لم تعترض الولايات المتحدة على عملية اجتياح رفح التى تريد إسرائيل تنفيذها كما يعتقد البعض، الخلاف فقط على خطة الهجوم، وهذا ما أكده «جون كيربى» المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى حينما قال: لا يمكن أن نؤيد هجومًا بريًا كبيرًا فى رفح لا يتضمن خطة تضمن أمن 1.5 مليون من سكان غزة، مؤكدًا أن لإسرائيل كل الحق فى القيام بتلك العملية، ولكن بطريقة لا تعرض هؤلاء اللاجئين للخطر!!
إذن نحن أمام رؤية تريد اجتياحًا عسكريًا فى رفح بطعم إنسانى!، إنهم يبحثون عن خطة تُمارس فيها عمليات القتل برفق، ويستمر معها مسلسل الإبادة «بحنية» دون «شوشرة» أو إزعاج لأصحاب الضمائر الحية، هذا هو منبع الاعتراض بكل بساطة وبوضوح شديد، خاصة بعد تزايد موجة الغضب العالمى ضد الجرائم الصهيونية فى غزة، وارتفاع نسبة الأمريكيين الرافضين لتلك العمليات الإسرائيلية إلى 55 فى المئة حسب استطلاع أجرته مؤسسة «جالوب».
فالأحداث تقول لنا إن الولايات المتحدة الحليف الأول والداعم الأكبر لإسرائيل لم تهتم بعدد النساء والشيوخ الذين قتلوا على مدار الأشهر الماضية.. ولن تهتم!، ولم يشغل بالها دفن جيل كامل من الأطفال تحت الركام بنيران المدفعية الغاشم.. ولن يشغل!، وتؤكد لنا الأيام أن هذا الحليف الأكبر لم يهتز ضميره الإنسانى إن وجد لجرائم الإبادة التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.. ولن يهتز!، ولم يتألم هذا الحليف من بشاعة الجثث المترامية فى مدينة يجلس أهلها على حافة المجاعة فى انتظار الموت.. ولن يتألم!
الغريب فى الأمر أن هناك من يعتقد أن هذا الاعتراض بشرة خير!، ويظن أن مسار التحالفات وميزان القوى سيتبدل، ويؤمن بأن هذا الخلاف يمكن أن يتحول إلى صدع كبير يغير مجرى الأحداث، وللأسف أقول لهم بأن هذا اعتقاد خاطئ قائم على أرض واهية، لأن القتلة سيجدون مخرجًا وطريقًا للهجوم وإن تأخر، إنها مسألة وقت ليس أكثر وحسابات تصب فى النهاية لصالح المجرمين كما جرت العادة!
أما الحديث عن جزر إنسانية وخطة إجلاء المدنيين والحفاظ عليهم بشراء 40 ألف خيمة من الصين، فهو كلام فارغ وضحك على الذقون، ومجرد تناول هذا الكلام بجدية وتداوله والترويج له فهو خيانة، فنحن أمام تراث من العنف والجريمة وحلم استيطانى أهم أدواته إبادة الغير، نحن أمام أيام وسنوات وأحداث تثبت أن ما ترتكبه إسرائيل من مذابح ومجازر على مدار عقود طويلة عقيدة مستمرة حتى قتل آخر طفل فلسطينى، تلك العقيدة توجزها صورة نشرتها جريدة «نيويورك تايمز» فى 4 نوفمبر 1956 لرئيس الحاخامين «شاوموكورين» يحمل بيده اليمنى مدفعًا رشاشًا وباليسرى التوراة!
تلك الصورة التى تأتى مطابقة لكلام «زئيف جابوتنسكى 1880 - 1940» فيلسوف العنف والإرهاب فى الحركة الصهيونية، حينما قال لمستشار الطلبة اليهودى فى فيينا: تستطيع أن تلغى كل شيء، أما السيف فلا يمكن إلغاؤه، عليكم أن تحتفظوا بالسيف لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكارًا ألمانيًا، بل هو ملك لأجدادنا الأوائل، إن السيف والتوراة قد نزلا علينا من السماء..!
هذا «الزئيف» الصهيونى صاحب نظرية الجدار الحديدى كتب يقول: لا يمكن للاستعمار الصهيونى أن يتقدم ويتطور إلا تحت حماية قوة مستقلة خلف جدار حديدى، لا يستطيع السكان الأصليون اختراقه، وأن التركيز الوحيد للصهيونية لا بد أن ينصب على تطوير القوة العسكرية اليهودية الذى من شأنه أن يجبر العرب على قبول إقامة دولة يهودية على أرضهم الأصلية، وأوصى هذا «الزئيف» بأن يعامل العرب بلا أدنى رحمة!
وأعتقد أنه لا مجال للمفاجأة أو الدهشة إذا عرفت عزيزى القارئ أن «نتنياهو» الذى يؤمن بأن القوة هى الحل الوحيد لأمن إسرائيل، ولا يؤمن بأى تسويات يكون من شأنها الحديث عن دولة فلسطينية، يمكن أن يتوقف أو يتراجع عن تلك المجازر يومًا ما، فهو أحد ورثة «جابوتنسكى» وامتداد لفكره الدامى.
الخلاصة.. أن أمريكا التى تساند إسرائيل فى جرائمها الوحشية لن تعترض على اجتياح رفح عسكريًا رفقًا بالمدنيين، بل لإيمانها بأن نتائج هذا الاجتياح ستكون كارثية خارج حدود توقعات ضمائرهم الميتة وخارج نطاق السيطرة، وأن هذا الاجتياح ينذر بعواقب مظلمة على المنطقة بأكملها ويمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية!
فى النهاية.. لا بد أن تكون لنا أقوال أخرى وأعمال أخرى وأفعال أخرى وسياسات أخرى، إذا أردنا حماية ما تبقى لنا بعد تلك الوحشية المفرطة التى ترتكبها إسرائيل دون رادع، وتحت مظلة من الاطمئنان المخزى.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب الولايات المتحدة الخلاف إسرائيل جون كيربي أن هذا
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر: لا يمكن أن يعم السلام في العالم وأهل غزة ولبنان يعانون
قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إنه لا يمكن أن يعم السلام في العالم وأهل غزة ولبنان يعانون يوما بعد يوم، وفي منشور على منصة "إكس" أكد شيخ الأزهر، مساء أمس الخميس، أن ارتفاع وتيرة الكراهية والتعصب في العالم هي أحد تأثيرات الصراعات.
وأشار شيخ الأزهر، خلال استقباله رئيس جمهورية إستونيا ألار كاريس، الأربعاء، إلى أن ما سماه العالم الآخر ليس بمعزل عن الحروب والصراعات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط كغزة ولبنان والسودان، ولا تلك التي تحدث في الغرب كأوكرانيا.
وفي منشور آخر في السياق نفسه، أشار الشيخ أحمد الطيب إلى أن الأحداث العالمية المعاصرة أفقدت الكثيرين الأمل في التوصل إلى السلام، لكنه أوضح أن "الأمل معقود على تمسك الشعوب بقيم الدين والأخلاق، والاستثمار في تثقيفهم بقيم الأخوة والمساواة، كي نستطيع أن نصل إلى مرحلة قدرة الشعوب في التأثير على أصحاب القرار السياسي العالمي وليس العكس".
وكان شيخ الأزهر قال يوم الأربعاء على منصة إكس إن عالم اليوم لا يمكن وصفه بالعالم المتحضِّر، بل هو عالم الحضارة المادية، وازدهار اقتصاديات السلاح على نيران الحروب والصراعات التي تنهش أجساد الأطفال الأبرياء.
وفي أغسطس/آب الماضي حذر شيخ الأزهر من المخططات التوسعية الإسرائيلية في العالم العربي، مؤكدا أنه لن يكتفي فقط بمحاولات ابتلاع فلسطين.
وفي منشور له حينها على منصة "إكس"، تجنب الشيخ الطيب ذكر إسرائيل بالاسم قائلا "أنا ممن يؤمنون أن الكيان المحتل قد زُرِعَ في بلادنا ومنطقتنا ليس ليعيش في سلام جنبا إلى جنب مع فلسطين والعالم العربي، وإنما لإضعاف منطقتنا وتشتيت تركيزها عن قضاياها المهمة".
وأضاف شيخ الأزهر محذرا من الأطماع الإسرائيلية في العالم العربي "لو فرضا أن أمانيهم الخبيثة قد تحققت، وأخذوا فلسطين كاملة -ولن يتحقق لهم ذلك بإذن الله- فسيبدؤون في اليوم التالي التخطيط للاستيلاء على جزء جديد من عالمنا العربي، والسطو على خيراته وموارده".
يذكر أن الأزهر سجل مواقف داعمة للقضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وحرص الأزهر على توثيق مواقف وتصريحات للشيخ الطيب منذ ذلك التاريخ، ضمّنها كتابا يحوي ردودا على 18 من "المزاعم الصهيونية" حول القضية الفلسطينية، كزعم "أن السلام هو قبول الآخر وإن كان محتلا، وأن ما يقوم به الفلسطينيون من أعمال عنف وشغب هو من الإرهاب والتخريب".
وجاء فيه قول الشيخ الطيب إن "كل احتلال إلى زوال، وإن كان قُدّر أن يعيش بيننا عدو دخيل لا يفهم إلا لغة القوة، فمن العار أن نخاطبه بلغة أخرى غير التي يفهمها أو يحترمها".
وشكّل دور الأزهر في دعم القضية الفلسطينية منذ "طوفان الأقصى" وحتى قبله في رفض التطبيع مبررا لهجوم إسرائيلي على المشيخة، بلغ حد اتهام شيخ الأزهر "بالحض على الكراهية"، وأن الأزهر الذي يقود نظاما تعليميا فيه نحو مليوني طالب "يشجع على الخطاب العدائي لإسرائيل"، حسب ما ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية مطلع فبراير/شباط الماضي.