لجريدة عمان:
2025-03-03@21:36:23 GMT

كيف ننقذ معاهدة الجائحة ؟

تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT

تعرضت الـمُـسَـوّدات الأخيرة لمعاهدة عالمية معنية بتعزيز الوقاية من الجوائح الـمَـرَضية والتأهب لها لانتقادات واسعة النطاق باعتبارها «مخزية وظالمة». عندما افتُـتِحَت الجولة الأحدث من المفاوضات في الثامن عشر من مارس، كان من الواضح أن الدرس الرئيسي المستفاد من جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، الذي يفيد وجود علاقة ارتباط متبادلة بين الصحة العامة وصحة الاقتصاد، أصبح موضع تجاهل.

يتطلب تحقيق كلا الهدفين إعادة كتابة القواعد التي تحكم كيفية تقييم وإنتاج وتوزيع الصحة والرفاهة - وكيف تُـدار الاقتصادات. سوف يعتمد نجاح المعاهدة على رغبة البلدان الأعضاء في جعل العدالة عنصرًا ثابتًا ضمن شروطها. وهذا بدوره يتطلب الاستعانة بنموذج اقتصادي جديد. وإذا جرى تقليص المعاهدة بحيث تصبح مُـسالِـمة وبلا مخالب أو أنياب قدر الإمكان، فسوف تفشل لا محالة. أصدر مجلس منظمة الصحة العالمية المعني باقتصاديات الصحة للجميع، والذي أتولى رئاسته، بالفعل توصيات بشأن كيفية المضي قُـدُمًا. بادئ ذي بدء، يتعين على المفاوضين من كافة البلدان أن يظلوا على تركيزهم على الهدف الشامل المتمثل في منع التهديدات الصحية في المستقبل من التحول إلى كارثة. وهذا يعني تصميم شروط المعاهدة - بما في ذلك تلك المرتبطة بالإبداع، والملكية الفكرية، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والتمويل - على النحو الذي يجعلها مكرسةً لتنفيذ مهام بعينها. ويجب أن تكون العدالة على رأس الأولويات، لأن الجميع -وكل اقتصاد- سيعاني في نهاية المطاف في حال اندلاع جائحة مَـرَضية إذا لم تكن الاختبارات واللقاحات والعلاجات المنقذة للحياة مُـتاحة في متناول الجميع. علاوة على ذلك، لا تقل كيفية إدارة الإبداع والمعرفة أهمية عن الإبداع ذاته. تمتلك الحكومات أدوات قوية لتحديد من يستفيد من الإبداع. وهي الممول الرئيسي لكل شيء بدءًا من البحث والتطوير في المراحل المبكرة وحتى تطوير المنتجات وتصنيعها. على سبيل المثال، استفادت لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال لكوفيد-19 من نحو 31.9 مليار دولار من الاستثمار العام في الولايات المتحدة. ومن شأن الشروط الأقوى التي تقيد قدرة القطاع الخاص على الوصول إلى التمويل العام أن تساعد في ضمان الوصول العادل والميسور إلى المنتجات الناشئة، فضلا عن تيسير تقاسم الأرباح وإعادة الاستثمار في الأنشطة الإنتاجية (مثل البحث والتطوير) وليس الأنشطة غير المنتجة (مثل إعادة شراء الأسهم من جانب المساهمين). المطلوب في كل حالة هو إقامة علاقة أكثر تكافلية مع القطاع الخاص ــ علاقة مبنية على أهداف مشتركة، وعلى مخاطر ومكافآت مشتركة. وكما رأينا مع الانتشار المتكرر لمتحورات جديدة من كوفيد-19، فإن اللقاح الذي يستطيع قِـلة من الناس فقط تحمل تكلفته لن يوقف أي جائحة. ينبغي لأي معاهدة معنية بالوقاية من الجوائح والتأهب لها أن تلتزم بهذا التحول دون اعتذار وأن تتجنب البنود المصممة لخدمة مصالح خاصة تسعى إلى تحقيق الريع. يتلخص شرط أساسي لضمان التعاون بين القطاعين العام والخاص في إنشاء نهج لإدارة المعرفة وحقوق الملكية الفكرية يخدم الصالح العام، ولا يحمي الأرباح الاحتكارية. لقد أصبحت هذه القضية نقطة اشتعال رئيسية في مفاوضات المعاهدة. فالآن، يُطلب من البلدان المنخفضة الدخل أن تتقاسم البيانات بشأن العوامل المسببة للأمراض (والتي تساعد في تطوير اختبارات ولقاحات وعلاجات جديدة) دون أي ضمانة بقدرتها على الوصول إلى المنتجات الناشئة عن ذلك.

في حين تُـلـمِـح المسودة الحالية إلى أهمية قواعد الملكية الفكرية التي لا تتسبب في الحد من القدرة على تحمل التكاليف والوصول، فإنها «تشجع» فقط، ولا تشترط، اتخاذ تدابير تهدف إلى تبادل المعرفة والحد من عوائد حقوق الملكية الفكرية. وحتى اللغة الضعيفة التي تطالب الحكومات «بالنظر في دعم» التنازل عن براءات الاختراع أصبحت نقطة خلاف.

يشير هذا إلى أن الدافع المنحرف للإبقاء على قواعد الملكية الفكرية الحالية يعمل على تعقيد المفاوضات. ولتحفيز الإبداع وتحقيق فوائد مجتمعية واسعة الانتشار، يجب أن تكون براءات الاختراع أضيق؛ ويجب أن تعمل على تشجيع الإبداع المثمر والذكاء الجمعي؛ ومن الأهمية بمكان أن تكون مصحوبة بتعهدات بنقل المعرفة والتكنولوجيا اللازمة للإنتاج. تتمثل عقبة أخرى تحول دون نجاح معاهدة الجائحة في أنها تبدو في الوقت الحالي منفصلة عن التزامات التمويل الواضحة. تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد العالمي عانى من خسائر لا تقل عن 13.8 تريليون دولار، حيث أدت عمليات الإغلاق التي صاحبت جائحة كوفيد-19 وارتباكات سلاسل التوريد إلى دفع العالم إلى الركود. ثم أنفقت الحكومات تريليونات أخرى في الاستجابة للأزمة. ولابد أن يكون من الواضح أن توسيع نطاق الاستثمارات في مجال الوقاية أفضل -عندما يتعلق الأمر بالصحة والرخاء والعدالة- من تحمل تكاليف أزمة خرجت عن نطاق السيطرة. وكما أشار مجلس منظمة الصحة العالمية، فإن «جهود الوقاية أكثر جدوى من حيث التكلفة مقارنة بجهود العلاج». ولا تقل نوعية التمويل أهمية عن كَـمِّـه. تحتاج البلدان المنخفضة الدخل إلى تمويل طويل الأجل للاستثمارات الحيوية في مجال الصحة. وتُـعَـد إشارة المعاهدة إلى أهمية تخفيف أعباء الديون لتحرير القدرة المالية اللازمة للوقاية من الجوائح، والتأهب والاستجابة لها تطورا يستحق الترحيب، لكن اللغة غير مُلزِمة إلى حد مثير للقلق. من الأهمية بمكان أن نفهم تمويل الصحة باعتباره استثمارا طويل الأجل، وليس بوصفه تكلفة يمكن خفضها لخدمة أهداف الميزانية القصيرة النظر. وهي أيضا مسؤولية تتجاوز الحدود الوطنية. أخيرا، لأن نطاق معاهدة الجائحة يشمل وزارات وقطاعات حكومية، فلا ينبغي أن تُـتـرَك الصحة لوزارات الصحة فقط. تتأثر الصحة بدرجة كبيرة باختيارات السياسة الاقتصادية (على سبيل المثال، فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية)، وتؤثر القرارات الحكومية على المحددات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للصحة. وبوسع الحكومات -في كافة الوزارات- بل ينبغي لها أن تعيد تصميم كيفية إدارة الإبداع، وكيفية ارتباط القطاعين العام والخاص ببعضهما بعضًا، وكيفية هيكلة التمويل لتشكيل الأسواق بما يخدم مصلحة صحة البشر والكوكب. والفشل في إعطاء الأولوية لشعار «الصحة للجميع» سيكون له عواقب بعيدة المدى على مرونة واستقرار الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم. بينما تتماحك البلدان الأعضاء بشأن البنود والفقرات إزالة الإشارات إلى الصحة باعتبارها حقًا من حقوق الإنسان وتخفيف قيود الملكية الفكرية، والالتزامات المالية، وأحكام الرصد والمراقبة فلا مجال لأي غموض بشأن الاختيار الذي تواجهه هذه البلدان. إن تركيز المعاهدة على هدف منع الجوائح أو الحد من انتشارها من شأنه أن يحمل صناع السياسات على رؤية الأمور بوضوح ــ ونبذ الافتراضات القصيرة النظر التي تسببت في تقييد التعاون الدولي والتعاون بين القطاعين العام والخاص. وبينما تستعد البلدان الأعضاء لاجتماع جمعية الصحة العالمية في مايو، فمن الأهمية بمكان أن تأتي هذه الحتمية في صدارة أولوياتها.

ماريانا مازوكاتو أستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في جامعة كوليدج لندن، ورئيسة مجلس منظمة الصحة العالمية لاقتصاديات الصحة للجميع، ورئيسة مشاركة للجنة العالمية لاقتصاديات المياه. ومؤلفة كتاب «قيمة كل شيء: التصنيع والأخذ في الاقتصاد العالمي»

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القطاعین العام والخاص الملکیة الفکریة الصحة العالمیة

إقرأ أيضاً:

الهيئة الملكية تطلق حملة “مكة كلها حرم” للتوعية بفضل العبادة داخله

أطلقت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة للعام الثاني على التوالي حملة “مكة كلها حرم” التي تهدف إلى تعزيز الوعي بحدود الحرم وإبراز فضل العبادة داخله استنادًا إلى الدلالات الشرعية التي تؤكد أن الحرم بأكمله يدخل في مسمى المسجد الحرام وليس المسجد وحده.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); وقد استند العلماء في تقرير هذا المفهوم إلى عدة أدلة شرعية منها قول الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام”، حيث أُسري بالنبي ﷺ من بيت أم هانئ الذي لم يكن داخل المسجد الحرام مما يدل على أن مسمى المسجد الحرام يشمل الحرم كله، وكذلك قوله تعالى “هم الذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محله” حيث أُطلق وصف المسجد الحرام على الحرم بأسره.
أخبار متعلقة "الأرصاد" يحذر من أمطار وتساقط للبرد على المدينة المنورةبشرط الرخصة المهنية.. وظائف التعليم متاحة لحملة بكالوريوس الانتساب والتعليم عن بعد .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } مبادرات ذكية في المسجد الحرام خلال رمضانتوعية سكان مكة
تسعى الحملة إلى توعية سكان مكة وزوارها بأن الصلاة داخل حدود الحرم تعادل مئة ألف صلاة، وأن هذا الفضل يشمل جميع المساجد والمواقع ضمن حدوده المباركة، ولهذا تسلط الحملة الضوء على عدد من المساجد داخل الحرم من أبرزها مسجد عائشة الراجحي ثالث أكبر مسجد في المملكة، وجامع إمام الدعوة في حي العوالي، وجامع المهاجرين في حي الشوقية، وجامع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في حي الششة وجامع البلد الأمين ومسجد الشيخ عبد الله السريع في حي البطحاء.
كما تشمل الحملة التعريف بعدد من المساجد الأخرى داخل حدود الحرم مثل جامع الأميرة فهدة السديري في حي النسيم، ومسجد الملك عبد العزيز في حي المعابدة، وجامع الشيخ عبد القادر أحمد نصير في حي الإسكان وذلك لتشجيع السكان والزوار على أداء الصلاة فيها والاستفادة من فضلها العظيم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } منظومة تشغيلية متطورة بالمسجد الحرام في رمضان - اليوم منظومة تشغيلية متطورة بالمسجد الحرام في رمضان - اليوم var owl = $(".owl-articleMedia"); owl.owlCarousel({ nav: true, dots: false, dotClass: 'owl-page', dotsClass: 'owl-pagination', loop: true, rtl: true, autoplay: false, autoplayHoverPause: true, autoplayTimeout: 5000, navText: ["", ""], thumbs: true, thumbsPrerendered: true, responsive: { 990: { items: 1 }, 768: { items: 1 }, 0: { items: 1 } } });خرائط إرشادية
تتواصل الحملة طوال شهر رمضان المبارك متضمنة عددًا من الأنشطة مثل إصدار خرائط إرشادية توضح حدود الحرم ومساجده، إلى جانب إنتاج محتوى رقمي يعزز الوعي بمكانة مكة وفضائلها، كما تتعاون الهيئة الملكية مع عدد من الشركاء والجهات المعنية في العاصمة المقدسة لضمان تحقيق أثر واسع للحملة بما يسهم في تيسير تجربة عبادية ثرية لسكان مكة وضيوف الرحمن.

مقالات مشابهة

  • وزير الحرب الإسرائيلي: لن نسمح لمصر بـانتهاك معاهدة السلام
  • مستشفى الزقازيق العام تنقذ 9 مرضى من الموت وتجري 70 قسطرة قلبية
  • الهيئة الملكية تطلق حملة “مكة كلها حرم” للتوعية بفضل العبادة داخله
  • «الثقافي العربي» يناقش الرؤية الفكرية في أدب الطفل
  • أوروغواي تستدعي زعيم البوليساريو إلى حفل تنصيب الرئيس الجديد
  • الصبيحي : كلام الوزير لا أساس له من الصحة؛ هذه قصّة المستشارين في مؤسسة الضمان.!
  • في أول أيام رمضان.. تفاصيل جولة وزير الصحة لمستشفى الهلال وشبرا العام
  • فيروسات في الكونغو والصين تثير الذّعر.. هل اقتربت جائحة جديدة؟
  • تحذير عالمي: فيروسات جديدة قد تفجر جائحة خطيرة!
  • يوم الأحد غرة رمضان في هذه البلدان