لجريدة عمان:
2025-03-16@20:51:10 GMT

الاجتماع والعمارة في كتاب المساجد

تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT

الاجتماع والعمارة في كتاب المساجد

يمكن اعتبار العالم أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت:1237هـ) من بين المُكثِرين من التأليف أو ممن تركوا آثارا كثيرة من الأعلام المتأخرين، وقد قدم لها دراسة ببليوجرافية الباحث فهد بن علي السعدي ضمن كتابه (قاموس التراث).

ومن بين كتبه التي لم تستوفِ حقها حتى اليوم من الدراسة والتحقيق كتاب (المساجد)، ولعل عنوانه يحيل إلى الفقه أكثر من أي شيء آخر، لكن الحقيقة أن في الكتاب من المسائل في الشأن الاجتماعي ومن الألفاظ الحضارية ومما يتصل بالعمارة وفنونها الكثير.

والكتاب مقسم إلى أربعة أبواب: الأول في المساجد وأحكامها، والثاني في الوصية للمسجد والإقرار والعطية، أما البابان الثالث والرابع فموضوعهما مختلف، إذ جُعِل الثالث في المدارس وأموالها والقول في المتعلمين فيها، والرابع في المحصنة وبناء سور البلد.

جاءت مادة الكتاب بين مسائل نُقِلت عن الفقهاء السابقين، وأكثرهم ممن كانوا في القرن التاسع حتى الثاني عشر الهجري، وبين مسائل عن المؤلف نفسه تبدأ عادة بعبارة تدل عليه، وهي تتميز بأسلوبه الذي سار عليه في عدد من كتبه، وهو أن يجعل المسائل في صورة حوار بين اثنين بعبارة: «قلت له»، و«قال».

وموضوع مسائل الباب الأول في فضل المساجد وبنائها وعمارها والقول في عُمّارِها وما جاء في ذلك من آيات وأحاديث نبوية وآثار. وفي فصل ما يجوز في المساجد من أعمال أو لا يجوز وردت سؤالات عديدة منها مسألة رفع الصوت وإنشاد الشعر والتفريق بين موضوعات الشعر وصلتها بحكم ذلك.

وفي الباب كذلك مسائل في بناء المساجد وصيانتها، ومن يلزمه ذلك، وفي الزيادة فيها لبئر أو برّادة أو قربة ماء، والبرّادة هي غرفة صغيرة للجلوس والانتظار اتقاء الشمس والحر، ومسائل في توسعة المساجد وزيادة الصرح (الفناء الخارجي) أو تغيير المسجد مكان الصرح ومسائل في كسح (تنظيف) المسجد ونضحه بالماء، وما يتعلق بحصره ومائه، وأحكام السراج في المسجد والمراوح. وفي الكتاب أيضًا ناقش أبو نبهان مسألة مواد البناء في تشييد المساجد مثل الحجر مع الجص أو الصاروج أو المدر، وجواز أن تجعل للمسجد أعمدة من الرخام وسقف من الألواح على جرد من الخشب الوثيق بدل جذوع النخل إن أُريدَ بذلك قوة البناء. وفي الباب مسائل كثيرة في موضوعات شتى منها أساسات البناء ومقدار الفسح للمسجد وحكم النقوش والزخارف في المحراب وغيرها.

في الباب الثالث جاء المؤلف بمسائل المدارس، ولعل أغلبها كانت مدارس تعليم القرآن، لكن جاءت إحدى المسائل في الوصية لمدرسة في بلدة ثم تبين أن في تلك البلدة أكثر من مدرسة وجاء السؤال: «إن كان يُدَرّسُ فيُعَلّم في كل واحدة من مدارسها نوع من العلم...»، وقد يفيد ذلك أن بعض المدارس كانت لتعليم علوم أخرى. وبعض تلك المسائل في أموال المدارس وأحكامها، وهي تتشابه مع أحكام أموال المساجد من قبيل أحكام الأموال الموقوفة، وفي الباب أيضا مسائل في وكيل المدرسة وما يلزمه وكيف يتصرف في أموالها، وفيه أيضا جواب طويل لأبي نبهان وفيه تفاصيل كثيرة كدأبه في بعض مؤلفاته، ومسائل عن بعض الفقهاء في معلم القرآن وما يجوز له أو لا يجوز فيمن يُعَلِّمه من الصبيان، وفصّلت تلك المسائل في طبيعة العلاقة بين المعلم والتلاميذ، ثم جواب طويل للمؤلف في تعليم القرآن وحكمه، وما يلزم الوالدان وأهل البلد والحاكم في شأن تعليم القرآن ومدارسه، وفي العلاقة بين المعلم والتلميذ وحدود ما يقوم به المعلم.

أما مسائل الباب الرابع فموضوعها التحصينات في قرى وحارات عُمان، إذ جاءت في أوله مسائل في بناء الحصون وهل يلزم بناؤها إذا انهدمت، ومن الذي يلزمه البناء، ودور مؤسسة الحكم في البناء سواء من قِبَل الوالي أو الإمام، ومسائل في سور البلد من الذي يلزمه بناؤه أو صيانته، وكذللك الزيادة فيه، والأخذ بالسنن والأعراف التي جرى عليها أهل البلد من قبل بشأنه. وتتخلل الباب نوازل واقعة سُئِل عنها الفقهاء السابقون مثل الجواب الذي نقله صالح بن وضاح المنحي (ت:875هـ) عن مشايخه في سور حصن منح وما يجب من بنيانه على من؟ وكذلك ثمة تفاصيل في بعض المسائل عن إصلاح أبواب السور إذا تلفت، وحفر الخندق بحذائه، وأحكام البيوت الملاصقة للسور. كما ورد مثال آخر في شأن سور نزوى وحكم شراء الأبواب والأقفال من ماله، والحكم إن كان ماله غير كافٍ لذلك واجتمع جباة البلد للنظر في مداخل أخرى لتوفير المال اللازم لذلك، وكذلك حكم أجرة البوّاب هل تكون من مال السور أم لا.

وللمؤلف في هذا الباب جواب طويل في بناء الحصن أو الحارة المحصنة فيه تفاصيل كثيرة في البناء وطريقته والمواد المستعملة ومصادر التمويل واتفاق أهل البلد على اختلاف مستوياتهم المعيشية، وهل يعذر من ذلك غير القادرين، وفي أحكام أموال السور وغير ذلك. ولعل هذا الباب قد ذهب موضوعه بعيدًا عن عنوان الكتاب، لكن الحقيقة أن التحصينات في العمارة العمانية تحيط بالبلد إحاطة السوار بالمعصم، وهكذا تشتمل الحارة أو المحلة المحصنة على بيوت ومدارس ومساجد محاطة بالسور والأبراج وتتخللها البوابات.

محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المسائل فی مسائل فی فی الباب

إقرأ أيضاً:

بين دفتين كتاب حكايات شعبية كورية.. نافذة على التراث والثقافة الكورية

تُعد الحكايات الشعبية جزءًا لا يتجزأ من تراث أي أمة، إذ تعكس قيمها ومعتقداتها وطريقة تفكير شعبها عبر العصور. ومن بين الثقافات الغنية بالقصص والأساطير، تبرز الحكايات الكورية التي تحكي قصصًا عن الحكمة، الخير، الشر، والصراع بين الإنسان والطبيعة. في هذا السياق، يأتي كتاب "حكايات شعبية كورية"، الذي يقدّم مجموعة من القصص الكورية التقليدية مترجمة إلى العربية، ليكون جسرًا ثقافيًا ممتعًا بين الثقافة الكورية والقارئ العربي.

صدر هذا الكتاب عن منشورات ذات السلاسل، وهي دار نشر كويتية معروفة بإصداراتها المتميزة في مختلف المجالات الأدبية والثقافية. وقامت بترجمته إلى العربية فضة عبد العزيز المعيل، حيث عملت على نقل هذه القصص بأسلوب سلس يراعي روح النص الأصلي، مما يتيح للقارئ العربي فرصة الاستمتاع بالحكايات الكورية بطابعها الأصيل.

يضم الكتاب مجموعة من القصص الشعبية القصيرة التي تعكس روح الثقافة الكورية وتقاليدها العريقة. بعض هذه الحكايات تدور حول العلاقات الاجتماعية، بينما تركز أخرى على العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبعضها يحمل طابعًا أسطوريًا يرتبط بالمعتقدات القديمة في كوريا. تتنوع الشخصيات في هذه القصص بين البشر والحيوانات والكائنات الخارقة للطبيعة، مما يجعلها ممتعة وغنية بالخيال. الحكايات الشعبية ليست مجرد قصص تروى للتسلية، بل تحمل في طياتها رسائل تربوية وأخلاقية تهدف إلى غرس القيم في نفوس الأجيال الجديدة. من خلال هذه الحكايات، يتعرف القارئ على المبادئ الأساسية التي يؤمن بها المجتمع الكوري، مثل احترام الكبار، أهمية العائلة، الإخلاص، والعمل الجاد. كما أن بعض الحكايات تقدم نقدًا اجتماعيًا ذكيًا يعكس التحولات التي مرت بها المجتمعات الكورية عبر التاريخ.

إن أردنا المقارنة بين الحكايات الشعبية الكورية والعمانية فتمثل الحكايات الشعبية الكورية والعمانية تراثًا غنيًا يعكس تقاليد ومعتقدات كل مجتمع. ومع ذلك، هناك بعض الفروقات والسمات المشتركة بينهما، حيث اذا تحدثنا عن الطابع الأخلاقي والتعليمي فالحكايات الكورية غالبًا ما تركز على أهمية الذكاء، الصبر، والعمل الجاد، بينما تتناول الحكايات العمانية دروسًا حول الشجاعة، الأمانة، والإيثار، مع ارتباط قوي بالموروث الديني والتقاليد العمانية. و عند وصف البيئة والسياق، تعكس الحكايات الكورية بيئة الغابات والجبال والعلاقات بين الإنسان والطبيعة، بينما تميل الحكايات العمانية إلى تصوير حياة البحر والصحراء، مما يعكس طبيعة الجغرافيا العمانية. أما بالنسبة للعناصر الأسطورية في الحكايات الكورية، فتلعب الكائنات الخارقة للطبيعة مثل الثعالب ذات الذيل التسعة (Gumiho) والتنانين أدوارًا بارزة، بينما في الحكايات العمانية، يظهر الجن، السحر، والحيوانات المتكلمة بشكل متكرر. واخيراً تشترك الحكايات في تقديم رسائل أخلاقية وتعليمية، لكن الحكايات العمانية غالبًا ما تعكس المجتمع القبلي وقيم الكرم والشجاعة، في حين تسلط الحكايات الكورية الضوء على احترام التقاليد والعلاقات الاجتماعية.

يعتبر هذا الكتاب إضافة قيمة إلى المكتبة العربية، إذ يفتح نافذة جديدة على الأدب الشعبي الآسيوي، الذي لا يحظى بالكثير من التغطية في العالم العربي مقارنة بالأدب الأوروبي أو الأمريكي. من خلال هذه الحكايات، يستطيع القارئ العربي فهم الجوانب الثقافية والفكرية للمجتمع الكوري، مما يسهم في تعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب.

إضافةً إلى ذلك، فإن ترجمة هذا الكتاب إلى العربية تسهم في نشر الثقافة الكورية وتعريف العرب بها بعيدًا عن الصورة النمطية التي قد تقدمها وسائل الإعلام. فالقصص الشعبية تعكس الحياة اليومية والمعتقدات الحقيقية للمجتمع الكوري، مما يجعلها مصدرًا قيمًا لفهم هذه الثقافة بعمق. إذا كنت من محبي القصص الشعبية والأساطير، فإن هذا الكتاب سيأخذك في رحلة ممتعة عبر الزمن، حيث ستتعرف على شخصيات مثيرة وأحداث مشوقة تحمل معاني عميقة. كما أن أسلوب الترجمة البسيط والممتع يجعله مناسبًا للقراء من مختلف الأعمار، سواء كانوا باحثين عن المتعة الأدبية أو الراغبين في التعرف على الثقافة الكورية بطريقة غير تقليدية.

يمثل كتاب "حكايات شعبية كورية" إضافةً نوعيةً إلى مجال الترجمة الأدبية، حيث يتيح للقارئ العربي فرصة لاستكشاف عالم جديد من القصص والأساطير التي تعكس جوهر الثقافة الكورية. إنه ليس مجرد كتاب للقراءة، بل هو جسر يربط بين حضارتين، ويدعو القارئ إلى الغوص في عالم الخيال الشعبي الكوري الغني بالدروس والعبر. لذا، إذا كنت تبحث عن قراءة ممتعة تحمل في طياتها قيمًا إنسانية وثقافية، فإن هذا الكتاب هو الخيار الأمثل لك.

مقالات مشابهة

  • رمضان ماليزيا.. روحانية لا تنسى نصيبها من الدنيا
  • كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)
  • موسكو وواشنطن تبحثان المسائل العالقة بشأن وقف الحرب في أوكرانيا
  • بين دفتين كتاب حكايات شعبية كورية.. نافذة على التراث والثقافة الكورية
  • المجر تطالب بحماية التراث المسيحي وإغلاق الباب الأوروبي أمام أوكرانيا
  • سكبوا بنزين على الباب.. 5 أشخاص يشعلون النار بشقة أقاربهم بروض الفرج
  • إيران في مواجهة العقوبات: دعم الصين وروسيا يفتح الباب للحوار النووي
  • الكاتب الصحفي صلاح الدين عووضه يروي تفاصيل جديدة عن نجاته من “الوحوش”.. ونجوت!!
  • افتتاح 4 مساجد جديدة في كفر الشيخ | صور
  • لصوص لكن أغبياء.. نسى فتح الباب لشريكته وتسبب في القبض عليها بجريمة سرقة فاشلة