في انتقادات تعد الأولى من مسؤول رفيع بالجيش السوداني، حذر نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، من "تسييس المعسكرات المخصصة لتدريب الشباب الذين تطوعوا للقتال إلى جانب الجيش"، وشدد على ضرورة "ضبط عمليات توزيع السلاح على المتطوعين".

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، دعا في يناير الماضي "كل من يستطيع حمل السلاح إلى الانضمام لحماية البلاد من قوات الدعم السريع"، مما مهد الطريق لفتح معسكرات تدريب الشباب تحت اسم "المقاومة الشعبية".

لم يتوقف حديث كباشي، الذي كان يخاطب مجموعة من الجنود في مدينة القضارف، بشرق السودان، على أهمية وضع قانون ينظم عمل المقاومة الشعبية، وإنما مضى إلى أبعد من ذلك، وقال إن "المقاومة الشعبية يمكن أن تتحول إلى خطر يهدد أمن السودان، إذا لم يتم التعامل بالقانون في توزيع السلاح".

ما هدف الرسالة؟

تباينت التفسيرات بخصوص حديث نائب القائد العام للجيش، بين من يرى أنها محاولة لإظهار حياد الجيش تجاه المنظومات السياسية، وبين من يرى أنه رسالة موجهة إلى عناصر نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، الذين تتهمهم قوى الحرية والتغيير بالسيطرة على المقاومة الشعبية.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، مرتضى نورين، أن "حديث كباشي رسالة واضحة إلى عناصر النظام السابق، لرفع أيديهم عن معسكرات المتطوعين".

وقال نورين لموقع الحرة، إن "عناصر نظام البشير سيطروا كليا على معسكرات وقيادة المقاومة الشعبية، ضمن مشروعهم للعودة إلى السلطة مجددا، لأن كتائب المقاومة الشعبية باتت لاعبا أساسيا في معادلة القتال، وصناعة القرار العسكري".

ولفت إلى أن "عددا من ولاة الولايات السودانية أصدروا قرارات بحظر نشاط عضوية تحالف الحرية والتغيير الذي كان يقود الاحتجاجات ضد نظام البشير، وسمحوا لحزب البشير الذي تم حله عقب الثورة السودانية بالعمل مجددا، مما يؤكد على أن معسكرات المقاومة الشعبية أُنشئت لأغراض سياسية وليست عسكرية".

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن "ما يدلل على أن الرسالة موجهة لعناصر النظام السابق، هو الهجوم الكثيف الذي صوبه ناشطون وصحافيون موالون للبشير على كباشي في مواقع التواصل الاجتماعي، عقب انتقاده المقاومة الشعبية".

بعد إعلان 18 أبريل.. هل تنجح واشنطن في إحياء مفاوضات السودان؟ بعد نحو شهرين من توقف المحادثات التي جرت بين الجيش وقوات الدعم السريع، في البحرين، قال المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، إن "الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل"، ما أعاد النقاش مجدداً عن فرص نجاح التفاوض بين الطرفين، بعد سلسلة من الجولات الفاشلة.

في المقابل يشير المحلل السياسي، عز الدين المنصور، إلى أن "كباشي سعى لتوجيه رسائل إلى الخارج، تحديدا إلى الدول التي ترعى المفاوضات بين الجيش والدعم السريع، أكثر من كونه يريد فعلا إصلاح المقاومة الشعبية، وضبط عمليات التسليح".

وقال المنصور لموقع الحرة، إن "قادة الجيش متهمون بالوقوع تحت سيطرة قادة نظام البشير، وأن قرار الجيش ليس بيدهم وإنما بيد عناصر النظام السابق، ولذلك سعى كباشي لنفي هذه التهمة، قبل جولة المفاوضات المرتقبة في 18 أبريل المقبل".

وأشار إلى أن "كباشي رحب خلال خطابه بالتفاوض مع الدعم السريع، وفق شروط محددة، بينها الخروج من الأعيان المدنية وتعويض المواطنين، مما يدلل على أن موقفه الناقد للمقاومة الشعبية يهدف لتطمين رعاة التفاوض بأن الجيش ليس رهينة لقادة نظام البشير".

وكان المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، أعلن الثلاثاء، أن "الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل"، وذلك بعد أكثر من شهرين من آخر محادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وسبق أن أجرى كباشي مفاوضات غير معلنة مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في العاصمة البحرينية، المنامة، في يناير الماضي، لكن المفاوضات توقفت عقب تسريب معلومات عنها.

واتهمت قوى الحرية والتغيير عناصر نظام البشير "بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي، لقطع الطريق على مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع"، بينما ينفي قادة بالنظام السابق التهمة.

"سيناريو الحرب الأهلية"

أبرز الانتقادات التي وجهها نائب القائد العام للجيش إلى المقاومة الشعبية، تمثلت في التحذير من أن تتحول إلى خطر يصعب السيطرة عليه، "حال لم يتم وضع ضوابط مشددة لعمليات توزيع السلاح على المتطوعين"، مما اعتبره مختصون "محاولة لتفادي سيناريو تأسيس الدعم السريع كقوة مساندة للجيش".

ويرى نورين أن "نظام البشير ظل يعتمد على الحشد الشعبي والمقاتلين المتطوعين لمواجهة حركات التمرد في جنوب السودان وكذلك في دارفور، مما أدى إلى ظهور كتاب الدفاع الشعبي ومليشيا الجنجويد ومليشيا الدعم السريع وغيرها، كقوات موازية للجيش".

ولفت إلى أن "تلك المليشيات أسهمت في إضعاف الجيش، لأن نظام البشير كان يطورها ويغذيها بالأسلحة مقابل إهمال الجيش، ولذلك تحولت إلى أزمة على نحو ما حدث مع قوات الدعم السريع، التي رفضت شروط الجيش لإدماج مقاتليها في صفوفه، مما أدى لنشوب الحرب في 15 أبريل الماضي".

كان نظام البشير أسس في تسعينيات القرن الماضي قوة باسم الدفاع الشعبي للقتال إلى جانب الجيش، كما أنشأ قوة باسم حرس الحدود يقودها الزعيم الأهلي في غرب السودان، موسى هلال، قبل أن تنبثق منها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وأضاف المتحدث ذاته "من غير المعقول أن يكرر الجيش ذات الخطأ ويسمح بتسليح كتائب المقاومة الشعبية دون رقيب أو ضابط، وربما لذلك أعلن الكباشي عن قانون لتنظيم المقاومة الشعبية".

بدوره، يرى المنصور، أن "كتائب المقاومة الشعبية يمكن أن تقود السودان إلى مربع الحرب الأهلية، لأن المعسكرات جرى إنشاؤها على أساس قبلي ومناطقي، إذ أقيمت في ولايات تقع وسط وشمالي وشرقي السودان، لمواجهة قوات الدعم السريع التي ينحدر قائدها ومعظم مقاتليها من غرب السودان".

وأشار إلى أن "أغلب الخطاب السائد في معسكرات المقاومة الشعبية ينطلق من أسس قبلية ومناطقية، ويهاجم قبائل الرزيقات والمسيرية والحوزامة، التي تعد الحاضنة الاجتماعية والقبلية لقوات الدعم السريع، مما ينذر بخطر التحشيد القبلي، كأحد أسباب الحرب الأهلية".

ولفت إلى أن "أكبر المخاطر تتمثل في أن تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية فكرة المقاومة الشعبية للتسلل إلى المعسكرات وإلى ميادين القتال لتنفيذ أنشطة إرهابية، تحت ستار المقاومة الشعبية".

وأضاف المتحدث ذاته أن "كتائب المقاومة الشعبية، إن لم تضع السودان أمام سيناريو الحرب الأهلية، فإنها ستتحول إلى مليشيا تابعة لنظام الرئيس السابق عمر البشير، مما يصعّب مهمة إنهاء الحرب والوصول إلى سلام، ما لم تمنح المفاوضات حزب البشير الذي تم حله الحق في ممارسة العمل السياسي".

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: کتائب المقاومة الشعبیة قوات الدعم السریع الحرب الأهلیة نظام البشیر إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما حقيقة زيارة قائد الجيش السوداني لجبهات القتال في ولاية سنار؟

أعلنت قوات الدعم السريع، التي تحارب الجيش السوداني منذ أكثر من عام، أنها سيطرت، السبت، على عاصمة ولاية سنار ذات الأهمية  الاستراتيجية.

وبالتزامن مع اشتداد المعارك هناك، نشرت مواقع إخبارية وصفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو قيل إنه يُظهر وصول قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى الميدان، إلى جانب قواته، في تلك الولاية التي تربط وسط السودان بجنوبه الشرقي.

ويظهر في الفيديو المتداول على مواقع التواصل مثل فيسبوك ومنصة إكس، البرهان، بين جنود، في حالة ترحيب وهتافات. وجاء في التعليقات المرافقة أن المشاهد تُظهر وصول البرهان إلى "الميدان في سنار".

وحسب ما وقع عليه صحافيو خدمة تقصي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس، بدأت هذه المنشورات تظهر على مواقع التواصل في السودان في الأيام الأخيرة من يونيو 2024، بالتزامن مع المعارك الدائرة في الولاية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي".

"دخول مربك" مع زيارة البرهان.. ماذا تعني سيطرة الدعم السريع على سنجة؟ بعد أيام من استيلائها على مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، في غرب السودان، أعلنت قوات الدعم السريع، في بيان، السبت، سيطرتها على مقر الفرقة 17 مشاة، في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، جنوب شرق البلاد.

والسبت، أعلنت قوات الدعم السريع أن قواتها سيطرت على الفرقة 17 مشاة التابعة للجيش في مدينة سنجة بولاية سنار.

وقال سكان في المدينة لوكالة فرانس برس، إن "قوات الدعم السريع انتشرت في شوارع سنجة"، فيما أفاد شهود عيان بأن طائرات تابعة للجيش تحلّق في سماء المدينة إضافة إلى سماع إطلاق نيران مضادات أرضية.

وقبيل إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على سنجة، تحدث شهود عيان لوكالة فرانس برس عن اشتباكات تدور في الشوارع و"حالة من الهلع بين المواطنين الذين يحاولون الفرار". 

ومن شأن سيطرة قوات الدعم السريع على هذه الولاية أن تتيح لها تشديد الخناق على بورتسودان الواقعة على البحر الأحمر، حيث يتمركز الآن الجيش والمؤسسات الحكومية ووكالات الأمم المتحدة.

فيديو قديم

إلا أن الفيديو المتداول ليس حديثاً، مثلما ادعى ناشروه، فالتفتيش عنه على محركات البحث يظهر أنه منشور في يناير الماضي، مما ينفي أن يكون حديثًا.

ونشر الفيديو (أرشيف) وكالة الأنباء السودانية في 31 يناير الماضي، وقالت إنه يُظهر استقبالاً للبرهان في مدينة سنار.

ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 حرباً دامية بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد ومنطقة غرب دارفور الشاسعة إضافة إلى جزء كبير من كردفان إلى الجنوب.

وتؤوي ولاية سنار أكثر من مليون نازح سوداني، وهي تربط وسط السودان بجنوب شرقه الذي يسيطر عليه الجيش.

مقالات مشابهة

  • الانتحار السوداني ... متى يتوقف وكيف؟!
  • حرب السودان.. تدمير جسر الحلفايا الرابط بين بحري وأم درمان
  • ما حقيقة زيارة قائد الجيش السوداني لجبهات القتال في ولاية سنار؟
  • مسؤولون: قوات الدعم السريع تفتح جبهة قتال جديدة في وسط السودان
  • قوات الدعم السريع تعلن سيطرتها على مدينة رئيسية في السودان
  • الدعم السريع يعلن سيطرته على مدينة رئيسية في السودان
  • أفريكا إنتليجنس: الحرس القديم لعمر البشير في صفوف حميدتي
  • تصفية الأسرى في حرب السودان.. ما خفي أعظم!!
  • السودان.. الجيش يتصدى لهجوم في سنجة
  • السودان والأسئلة المفتوحة