الولادة في ظل حرب الإبادة.. معاناة تضاف إلى سجل نساء قطاع غزة
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
صراخ هالة وصل ذروته بين خيام النازحين، حالة من الهلع أصابت الجميع، عم الصمت، وفي ظل العجز، والخوف، والحيرة، الكل يتساءل عن السبب، قامت الحاجة أم سامي بالتوجه للسيدة رغم الخطر المحدق جراء القصف الإسرائيلي للمنطقة، وكما توقعت هي وبقية نساء المخيم بأن السيدة تعاني من آلآم المخاض، لم يكن سهلًا الذهاب إلى المستشفى الذي يبعد كيلومترات من المكان، تم الاتصال بالإسعاف والصليب الأحمر مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى، هكذا قالت الحاجة أم سامي.
«لم يكن أمامي سوى تقديم المساعدة حتى لو لم تكن لدي خبرة في هذا المجال، للضرورة أحكام طلبت من النساء اللواتي حضرن تجهيز الماء الساخن وملابس الطفل، وبأدوات بدائية في ظل ظروف غير اعتيادية وغير صحية تمامًا، فالضرورات تبيح المحظورات قمت بإعطاء بعض الإرشادات للسيدة واستقبلت الطفل بعد ساعة، وعلى صراخ الطفل القادم توالت الزغاريد بعد الاطمئنان على والدته، قمت بقص الحبل السري بسكين ومن ثم ربطه بخيط، أخرجت المشيمة، وجلست بجوار امرأة لمدة ساعتين حتى تأكدت بأنها بخير وعلى ما يرام.
تكرر هذا المشهد في مكان آخر، حيث اضطرت الشابة دعاء إلى توليد زوجة شقيقها دون إمكانات سوى مياه تم تسخينها في تنكة حديدية بعد إشعال الكرتون التالف بسبب عدم توفر الخشب، ومشبك الغسيل لمسك الحبل السري لمولودة جديدة في ليلة حالكة السواد واشتباكات في مدينة خانيونس، قالت الشابة: «لقد أطلقت اسم سلام على الطفلة الصغيرة لعل وعسى أن يعم السلام الدائم على قطاع غزة».
أضافت دعاء: «لم أنم طوال الليل كنت أخشى أن تحدث مضاعفات لزوجة أخي بعد الولادة لعدم توفر أدوات معقمة، لكن الأمور تيسرت بفضل الله».
وفي مشهد ثالث، وداخل منزل تحاصره قوات الاحتلال قرب مستشفى الشفاء بمدينة غزة تُسمع صرخات امرأة مع بداية مخاضها، والجميع حولها في حيرة من أمرهم، عاجزون عن تقديم الإسعاف للسيدة وجنينها، خوف ورعب وقلق، تجمدت أفكار الموجودين، كيف لإنسان أن يتخيل وضعا كهذا، حرب وقصف ومستشفى على بعد أمتار، لكن الأمور كانت أصعب مما يتخيلها أحد، بعد ساعة من محاولة استطاع أحد الشباب الموجودين بالمكان الاتصال بطبيبة من خارج الوطن، كان ذلك في الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل حتى تساعدهم، بقيت الطبيبة على الهاتف تشرح لسيدة من الموجودات خطوات التوليد، وهي إخراج الطفل من رحم أمه تدريجيًا، أخد نفس عميق مع مجيء الطلقة، ومن ثم الدفع للأسفل، تمت الولادة على خير استقبلت المولودة من قبل جدتها ويداها ترتعشان من هول وصدمة الموقف الغريب العجيب، واصلت الحاجة استقبال التعليمات للتخلص من المشيمة ثم قطع الحبل السري بمقص منزل بعد ربطه بخيط، تدليك أسفل البطن بحركات دائرية للتأكد من عدم حدوث المضاعفات، استمرت الطبيبة بالحديث عبر الهاتف أثناء تنفيذ المهمة، نجحت السيدة بمهمتها وكان قد اطُلق اسم الطبيبة على المولودة تقديرًا لجهودها.
لم يكن وضع ريم أفضل حالًا فقد نزحت من شرق مدينة غزة، في خيمة برفح، كما أنها نزحت من غزة قبيل موعد ولادتها بفترة بسيطة؛ كي تلد في مستشفيات الجنوب، لكنّها لم تتخيل الكابوس الذي كان ينتظرها.
تجلس ريم اليوم على أرض الخيمة المتواضعة وفي حضنها رضيع بملامح جميلة، ويرتدي ملابس رثّة وأكبر حجمًا من جسده الصغير، وبجانبها أربعة أطفال تبدو على أجسادهم آثار عدم النظافة وسوء التغذية.
ولادة قيصرية اضطرت ريم إلى مغادرة المستشفى فور ولادتها إلى خيمة صغيرة.
تقول ريم وهي تروي ما مرّت به: «لم أستطع الحصول هنا على طعام جيّد أو راحة قبيل ولادتي، إضافة لشعوري بالخوف الشديد من الولادة تحت القصف المستمر، وفي هذه الظروف القاسية دون زوجي الذي بقي في شمال غزة، عندما جاءني المخاض ليلًا ذهبت برفقة والدتي إلى المستشفى الإماراتي في رفح».
وتسرد شاردة الذهن وكأنها عادت إلى تلك الليلة القاسية: «عادة ما أحصل على «بنج» موضعيّ مثل بقية ولاداتي السابقة، ولكن هذه المرة دفعوني للولادة بلا مُسكّن للألم، واستمر المخاض 7 ساعات متواصلة، وتسارعت دقّات قلبي، شعرت كما لو أنني سأموت، حتى خرج رأس طفلي إلى الحياة».
وتابعت: «هل تُصدِّقين إذا قلت لك إنني لا أتمنى لأي امرأة أن تمرّ بهذه التجربة؟ لا زلت أشعر بمشرط الطبيب يقطع أسفل بطني، لقد رأيت الموت حرفيًا».
وما إن أنجبت ريم طفلها، حتى طلب منها الأطباء مغادرة المستشفى، دون أن تحصل على راحة أو تنتظر حتى يتوقف نزيفها. وفي الخيمة استمرت فصول معاناتها جرّاء عدم توفر الغذاء الصحي ما دفع والداها للتنقل من مكان إلى آخر للحصول على نصف كيلوجرام من اللحم باهظ الثمن.
وبحسب تقرير صدر عن وزارة الصحة الفلسطينية، هناك أكثر من 50 ألف امرأة حامل تفتقر في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح إلى الغذاء المناسب والرعاية الصحية المناسبة والآمنة. ومن المرجح أن تعاني 15% منهن من مضاعفات في الحمل والولادة ويحتجن إلى رعاية طبية إضافية غير متوفرة.
والجدير ذكره هنا أن المرأة الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة تتعرض لأسوأ كارثة إنسانية، من القتل والتشريد والاعتقال والإجهاض والأوبئة والموت جوعًا نتيجة العدوان الإسرائيلي. فقد تعمد الاحتلال الإسرائيلي في حربه الوحشية قتل أكثر من 9 آلاف سيدة في قطاع غزة، منهن آلاف الأمهات والنساء الحوامل والعاملات في المهن الصحية.
كما أن هناك أكثر من 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة يعانين من سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية المناسبة.
وفي هذا السياق أوضحت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا أن «63 امرأة يقتلن يوميا في قطاع غزة بينهن 37 أما يتركن عائلاتهن».
وتشير التقديرات أيضًا إلى أن نحو 166 ولادة غير آمنة تسجل يوميًا ومن المتوقع أن تلد 5500 امرأة الشهر المقبل في قطاع غزة، في ظل توقف معظم مستشفيات غزة عن الخدمة، هذا إضافة إلى نقص الرعاية اللازمة قبل الولادة وبعدها بحيث تتحمل النساء النازحات عبء الولادة دون مرافق صحية أو أدوية مناسبة، ويعد المستشفى الإماراتي في رفح هو آخر المستشفيات التي تقدم خدمات صحية نسوية لقرابة مليون امرأة وبنت لاجئة في جنوب القطاع، مما يعرضهن لمخاطر متزايدة من العدوى والتعقيدات.
لقد وصلت الأوضاع الحياتية والمعيشية والإنسانية والصحية في قطاع غزة إلى ذروتها، فيما لا تزال جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مستمرة ومتواصلة، ورغم ازدواجية المعايير والصمت الدوليين، ورغم غياب العدالة، وهي تشاهد حجم الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين العزل التي تصل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية دون أن تحرك ساكنًا.
آن الأوان أن تقف شعوب ودول العالم الحر وتقوم باتخاذ خطوات فاعلة وقادرة على وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة من خلال تطبيق القوانين والمواثيق والتشريعات الأممية التي تضمن حماية المدنيين الفلسطينيين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
من تحت النار إلى تحت المقصلة.. نساءٌ سودانيات ضحايا أحكام «إعدام» تعسّفية
تحقيق لـ: سلمى عبد العزيز
تصميم: محمد الحاج أحمد
إخراج بصري: وفاء خيري
بصوتٍ خافت خوفًا من كشفها، أرسلت المحكومة بالإعدام شنقًا نجاة علي (اسم مستعار ) من داخل سجنها، رسالةً صوتيةً قصيرةً عبر تطبيق “واتساب” إلى معدّة التحقيق، لا تتجاوز الثانيتين، اتبعتها كاتبة :”أنا سُجنت ظلمًا، اضطررتُ للعمل في ظروف الحرب القاسية لإعالة اخوتي ووالدتي المريضة و..”، لكنها لم تستطع إكمال حديثها حيث اقتربت منها السجّانة التي ترافقها كظلها، حتى إن رغبت في الذهاب إلى دورة المياه، وذلك منذ أن أصدرت محكمة بولاية نهر النيل الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني حكمًا عليها بالإعدام، بتهمة التخابر مع “قوات الدعم السريع”.
سكرين شوت لمحادثة المحكومة بالإعدام نجاة علي ( اسم مستعار) مع معدّة التحقيقوثّقت معدّة التحقيق، قصص 15 امرأة ، أعمارهنَّ بين 18 – 70 عامًا، هربن من جحيم الدعم السريع بحثًا عن ملاذ آمن، فوجدن أنفسهن محتجزات في السجون، ومدانات بأحكام تصل عقوبتها للإعدام، بعضهنَّ تمت تبراءتهنَّ بعد أشهر من المعاناة قضينها خلف القضبان، فيما لا تزال تنتظر أخريات مصيرهنَّ.
وأصدرت محاكم في الولايات الخاضعة للجيش السوداني في كلاً من مدن (عطبرة وكسلا وبورتسودان والدامر والمناقل، وأمدرمان) أحكامًا بالإعدام شنقًا حتى الموت بحقّ النساء، بسبب العثور على (مقاطع فيديو، أو صور، أو وصفة طبية، أو تعليقات على منصات التواصل الاجتماعي) عقب تفتيشهن من قبل عساكر نقاط التفتيش المنتشرة على امتداد الطرق المؤدية إلى تلك المدن، أو اعتقالهن لأسباب مختلفة. وتأتي هذه الأحكام جميعها بموجب المواد 50-51-26 من القانون الجنائي السوداني لعام 1991، وسط تشكيك محاميين في صِحة هذه المحاكمات ونزاهتها.
خريطة لمدن سودانية خاضعة لسيطرة الجيش والتي أصدرت محاكم فيها أحكام بالإعدام بحق النساء.سُجنت الدر (24 عامًا) التي تعمل كـ “فني مختبرات طبّية” في 13 مايو/أيار 2024، عندما كانت تحاول النزوح مع عائلتها من منطقة عِد بابكر في محلية شرق النيل في شمال شرق العاصمة الخرطوم، تخضع أجزاء منها لسيطرة “قوات الدعم السريع” إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، هربًا من انتهاكات القوات غير النظامية.
المحكومة بالإعدام الدر حمدونعند وصول الأسرة إلى مدينة الدامر، تم تفتيشها مع أسرتها، يقول شقيق الدُر : “أفرغوا جميع حقائبنا وفتّشوها بدقّة ليعثروا على وصفة دواء في حقيبة اليد التي كانت تحملها الدُر، و”طلقة” قالوا إنهم وجدوها داخل حقيبة ثياب شقيقتها الصغيرة مريم، أخبرتهم الدُر أنها لا تعلم عن الطلقة شيئًا، وأنها كانت تعمل في مختبر طبّي، في شرق النيل، وأن وصفة الدواء تعود لشخص طلب منها تسليمها لآخر، وعندما لم تجده وضعتها في حقيبتها ونُسِيت مع مرور الوقت. لكنهم اتهموها بالتعاون مع “قوات الدعم السريع”، وتم ترحيلها إلى قسم الشرطة بمدينة عطبرة الذي احتجزت فيه لـ 26 يومًا قبل تحويلها إلى سجن النساء والحكم عليها بالإعدام.
تقول فاطمة محمد، والدة الدر: “غادرتُ وأبنائي منزلنا في منطقة (العزبة طيبة الاحامدة) بمدينة الخرطوم بحري إلى منزل أقربائي بشرق النيل بعد شهر من اندلاع الحرب عندما بدأ أفراد الدعم السريع باقتحام المنازل. مكثنا هناك لأشهر، لكنهم كانوا يتهمون الشباب الذين يرفضون العمل معهم بالتخابر لصالح الجيش، لذا قررتُ مغادرة همام وشقيقاته خوفًا من استهدافه”.
فيديو مقابلة والدة الدر، السيدة فاطمة محمد
الحكم بالإعدام مرتينبيِّنات الاتهام ضد الدُر حمدون هي (وصفة طبية) و(طلقة) فقط، ولا تحتوى الوصفة الطبية على اسمها، وهي خالية من أي تاريخ، كما أنها معنونة بترويسة مكتوب عليها (القائد العام للقوات المسلحة) ما يُشير إلى أنها تعود لفترة قبل الحرب.
وفي 11أغسطس/آب 2024 أصدرت المحكمة العامة حكمًا بالإعدام شنقًا ضد الدر حمدون لمخالفة المادة (51) من القانون الجنائي السوداني للعام 1991، استنادًا على البيِّنات المذكورة آنفًا. تم استئناف هذا الحكم لدى “محكمة الاستئناف” المكونة من ثلاث قضاة، أدلى كلاً منهم برأيه.
رأي القضاة الثلاثةوجاء القرار الأخير لـ “محكمة الاستئناف” بإرجاع ملف القضية إلى المحكمة العامة لتوجيه التُهم المناسبة، والتي وجهت إليها هذه المرة تهمًا بمخالفة المواد 50/51/26. وبعد عُدة جلسات، أصدرت المحكمة العامة للمرة الثانية حكمًا بالإعدام شنقًا ضدها. و للمرة الثانية أيضاً تنتظر الدُر حمدون قرار محكمة الاستئناف الذي لم يصدر حتى الآن.
على أي أساس حُكم على الدر بالإعدام؟تتعلق المادة (50) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 ـ تعديل 2020 ـ كما هو موضح على النسخة المنشورة بالجريدة الرسمية لحكومة السودان العدد 1904 الصادر بتاريخ 13 تموز/ يوليو بتقويض النظام الدستوري، وتنص على أن “من يرتكب أي فعل بقصد تقويض النظام الدستوري للبلاد أو بقصد تعريض استقلالها أو وحدتها للخطر، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله”.
أما المادة (51) فتتعلّق بإثارة الحرب ضد الدولة، وتنص على أنّه “يعد مرتكبًا جريمة إثارة الحرب ضد الدولة ويعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أوالسجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله من:
(أ) يثير الحرب ضد الدولة عسكريًا بجمع الأفراد أو تدريبهم أو جمع السلاح أو العتاد أو يشرع في ذلك أو يحرض الجاني على ذلك أو يؤيده بأي وجه، أو
(ب) يعمل بالخدمة العسكرية أو المدنية لأي دولة في حالة حرب مع السودان أو يباشر معها أو مع وكلائها أي أعمال تجارية أو معاملات أخرى، أو
(ج) يقوم في داخل السودان، دون إذن من الدولة، بجمع الجند وتجهيزهم لغزو دولة أجنبية أو يقوم بعمل عدائي ضد دولة أجنبية يكون من شأنه أن يعرض البلاد لخطر الحرب، أو
(د) يخرب أو يتلف أو يعطل أي أسلحة أو مؤن أو مهمات أو سفن أو طائرات أو وسائل نقل أو اتصال أو مبان عامة أو أدوات للمرافق العامة كالكهرباء أو الماء أو غيرها بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي .
وتخصّ المادة (26) المعاونة، وتنص على : (كل من يعاون على ارتكاب أي فعل، يشكل جريمة بقصد تسهيل وقوعها ، تطبق بشأنه أحكام المادة( 25 ) الخاصة بالتحريض، ويعاقب بالعقوبة المقررة للمحرض بحسب الحال).
يقول الخبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان المعز حضرة: “إن كافة أحكام الإعدام الصادرة مؤخراً هي عبارة عن أحكام ظنية ولم تقم على أُسس منطقية، ولو طبق القاضي الذي أصدرها مبدأ المحاكمة العادلة لقام بشطب البلاغات”.
وأضاف حضرة، أن السلطة القضائية والنيابية في السودان أصبحت “مخلب قط” لتنفيذ توجيهات السلطة السياسية، لافتًا إلى أن مثل هذه المحاكمات تُرسل رسائل سالبة بأنه لا يُوجد قضاء عادل ومحايد في السودان، وقال أيَضًا: “لا يمكن محاكمة امرأة بالإعدام لوجود صور أو محادثة على هاتفها فقط”.
كما كشف عن منع بعض المتهمين من مقابلة محاميهم، والقبض على محاميين حاولوا الدفاع عن بعض المتهمين.
كما أن إجراءات السلطات السودانية، بما في ذلك أحكام الإعدام، والاعتقال والتفتيش دون إذن من النيابة العامة، أو الاحتجاز لفترات طويلة دون توجيه تهمة، أو تدوين بلاغات استنادًا على أدلة غير كافية لا تتوافق مع نصوص المواد الموجهة إليهن، تخالف عددًا من القوانين والمواثيق الدولية الموقع أو المصادقة عليها السودان، ومنها المواد 6.(1)، 6 .(2)، 9.(1)، 10.(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمواد (6)، و 7 (1. د)، 7 (2) ، و(26) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (ميثاق بانجول).
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مواد ميثاق (بانجول)
16 امرأة واجهنَ الإعدام!
أكملت غفران عثمان (21 عامًا) شهرها السابع في سجن للنساء بولاية (كسلا) شرقي السودان بعيدة عن طفلتها مستبين ذات الثلاث سنوات، في انتظار قرار محكمة الاستئناف بعد أن أصدرت المحكمة العامة حكمًا ضدها بالإعدام شنقًا بسبب ترحمها على قائد بقوات الدعم السريع اتهمت على أثره بالتعاون معها.
غفران عثمان – الصورة مقدمة من والدهاواعتُقلت غفران، مساء الثامن من يوليو/ تموز 2024، بعد مداهمة منزلها، واقتيادها لمقر القوات الخاصة بمدينة حلفا، وهناك أخرج ضابط من هاتفه “لقطة شاشة” لتعليق قال إنه يعود لها وهي تترحم على قائد الدعم السريع علي يعقوب، ثم بدأ التحقيق معها لساعات طويلة وترحيلها إلى مايُعرف بـ “الخلية الأمنية” بمدينة كسلا.
وبعد 49 يومًا من الاحتجاز داخل الخلية، تم نقلها إلى مقر (المباحث المركزية) في زنزانة منفردة، لتنقل بعدها إلى سجن النساء بمدينة (كسلا)، لتبدأ جلسات المحاكمة الاستماع للشهود ومنهم مهندس يتبع لنيابة المعلوماتية بمدينة كسلا ، والذي نفى أن تكون لقطة الشاشة التي تظهر الترحم على قائد الدعم السريع تم إخراجها من هاتفها، وفي 11 نوفمبر 2024، أصدرت محكمة الجنايات بمدينة كسلا حكمًا بالإعدام شنقًا ضدها بموجب المواد 50\51 من القانون الجنائي السوداني.
برًّرت المحكمة حكمها بالإعدام، لتأييد غفران “قوات الدعم السريع” استنادًا إلى “لقطة الشاشة” ذاتها وبعض التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي. بحسب محاميها، الذي تابع: “هذه المبرًّرات لا ترتقى للإدانة بالإعدام، ارتكب القاضي خطًأ قانونيًا فادحًا، ونحن بانتظار قرار محكمة الاستئناف الذي لم يصدر حتى الأن”.
وبتاريخ 28/ يناير/ كانون الثاني/ 2025 تم ترحيل غفران عثمان من سجن كسلا الذي ظلت محتجزة فيه قُرابة أربعة أشهر إلى سجن بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة.
تقول عضوة المكتب التنفيذي لمحامي الطوارئ، رحاب المبارك إن 16 حكمًا بالإعدام صدر ضد نساء في ولايات (البحر الأحمر والشمالية وكسلا والقضارف والنيل الأبيض ونهر النيل والمناقل بولاية الجزيرة، وكرري شمالي أم درمان بولاية الخرطوم)، موضحةً أن عشرات النساء في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق يواجهن أحكامًا مماثلة، فيما لا تزال أخريات قيد الاعتقال في انتظار المحاكمة.
وأضافت المبارك، أن الخلية الأمنية بمدينة الدمازين – ولاية النيل الأزرق اعتقلت في الثاني من يناير 2025 خمس نساء وتعرّضنَ للتهديد بالسجن عشر سنوات، إن لم يعترفن بتعاونهن مع “قوات الدعم السريع”، وكشفت عن امتلاء السجون والمعتقلات في مدينة الدمازين بالنساء ورفض السلطات الأمنية لمنظمة الصليب الأحمر زيارة النساء المعتقلات.
وتُرجح المحامية إقبال محمد علي، تزايد عدد النساء المختفيات في الفترة الأخيرة بسبب الاعتقال غير القانوني الذي تمارسه السلطات الأمنية في السودان، تقول: “جزء من النساء المختفيات قسريًا يتم اعتقالهن واحتجازهن ومحاكمتهن بالإعدام بمثل هذه المواد المستندة على بيِّنات غير كافية لا ترتقي لمستوى الادانة”.
مقتل الابن والحكم على الأم بالإعدامصباح الثاني من سبتمبر 2023 أسقطت طائرة حربية براميلًا متفجرةً على ميدان يلعب به أطفال في منطقة (الكلاكلة ود العَقلي) شرقي العاصمة الخرطوم، ما أدّى لمقتل عدّة أطفال، بينهم طفل يبلغ عمره 14عامًا، ابن السيدة عائشة محمد ( اسم مستعار ) 32 عامًا، مع صديقه. تذكر (عائشة ) ذلك اليوم وتقول: “خرجتُ فوجدت أشلاء الجثث مبعثرة على الأرض، لم تكن هناك جثة كاملة جميعهم ممزقون، هنا كف يد، وهناك فروة رأس، وعلى بعد مسافة جزء من قدم، حتى الأشجار المحيطة بالميدان احترقت وتفحمت”.
تم نقل أشلاء الجثث إلى المستشفى التركي القريب من المنطقة، وهناك أجبر أفراد من “الدعم السريع” عائشة على تصوير فيديو انتقدت خلاله القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، لم يكن أمامها خيار آخر، لأنها كانت تريد استلام جثة ابنها وتخاف على زوجها الذي يعمل في الشرطة القضائية فصوّرت الفيديو.
والد الطفل القتيل يحمل جثمانهلم تستطع عائشة البقاء في تلك المنطقة بعد مقتل ابنها، فانتقلت إلى منطقة القوز احدى قرى ولاية الجزيرة ، ومنها إلى ولاية كسلا ثم إلى مصر، حيث كانت تريد الابتعاد لنسيان حادثة مقتل ابنها لكنها لم تستطع فعادت إلى كسلا مرة أخرى. وبعد أسبوع بلغت جارتها عنها طمعًا بمبلغ 400 ألف جنيه سوداني وقطعة الأرض التي خصصها والي الولاية كحافز لكل من يبلغ عن أي شخص يعتقد أنه متعاون مع “قوات الدعم السريع”.
اعتقلت عائشة في مقر “الخلية الأمنية” بمدينة كسلا، ضمن مكان على شكل صفوف دراسية، وتم وضعها داخل فصل لا يوجد فيه كهرباء أو مياه للشرب أو حتى أسرّة نوم، وتقول: “كنت أفرش ثوبي على الأرض وأنام، تمت معاملتي بقسوة، اسمعوني شتائم لا أستطيع نطقها، قالوا لي انت “متعاونة“، كنت أحاول أن أوضح لهم أنني فقط أم قتل ابنها، لكنهم كانوا يقولون لي أنت كاذبة، ويأتي أحدهم لضربي، وأخر لشتمي، أعاني الآن من ألم في قدمي اليمنى بسبب ضربي بعصا من قبل أحد العساكر، عذبوني لدرجة أنني تمنيت أن أموت.
بعد ذلك تم تحويلها إلى المحكمة، استمرت محاكمتها لثمانية جلسات، تقول عائشة إن القاضي اتهمها بالكذب وادعاء مقتل ابنها بالرغم من أنه على قيد الحياة، وتساءلت متعجبة هل توجد أم تتمنى لابنها الموت بهذه الطريقة؟!، وتابعت: “قدمت للمحكمة صورة من شهادة ميلاده ورقمه الوطني، وصورة شخصية له، وصورة أخرى لجثمانه الممزق داخل كيس، لكنه أصر على موقفه.
سجون سيئة السمعةلم تستطع والدة الدُر حمدون مقاومة دموعها وهي تروي معاناة ابنتها داخل سجن النساء بمدينة عطبرة الذي أُحتجزت فيه قُرابة ستة أشهر قبل ترحيلها إلى سجن بورتسودان مطلع يناير/ كانون الثاني/ 2025.
تقول السيدة فاطمة محمد: “تنام ابنتي على الأرض لعدم وجود أسرّة أو حتى مفارش داخل السجن، ما تسبب لها باحمرار في الجلد بدا واضحًا جدًا خلال زيارتها الأخيرة لها، إلا أن ذلك كله لا يعد أكثر صعوبة من وجود الثعابين داخل السجن، تمسح السيدة دموعها وتكمل: “قالت لي ابنتي، توجد ثعابين داخل السجن يا أمي، تخرج أثناء نومنا على الأرض فنستيقظ فزعين”.
تعاني (الدر) منذ طفولتها من نقص في الكالسيوم ومشاكل صحية في الأسنان واللثة ما يجعلها تحتاج لعدد من الفيتامينات بشكل شهري، لكنها غير متوفرة في السجن، تقول والدتها: “لم نستطع توفيرها لها منذ أشهر”.
الأوضاع داخل سجن النساء بمدينة كسلا الذي سُجنت فيه غفران عثمان لأربعة أشهر لا تختلف كثيرًا عن سجن عطبرة، ووفقًا للمحامية رحاب المبارك فان حالة غفران الصحية سيئة للغاية، وذلك بسبب طول مدة احتجازها التي استمرت لـ7 أشهر منذ تاريخ اعتقالها، وقالت المبارك إن الفتاة بجانب تدهور صحتها و إصابتها بالتهاب حاد تطلب أخذ المحاليل عبر الوريد، فإنها لا تزال تعاني من مضاعفات (حمى الضنك) التي تعرضت لها أثناء النزوح المتكرر، هذا إضافة إلى تدهور وضعها النفسي بسبب ابتعادها عن طفلتها.
بتفويض من القوات المسلحة السودانيةوفقًا لمستند حصلت عليه معدّة التحقيق فإن النيابة المختصة رفعت أوراق البلاغ لمحاكمة غفران عثمان وأسندت إليها تهمًا تحت المواد 50\51 بعدما أفاد المبلغ المفوض من القوات المسلحة السودانية بأنها تدعم قوات الدعم السريع المتمردة.
وأكد محامو دفاع عن محكومات بالإعدام – تحدثت معهم معدّة التحقيق-، أن المبلغ عنهن أشخاص مفوضين من القوات المسلحة السودانية لتدوين بلاغات ضدهنَّ بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع.
عرضت معدّة التحقيق ما لديها من شهادات وحقائق حول قضية أحكام الأعدام التي صدرت بحق نساء سودانيات دون أسس وأدلّة متينة، على القوات المسلحة، إلّا أنّها لم تتلقَّ أي رد حتّى لحظة نشر التحقيق.
الوسومالدر حمدون الدعم السريع السجون السودان القوات المسلحة النيابة بورتسودان كسلا محامو الطوارئ