السفير محمد العرابي يكتب.. قوة مصر الناعمة
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
قطعت الدولة المصرية شوطاً كبيراً فى كل مناحى الحياة، أدى ذلك إلى تميز مصر بأنها دولة راسخة مستقرة، فمصر أصبح لها صوت واحترام وتقدير من كل دول العالم، وسياستنا الخارجية قامت على دبلوماسية راقية تقوم على السلام والاستقرار والتنمية. ونحن الآن نتطلع إلى مسار جديد يحافظ على الاستقرار ويعزز فرص التقدم والنمو، خاصة ونحن نترقب بداية فترة رئاسية جديدة سيكون أبرز مميزاتها أننا حققنا الأساس الجيد لانطلاقة أكثر طموحاً.
من أهم التحديات التى تواجه الجمهورية الجديدة الأخطار العابرة للحدود وعلى رأسها الإرهاب وتغيرات المناخ والأوبئة والحروب الحديثة بجيليها الرابع والخامس، فهناك 3 مبادئ تحكم الجمهورية الجديدة لمدة 10 سنوات وهى الاستقرار والسلام والتنمية، ومصر الآن تمر بمرحلة الدولة الراسخة.
قد يكون الهدف الأهم للجمهورية الجديدة هو العمل على خلق فرص عمل للشباب وفتح أفق أكثر تفاؤلاً لمستقبل أفضل للشباب، وقد تكون إحدى الوسائل تشجيع القطاع الخاص على النمو وإقامة مشروعات تقدم فرص عمل حقيقية للشباب. وفى سبيل تحقيق بناء المجتمع من المهم تطوير الخدمة الطبية بمختلف مكوناتها، فعلى الرغم من المبادرات الرئاسية فى هذا الشأن، فإن هناك دائماً مجالات للتطور وتحسين الخدمة الطبية ووضعها فى متناول الجميع، واتصالاً بهذا الموضوع فإن الاهتمام بعناصر الحفاظ على البيئة أمر فى غاية الأهمية، كذلك القضاء على التلوث المناخى يحافظ على بنية صحية جيدة وهو موضوع مهم لأن من شأنه تخفيف الضغط على الخدمة الطبية.
من الأمور المهمة أيضاً وضع خطة لتعزيز أدوات القوى الناعمة للدولة المصرية والانخراط فى مبادرات للاستفادة من قدرات مصر التى تملكها فى هذا الشأن، كذلك تعزيز القوة الذاتية فى مجالات الأمن الغذائى وأمن الطاقة وأمن المياه. نحن نسير بمنهج متصاعد يدفع إمكانياتنا للأمام، وعلينا الحفاظ على قوة الدفع ونحن نعيش فى حدود ملتهبة ومنطقة مضطربة وعالم متسارع بمحددات جديدة.
القوى الناعمة تمثل القدرة على التسلل لعقول وقلوب الآخرين وتستخدم بشكل فعال فى تقويض الدول المركزية من خلال اللعب على أوتار الدين واللون والعرق. السياسة الخارجية المصرية تعتمد على القوى الناعمة فى إبراز صورة مصر الحقيقية والتصدى لمحاولات تشويهها، ودليل على ذلك ما قامت به الدبلوماسية المصرية خلال العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ ونكسة يونيو ١٩٦٧ وسفر الفنانين المصريين للخارج لدعم المجهود الحربى المصرى، كما تم توظيف القوى الناعمة جيداً بعد ٣٠ يونيو، ونجاح مصر فى تحقيق الاستقرار داخل مصر مقارنة بالدول المجاورة أسهم فى تحول موقف بعض الدول من رفض التعاون مع مصر إلى قبولها والسعى للتعامل معها.
الدبلوماسية المصرية حققت نجاحات كبيرة فى مختلف الدوائر فى التصدى لجميع التهديدات والمحاولات التى استهدفت زعزعة الأمن القومى المصرى، لكن تظل القضية المحورية الدائمة فى السياسة الخارجية المصرية هى القضية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية هى موضوع الساعة وكل ساعة، وإدارة الأزمة منذ بدايتها إدارة عظيمة من قبَل القيادة السياسية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بدأت باجتماع مجلس الأمن القومى ووضع ٦ نقاط هى محور التحركات المصرية حتى الآن، والرؤية المصرية محل تقدير واحترام من العالم كله، خاصة فيما يتعلق بضرورة وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية والغذائية لقطاع غزة.
مصر حريصة على تخفيض التوتر بالإقليم وتحقيق الاستقرار والسلام، مصر تتحرك برصانة وعقل لحل الأزمة، وجهودها تتركز على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. العالم كله يثق فى الوساطة المصرية وكذلك الأطراف المعنية بالأمر، والأطراف على وشك الوصول إلى مرحلة الإنهاك واللجوء إلى طاولة التفاوض للوصول إلى أفق سياسى يعطى الشعب الفلسطينى أملاً فيما هو قادم.
* وزير الخارجية الأسبق
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مكانة مصر الجمهورية الجديدة القوى الناعمة
إقرأ أيضاً:
محمد خزعل يكتب: تهويد القضية الفلسطينية
تعاني القضية الفلسطينية منذ عقود من محاولات التهويد والتغيير الديموغرافي الممنهج، حيث تسعى إسرائيل إلى طمس الهوية الفلسطينية، وإعادة تشكيل التركيبة السكانية في الأراضى المحتلة لصالح المستوطنين اليهود.. ومن أبرز الأدوات التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق ذلك، سياسة التهجير القسري للفلسطينيين إلى دول الجوار، خاصة مصر والأردن، بهدف تقليل الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.. بل إنها تسعى لتهويد القضية، من خلال عدة وسائل، أهمها:
الاستيطان: حيث تواصل بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بهدف تغيير الطابع الديموغرافي والجغرافي للمناطق الفلسطينية.
التهجير: بالضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم عبر سياسات التهجير القسرى، مثل القصف المتواصل على أراضيهم وخصوصا غزة، وهدم منازلهم في الضفة الغربية، وسحب الإقامات من المقدسيين.
طمس الهوية الثقافية والدينية: بالسعى إلى السيطرة على الأماكن المقدسة «الإسلامية والمسيحية»، وتغيير المناهج التعليمية، ومحاولة فرض الطابع اليهودي على القدس.
فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية: بهدف إجبار الفلسطينيين على البحث عن حياة أفضل في الخارج، ما يسهل تهجيرهم بشكل غير مباشر.
وتعتمد إسرائيل على عدة استراتيجيات لإجبار الفلسطينيين على مغادرة وطنهم، وتعد مصر والأردن من أبرز الوجهات المحتملة لهذا التهجير، لعدة أسباب:
بالنسبة لمصر: لقرب قطاع غزة من حدودها، ومعاناة الفلسطينيين من الحصار، تُطرح سيناريوهات تهجير سكان غزة إلى سيناء، وهو ما ترفضه مصر بشدة.
بالنسبة للأردن: تستقبل المملكة بالفعل أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وتحاول إسرائيل الدفع بمزيد من الفلسطينيين إلى الأردن لجعلها «الوطن البديل»، وهو ما ترفضه الحكومة الأردنية رفضا قاطعا.
وكان لمصر على مدار عقود أدوار بارزة تجاه القضية الفلسطينية، ودائما ما تكون الرسالة الواضحة لقيادتها السياسية بالتأكيد على أنّ الحل العادل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وليس عبر تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، وتأكد الموقف المصري من تهجير الفلسطينيين، حيث اتخذت القاهرة موقفا حاسما تجاه هذه المسألة، فأكدت القيادة السياسية مرارا رفضها القاطع لأي مخططات تهدف إلى التهجير القسري للأشقاء من غزة، حيث تؤكد مصر أنّ تهجير الفلسطينيين سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإعطاء الشرعية للاحتلال الإسرائيلي لمواصلة توسعه.
كما تعمل مصر دوما على القيام بدورها المسؤول، وتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للفلسطينيين في المحافل الدولية، لمنع تنفيذ أي مخططات إسرائيلية تستهدف تهجيرهم، وتصفية قضيتهم.
وكما هو الحال مع مصر، يرفض الأردن رفضا قاطعا أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيه، حيث يعتبر ذلك تهديدا لاستقراره وأمنه الوطني، حيث أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أيضا أن «الأردن ليس الوطن البديل»، مشددا على ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وفقا للشرعية الدولية.
إن تهويد القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار يشكلان خطرا وجوديا على الشعب الفلسطيني، وهو ما يواجه برفض عربي ودولي.
وبجانب دور مصر والأردن في منع تهجير الفلسطينيين والتأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، يبقى التحدي الأكبر هو مواجهة السياسات الإسرائيلية الساعية إلى فرض واقع جديد على الأرض، عبر المقاومة الدبلوماسية والسياسية، وتعزيز صمود الفلسطينيين على أراضيهم.