هل يمكن إلغاء حركة حماس وإبعادها من أيّ تسوية قادمة، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة؟ التوجه الإسرائيلي والأمريكي وبعض الدول العربية ينحو إلى هذا الاتجاه، مع كثرة الحديث عن مستقبل غزة بعد الحرب مباشرة، حيث انتشر في وسائل الإعلام خاصةً الغربية مصطلح «اليوم الأول بعد الحرب». لا يمكن إلغاء حماس وتجاهلها؛ لأنها مكوِّن أساسيّ من مكوّنات الشعب الفلسطيني، وكم كان معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية مُحقًا عندما قال في حواره مع شبكة «سي إن إن»: «إنّ حركة حماس يجب أن تكون جزءًا من أيِّ حلّ للقضية الفلسطينية، وأنه من الخطأ استبعادها»؛ وما قاله معاليه هو الذي يجب أن يكون موقف الدول العربية كلها، بما في ذلك موقف السلطة الفلسطينية.
لا غرابة أن يكون الموقف الأمريكي متسقًا مع الموقف الإسرائيلي بإبعاد الحركة من النظام السياسي القادم بعد «اليوم الأول من الحرب»، فماثيو ميلر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أعلن في تصريحات جديدة يوم الثلاثاء 26 من مارس 2024، بأنّ «حركة حماس ليس لها مكان في النظام السياسي المستقبلي في فلسطين»، ووصفها بأنها «منظمة وحشية ارتكبت هجمات إرهابية قبل وقت طويل من 7 أكتوبر، ثم نفّذت بالطبع الهجمات الشنيعة في 7 أكتوبر، لذلك ليس لديهم الحق في المشاركة السياسية». وفي اليوم نفسه ومن واشنطن صرح يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي «أنه يجب إيجاد بديل محلي ليحكم غزة بعد هزيمة حماس»، ما يعني أنّ الكيان الإسرائيلي يريد أن يفرض من يحكم غزة.
إذا كان الموقف الأمريكي معروفًا والذي عبّر عنه ماثيو ميلر، وما عبّر عنه أيضًا وزير الدفاع الإسرائيلي، إلا أنه من عجائب الأمور أن نقرأ تصريحات من مسؤولين عرب تصف حماس بأنها إرهابية، والأعجب أن تخرج تصريحات كهذه من بعض القيادات الفلسطينية، تتمتع بعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مثل تصريحات أحمد مجدلاني، وزير الشؤون الاجتماعية في السلطة الفلسطينية، لقناة «الحدث» السعودية قبل فترة، التي قال فيها: «حماس منظمة إرهابية بشكلها الحالي وبرنامجها الحالي وخطابها السياسي الحالي»، وأشار إلى أنها قد تكون جزءًا من الحل في حال تخلت عن المقاومة المسلحة.
أشعلت هذه التصريحات -حينها- موجة غضب عارمة في مواقع التواصل الاجتماعي فور صدورها، وقد سبقت التراشق الأخير بين فتح وحماس، لكنها لم تكن الأولى؛ ففي تصريحات سابقة نقلت مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن مجدلاني، قوله: «إنّ السلطة الفلسطينية مستعدة لاستعادة السيطرة الكاملة على قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، كما أنها مستعدة لإجراء أول انتخابات وطنية لها منذ عام 2006 كجزء من اتفاق سلام طويل الأمد أوسع نطاقًا»، ما يعني أنّ الكيان الصهيوني يشن الحرب ضد غزة لصالح السلطة، وهذا ما يمكن أن أفهمه أنا (بفهمي البسيط)، بعيدًا عن أيّ تنظير لكلامه، فهو القائل أيضًا: «إنّ السلطة الفلسطينية يمكن أن تبدأ حكم غزة بمجرد انتهاء الصراع الحالي، ويمكن أن تجري انتخابات بعد «فترة انتقالية» من عام إلى عامين».
وأمام وصف الحركة بأنها إرهابية ما كان من حماس إلا أن تصف هذه التصريحات بأنّها «غير وطنية، وتمثل خروجًا عن الإجماع الوطني، وهي صك مجاني لخدمة الاحتلال وأجندته الهادفة لضرب الوحدة الوطنية وصمود الشعب الفلسطيني؛ الذي يواجه حرب الإبادة والتنكيل في غزة والضفة». ونحن إزاء هذا التراشق نتساءل هل تمثّل تلك التصريحات الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لإطلاق تصريحات كهذه، وغزةُ تواجه حرب إبادة؟ ثم السؤال الأهم، لماذا الآن؟ والواضحُ أنّ هذه التصريحات هي نسخة طبق الأصل لتوجهات نتنياهو وبن غفير وغيرهما، فلا فرق بتاتًا.
من يقرأ التعليقات على تصريحات مجدلاني في مواقع التواصل والمواقع الإخبارية، لا يخرج إلا بانطباع واحد هو أنّ هناك أزمة شرعية الآن، وأنّ الجيل الفلسطيني الجديد يبحث عمن يمثله، وأنّ شيطنة حماس لا تنطلي عليهم.
إنّ ما يجري في غزة، وما تتعرض له حركة حماس من حرب شرسة من القريب قبل البعيد، جعلت الكاتب والباحث محمود عبد الهادي يبكي دما، في مقال كتبه تحت عنوان «لك الله يا حماس» في موقع «الجزيرة - نت» إذ يقول متحسرًا: «لك الله يا حماس؛ فقد انقطعت بك السبل، وتكالبت عليك الضباع من كلّ حدب وصوب، وقد وضع المتخاذلون أيديهم في أفواههم، لا يجرؤون أن يمدّوها إليك، ولا أن يقفوا إلى صفك، بل لا يجرؤون على التفوّه باسمك إلا مقرونًا بالإرهاب والتطرف والظلامية واللاشرعية والخروج على الإجماع العربي والتوجه الدولي. كيف لا وأنتِ مدرجةٌ في شريعتهم وقوانينهم على قوائم الإرهاب، ولطالما التف واحتال وتآمر قاتلوك للقضاء عليك والتخلّص منك». وتساءل: «أليسوا قومك؟ بلى، أليسوا بني جلدتك؟ بلى، أليسوا بني قبلتك؟ بلى، ولكنهم تفرقوا، واختلفوا، وتحالفوا مع شياطين الأرض حفاظًا على مقاعدهم وتيجانهم».
ستبقى حركة حماس مكونًا رئيسيًّا من مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي حركة تحرر وطني تقوم بواجباتها ومسؤولياتها الوطنية في مواجهة الاحتلال، وتتصدى لإرهابه وإجرامه وحربه العدوانية، وتمارس الحقّ المشروع في الدفاع عن النفس، رغم الخسائر في الأرواح، لكن لن يكون هناك أيُّ نصر دون تضحيات، وفي اعتقادي أنها برجالها، أشعلت شعلة الكفاح والنضال والمقاومة والحرية من جديد، وغيّرت الواقع بأن فتحت أبواب المستقبل بتعريتها مواقف بعض الدول العربية والمتخاذلين من الفلسطينيين والعرب، وكما قال صديقي علي بن مسعود المعشني في إحدى لقاءاته: «خذوا قاعدة.. من يخذل المقاومة اليوم سيخذل وطنه غدًا»، والله إنها لحكمة، فمن يقدمون أوراق اعتمادهم لقيادة المرحلة الفلسطينية المقبلة على حساب غزة وأهلها ولا أقول على حساب حماس، سيخذلون فلسطين كلها. ولولا المقاومة لنسي العالم اسم فلسطين، وهل يستوي الذين يقاومون والذين لا يقاومون؟! ولو فرضنا أنّ حركة حماس هُزمت، فهل يعني هذا نهاية المقاومة؟ لا. فالمقاومةُ الفلسطينية ستستمر، وهي ظاهرة تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وبناء دولته الوطنية.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة حرکة حماس
إقرأ أيضاً:
الشعبية «التيار الثوري»: قوى الثورة يجب ألا تسمح باستخدامها كـ«ديكور» لقسمة السلطة
الشعبية «التيار الثوري» قالت إن تحالف (صمود) بعد أزمة (تقدم) يحتاج إلى إنتاج خطاب سياسي جديد ومستقل ويعالج هياكله المؤقتة.
الخرطوم: التغيير
دعت الحركة الشعبية- التيار الثوري الديمقراطي بقيادة ياسر عرمان، إلى وحدة القوى المدنية ومقاومة الحلول القائمة على قسمة السلطة بين طرفي الحرب في السودان ورفضها، “حتى وإن تطلب ذلك مواصلة النضال بعد الحرب، ورفض الحل القائم على اقتسام السلطة والذي لا يؤدي إلى معالجة جذور الأزمة”.
وقالت في بيان اليوم الاثنين، إن التجارب تؤكد إن الحرب الحالية في الغالب الأعم سيكون الإتجاه لحلها على حساب التحول المدني الديمقراطي وبقسمة سلطة بين طرفي الحرب مع استخدام المدنيين كديكور و(تمومة جرتق) لقسمة السلطة والحلول على طريقة الوجبات السريعة.
وانعقد أمس الأحد، اجتماع المكتب القيادي القومي للحركة بحضور الرئيس، نائب الرئيس، والأمين العام، حيث تم مناقشة الوضع الإنساني والسياسى واعتقال رئيس الحركة في العاصمة الكينية نيروبي، وقضية استهداف القوى المدنية، ومراجعة التكاليف السابقة وقضايا بناء (صمود) والجبهة المدنية، والموقف من المائدة المستديرة، واعتمإد خطة الأمين العام.
المدخل الصحيح للعملية السياسيةوحسب البيان، أكد المكتب القيادي مجدداً أن المدخل الصحيح للعملية السياسية يبدأ بخارطة طريق كاملة وحزمة موحدة مدخلها معالجة القضايا الإنسانية كأولوية قصوى، ووقف الحرب وفتح المسارات الإنسانية وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين وحماية المدنيين وبآلية مراقبة وتحقق إقليمية ودولية.
وقال إن معالجة الأزمة الإنسانية ترمى لتهيئة المناخ للحل النهائي وتتيح للمدنيين العودة لقراهم ومدنهم وتوسع دائرة الفضاء المدني وتقلص دائرة الفضاء العسكري حتى تكون العملية السياسية ذات مصداقية وبعد شعبى ومشاركة جماهيرية وملزمة لطرفي الحرب.
وأشارت الحركة إلى تقرير الأمم المتحدة مؤخراً حول مراكز الاحتجاز غير القانوني بولاية الخرطوم وممارسة الانتهاكات الواسعة، ودعت إلى وضع هذه القضية في صلب أجندة القوى الديمقراطية ومراصد حقوق الإنسان لمنظمات المجتمع المدني وتسليط الضوء عليها إعلامياً والعمل على إطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين ووقف الانتهاكات.
واعتبرت الحركة أن حملات التضامن والإدانة والعمل لوقف جرائم الحرب ضد المدنيين في المدن التاريخية “الخرطوم، الفاشر، والأبيض وغيرها”، لا يرقى لمستوى الحدث، وأكدت الحاجة إلى أفعال تقابل وحشية هذه الجرائم وتسلط الضوء على ما يجري ضد المدنيين.
الكتلة المدنيةوقال بيان الحركة إن هذه هذه الحرب بلورت ثلاث كتل هي الكتلة المدنية “كتلة قوى الثورة والقوى الديمقراطية”، وتشكل الجبهة المعادية للحرب، وكتلة الجيش وحلفائه، وكتلة الدعم السريع وحلفائه.
وأكد أن الكتلة المدنية أكبر من كتلتي الحرب وتمثل مصالح جموع الشعب السوداني وحقه في السلام والحرية والعدالة. وأضاف: “هذه الكتلة هي كتلة المستقبل والثورة وتحتاج أن تبنى منبرها المستقل الموحد”. وشدد على ضرورة إستقلاليتها ووحدتها.
وشددت الحركة على أن تحالف (صمود) بعد الأزمة التي حدثت في (تقدم) يحتاج إلى إنتاج خطاب سياسي جديد ومستقل ويعالج هياكله المؤقتة إلى هياكل دائمة متراضى عليها وقادرة على إنجاز مهامه.
وقالت: “نحتاج أن ننجز ذلك في أقصر وقت وبآليات مناسبة، كما يتحتم علينا أن نمضي فى بناء الجبهة المدنية وإكمال ما تم من قبل وخصوصاً مع القوى التى شاركت بفاعلية في سبيل بناء الجبهة المدنية وعلى رأسها حركة وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور وحزب البعث الأصل وكل من يرغب في بناء الجبهة المدنية لقوى الثورة كحلف استراتيجي”.
وأضافت: “المائدة المستديرة يجب أن تكون بدايتها بناء كتلة قوى الثورة والجبهة المدنية والاتفاق على رؤية موحدة قبل المائدة المستديرة لا بعدها”.
وناقش اجتماع الحركة مواصلة العمل الجاد لبناء التيار الثوري الديمقراطي في الداخل والخارج في ظروف الحرب المعقدة، واعتمد خطة يشرف عليها الأمين العام بعد أن أدخل عليها التعديلات والملاحظات الضرورية.
وناقش الملابسات التي صاحبت إيقاف رئيس الحركة في العاصمة الكينية نيروبي، وأكد أن ما حدث هو جزء من حملة تستهدف قوى الانتقال المدني الديمقراطي، “ويجب أخذها بجدية ومعالجتها مع أصدقائنا في كافة دول الجوار والمجتمع الدولي”.
وثمن المكتب القيادي حملة التضامن الواسعة داخل وخارج السودان وتوجه بالشكر الجزيل والتقدير لكل من شارك فيها.
الوسومالجبهة المدنية الجيش الحرب الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي الدعم السريع السودان العملية السياسية المائدة المستديرة كينيا نيروبي ياسر عرمان