت بهم الملائكة» والخير كل الخير «وذكرهم الله فيمن عنده».

مقالات مشابهة

  • نكت صباح الخير
  • 19.1 مليون درهم مساعدات «بيت الخير» لدعم الإسكان
  • الصايغ: قوة حزب الله تحولت ضعفاً مدمراً وتبديد الهواجس بالعودة إلى دولة المواطنة
  • العتيبي: أمطار الخير متوقعة في العشر الأواخر من شهر ديسمبر
  • بوليتيكو: هل ينجح ترامب في إلغاء حق المواطنة بالولادة؟
  • الراعي: نؤكد أهميّة بناء سوريا على أساس المواطنة والمساواة
  • جورج وسوف يعلق على سقوط الأسد: أتمنى الخير لسوريا
  • خبير علاقات دولية: دولة المواطنة هي السبيل للقضاء على الطائفية في سوريا
  • خبير: دولة المواطنة السبيل للقضاء على الطائفية في سوريا
  • طرق فعل الخير في الإسلام.. تعرف عليها كما أوصى النبي