فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
هل الأوثان التي تعبد من دون الله هي الجن، كما في قوله تعالى في سورة سبأ: «قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ»؟ هل هذا يعني أن الأوثان التي كانت تعبد هي من الجن؟
المقصود بعبادتهم هؤلاء الصنف من المشركين للجن هو طاعتهم لهم، إما بعبادتهم للأوثان أو بعبادتهم لما يتصورونه مما له تأثير وقوة في حياتهم ونسبوا ذلك إلى الملائكة، فإذا بالملائكة -وهم عباد مكرمون- يتضرعون لربهم جل وعلا ويكشفون أن هؤلاء المشركين كانوا يعبدون الجن أي كانوا يطيعونهم، فالعبادة بمعنى الطاعة، فعبادتهم لهم إما بالوسوسة فتزل بهم العقائد وينحرفوا عن طاعة الله عز وجل وتوحيده وعبادته أو بما كانوا يوهمونهم إياه عند عبادتهم للأوثان، فتظهر بعض التأثيرات أو تخرج بعض الأصوات، فينسبون ذلك إلى تلك الأوثان وفي حقيقة الأمر إنما كان من تزيين شياطين الجن، ومن استخفاف شياطين الجن وكفرة الجن بعقول هؤلاء الذين فرغت قلوبهم من الإيمان بالله تبارك وتعالى ومن التوحيد له، فهذا هو المعنى، وهو يشمل صور عبادة الجن وعبادة الشيطان، وعبادة إبليس، العبادة المباشرة، ويشمل معنى الاستجابة والطاعة لما يوسوس به الشيطان من إبليس وأعوانه من كفرة الجن لهؤلاء، فينحرفون ويزيغون عن الصراط المستقيم ويتبعونهم في التوحيد وفي العبودية وفي الشرائع.
لماذا الإنسان إذا كان وحده يخاف من الجن، ويقول في نفسه: «أنا لا شأن لي بهم وليست لي بهم علاقة، ولن يصيبني إلا ما كتب الله لي» ويعرف أنه خائف لأنه فكر فيهم فقط، ولكن رغم ذلك يظل الخوف والقلق يراودانه ويلتفت يمينا ويسارا ويتخيل ويتوهم أن هناك من يراقبه أو يريد أن يؤذيه، هل يوجد تفسير في الدين للخوف من الجن؟
هذا التعميم غير صحيح حينما يقول: إن الإنسان إذا خلا إلى نفسه فإنه يخاف من الجن، هذا تعميم في غير محله، يمكن أن يصيب هذا الأمر بعض الناس، ومنشأ ذلك إنما هو ضعف في الإيمان وعدم يقين بالله تبارك وتعالى، وأن عقيدة القضاء والقدر أنه لا شيء يمكن أن يصيب هذا الإنسان بضر إلا ما كتب الله عليه، كما قال تعالى: «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك»، فحينما يملأ المسلم قلبه بهذه العقيدة الراسخة ويتعلق هذا القلب بالله تبارك وتعالى محبة فيه وخشية منه وإجلالا وتعظيما، ويقينا بأن شيئا لا يصيبه، إلا من باب الابتلاء من الله تبارك وتعالى وأن الأمور كلها بيد الله عز وجل، حينما يكون قلبه معمورا بذكر الله تبارك وتعالى يلهج لسانه بذكر الله عز وجل، ويستعين بالله تبارك وتعالى بالأذكار الواردة في كتاب الله عز وجل من نحو سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم البقرة، ومن نحو المعوذات وسورة الإخلاص ويحافظ على أذكاره وعبادته في المقام الأول والفرائض التي افترضها الله عليه ويستشعر معانيها ويخشع فيها ويكثر من ذكر الله تبارك وتعالى أدبار الصلوات بأنواع الذكر الواردة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكثر من ذكر الله عز وجل عند مدخله ومخرجه، وإذا نزل بمكان جديد وإذا كان في خلاء وإذا كان في هجعة من الحياة، وإذا كان مقبلا على جمع من الناس وإذا دخل السوق، كل هذه الأحوال فيها أذكار ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فلا ينبغي للمسلم أن يخلي قلبه منها، وأن يكون لسانه جافا لا يذكر ربه تبارك وتعالى، ولا يأتي بهذه الأذكار والأوراد.
فمثل هذا سيكون فارغا، يمكن أن يكون عرضة لأن يصاب بالخوف وأن تتخطفه الأوهام وأن تتملكه مشاعر الخوف، لأن قلبه خال من ذكر الله عز وجل، ولأنه لم يحصن نفسه بالأوراد والأذكار الثابتة، ولذلك فإن من شأن المسلم أن يكون ذاكرا لله تبارك وتعالى ذكرا كثيرا كما أمرنا ربنا تبارك وتعالى وكما أثنى على الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، فلا ينبغي للمسلم أن يخلي قلبه ولسانه من ذكر الله تبارك وتعالى وإلا كان صيدا سهلا لهذه الأوهام وللمخاوف التي يمكن أن تأتي من أي مكان، هذا هو التفسير الديني لهذه الحالة التي يمكن أن تصيب البعض والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى من ذکر الله الله عز وجل یمکن أن من الجن
إقرأ أيضاً:
لماذا سمي شهر رجب بالأصب والأصم ؟.. علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ها نحن في شهر رجب، وهو شهرٌ حرام (لأنه من الأشهر الحُرُم التي يُعظِّم فيها ربنا الآثام. وإن كانت محرمة في سائر السنة، إلا أنها في هذه الأيام تكون أشد حرمة).
وأضاف “جمعة”، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك،، أنه سُمِّي "رجب الفرد" (لأنه يأتي منفردًا خارج الشهور التي تأتي متتابعة: ذو القعدة، ذو الحجة، والمحرم)، و"رجب الأصم" (أي الوحيد، مثل الجذر الأصم في الرياضيات؛ وسُمِّي بذلك لأنه جذر واحد فقط، وقيل: لأنه لا تُسمع فيه قعقعة السلاح للقتال)، و"رجب الأصبّ" (لأن الله يصبّ فيه الرحمات والبركات والسكينة على عباده صبًّا).
وهو تقدمة لرمضان وتهيئة لشعبان، لذا ينبغي علينا أن نستعد لهذا الشهر العظيم، وأن ننتقل من دائرة غضب الله إلى رضاه، ومن معصيته سبحانه وتعالى ومجاهرته بالذنوب ليل نهار إلى المسارعة إلى مغفرته سبحانه وتعالى.
علينا أن نتوب إلى الله، والتوبة الصادقة هي التي يعزم فيها الإنسان على ألا يعود إلى الذنوب أبدًا. ومع ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى خلق ابن آدم خطّاء، كما قال رسول الله ﷺ وهو يعلّمنا كيف نربي أنفسنا : (كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون).
كلمة "خطّاء" و"توّاب" على وزن "فعّال"، وهي صيغة تدل على تكرار وقوع الفعل وكثرته. لذا يجب علينا أن نكرر التوبة، وكلما وقعنا في الإثم أو المعصية، فلا نيأس، بل نعود إلى الله. فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده كما ورد في الحديث الشريف: (لَلّهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها. فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته. فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح).
سيدنا رسول الله ﷺ يفتح أمامنا باب الأمل، ويأمرنا أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى. "ففروا إلى الله"؛ فروا من أنفسكم إلى ربكم، وفروا مما سوى الله إلى الله.