طريق الشعر والسفر.. سيرة أمجد ناصر الشعرية
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
دائما ما أفضّل قراءة الكتاب المثقل بماء الشعر. وهذا ما تعزو إليه مكتبتي الصغيرة أن تحتوي أغلبها على كتب لشُعراء، لكن قلّ ما تكون دواوين أو مجموعات شعرية، بل لغة نثرية صافية محبوكة بيد فنان مبدع وهو "الشاعر". لذلك يندهش الأصدقاء حين أخبرهم أنني أحب نثر محمود درويش أكثر من شعره، وكذلك في نثر نزار قباني، وأنسي الحاج وشعراء آخرين كثيرين؛ إذ يحمل هذا النثر الشعري عادة تصنيفات وأشكالًا عدة، غالبا ما تكون على شكل مقالات، نصوص مفتوحة، وأدب رحلة، وطورًا على شكل قصص، روايات، وغيرها من الأشكال.
أشعر وأنا أكتب هذه المقدمة بنوع من الانفصام والازدواجية، فكيف لي أن أسمي المُشرّب بالشعر أو ما هو شعري في الأساس أو الشبيه للشعر بـ"النثر"! أنا الذي أسمي كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه وصنوه كتاب "النبي" لجبران خليل جبران بالشعر الخالص.
ربما تشرح هذه المقدمة ما أثاره فيّ هذا الكتاب الصغير في صفحاته المثقل في محتواه. هو الذي كُتب من قبل شاعر، وليس كأي شاعر، إنه أمجد ناصر.
في هذا السرد المتقطع الأشبه بسيرة شعرية، يحدثنا الشاعر والصحفي أمجد ناصر عن طريقه الملتوية إلى الشعر. هو البدوي الذي تجذر الشعر في لا وعيه من خلال بيئته التي تعتاش على الشعر كما عاش عليه أسلافها الأوائل. ستكون هذه البيئة هي الشرارة الغامضة الأولى التي تومئ إليه من بعيد، فيقول:
"في فضاء مشبع بالمجاز البدوي والأمثال وتلاوات القرآن الذي يقترب في بعض سوره وآياته من الشعر الصافي ولدتُ وترعرعت. كان المجاز سيد الكلام، وكان للغة وظائف أخرى غير توصيل المعنى المباشر ورسم حدود التعاملات اليومية. كانت اللغة تنزاح عن هذا الخط لتجد نفسها في أرض أخرى، أرض الشعر، أو بالقرب منها، حيث تشرع الكلمات في تأسيس معانٍ مختلفة عن المعاني المتداولة..المستنزفة".
وفي سياقٍ مشابه يضيف:
"كان الشعر البدوي أو الأمثولة أو الحكاية التي يراد بها شيء آخر غير ظاهر المعنى هي تلمسي الأول للشعر.. الاقتراب من أرضه، وذلك قبل أن أذهب إلى المدرسة وأتعرف على شكل آخر للشعر.. الشعر الفصيح".
ليتعرف بعد ذلك السندباد البري، كما لقّبه عباس بيضون، على الشعر التقليدي في المنهاج المدرسي، لتتيح له فرصة كتابة مسرحية مدرسية، في حين كانت كلمة لمعلم اللغة العربية ذي القامة الربعة والشاربين المشذبين، المفرط في التدخين، الأثر البالغ لتشد بيد الفتى في السير قدمًا، حين قال له: "لديك ملكة أدبية".
وكأن جل الكِتاب عبارة عن علامات، علامات غامضة، تبرق ثم تختفي، تهدي التائه إلى أرضه، إلى الحلم الذي سيكونه. هو الذي لا يعرف كيف أصبح شاعرا ومتى ولماذا. أليس كل الشعراء هكذا؟
ستعيدني هذه العلامات غير المرئية التي تومض بين حينٍ وحين في طيات الكتاب إلى قصيدة أحبها لأمجد ناصر قرأتها في مراهقتي اسمها "نجوم لندن" إذ يقول فيها:
"نفسًا وراءَ نفسٍ تدفعُني الأيّامُ قُدُمًا
لكنَّ عينيَّ ظلّتا ورائي
تبحثان عن علامةٍ
تراءتْ وأنا مستلقٍ ذاتَ ليلةٍ على سطح بيتِنا في "المفرق"
أعدُّ النجوم وأخطئُ
ثم أعدُّها
غيرَ مبالٍ بالثآليل التي تطلعُ في يدي وتنطفئ.
****
لا تبحثْ عن العلامةِ
لا تعترضْ طريقَها
دعكَ من الشقوقِ والخرائبِ
لا تتَّبع أنجماً ضلّلتْ قبلَك رعاةً وعاشقين
فالعلامةُ تأتيكَ من حيثُ لا تحتسب
أو يخطرُ لك على بال".
سيجد أمجد نفسه بعد حين، بعنفوان المراهقة وجرأتها، شاعرًا يكتب القصائد أو كما سماها "بعض المحاولات الشعرية". قليلا قليلا سيتعرف على الحركات الشعرية، والأشكال الشعرية المتنوعة، وتاريخ تطور الشعر. لنجده يتقلب بين الأشكال هائمًا، مستقرًا على شعر التفعيلة، بدافع شغفه وحبه لقصائد السياب وسعدي يوسف ومحمود درويش. لكنه لن يلبث حتى ينتقل بعد ذلك إلى القصيدة التي عُرف وآمن بها، وهي قصيدة النثر، هي الطليقة التي تشبه روحه التي أحبت الحرية والسفر منشقة من التقليدي والعادي والنمطي.
سيُعرّفنا أمجد ناصر أكثر على قصيدة النثر، وتبايناتها مع أنواع الشعر الأخرى. فضلا عن رؤى أمجد ناصر الشخصية لهذا النوع من الشعر. كأنه، نوع ما، تنظير نقدي يميل إلى الانطباعية لقصيدة النثر، مُنعتقًا من اللغة الأكاديمية الصارمة، هي لغة الشاعر والصحفي. ومن أجدر من أمجد ناصر في كتابة هذه النبذة المختزلة عن قصيدة النثر!
يجدر أن أذكر هنا أنه لم يمضِ كثيرا على رحيل هذا الشاعر الأردني الكبير، وحيدا يصارع المرض كذئب الفرزدق، خمس سنوات عبرت كالطلقة ونبأ رحيله يدوي كصاعقة الأمس عليِّ وعلى محبيه مخلفًا جرحًا لا يندمل وفراغًا شاغرا أبدا. لترقد روحك بسلام حيث خبط الأجنحة ومرتقى الأنفاس، وسُرَّ كل من رآك أو تتبع أثرك العابر إلى حيث لا تسقط الأمطار الحمضية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قصیدة النثر
إقرأ أيضاً:
حسام موافي: سيرة النبي محمد مصدر إلهام وفخر للمسلمين «فيديو»
أكد الدكتور حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة بكلية طب قصر العيني، على أهمية قراءة سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الكتب التي تناولت السيرة النبوية بأسلوب سهل وبسيط يمكن للجميع قراءتها، سواء الكبار أو الصغار.
وخلال تقديمه لبرنامجه «رب زدني علمًا» على قناة صدى البلد، أشار حسام موافي إلى أن العبودية لله عز وجل هي مصدر الكبرياء والفخر للإنسان، كما أن العبودية لله تجعل الإنسان كبيرًا، ومن كان عبدًا لله فهو فخر وشرف لكل إنسان»، مضيفًا أن الإسراء والمعراج دلالة قوية على حب الله لعباده، حيث قال سبحانه وتعالى «الذي أسرى بعبده».
وتطرق حسام موافي إلى تجربته في المملكة العربية السعودية قبل رمضان، حيث أدى مناسك العمرة في الحرم المكي، ولفت إلى أنه التقى بأشخاص من مختلف الجنسيات، مؤكدًا أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون مستمرة في كل زمان ومكان، ليس فقط في شهر رمضان، مؤكدًا على ضرورة الاستمرار في العبادة والدعوة وتذكير الناس بالتقرب إلى الله طوال السنة.
اقرأ أيضاًثبوت رؤية الهلال في السعودية.. والأحد أول أيام عيد الفطر 2025
فرط التفكير والعزلة.. أعراض وأسباب الهشاشة النفسية «فيديو»