قبل سنوات عديدة ذهبتُ ومجموعة من أساتذة الجامعة لبيت القطب الوفدى ياسين تاج الدين حامد بقنا، استقبلنا مرحبا ودارت بيننا مناقشات طويلة حول الحزبية ومشكلات الصعيد والثقافة ودور الإعلام، أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا، كان الرجل ينصت باهتمام مستوعبا حماس الشباب الذى يكتنفه آنذاك، بدا مبتسما وهو يحدد لنا رؤاه تجاه القضايا التى أثرناها وفى فصاحة المحامى المثقف انبرى فى حِجاج أرسطى يرى أن البلاغة تهدف إلى الإقناع وكان له ما أراد، ربما بدت لنا الصورة من جوانبها كافة حيث كنا شبابا لا نرى الأمور سوى من جهة واحدة، كانت أخباره الحزبية والقانونية وتحكيماته الدولية تملأ الأرجاء لكنه كان ابن صعيد مصر وابن مصر البار الذى آمنَ أن الأمة فوق الحكومة وأن الشعب مصدر السلطات، ينتمى ياسين تاج الدين إلى قبيلة الأشراف وهى من القبائل العريقة بمصر وبلدته عزبة حامد تنتمى لجده فهو سليل المجد والتواضع، كان خدوما لأهله ومحافظات الصعيد لا يفرق بين أقاربه وغيرهم، جعل بيته فى قنا وفى القاهرة ملتقى ذوى الحاجات التى يقضيها لهم فى محبة وهو يعرف أن هذا واجبه الذى لا يتخلى عنه ولا يؤديه إلا عن اقتناع المنتمى لهذه الأرض ولهؤلاء الناس الذين رأوا فيه ابنهم الذى يعينهم على قضاء مصالحهم.
قال أبومدين التلمساني:
لَستُ أنسَى الأحبَاب مَا دُمتُ حَيَّا
ولَعَمرِى نَأوا مَكَانًا قَصِيَّا
فَبِذِكراهُمُ تَسُحُّ دُمُوعِي
كُلَّمَا اشتَقتُ بُكرةً وعَشِيَّا
وهَن العَظمُ بِالبِعَادِ فَهَب لِي
ربّ بِالقُربِ مِن لَدُنك ولِيَّا
واستَجِب سَيِّدِى دُعَائِى فَإنِّي
لَم أكُن بِدُعَاك ربّ شَقِيَّا
قَد بَرى قَلبِيَ الفِراقُ وحَقَّا
كَان يُومُ الفِراقِ شَيئًا فَرِيَّا
لَم يَكُن ذاك بإختِيَارِى ولَكِن
كَان أمرًا مُقَدَّرًا مَقضِيَّا
إنَّ لِى فِى الفِراقِ دمعًا مُطِيعًا
وهَوًى قَاصِيًا وصبرًا عَصِيَّا
أنَا شَيخُ الغَرَامِ مَن يَتَّبِعنِي
أهدِهِ فِى الهَوى سِرَاطًا سَوِيَّا
أنَا مَيتُ الهَوى فَيَوم أراكم
ذلِك اليَوم يَوم أبعثُ حَيَّا
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أساتذة الجامعة ياسين تاج الدين
إقرأ أيضاً:
كأسك يا وطن
لست بخير كالعادة منذ سنوات.. نشرات الأخبار العربية الحزينة باتت بالنسبة لى مكمن المرض اللعين الذى نخر فى أعصابى وتفكيرى.. ولم يعد يفلح فيها مسكنات الأمل وأدوية المستقبل المشرق وحبوب الوحدة العربية.. فلن تكفى أدوية العالم الشحيحة من العدل والرحمة ان تعالج حالات الخذلان المتكرر التى تنتابنى حالياً بشكل يومى.
فى فترة الثمانينيات من القرن الماضى كنت طالبة بجامعة القاهرة وكانت مسرحية «كأسك ياوطن» للكاتب السورى الكبير «محمد الماغوط» تكتسح مسابقات الفرق المسرحية المتنافسة على مستوى الجامعات المصرية، لا أتذكر بالضبط كم مرة شاهدتها أو شاهدت عدد البروفات التى كانت تقام على مسرح كلية تجارة أو مسرح كلية حقوق.. فى كل مرة مع انتهاء العرض لا بد أن تدمع عيناك باللاشعور، حتى أن أحد النقاد قال ممازحاً ما معناه أنَّ الماغوط يقدم لك صحن البصل المقشر طازجاً مع كل سطر تقرأه.
أو كما تحدث الكاتب خضر الماغوط أبن عمه قائلاً: «عندما تقرأ محمد الماغوط تدمعُ عيناك لأنك ستضحك أولا وأنت تقرأ السخرية من الوضع القائم من حولك، ثم سرعان ما ستبكى عندما تكتشف أنك أنت المعنى شخصياً فى كتاباته، أنت الإنسان المهزوم دائماً الذى يتراقص من حولك الأقزام الذين هزموك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً حضارياً، إلى كلّ مجالات الانهزام».
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد ؟ لا أدرى كيف تكون إجابة هذا السؤال وتركيا مسيطرة وروسيا متداخلة وإسرائيل اللعينة نصبت الشرك على الحدود!!
فعلى الرغم من بصيص النور الذى انفتح على سجن «صدنايا» المرعب فخرج على أثره آلاف المسجونين ليروا السماء ولسيستنشقوا الهواء لأول مرة منذ سنوات بعيدة كانوا فيها رهائن قبورهم وزنازينهم تحت الأرض، تجسدت حجم الخسائر الروحية فى تلك الشابة السورية التى دخلت المسلخ البشرى «صدنايا» فى عمر التاسعة عشرة وخرجت وهى فى الثانية والثلاثين من عمرها وفى يدها ثلاثة أطفال لا تعرف من والدهم من كثرة تعرضها للاغتصاب.
أتذكر ما كتبه الشاعر الكبير «محمد الماغوط» فى نص «سياف الزهور»: آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة.
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف
بين بلاط الشارع وبلاط السجن
سوى بلاط القبر؟
أيتها الأمة الكذوبة
أين اجدادى الصناديد الكماة
وما الذى يؤخرهم؟
أشارات المرور؟
هل تحررت سوريا حقاً بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ يطمئننى التاريخ بحكاياته ويؤكد لنا دوماً ان الطغاة يرحلون وتبقى الشعوب تقاوم الظلم والقهر وتنتصر فى النهاية، فهناك فى ريف دمشق وحماة واللاذقية وحمص وحلب أغنية للحرية بين الدروب وعلى شرفات المنازل المزينة بزهور الياسمين، أو كما يصدر الشاعر السورى الكبير «نزار قبانى» القدرة على الصمود فى قصيدته الشهيرة «آخر عصفور يخرج من غرناطة»:
أعجوبةٌ أن يكتب الشعراء فى هذا الزمان.
أعجوبةٌ أن القصيدة لا تزال
تمر من بين الحرائق والدخان
تنط من فوق الحواجز، والمخافر، والهزائم،
كالحصان
أعجوبةٌ.. أن الكتابة لا تزال..
برغم شمشمة الكلاب..
ورغم أقبية المباحث،
مصدراً للعنفوان...