لجريدة عمان:
2025-04-28@15:22:35 GMT

غزة .. تموضعات الحرب والسياسة

تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT

بعد أكثر من (170) يوما من الحرب المدمرة على الشعب الفلسطيني الأعزل، والإبادة الجماعية المستمرة، لا تزال الحرب مشتعلة في قطاع عزة على وجه الخصوص دون أدنى بارقة أمل لوقفها، أو التخفيف من وطأتها القاسية على السكان الذي يتكبدون مآسيها بصورة مباشرة كل دقيقة تمر من عمر اليوم الواحد وقد قضت على الأخضر واليابس في هذا القطاع، وفي مقدمتها هذه الأرواح التي تُهدر دماؤها على الأرصفة بلا ثمن، وكأنْ لا قيمة لها عند هذا العدو الحاقد المستميت بساديته الصهيونية المقيتة.

يحدث هذا الحقد الإنساني البغيض وسط سمع العالم وبصره، وفي عالم عُدَّ (عربيا وإسلاميا) وفي اختلاط الصورة، وتقاطعاتها المختلفة يمكن القول، وعن قناعة لا هو عربي منتصر لعروبته، ولا هو إسلامي منتصر لإسلامه، إنما هو حالة منسوخة لما يشار إليه، حيث تبلدت المشاعر، وماتت الأنفس والضمائر، وتقزمت النخوة، وتوارت الفزعة، وتجمدت العروق في شرايينها، وبقيت الصورة حية في مجتمعات أخرى لا تربطها بالفلسطينيين سوى ذلك الشعور الإنساني النبيل، وأن هؤلاء الذين تبيدهم آلة الحرب الصهيوأمريكية، إنهم أناس لهم حق الحياة، كما للحيوانات حق الحياة، ولا تزال الحرب مستعرة بين كر من قبل المقاومة الباسلة المجيدة، وفر من هذا الجيش الصهيوأمريكي السادي المتوحش، والمعوض بجبنه وخذلانه بالقصف الجوي الذي لا يفرّق بين طفل وامرأة، ورجل مسن وشاب يافع. وعلى مدى هذه المدة الزمنية الثقيلة بكل المعايير، والمؤلمة بكل المقاييس، والمعلنة قسوتها بكل صور الدمار والهلاك والغطرسة الصهيوأمريكية المعهودة والملموسة، والتشوهات الخُلُقِيِّةِ الفاضحة بكل وضوح لدعاة السلام، وحقوق الإنسان، والهيئات ومنظمات الأمم المتحدة الماكرة التي ترفع هذه الشعارات، بينما الحقيقة واحدة لا تتغير، وأن الأمر بيد أمريكا، حيث تكيفها كيفما تشاء، تلعب من خلالها على جميع الأدوار القذرة، فهي من يقرر، وهي من ينفذ. ثلاثة نصوص تدعو إلى وقف الحرب حتى اليوم وقفت ضدها هذه الحكومة المتصهينة، وباستثناء نص واحد طرحته بصورة ماكرة ومبهمة في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، والذي عارضته روسيا والصين باستخدام حق النقض (الفيتو) كانت تسعى من خلالها إلى إعطاء الضوء الأخضر بصورة أكثر شرعنة؛ للاستمرار في الإبادة الجماعية التي تمارسها الصهيوأمريكية على هذا الشعب الأعزل، باستخدام كل وسائل القتل والدمار، وفي مقدمتها استخدام سلاح الغذاء، والتي لا تزال الصهيوأمريكية تمعن فيه بأشكال مختلفة، وبمراوغاتها الماكرة المتعددة وبالطريقة التي تريدها وتهواها لحصد مزيد من الأرواح من الأطفال والنساء والعجزة، والشباب، يحدث كل ذلك، وكل شعوب العالم مجرد أقزام تحت أرجلها وأيديها المعفنة بالدماء الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. فأي مجتمع إنساني هذا الذي ننتمي إليه؟ وأي أنظمة سياسية خرقى هذه التي تدير هذا العالم الذي يوصف بالحياة؟ وأي هيئات أممية إقليمية ودولية منافقة هذه المسلِّمة أمرها كاملا لهذا المارد الشيطاني البغيض؟

فعلى من يتحدث عن الضمير الإنساني، وعن الأخلاق وعن العدالة بعد اليوم في مستويات الأنظمة السياسية كلها، عليهم أن يلجموا أفواههم بالتراب، فليست هناك عدالة، ولا ضمير، ولا أخلاق يمكن أن تُرى، أو تُلمس على مستوى الأنظمة السياسية المنافقة على مستوى العالم، إلا الاستثناءات البسيطة، والتي ليس لها دور محوري، ولا قرار سياسي يمكن أن ينجز شيئا من إعادة الحقوق، وشيئا من تأصيل العدالة، وشيئا من إحياء الأخلاق المتوارية خلف الستائر الداكنة، فعن أي مجتمع إنساني يتحدثون؟

صحيح أن الشعوب وهي المغلوب على أمرها دائما، هي التي لا تزال تصارع، وبقوة القناعات والهمم التي تملكها، وهي المالكة لقرارها الخاص لا أكثر وإن اجتمعت عبر مشارق الأرض ومغاربها، والدليل أن كثيرا من شعوب العالم اليوم تملأ الساحات، وتصرخ بأعلى صوتها منددة بما يحدث في فلسطين، من بطش غير مسبوق من قبل العصابة الصهيوأمريكية التي تتحكم في فلسطين من زواياها الأربعة، بمساندة قوى الشر الأخرى من الدول الأوروبية وبعض الآسيوية، التي تدعمها، بالمال والسلاح والعتاد، وبالدعم السياسي غير المحدود عبر وكلائها المندسين بين أروقة منظمات الأمم المتحدة المنافقة، ومن صفاقة المواقف أنها تعلنها على مرأى ومسمع من أنظمة العالم السياسية، والتي هي الأخرى واقعة تحت مجموعة من الابتزازات نظرا لتشابك مصالحها مع مصالح قوى الشر، فلا هي متحررة سياسيا، ولا هي متحررة اقتصاديا، ولا هي متحررة أخلاقيا، ولا هي متحررة إنسانيا، حيث إنها آثمة في مواقف، ومأثومة في مواقف أخرى، حيث يعيش الجميع في تموضعات متشابكة، لا عبرة فيما بعد لما تعانيه الإنسانية في مختلف دول العالم من قهر وإذلال، وتنكيل ومحنة كبرى لا مثيل لها في هذا العصر حتى الآن.

لذلك ووفقا لهذا المنهج تسعى قوى الشر إلى تضليل شعوبها، وتضليل المجتمع الدولي، بأساليب تتخذها باستخدام أسلوب «العصا والجزرة» لتمرير سياستها الداعمة والمطلقة لعصابة الكيان الصهيوني الغاصب لحق الشعب الفلسطيني، الذي يعاني، ومنذ أكثر من سبعين عاما من الاحتلال، والقتل والتشريد، والملاحقة عن طريق الاغتيالات في مختلف دول العالم، كل ذلك لمحو أي أثر يشير إلى أن هنا فلسطين، دون أن يثير ذلك حفيظة الأنظمة السياسية على امتداد كل هذا العمر، نظرا للهيمنة التي تمارسها قوى الشر في العالم، وفي مقدمتها الصهيوأمريكية، والتي تعلنها دائما وعلى مسمع من الجميع: «من لم يكن معي فهو ضدي» فهل سيشهد العالم تحولا جذريا بعد أحداث السابع من أكتوبر المجيد؟ كما روِّج كثيرا: «أن بعد كورونا لن يكون الحال كما كان الأمر قبل كورونا»؟ ذلك ما تنتظره الشعوب على اختلافات مشاربها، وأجناسها، فعسى أن تحدث هناك حلحلة لهذا التشابك المقيت والقائم بين الصهيوأمريكي ومن على شاكلتها من قوى الشر في العالم كله.

ولا شك أن العتب كبير جدا على حاضنة العرب «جامعة الدول العربية» والتي أقل ما يقال عنها حسب المثل العماني: «تفق برزة» موات إلى حد ظلمة القبور، وهدوء كفيل بقتل النفوس، كما عودت شعوب أمتها دائما، حيث لم تشهد هذه المؤسسة حراكا عمليا، محوريا يعفيها من حجم التهمة الموجهة إليها من قبل الشعوب العربية الحرة، وخاصة في هذه الأزمة الإنسانية الخانقة للشعب الفلسطيني الأعزل، وهي القضية المحورية كما يفترض في أجندة هذه الجامعة، إن كانت لها أجندة أصلا تعمل عليها، ولكن: «على من تقرع مزاميرك يا داؤود» فالناس نيام، وكما صرخ بأعلى صوته الشاعر العراقي معروف الرصافي مستنفرا الهمم والحميات، والفزعات:

«يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم

ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم

وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا

ودعوا التفهم جانبا فالخير أن لا تفهموا»

والسؤال هنا ما هي الأهمية أو الدور الذي تقوم به هذه الجامعة الموصوفة بـ «العربية»؟ ما العائد المادي والمعنوي الذي يعود من تشغيل مئات الموظفين في هذه الجامعة، ما أهمية المستوى السياسي الذي يتبوأه أمينها العام، وما هو الدور الذي يقوم به؟ ما هي الملفات الساخنة التي تقوم بها لجانها الدائمة والفرعية؟ أم هي مجرد مبنى جدرانه أكثر حيوية من العاملين في أروقته؟ وإذا كانت لا تقوم بأي دور محوري في قضية كهذه «عربية بالمطلق» فما هو الدور الذي ستقوم به في قادم الأيام؟ والسؤال المهم أيضا: ما هي الضرورة من بقائها أصلا؟ لماذا لا تلغى، وتحول مساهمات أعضائها المادية لبرامج بلدانها التنموية؟ أليس ذلك أولى من وجودها؟

صحيح أن القضية الفلسطينية قضية معمرة بحكم التقادم الذي عاشته بين تموضعات الحرب والسياسة، وأطال في عمر بقائها عدم الاكتراث بما يحدث على امتداد أرضها كل هذه السنين، ولكن عندما تصل المسألة إلى هذا الحد من الحقد، والدمار والإبادة الجماعية الممنهجة والمستخدم فيها كل الأساليب القذرة والتنكيل حيث تسرح الآلة العسكرية الصهيوأمريكية جوا وبرا، وبلا حسيب ولا رقيب، فيصبح من باب الواجب الإنساني من قبل جميع الجالسين على مسرح المتابعة أن ترفع لهم كلمة لا، وتنفذ هذه الكلمة بكامل استحقاقاتها العسكرية.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قوى الشر لا تزال من قبل

إقرأ أيضاً:

العالم يدخل مرحلة تسلح غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة

سجل الإنفاق العسكري العالمي في عام 2024 قفزة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، مرتفعا إلى 2.7 تريليون دولار، وسط تصاعد الحروب والنزاعات، وفق تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) نُشر اليوم الاثنين.

وشهد الإنفاق العسكري العالمي ارتفاعا ملحوظا، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط، حيث زاد بنسبة 9.4% مقارنة بعام 2023، مسجلا العام العاشر على التوالي من النمو.

واعتبر الباحث في برنامج "الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة" شياو ليانغ أن هذه الزيادة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة وتعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية، في حين أشار التقرير إلى أن أكثر من 100 دولة رفعت ميزانياتها الدفاعية العام الماضي.

تأثير عميق

وحذر الباحث ليانغ من أن الإنفاق العسكري المتصاعد سيترك أثرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا عميقا، موضحا أن دولا أوروبية خفضت بنودا أخرى مثل المساعدات الدولية لتمويل ميزانيات الجيوش، أو لجأت لزيادة الضرائب والاستدانة.

وسجلت أوروبا، بما فيها روسيا، أكبر زيادة إقليمية بارتفاع قدره 17% إلى 693 مليار دولار، في حين خصصت موسكو 149 مليار دولار لجيشها بزيادة سنوية بلغت 38%.

أما أوكرانيا، فرفعت إنفاقها العسكري بنسبة 2.9% ليصل إلى 64.7 مليار دولار، رغم أنه يمثل 43% فقط من الإنفاق الروسي، لكنها سجلت أعلى عبء عسكري عالميا بتخصيص 34% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع.

نشر منظومة صواريخ باتريوت في بولندا (غيتي) ألمانيا تعيد التسلح

وأشار التقرير إلى أن إنفاق ألمانيا العسكري قفز بنسبة 28% إلى 88.5 مليار دولار عام 2024، لتصبح للمرة الأولى منذ توحيدها أكبر مساهم دفاعي في أوروبا الوسطى والغربية.

إعلان

كما رفعت الولايات المتحدة إنفاقها بنسبة 5.7% ليبلغ 997 مليار دولار، مما يمثل 37% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي و66% من إنفاق دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وأشار التقرير إلى أن 18 من أصل 32 دولة في الحلف بلغت هدف تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، وهو رقم غير مسبوق منذ تأسيس الناتو، وسط توقعات بزيادة كبرى في مشاريع صناعة الأسلحة خلال السنوات المقبلة. كما شهد الشرق الأوسط الاتجاه نفسه.

وسجل الإنفاق العسكري الإسرائيلي عام 2024 قفزة بنسبة 65% ليصل إلى 46.5 مليار دولار، في أكبر زيادة منذ حرب 1967، بحسب معهد سيبري.

في المقابل، تراجع إنفاق إيران العسكري بنسبة 10% ليصل إلى 7.9 مليارات دولار تحت ضغط العقوبات.

وحلت الصين ثانية بعد الولايات المتحدة بزيادة 7% في إنفاقها لتصل إلى 314 مليار دولار، مستحوذة على نصف الإنفاق العسكري في آسيا وأوقيانوسيا مع تركيز على تحديث قواتها وتوسيع قدراتها السيبرانية والنووية.

مقالات مشابهة

  • قطر: استخدام الغذاء والدواء سلاح في الحرب على غزة عار على العالم
  • صور أطفال فيتنام غيّرت العالم فلماذا لا يهتز لصور أطفال غزة؟
  • العالم يدخل مرحلة تسلح غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة
  • السودان يشهد أكبر «أزمة نزوح» في العالم
  • تراكم أخطاء إتفاقيات السلام … وثمارها المرة الحرب الحالية .. 2023 – 2025م .. وفي الحروب التي ستأتي !
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • ترامب ظاهرة الرئيس الصفيق الذي كشف وجه أمريكا القبيح !
  • موقع الحرب الأمريكي: ما هي الدفاعات الجوية التي يمتلكها الحوثيون في اليمن فعليًا؟ (ترجمة خاصة)
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع