د. فخري الفقي يكتب: الجمهورية الجديدة.. المحاور وآفاق المستقبل
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
مع إطلالة يوم الثلاثاء الموافق الثانى من شهر أبريل عام 2024، يتم تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى لفترة رئاسية جديدة، يعلن فخامته عن عهد جديد نحو بناء «الجمهورية الجديدة» التى أتطلع لأن تكون جمهورية جديدة فى محاورها الأساسية:
أولاً: فى أن تكون أكثر رسوخاً فى استقرارها وأمنها. وهنا لا يسعنى إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لإخوتنا وأبنائنا بالقوات المسلحة والشرطة المصرية على إخلاصهم وتفانيهم فى العطاء والمساهمة فى إنتاج خدماتهم الجليلة التى لا تقدر بثمن فى مجالات الدفاع، والذود عن تراب الوطن، وتوفير الاستقرار والأمن العام.
ثانياً: جمهورية جديدة يتسم اقتصادها باحتوائية النمو واستدامته، وأن يكون بنيانها أكثر صلابة، والذى لن يتأتى إلا بإصلاحات هيكلية عميقة وشاملة تتم بلا توقف، وبحيث تكون نهج حياة، بمعنى إصلاح ما تراكم من تشوهات هيكلية عديدة فى جسم الاقتصاد المصرى، ومعالجتها بمشرط جراح ماهر لديه رؤية وخبرة عميقة، يقود فريقاً من النخبة المتميزة فى كافة المجالات. صحيح أن أساسيات الاقتصاد المصرى سليمة من حيث تنوع قاعدته الإنتاجية وتعدد مصادره من النقد الأجنبى بدرجة تكفى، فى الأحوال العادية، لتلبية احتياجاته الاستيرادية وخدمة دينه الخارجى وتعزيز احتياطياته لدى بنكه المركزى. لكن المشكلة تكمن فى أن جسم الاقتصاد ليس بالصلابة الكافية التى تمكنه من مقاومة تداعيات الصدمات والأزمات العالمية والإقليمية التى لسنا طرفاً فيها، والتى ما أكثرها منذ أن بدأت تلك الألفية الثالثة. إن تعزيز صلابة الاقتصاد المصرى أصبحت هى الضمانة الأساسية التى تضمن مقاومة عوامل الضعف والوهن الذى أصابه نتيجة تلقيه الضربات تحت وطأة تلك الأزمات. وعليه أصبح الأمر يستوجب إصلاحاً جذرياً وعميقاً لعديد من التشوهات الهيكلية التى تمسك بتلابيب اقتصاد مصر فى جانبه الحقيقى، والتى من أبرزها:
أ. ضرورة تأهيل ودعم دور رائد للقطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى فى ظل مناخ يتسم بالحياد التنافسى.
ب. ضخ مزيد من الاستثمارات (المحلية والأجنبية) فى شرايين الاقتصاد السلعى خاصة الزراعة والصناعة خاصة التكنولوجية، منها بحيث تكون بأحجام كافية لجنى وفورات التكلفة المصاحبة للحجم الكبير Economies of Large Scale، ومن ثم انخفاض أسعار منتجاتها بدرجة تمكنها من النفاذ بسهولة للسوق المحلية، وكذلك الأسواق الخارجية، وعليه، تكون مولدة للنقد الأجنبى اللازم لتفادى الأزمات المتكررة لشح العملة الأجنبية وتأثيراتها السلبية على قيمة الجنيه المصرى.
جـ. ضخ مزيد من الاستثمارات فى مجالات التعليم والرعاية الصحية والبحث العلمى والتطور التكنولوجى لرفع كفاءة رأس المال البشرى.
د. الإسراع بجهود الدولة فى التحول الرقمى وتعزيز الجهود فى دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى.
هـ . ضبط المنظومة الديموجرافية والزيادة السكانية.
ثالثاً: أتطلع لجمهورية جديدة يتمتع اقتصادها بمزيد من المرونة لينطلق فى تقدمه نحو آفاق النمو الذاتى، والذى لن يتأتى إلا بمواصلة الدولة لجهودها الحثيثة نحو القيام بوظائفها الثقيلة التى تنفرد بها وتتمتع بمزايا نسبية فى أدائها دون غيرها. هذه الوظائف تضم خدمات الدفاع والأمن والعدالة وتحديث البنية التحتية والتعليم والصحة وحماية البيئة والملكية، بما فيها الفكرية، والبحث والابتكار وتحقيق التوازن الاقتصادى والاجتماعى. هذه الوظائف تعد مهمة ثقيلة تنوء بحملها الجبال، لذا فإننى أتوجه بالتحية للقيادة السياسية لإقرارها وثيقة سياسة ملكية الدولة ودعم وتأهيل دور القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، فى ظل مناخ يتسم بالحياد التنافسى كنهج جديد للسياسة الاقتصادية فى جمهوريتنا الجديدة. فالقطاع الخاص هو الأمل فى إرساء قواعد البنية الفوقية لزيادة الإنتاج والتشغيل والتصدير، هو القطاع الذى يملك القدرة على المناورة والتعافى السريع من تداعيات الصدمات والأزمات. لذا ليس مستغرباً أنه كلما تسارع نموه واتسعت رقعته، أكسب ذلك مزيداً من المرونة فى حركة ونمو الاقتصاد المصرى.
رابعاً: أتطلع لجمهورية جديدة أكثر إنصافاً وعدالة، فالإنصاف والعدالة الاجتماعية هى إحدى الوظائف الأصيلة للدولة، فى هذا الخصوص، أتوجه بالشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى لتأكيداته المستمرة وتوجيهاته المتكررة للحكومة بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، لكونها تتصل بأمن مصر القومى. وهنا تكفى الإشارة إلى توجيهاته للحكومة بضرورة التنسيق مع البنك المركزى لبذل جهودهما الحثيثة نحو تعزيز شبكة حماية اجتماعية جديدة تتسم بقدرتها على حماية الطبقات الأكثر هشاشة واحتياجاً من الوقوع فى براثن الفقر والعوز. لذلك فإننى أتطلع إلى مزيد من خفض معدلات الفقر ورفع مستوى معيشة المواطن المصرى وتحسين جودة حياته فى ظل الجمهورية الجديدة، لكى يتبوأ الاقتصاد المصرى مكانته ويرتفع تصنيفه لمستوى الدول مرتفعة الدخل للفرد ليتعدى عتبة 13٫205 دولار وفقاً لتصنيف البنك الدولى فى هذا الشأن. ولكى يتحقق ذلك، لا بد من استمرار البنك المركزى فى اتخاذ سياسته النقدية الكفيلة بخفض مستويات الغلاء والتضخم وتحقيق الاستقرار فى الأسعار. أما الحكومة فعليها الاستمرار فى التعاون الوثيق مع «المركزى» باتخاذ السياسة المالية وغيرها من السياسات الكفيلة بتخفيف الأعباء المعيشية فى فترات الغلاء والتضخم، وخلق مزيد من فرص العمل وزيادة الأجور والمعاشات، وزيادة مخصصات البرامج الاجتماعية، والالتزام بتحقيق الاستحقاقات الدستورية فى مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمى.
خامساً: أتطلع لجمهورية جديدة أكثر ذكاء ورقمنة، يكون فيها التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى بمثابة محركات الدفع لها نحو التقدم، وبما يضمن تقليل تدخل العنصر البشرى فى التعاملات والمعاملات فى كافة القطاعات. هذا التحول الرقمى هو الكفيل بكسر شوكة البيروقراطية المعوقة لحركة النشاط الاقتصادى فى مصر. فى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن البيروقراطية ليست عيباً فى حد ذاتها، فهى أسلوب للإدارة بالقواعد المكتبية، لكنها تطبق فى الدول المتقدمة بالشكل الذى يجعلها محفزة وجاذبة لمزيد من الاستثمار والإنتاج من ثم لمزيد من التقدم، أما فى الدول النامية والدول الناشئة ومن بينها مصر فهى بيروقراطية معوقة للاستثمار والإنتاج ومن ثمَّ نمو النشاط الاقتصادى.
وأخيراً وليس آخراً، أتطلع لجمهورية جديدة أكثر اخضراراً وصداقة للبيئة، جمهورية تصبح استثماراتها الخضراء هى سمة حياة المصريين. وهنا الحق يقال بأن مصر حققت خلال العشر سنوات الماضية إنجازات فى هذا المحور المهم مقارنة بدول عديدة فى العالم. لقد قطعت مصر على نفسها أن تبلغ استثماراتها العامة الخضراء نسبة 50% عام 2024/ 2025. وفى هذا الخصوص، تتطلع القيادة السياسية نحو الإسراع بتنفيذ استراتيجية التحول إلى الاقتصاد الأخضر التى تتناسب مع رؤية مصر 2030، وأن يتضمن برنامج عمل الحكومة فى الفترة الرئاسية القادمة التوسع فى استخدام التكنولوجيا النظيفة، والتوسع فى مشروعات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، والاستفادة من الإمكانيات الطبيعية الهائلة التى تتمتع بها مصر من مصادر لإنتاج هذه الطاقة، وهنا تجدر الإشارة إلى الإنجاز الذى حققته مصر بإنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى العالم بمنطقة بنبان بأسوان، ومشروعات طاقة الرياح بالزعفرانة والجبل الأسود بخليج السويس، واستهداف الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة إلى نسبة 42% من إجمالى الطاقة الكهربائية المنتجة فى عام 2035. كما اتخذت مصر خطوات ملموسة للتوسع فى إنتاج الهيدروجين، وتوطين هذه الصناعة فى مصر. هذا إلى جانب المبادرة التنموية الكبرى «حياة كريمة» التى تمثل نقلة تنموية شاملة فى حياة 60 مليون مواطن من أبناء الريف المصرى، وفى مجال معالجة مياه الصرف تتوسع الدولة فى إنشاء محطات معالجة مياه الصرف لتصبح صالحة للزراعة، وتنفيذ النظم الزراعية المستدامة. وفى مجال مشروعات النقل النظيف يتم تنفيذ عديد من مشروعات النقل الجماعى الحضارية صديقة البيئة (المو نوريل والقطار الكهربائى السريع والخفيف وتوطين صناعة السيارات الكهربائية)، هذا إلى جانب تشجيع دور القطاع الخاص فى دفع عملية التحول الأخضر للاقتصاد المصرى. وفى مجال تمويل المشروعات الخضراء فى مصر، أصدرت مصر أول سنداتها الخضراء بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020، الذى يعد واحداً من أهم الإصدارات التى تمت بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى تلك الفترة.
* رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مساعد مدير تنفيذى بصندوق النقد الدولى سابقاً
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الرئيس السيسى الجمهورية الجديدة الاقتصاد المصرى الاقتصاد المصرى مزید من فى هذا
إقرأ أيضاً:
عضو جمعية رجال الأعمال: الذكاء الاصطناعي سيقود موجة جديدة من نمو الاقتصاد في مصر والعالم
قال المهندس أحمد الزيات، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستقود موجة جديدة من نمو الاقتصاد في مصر والعالم حيث أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من القطاعات الحيوية مثل النقل واللوجستيات والزراعة والصناعة الي جانب البورصة والعمليات المالية والحوكمة والتحول الرقمي.
وأكد "الزيات" دور الذكاء الاصطناعي في تعويض تباطؤ النمو الاقتصادي في العالم، إذ يسهم في خفض تكاليف التشغيل من 15% إلى 25% ، مما سيوفر بدوره من استهلاكات الطاقة واستغلال المواد الخام بكفاءة أعلى، مما يعزز من استخدام الموارد المتاحة للوصول إلى المنتج النهائي بأعلى جودة وأقل تكلفة.
واضاف كذلك له دورا كبيرا في تعزيز الناتج القومي ونمو الاقتصاد بشكل عام، حيث بدأ عدد من الحكومات في استخدام هذه التقنية لتحليل البيانات المتعلقة بالتهرب الضريبي، مما يعزز من الشفافية ويساعد في منع التجاوزات في هذا المجال.
وتابع، كذلك من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في معدلات النمو الاقتصادي علي المدى القريب بما لا يقل عن 2% إلى 3% بشرط استغلاله بشكل فعال مما يؤثر بشكل كبير في تحسين النمو الاقتصادي العالمي .
وأشار إلي أن معظم الاستثمارات في هذا المجال تأتي من الحكومات، بالإضافة إلى الشركات المتقدمة في البحث العلمي والتي تركز أكثر على الاستثمار في التطوير وزيادة الإنتاجية حيث أن هذا المجال يحقق زيادة كبيرة في الإنتاجية، تصل إلى 20% إلى 25%، وخاصة في القطاع الصناعي.
وأكد أن الحكومة المصرية تُعد الأكثر جاهزية لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي مقارنة بالقطاع الخاص والذي لا يزال يواجه تحديات في استغلاله في حين أن الحكومة المصرية اتخذت خطوات قوية وإيجابية في هذا الاتجاه.
وأوضح أن وزارات مثل الإسكان والصحة والنقل بدأت بالفعل في استخدام الذكاء الاصطناعي لربط المنشآت، وتخفيض تكاليف التشغيل، وإدارة المواقع عن بُعد.
وأضاف أن هناك توجهًا حاليًا من وزارة المالية نحو تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات الضرائب والدعم، بهدف تقنين منظومة الدعم بشكل أكثر دقة وضمانة للوصول إلى مستحقيه.
وأوضح "الزيات" أهمية الذكاء الاصطناعي في تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين الكفاءة في العمليات اليومية حيث يوفر فرصة كبيرة لتحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة مما يسهم في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة، مشيراً إلى أحد أهم مميزات الذكاء الاصطناعي هو قدرته على التنبؤ بالمشاكل المستقبلية وتقديم حلول لها بعيداً عن التأثر بالتحديات الاقتصادية والجيوسياسية، وبما يتماشى مع التوجهات العالمية للاستدامة والاقتصاد الأخضر.
وأكد أن العديد من المؤسسات المالية بدأت بالفعل في استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في تحليل الأسهم والتنبؤ باتجاهات السوق، مما يساعد على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر دقة.
وأضاف كذلك هذه التكنولوجيا تلعب دورًا مهمًا في تحسين نظم الحوكمة، من خلال توفير حلول مبتكرة لتنظيم وإدارة الموارد والعمليات بكفاءة أعلى، كما تلعب التكنولوجيا الحديثة دوراً مهماً في تحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة عبر مختلف القطاعات، سواء في الصناعة أو الزراعة.
وأوضح أن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في المصانع يسهم في زيادة الإنتاج وتحسين نظم العمل والجودة وتقليل الهدر وذلك دون الحاجة إلى إضافة عدد كبير من العمالة، كذلك يستخدم في الزراعة بهدف تحسين المحاصيل وزيادة الإنتاجية حيث يساعد المزارعين في تحسين استهلاك المياه، وهو ما يعد أمراً بالغ الأهمية في ظل أزمة المياه العالمية.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يساعد المستخدمين على الاستفادة من الموارد المحدودة بشكل أكبر، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية بتكلفة أقل، مشيرا إلي أهمية التعامل مع الذكاء الاصطناعي باحترافية عالية.
وتابع ، كما أن الذكاء الاصطناعي يساعد الشركات على دراسة تفضيلات المستهلكين والتنبؤ باحتياجات الأجيال القادمة وتحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل تكاليف الإنتاج مما يمنح الشركات ميزة تنافسية في الأسواق.
ولفت إلى أهمية الذكاء الاصطناعي، أيضا في خفض تكاليف النقل والشحن وبالتالي تنخفض تكلفة المنتج بشكل كبير، مما يتيح للشركات تقديم منتجات بأسعار تنافسية وبالتالي تعزيز تنافسيتها في السوق العالمية.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتغلغل في كافة جوانب الشركة، بدءً من الهيكل التنظيمي، مرورًا بإدارة الموارد البشرية، وحتى حملات التسويق كما أصبح أداة قوية في تحسين استراتيجيات العمل، حيث يمكنه تحليل البيانات العميقة والربط بين العناصر المختلفة، مما يساعد في اتخاذ قرارات أفضل وأسرع، كما تعد اداة تطويرية رئيسية في كافة المجالات، سواء كانت إنتاجية أو تسويقية أو حتى محاسبية.
وذكر أن العديد من الأنظمة المحاسبية والإدارية أصبحت تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات واتخاذ قرارات استراتيجية بشكل أكثر دقة.
وأكد على ضرورة مراقبة نتائج الذكاء الاصطناعي لضمان توافقها مع استراتيجيات الشركات، مشيرًا إلى أن هذا التحول يتطلب من الشركات والموظفين التكيف مع المهارات الجديدة التي تواكب هذا التقدم التكنولوجي.