اغتنام العشر الأواخر من رمضان....
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
أسرعت أيام رمضان ولياليه انقضاء، ومر من رمضان عشره الأوائل ثم عشره الأواسط، ولم يبق من رمضاه الا الثلث الأخير والعشر الأواخر..
وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن رمضان هو خير الشهور وأفضلها، فإنهم قد اتفقوا كذلك على أن العشر الأواخر منه هي أفضل ما فيه وأعظم لياليه؛ فهي فضل الفضل وخير الخير.. وأعظمها بالإجماع ليلة القدر فهي أفضل العشر بل أفضل ليلة في الوجود.
وإذا كان رمضان قد قارب الرحيل وأشرف على نهايته فإن "العبد المُوَفَق من أدرك أن حُسْن النهاية يطمس تقصير البداية، وما يدريك لعل بركة عملك في رمضان مخبأة في آخره، فإنما الأعمال بالخواتيم.
خصائص العشر وحال النبي صلى الله عليه وسلم فيها:
لقد خص الله تعالى العشر الأواخر من رمضان بمزايا لا توجد في غيرها، وبعطايا لا سبيل في سواها لتحصيلها، وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها.. فمن ذلك:
أولا: كثرة الاجتهاد:
فكان صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) رواه مسلم.
وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر) رواه مسلم.
فكان عليه الصلاة والسلام يوقظ أهله في هذه الليالي للصلاة والذكر، حرصا على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، قال ابن رجب: "ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه". وشد المئزر هو كناية عن ترك الجماع واعتزال النساء، والجد والاجتهاد في العبادة.
ثانيا الاعتكاف:
ففي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قبض.
والاعتكاف معناه لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه. وشرعاً: "المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة". (الفتح 4/341).
والأصل أنه عزوف عن الدنيا وانقطاع للعبادة وتخلية للنفس عن التشاغل بغير الطاعات والقربات، فلا ينبغي أن يشتغل بشيء يفوت عليه قصده. ولا يجعلن معتكفه مقصداً للزوار الذين يفسدون عليه خلوته وجواره، وإن كان خرج من الدنيا وانقطع عنها فلا وجه لأن يأتي بالدنيا حتى يُدخلها معتكفه، ومما ينبغي للمعتكف أن يتقلل من الطعام والشراب حتى لا يثقل عن العبادة والطاعة.
ثالثا: اغتنام جميع الوقت
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: وأيكم مثلي! إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) متفق عليه.
ولا شك أن المقصود هنا الغذاء الروحي، والفتوحات الربانية، وليس الطعام والشراب الحِسي.. وإنما نهاهم عن الوصال حتى لا يضعفوا عن العبادة والاجتهاد في الطاعة، وإلا فإن كل ذلك كان منه اغتناما للوقت، وعدم تضييع شيء منه، ولو في طعام أو في منام فصلى الله عليه وسلم أعظم صلاة وأتم سلام.
رابعا: تحري ليلة القدر
وما كان اجتهاده واعتكافه صلى الله عليه وسلم إلا تفرغاً للعبادة، وقطعاً للشواغل والصوارف، وتحرياً لليلة القدر، هذه الليلة الشريفة المباركة، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر، فقال سبحانه: {ليلة القدر خير من ألف شهر}(القدر:3).
في هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (الدخان:4).
فيها تفتح الأبواب، ويسمع الخطاب، ويرفع الحجاب، ويستجاب فيها الدعاء ويتحقق الرجاء، ليلة انطلاق الإسلام ونزول القران، ليلة سلام فالله يريد للعالم السلام والأمان، سلام المجتمع، وسلامة القلوب والنفوس، وسلامة العلاقات بين الناس {سلام هي حتى مطلع الفجر}(القدر:5).
وقد أخفى الله عز وجل علم تعييين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، فيظهر من كان جاداً في طلبها حريصاً عليها، ومن كان عاجزاً مفرطاً، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه.
هذه الليلة العظيمة يُستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أرجى وآكد، فقد ثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)، وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري.
ثم هي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) رواه أبو داود.
فعلى الراغبين في تحصيل هذه الليلة المباركة الاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وأن يتعرَّضوا لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبكم نفحة من نفحاته لا يشقى العبد بعدها أبداً.
وإذا كان دعاء ليلة القدر مقبولا مسموعا مستجابا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء والتضرع وسؤال خير الدنيا والآخرة، وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه أحمد وغيره.
فاستدركوا في آخر شهركم ما فاتكم من أوله، وأحسنوا خاتمته فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن أحسن فيما بقي غفر له ما قد مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. وأروا الله من أنفسكم الجد في تحري الخير في هذا الثلث الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير، وتعرضوا لنفحات الغفور الحليم، الرحيم القدير.. فإن المغبون حقا من صرف عن طاعة الرب، والمحروم من حرم العفو، والمأسوف عليه من فاتته نفحات الشهر، ومن خاب رجاؤه في ليلة القدر.
اللهم بلغنا برحمتك رضاك، وبلغنا ليلة القدر، واجعلنا فيها من عتقائك من النار.
عن اسلام.ويبالمصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم العشر الأواخر من رمضان عائشة رضی الله عنها فی العشر الأواخر لیلة القدر هذه اللیلة
إقرأ أيضاً:
حديث البرد عدو.. ماذا قال النبي عن موجة الصقيع وما نهى عنه؟
حديث البرد عدو، يبحث كثير من الناس في ظل موجات البرد والصقيع التي تشهدها مصر عن صحة حديث البرد عدو، وغيره من الأمور التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما هو الفعل الذي نهى عنه النبي قبل النوم في هذا الجو القارس.
وفيما يلي نستعرض أبرز ما ورد عن الشتاء في السنة النبوية المطهرة..
حديث البرد عدوويروج البعض لحديث البرد عدو والذي يروى فيه أن النبي قال:"استعدوا للبرد كما تستعدون للعدو"، وغيرها من الأمور التي تروج بالتزامن مع كل شتاء إلا أنها رواية لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذكر ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف، أنها وصية للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: وروى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارا ودثارا؛ فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه.
حديث البرد عدووقد ذكر الشيخ صلاح البدير، إمام وخطيب المسجد النبوي، أنه فيما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أنه نهى عن فعل عند النوم، قد يستحسنه الناس في برد الشتاء القارس.
وأوضح إمام المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، أنه –صلى الله عليه وسلم- قد حذر أشد التحذير من ترك النار موقدة عند النوم في برد الشتاء القارس، وذلك خشية الاحتراق أو الاختناق، وجاء ذلك النهي والتحذير صراحة في أكثر من حديث نبوي شريف عن النبي –صلى الله عليه وسلم-.
واستشهد بما ورد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون» وعن أبي موسى رضي الله عنه قال احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: «إن هذه النار عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ».
وتابع: كما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب واتخذوا الصوف شعارًا ودثارا فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه»، داعيًا إلى التأمل في عظمة الله وقدرته والتفكر في برد الشتاء، و تذكر الضعفاء والمساكين والأرامل والأيتام والمحتاجين ومن لجأ أو نزح عن بلاده من المسلمين ضرب برد الشتاء منزله.
حديث البرد عدووقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث والأدعية بشأن الشتاء والبرد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة”، قال الخطابي: الغنيمة الباردة أي السهلة ولأن حرة العطش لاتنال الصائم فيه .
وقال ابن رجب: معنى أنها غنيمة باردة أنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة ، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغير كلفة .
كما قال صلوات الله وسلامه عليه: “اشتكت النار إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضي بعضًا فأذن لي بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير” متفق عليه، والمراد بالزمهرير شدة البرد .
كما جاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد يكبر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة. رواه البخاري في الأدب المفرد، وقال المناوي عن التبكير: أي بصلاة الظهر يعني صلاها في أول وقتها وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه .
وذكر ابن قدامة في المغني : ولا نعلم في استحباب تعجيل الظهر من غير الحر والغيم خلافا، وقال الترمذي: وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم : لأن المقصود من الصلاة الخشوع والحضور وشدة البرد والحر مما يشغل المصلي .