غزة .. تموضعات الحرب والسياسة
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
بعد أكثر من (170) يوما من الحرب المدمرة على الشعب الفلسطيني الأعزل، والإبادة الجماعية المستمرة، لا تزال الحرب مشتعلة في قطاع عزة على وجه الخصوص دون أدنى بارقة أمل لوقفها، أو التخفيف من وطأتها القاسية على السكان الذي يتكبدون مآسيها بصورة مباشرة كل دقيقة تمر من عمر اليوم الواحد وقد قضت على الأخضر واليابس في هذا القطاع، وفي مقدمتها هذه الأرواح التي تُهدر دماؤها على الأرصفة بلا ثمن، وكأنْ لا قيمة لها عند هذا العدو الحاقد المستميت بساديته الصهيونية المقيتة.
يحدث هذا الحقد الإنساني البغيض وسط سمع العالم وبصره، وفي عالم عُدَّ (عربيا وإسلاميا) وفي اختلاط الصورة، وتقاطعاتها المختلفة يمكن القول، وعن قناعة لا هو عربي منتصر لعروبته، ولا هو إسلامي منتصر لإسلامه، إنما هو حالة منسوخة لما يشار إليه، حيث تبلدت المشاعر، وماتت الأنفس والضمائر، وتقزمت النخوة، وتوارت الفزعة، وتجمدت العروق في شرايينها، وبقيت الصورة حية في مجتمعات أخرى لا تربطها بالفلسطينيين سوى ذلك الشعور الإنساني النبيل، وأن هؤلاء الذين تبيدهم آلة الحرب الصهيوأمريكية، إنهم أناس لهم حق الحياة، كما للحيوانات حق الحياة، ولا تزال الحرب مستعرة بين كر من قبل المقاومة الباسلة المجيدة، وفر من هذا الجيش الصهيوأمريكي السادي المتوحش، والمعوض بجبنه وخذلانه بالقصف الجوي الذي لا يفرّق بين طفل وامرأة، ورجل مسن وشاب يافع. وعلى مدى هذه المدة الزمنية الثقيلة بكل المعايير، والمؤلمة بكل المقاييس، والمعلنة قسوتها بكل صور الدمار والهلاك والغطرسة الصهيوأمريكية المعهودة والملموسة، والتشوهات الخُلُقِيِّةِ الفاضحة بكل وضوح لدعاة السلام، وحقوق الإنسان، والهيئات ومنظمات الأمم المتحدة الماكرة التي ترفع هذه الشعارات، بينما الحقيقة واحدة لا تتغير، وأن الأمر بيد أمريكا، حيث تكيفها كيفما تشاء، تلعب من خلالها على جميع الأدوار القذرة، فهي من يقرر، وهي من ينفذ. ثلاثة نصوص تدعو إلى وقف الحرب حتى اليوم وقفت ضدها هذه الحكومة المتصهينة، وباستثناء نص واحد طرحته بصورة ماكرة ومبهمة في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، والذي عارضته روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) كانت تسعى من خلالها إلى إعطاء الضوء الأخضر بصورة أكثر شرعنة؛ للاستمرار في الإبادة الجماعية التي تمارسها الصهيوأمريكية على هذا الشعب الأعزل، باستخدام كل وسائل القتل والدمار، وفي مقدمتها استخدام سلاح الغذاء، والتي لا تزال الصهيوأمريكية تمعن فيه بأشكال مختلفة، وبمراوغاتها الماكرة المتعددة وبالطريقة التي تريدها وتهواها لحصد مزيد من الأرواح من الأطفال والنساء والعجزة، والشباب، يحدث كل ذلك، وكل شعوب العالم مجرد أقزام تحت أرجلها وأيديها المعفنة بالدماء الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. فأي مجتمع إنساني هذا الذي ننتمي إليه؟ وأي أنظمة سياسية خرقى هذه التي تدير هذا العالم الذي يوصف بالحياة؟ وأي هيئات أممية إقليمية ودولية منافقة هذه المسلِّمة أمرها كاملا لهذا المارد الشيطاني البغيض؟
فعلى من يتحدث عن الضمير الإنساني، وعن الأخلاق وعن العدالة بعد اليوم في مستويات الأنظمة السياسية كلها، عليهم أن يلجموا أفواههم بالتراب، فليست هناك عدالة، ولا ضمير، ولا أخلاق يمكن أن تُرى، أو تُلمس على مستوى الأنظمة السياسية المنافقة على مستوى العالم، إلا الاستثناءات البسيطة، والتي ليس لها دور محوري، ولا قرار سياسي يمكن أن ينجز شيئا من إعادة الحقوق، وشيئا من تأصيل العدالة، وشيئا من إحياء الأخلاق المتوارية خلف الستائر الداكنة، فعن أي مجتمع إنساني يتحدثون؟
صحيح أن الشعوب وهي المغلوب على أمرها دائما، هي التي لا تزال تصارع، وبقوة القناعات والهمم التي تملكها، وهي المالكة لقرارها الخاص لا أكثر وإن اجتمعت عبر مشارق الأرض ومغاربها، والدليل أن كثيرا من شعوب العالم اليوم تملأ الساحات، وتصرخ بأعلى صوتها منددة بما يحدث في فلسطين، من بطش غير مسبوق من قبل العصابة الصهيوأمريكية التي تتحكم في فلسطين من زواياها الأربعة، بمساندة قوى الشر الأخرى من الدول الأوروبية وبعض الآسيوية، التي تدعمها، بالمال والسلاح والعتاد، وبالدعم السياسي غير المحدود عبر وكلائها المندسين بين أروقة منظمات الأمم المتحدة المنافقة، ومن صفاقة المواقف أنها تعلنها على مرأى ومسمع من أنظمة العالم السياسية، والتي هي الأخرى واقعة تحت مجموعة من الابتزازات نظرا لتشابك مصالحها مع مصالح قوى الشر، فلا هي متحررة سياسيا، ولا هي متحررة اقتصاديا، ولا هي متحررة أخلاقيا، ولا هي متحررة إنسانيا، حيث إنها آثمة في مواقف، ومأثومة في مواقف أخرى، حيث يعيش الجميع في تموضعات متشابكة، لا عبرة فيما بعد لما تعانيه الإنسانية في مختلف دول العالم من قهر وإذلال، وتنكيل ومحنة كبرى لا مثيل لها في هذا العصر حتى الآن.
لذلك ووفقا لهذا المنهج تسعى قوى الشر إلى تضليل شعوبها، وتضليل المجتمع الدولي، بأساليب تتخذها باستخدام أسلوب «العصا والجزرة» لتمرير سياستها الداعمة والمطلقة لعصابة الكيان الصهيوني الغاصب لحق الشعب الفلسطيني، الذي يعاني، ومنذ أكثر من سبعين عاما من الاحتلال، والقتل والتشريد، والملاحقة عن طريق الاغتيالات في مختلف دول العالم، كل ذلك لمحو أي أثر يشير إلى أن هنا فلسطين، دون أن يثير ذلك حفيظة الأنظمة السياسية على امتداد كل هذا العمر، نظرا للهيمنة التي تمارسها قوى الشر في العالم، وفي مقدمتها الصهيوأمريكية، والتي تعلنها دائما وعلى مسمع من الجميع: «من لم يكن معي فهو ضدي» فهل سيشهد العالم تحولا جذريا بعد أحداث السابع من أكتوبر المجيد؟ كما روِّج كثيرا: «أن بعد كورونا لن يكون الحال كما كان الأمر قبل كورونا»؟ ذلك ما تنتظره الشعوب على اختلافات مشاربها، وأجناسها، فعسى أن تحدث هناك حلحلة لهذا التشابك المقيت والقائم بين الصهيوأمريكي ومن على شاكلتها من قوى الشر في العالم كله.
ولا شك أن العتب كبير جدا على حاضنة العرب «جامعة الدول العربية» والتي أقل ما يقال عنها حسب المثل العماني: «تفق برزة» موات إلى حد ظلمة القبور، وهدوء كفيل بقتل النفوس، كما عودت شعوب أمتها دائما، حيث لم تشهد هذه المؤسسة حراكا عمليا، محوريا يعفيها من حجم التهمة الموجهة إليها من قبل الشعوب العربية الحرة، وخاصة في هذه الأزمة الإنسانية الخانقة للشعب الفلسطيني الأعزل، وهي القضية المحورية كما يفترض في أجندة هذه الجامعة، إن كانت لها أجندة أصلا تعمل عليها، ولكن: «على من تقرع مزاميرك يا داؤود» فالناس نيام، وكما صرخ بأعلى صوته الشاعر العراقي معروف الرصافي مستنفرا الهمم والحميات، والفزعات:
«يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا فالخير أن لا تفهموا»
والسؤال هنا ما هي الأهمية أو الدور الذي تقوم به هذه الجامعة الموصوفة بـ «العربية»؟ ما العائد المادي والمعنوي الذي يعود من تشغيل مئات الموظفين في هذه الجامعة، ما أهمية المستوى السياسي الذي يتبوأه أمينها العام، وما هو الدور الذي يقوم به؟ ما هي الملفات الساخنة التي تقوم بها لجانها الدائمة والفرعية؟ أم هي مجرد مبنى جدرانه أكثر حيوية من العاملين في أروقته؟ وإذا كانت لا تقوم بأي دور محوري في قضية كهذه «عربية بالمطلق» فما هو الدور الذي ستقوم به في قادم الأيام؟ والسؤال المهم أيضا: ما هي الضرورة من بقائها أصلا؟ لماذا لا تلغى، وتحول مساهمات أعضائها المادية لبرامج بلدانها التنموية؟ أليس ذلك أولى من وجودها؟
صحيح أن القضية الفلسطينية قضية معمرة بحكم التقادم الذي عاشته بين تموضعات الحرب والسياسة، وأطال في عمر بقائها عدم الاكتراث بما يحدث على امتداد أرضها كل هذه السنين، ولكن عندما تصل المسألة إلى هذا الحد من الحقد، والدمار والإبادة الجماعية الممنهجة والمستخدم فيها كل الأساليب القذرة والتنكيل حيث تسرح الآلة العسكرية الصهيوأمريكية جوا وبرا، وبلا حسيب ولا رقيب، فيصبح من باب الواجب الإنساني من قبل جميع الجالسين على مسرح المتابعة أن ترفع لهم كلمة لا، وتنفذ هذه الكلمة بكامل استحقاقاتها العسكرية.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قوى الشر لا تزال من قبل
إقرأ أيضاً:
سفير سلطنة عمان يناشد العالم وقف الحرب في غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال السفير عبد الله الرحبي، سفير سلطنة عمان بالقاهرة، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، إن سلطنة عمان تقدم تسهيلات للمستثمر في كافة المجالات، حيث تقدم تسهيلات في الحصول على الأراضي بأسعار رمزية لفترة زمنية معينة، بالإضافة إلى أن البنوك تعطي قروضًا ميسرة.
وأضاف "الرحبي"، خلال حواره مع الإعلامي فهمي بهجت، ببرنامج "المحاور"، المذاع على فضائية "الشمس"، أن سلطنة عمان دولة بكر وتمتلك العديد من الفرص الاستثمارية سواء في مجال السياحة أو التعدين أو مجال الأمن الغذائي.
وأشار إلى أن الحرب في غزة من الضروري أن تتوقف، مشددًا على ضرورة أن يقف العالم وقفة إنسانية لوقف هذه المجازة التي أصبحت مؤسفة، وناشد دول العالم التي تطالب بالإنسانية أن تعمل على وقف الحرب.