يرتبط رمضان في وجدان الكاتب العماني يحيى سلام المنذري بذكريات رائعة، حيث الطفولة السعيدة، والشغف إلى تجربة ما يفعله الكبار، ومحاولة تقليدهم، الفشل أحياناً والنجاح أحياناً أخرى، وتعلم خبرات جديدة في الحياة تؤهل هؤلاء الصغار لدخول عالم الرجال.

يقول: "أتذكر أول سنة صمت فيها، كان الوقت صيفاً، وكنت ملتحقاً بمدرسة تعليم قرآن صيفية، وهي عبارة عن غرفة صغيرة ملحقة بمسجد الحي على مسافة نصف ساعة مشياً على الأقدام من بيتنا".

أيقظته أمه لتناول السحور، استيقظ بصعوبة، أكل رزاً مع الروب وشرب ماء وهو نصف مغمض العينين، وسرعان ما رجع إلى فراشه ونام، وفي الصباح مشى وحيداً إلى مدرسة القرآن التي فتحت أبوابها بعد انتهاء المدرسة الحكومية، كانت أول مرة له يخرج من البيت دون أن يشرب ماء أو عصيراً، كانت أمه حريصة على أن لا يذهب إلى المدرسة بدون شرب عصير البرتقال الطازج الذي تعصره بنفسها، وتحرص أن تحضر له فطيرة جبن يأخذها معه، لكن ذلك الصباح كان مختلفاً. كان جافاً وحاراً. شعر بغرابة، وبشيء من الحزن.

يواصل الحكي: "ذلك الصباح كانت مدرسة القران أبعد من أي وقت مضى عن بيتي، كانت الشمس حارقة، أحسستُ بعطشٍ شديد، وحينما دخلت المدرسة سألني معلم القرآن وفي يده العصا الخشبية (كان يسأل جميع من يدخل) إن كنت صائماً، فأجبته بنعم، وعاد بعدها للدرس، وجاء دوري في القراءة فجف حلقي، وبدأت معدتي بالصراخ، انتظرت بفارغ الصبر الانتهاء من الدرس، لم أركز كثيراً ذلك اليوم، ورجعت مسرعاً إلى البيت متعباً، متيبِّس الحلق، شاحب الوجه. رأت أمي حالتي وقالت لي: يكفيك صيام نصف يوم، ما زلتَ صغيراً. رأيت في عينيها شفقة ورأفة حانية، ورغبة في إنقاذي لأنني ما زلت طفلاً، وقد شجعني كلامها على الدخول إلى المطبخ، فدخلته فوراً وشربت الماء وأسكّتُ معدتي برز مع الروب. وفي اليوم التالي للمدرسة كان جميع الطلبة يقصُّون تجربتهم في أول يوم رمضان، عداي فقد ظللت ساكتاً وكتمت سري".

ما المختلف بين رمضان الطفولة ورمضان الآن؟ يجيب: "باختصار جزء من رمضان الطفولة كان بلا كهرباء وصيفه متعب، لكن حين ظهر التكييف تحسَّن الصيف، ورمضان الطفولة لا يخلو من تأمل ولعب وتعلم، نفرح عند سماع آذان المغرب ونتناول التمر واللبن، والفطائر والمعجنات، وهي تشكيلة إفطار شهي تعده أمي العزيزة، إنها كباقي الأمهات يقضين الجزء الأكبر من اليوم في المطبخ ويجتهدن في إعداد الوجبات، كنا نفرح بانقضاء نصف رمضان لنلهو في مناسبة اسمها "القرنقاشوه" وهي احتفال بمرور نصف رمضان، ونفرح باليوم الأخير من رمضان والاستعداد لأول يوم من عيد الفطر.. حيث نحضر ملابسنا الجديدة".

ويضيف: "رمضان الحالي جزء منه عمل وصحة ومشي وتأمل وقراءة وكتابة، والجزء الآخر منه أخبار معظمها لا يبعث السرور، وفيه تواصل اجتماعي غريب، وواقع أغرب، وبالنسبة لي ما يميز رمضان الطفولة ورمضان الآن هو الاجتماع الدافئ والحنون والممتع مع العائلة وقت الغروب. وما يميز رمضان أيضاً هو الأكلات الخاصة به، حيث لم تختلف كثيراً عن الرمضانات السابقة؛ لقمة القاضي، والسمبوسة بالبيض أو اللحم أو الدجاج، والفطائر المنوعة، وشوربة الشعير مع البيض وشوربة حب الهريس، والكستر والفالودة وشراب التوت وشراب اللبن الرائب بالنعناع والثوم، وغير ذلك".

أسأله هل يتغير نظام قراءتك في رمضان؟ وهل هناك كتب معينة تستعيد قراءتها؟ فيجيب: "نظام القراءة لا يتغيَّر عندي بتغيُّر الأشهر، فالقراءة بالنسبة لي ضرورية كالماء والهواء. في العادة أقرأ كتباً جديدة، ولديَّ كتب كثيرة تنتظر دورها في القراءة، خاصة وأن معرض مسقط الدولي للكتاب جاء قبل رمضان بوقت قصير، وابتعت كتباً جديدة في مواضيع مختلفة، روايات ومجموعات قصصية ونصوص ومقالات، وكتب في النقد والفكر والتاريخ".

لا توجد طقوس محددة لرمضان بالنسبة ليحيى سلام المنذري، وهو لا يتوقف عن الكتابة خلاله، خاصة في الوقت الذي يسبق الغروب، وفي الفترة الصباحية من الإجازة الأسبوعية؛ الجمعة والسبت، أما في الفترات الصباحية لبقية أيام الأسبوع فيلتزم فيها بجهة عمله، يقول خاتماً حديثه: "بالمناسبة أنا أحب العمل جداً في نهار رمضان".

أصدر يحيى سلام ست مجموعات قصصية، هي "وقت قصير للهلع"، "حليب التفاح"، "الطيور الزجاجية"، "بيت وحيد في الصحراء"، "رماد اللوحة"، و"نافذتان لذلك البحر".

تأهلت مجموعته "وقت قصير للهلع" إلى القائمة القصيرة لجائزة الملتقى بالكويت للقصة القصيرة، في دورتها السادسة 2024. تُرجِمت بعض قصصه إلى الإنجليزية والإسبانية والهندية والمالامية والأذرية، وحُوِّل كتابه "الطيور الزجاجية" إلى عمل صوتي في قناة "عين" بوزارة الإعلام في سلطنة عمان، وتم اختيار قصتين له لتكونا ضمن منهج دراسي بجامعة السلطان قابوس ووزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

 استراتيجية لمواجهة التنمّر!

 استراتيجية لمواجهة التنمّر!

د. #ذوقان_عبيدات

ليس من الحكمة التركيز على ما حدث. تحدَّثنا طويلًا، وتبارَزنا في تشخيص الواقع، وقال بعضُنا: إهمال، وهو ليس كذلك. وقال بعضُنا الآخر: ضعف التعليم بكل عناصره، وهو ليس كذلك، وقيل: غياب الإدارة، وهو ليس صحيحًا. وقيل: سوء حظّ الوزير، وهذا ليس صحيحًا. قد يكون كل تفسير صحيحًا جزئيّا، وقد تكون جميع التفسيرات ضرورية لفهم المشكلة. وحتى لا تضيع القضية سُدًى، وننساها بعد أسبوع، فلا بدّ من دراسةٍ أكثرَ عمقًا. فنحن بحاجة إلى حلول أكثر من حاجتنا لتشخيصات! وأعلن في البداية أن حادثة الحرق ليست مسؤولية لأحد معين، فهي تراكمات وأمراض سادت نظامنا التعليمي منذ زمن طويل!

(01)
مبادئ عامّة

مقالات ذات صلة الإيمان والإستقامة 2025/03/09

تستند الاستراتيجية المقترحة إلى المبادئ الآتية:

1- ضرورة فهم حادثة الحَرْق، وتوصيفها على أنها خلل في مختلف جوانب #النظام_التعليمي.

2- ضرورة فهم أن البيئة المدرسية، أو التعليمية هي جزء من البيئة المجتمعية: أسرةً، ومجتمعًا، ومؤسساتٍ متنوعةً. تتأثر وتؤثر فيها.

3- ضرورة فهم أن البيئة المدرسية أكثر نقاءً، وضبطًا، وانضباطًا من البيئة المجتمعية.
حيث يمكن التحكم بضبطها.

4- ضرورة معرفة أن العِقاب القانوني ليس حلّا تربويّا يقود لإنهاء المشكلة. فجذور المشكلة تربوية، وحلّها كذلك.

5- ضرورة معرفة أن القضية تربوية خالصة، وما يُحكى عن القانون، وحبس المخالفين لا علاقة له بما يحدث تربويّا.

6- إن معاقبة المسؤولين محليّا، وتحميلهم كامل المسؤولية ليس عدلًا. فالقضية ليست محليّة المنشأ.

7- يجب على أحدٍ ما، أو آحادٍ ما، أن يتحمل المسؤولية الأدبية عن الحادث، حتى لو كان هذا غير عادل. فتحمّل المسؤولية هو جزء من الحل.

8- إن تنفيذ الحلول لمشكلة التنمّر، يجب أن لا يتمّ على يد مسؤولين مرعوبين إعلاميّا، وربما رسميّا. فالخائف لا يستطيع البحث عن حلول. فالحلول والإصلاحات تتطلبان شجاعة وجرأة.

9- إن معاقبة المسؤولين الكبار، بحكم مناصبهم، يجب أن لا يؤدي إلى العزوف عن تحمل المسؤولية.

10- يجب وقف ثقافة الصمت والخوف، وثقافة التهديد، و(ثقافة فخّار يكسّر بعضه).

11- ضرورة تقبّل النقد بوصفه عاملًا مهمًا في الرقابة والتصويب.

(02)
أسبقيات، أم سوابق؟

حين استقالت وزيرة إعلام سابقة، سنة 1984، لم يُعَدْ تدويرُها خلافًا لِما حدث لاحقًا مع آخرين. فحين استقال وزير تربية سابق، أعيد لاحقًا لموقعه نفسه، وكذلك حدَثُ مع وزيرة سياحة سابقة على خلفية أحداث البحر الميت. وحين استقال وزير صحّة سابق، تمّت إعادته بمنتَج جديد، وموقع جديد مختلف.

لا أتحدث عن نجاح، وفشل للأشخاص المدوَّرين، بل عن طريقة الإصرار على إعادتهم بشكل قد يراه بعضُ المواطنين مستفزّا. لكن هذا يعني بأن الدولة تحترم الاستقالة الأدبية، ولم تعدّها نهاية لمستقبل من يستقيل. ومع ذلك، لم تنجح الدولة في حفز سيّئي الحظ على الاستقالة الأدبية، ولم تؤسّس لمبدأ: تحمل المسؤولية. وهذا سلوك مكلف ماديّا وأخلاقيا لدى أصحاب القرار. فالمطلوب حماية المبادئ، لا الأشخاص.

(03)
خطوات التنفيذ

انطلاقًا مما سبق، فإن الخطوات الآتية يمكن تطبيقها لحل مشكلة التنمّر، وذلك بإجراء إصلاحات تشمل ما يأتي:

١-التأكيد في فلسفة التربية على ما يأتي:

حل المشكلات بطريقة رابح – رابح. تأكيد أهمية سيادة القانون في حل المشكلات، كون القوانين المدرسية تكفل حقوق جميع الطلبة. ضرورة أن تقدّم المدرسة بمعلّميها، ومديرها، والعاملين فيها نماذج إيجابية للسلوك. وهذا يتطلب وضع ميثاق أخلاقي لممارسة التعليم.

٢-وفي إطار المناهج، تركّز على قيم الفلسفة التربوية المذكورة أعلاه، حيث تكون قيم تقبّل الآخر والحوار، ونبذ العنف، وعمل الفريق والاحترام، وسيادة القانون أساسًا في جميع المواد المدرسية، إضافة لذلك، التوجه نحو إعلاء قيَم التفكير الناقد بشكل أساسي.

٣-وفي إطار المدرسة، يتم التركيز على ما يأتي:

إعلان مدرسيّ يشير إلى ثقافة المدرسة القائمة على الحب، واحترام الآخر، وإقامة العلاقات ⁠الإيجابية بين الطلبة، والمعلمين، والطلبة، وبين المدرسة، والطلبة، والمعلمين. ⁠ إيجاد برنامج مدرسيّ لحل المشكلات بين الطلبة يُسمّى “التوسّط بين الرفاق ⁠Peer Mediation” . نشر ثقافة المدرسة الجديدة بين الأهالي.

(04)
هل هذا كافٍ؟

بالتأكيد، كما قلت: إن للمشكلات المدرسية جذورها المجتمعية، والأسريّة، لكن ليس لدينا سوى طريق العمل التربوي على المدى البعيد؛ لتطوير حياة الأفراد، والمجتمع، والأسرة. وإن تنفيذ برنامج للتنمّر لا يمكن أن يتم بمعزِل عن إصلاح تربوي شامل، يمكن تطبيقه خلال سنتين إن عرفنا كيف نختار أجهزة التربية وقياداتها.

فهمت عليّ جنابك؟!!

مقالات مشابهة

  • الباحة.. برنامج المسعف الصغير يعزز مهارات الأطفال خلال رمضان
  • ضابط بارز في نظام الأسد يتبرأ من الفلول وينفي صلته بأحداث الساحل (شاهد)
  •  استراتيجية لمواجهة التنمّر!
  • أحمد الفيشاوي: جربت كل أنواع المخدرات بمحض إرادتي
  • شادي شامل: غيرت شكلي علشان مسلسل العندليب.. ومبقتش ألبس حلق بعد الانتقادات
  • قيام الليل في رمضان.. معجزة لمن كانت له حاجة عند الله
  • أحمد موسى: منذ دخولي الصحافة وأنا أدافع عن مصر.. فيديو
  • الطفولة والأمومة: تقديم جميع سبل الدعم لضحية واقعة العاشر من رمضان وأسرتها
  • أول تحرك من الطفولة والأمومة بشأن طفلة مسجد العاشر من رمضان
  • تحرك عاجل من الطفولة والأمومة بشأن هتـ.ك عـ.رض طـ.فلة بالعاشر من رمضان