القراءة النقدية.. كيف تقرأ مقالا فلسفيا وتفهمه؟
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
عند سماع كلمة فلسفة أو ما يشتق منها قد ينتاب الواحد منا نفور لما يتوقع من صعوبة تتبع أفكار لا يمكن قياسها على أرض الواقع ولا تقدم دليلا عمليا يساعد على تحسين حياة الفرد، حتى وإن كان عنوان المادة عن السعادة أو العلاقات أو عن الدولة، ذلك أن الفلسفة في تعريفها اللغوي هي "حب الحكمة" والحكمة قد تكون أحيانا صعبة البلوغ.
لكننا في هذا المقال نتطرق لما قدمه الفيلسوف والبروفيسور بجامعة أوكسفورد لويس بويمن (Louis Pojman) رفقة المؤلف لويس فوغن (Lewis Vaughn) في كتابهما "الفلسفة.. البحث عن الحقيقة" وذلك لمساعدتك على الاستمتاع وفهم أي نص فلسفي قد يقع بين يديك.
يعرف "إيمانويل كانت" الفلسفة بأنها ملكة كل العلوم، وهي أيضا علم الحصول على المعرفة، ويعتقد بويمن وفوغن أن "قراءة الفلسفة هو بطريقة أو بأخرى بمثابة التعرف إلى أدبيات مجالات أخرى في الآن ذاته"، فهي تقدم حفرا عميقا لفهم طريقة عمل أي شيء، وتساعد على النظر إلى الأمور بشكل أوسع وأكثر شمولية على المدى البعيد، ذلك أنه أثناء القراءة و"لمحاولة الوصول إلى الاستنتاج يتوجب عليك تتبع خطوات بناء الحجة" لتخرج ليس بأفكار فحسب بل بطريقة تفكير أيضا، وأبسط ما ينصح به بويمن وفوغن لسهولة فهم المواد الفلسفية هو "المواظبة على القراءة".
أولا: باشر القراءة بذهن منفتحإن كنت حديث عهد بالفلسفة -وعلى الأغلب أنك كذلك- فقد تشعر أثناء قراءة أي نص فلسفي بالصعوبة أو بالغرابة أو بالسخط وأحيانا بالـ3 جميعها، وهذا طبيعي، فقراءة الفلسفة أشبه برحلة وعرة لاكتشاف حدود معرفتنا الأساسية بالأشياء أين ستعترضنا أفكار أشبه بالعقبات قد لا نتفق مع صحتها بالضرورة، ونغلق بعدها النص دون عودة لتكون نهاية رحلة سريعة وحزينة.
من أجل ذلك، يذكر بويمن وفوغن بأن فعل القيام بالتفلسف هو التفكير والبحث دون قيود عن الحكمة، والطبيعة البشرية تحتمل الخطأ، ومن أجل الاستفادة من تلك الأخطاء، يوجد مجال للقارئ حتى يختلف مع المؤلف، لذلك ينصحان بتجنب الحكم على النص بأنه صواب أو خطأ أثناء القراءة، كل ما عليك هو القراءة والتركيز على استكشاف طريقة تفكير المؤلف.
كما ينصح بوين وفوغن بإعادة التفكير فيما تقرأه ونظرتك إليه إذا ما وجدته سخيفا أو مثيرا للضحك، فمن "الوارد أنك تسيء فهم ما تقرؤه، ومن الحكمة أن تفترض أن النص يقدم شيئًا ذا قيمة (حتى لو كنت لا توافق عليه)، وأنك بحاجة إلى إعادة قراءته بعناية أكبر".
ثانيا: اقرأ بتمعن وبعقل ناقدقد تبدو النصيحة الثانية مناقضة للأولى، فكيف تنقد ما تقرأ وأنت تتجنب الحكم على صوابه من عدمه. هنا عليك التفرقة بين القراءة الفعالة والقراءة العابرة، فأن تركز وأنت تقرأ يعني أن تتبع رحلة الكاتب من افتراضاته التي انطلق منها إلى الاستنتاج الذي وصل إليه، ومن هنا يوضح بويمن وفوغن أن قراءة الفلسفة هي عمل ثقيل ولا يمكن القيام به سريعا وعقلك على "وضعية الطيران الآلي" مثل قراءة رواية أو مقال إخباري على سبيل المثال.
قراءة الفلسفة أيضا هي قراءة نقدية، بمعنى أنها تتطلب أثناء التفكير في صحة ما توصل إليه الكاتب ليس انطلاقا من آرائنا الشخصية بل انطلاقا من تتبع تسلسل الأفكار وترابطها من الادعاء أو الادعاءات التي انطلق منها الكاتب وصولا إلى النتيجة التي يريد الوصول إليها، تذكر أن الأحكام الشخصية أثناء قراءة الفلسفة تأتي لاحقا، لكن أيضا وسيلة جيدة للاستئناس في التقاط الاستنتاجات ومقارنتها بما قد نعرفه سابقا.
ثالثا: تعرف على الخلاصة أولا ثم راجع الافتراضاتقراءة الفلسفة في البداية قد تكون أشبه بدخول غابة مظلمة ذات أشجار كثيفة قد تضيع طريقك خلال التجول فيها، لا تيأس فهذا ما يواجهه الجميع، أو الطلاب على الأقل. يؤكد بوين وفوغن على تذكر أن النصوص الفلسفية هي نصوص حجاجية، تتميز بوجود استنتاجات مبنية على ادعاءات أو افتراضات تشكل مع بعضها حجة قد تكون في حد ذاتها حجة فرعية لإثبات صحة حجة أساسية، وحتى لا تضيع بين هذه "الأشجار الكثيفة"، فإن بوين وفوغن ينصحان بتحديد الاستنتاجات التي يريد الكاتب إثباتها أولا لتتعرف على أفكاره بشكل عام وتتمكن من رسم خريطة ذهنية تستأنس بها في طريقك للعودة إلى الافتراضات الأولية والروابط المنطقية التي شكلتها.
ما يريد الكاتب إثباته من عمله ككل تجده على الأغلب في المقدمة أو في الخاتمة، حيث تكون الأفكار الخام دون استدلال أو حجاج، ثم في داخل النص تجد الحجج الثانوية التي تقع خلاصتها في نهاية كل منها، وينصح هنا باستعمال ملون لتوضيح الاستنتاجات وتفريقها على الادعاءات.
رابعا: اكتب ملاحظاتك الجانبية أو لخص ما قرأتقد تتفاجأ بعد قراءة نص فلسفي تظن أنك فهمته بصعوبة إعادة ما جاء فيه، أو حتى تلخصيه، وهذا ما يعتبره بوين وفوغن مؤشرا سلبيا قد يدل على أنك لم تفهم ما قرأت جيدا، لذلك ينصحان بإعادة كتابة كل حجة بطريقة أخرى أو تخليصها حتى تتأكد من فهمك الصحيح لكل واحدة منها وأنك في النهاية قد استوعبت ما جاء في النص إجمالا.
خامسا: حان وقتكمادمت قادرا على التفكير فأنت قادر على النقد وهذا يعني أنك قادر على فعل التفلسف، في الخطوة الخامسة والأخيرة يقترح بوين وفوغن استعراض مهاراتك في التفلسف وإطلاق العنان للحكم على ما قرأته كاملا من وجهة نظرك الشخصية، ويمكن القيام بذلك عبر الحكم على الادعاءات الأولية التي انطلق منها الكاتب في نصه أو في كل حجة على حدة ومن ثم قوة ترابطها مع الاستنتاج النهائي وما إذا كان الاستنتاج النهائي صحيحا، ولا تنس أن تتحرى النزاهة وتوضيح أسباب اختلافك أو موافقتك على النص من داخل النص نفسه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
ونحن أيضاً
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 4 / 11 / 2017
قبل أيام اجتاح وسم “أنا أيضاَ” مواقع التواصل الاجتماعي في تظاهرة عالمية لنبذ التحرّش الجنسي ،وحتى تتشجع كل سيدة في رواية قصّتها مع الجريمة الصامتة ولو بعد حين.
كم يدهشني استفاقة #الضمير_العالمي فجأة تجاه قضية نائمة فيجعلها بإرادة واعية قضية هامّة ثم ينشر فيروس “الحمى” لتصيب حساباتنا وأجهزتنا ونتفاعل معها كما يريدون وبالكيفية التي يتمنّون لها..فتنبت “أنا أيضاَ” فوق قمم الوسوم السياسية وتطفو فوق الخلافات العربية والمناكفات القُطرية وفوق مخاض الشعوب “الحبلى” بالثورة والكفاح والموت اليومي.
جميل أن يتّحدَ العالم ضدّ التحرش، لكن هل لهذا الضمير العالمي أن يستفيق تجاه أوطاننا “المغتصبة” ويجعلها بإرادة واعية قضية هامة ليصعد بها فوق الوسوم، منذ مائة عام والأمة العربية تتعرّض لتحرش وانتهاك واغتصاب وإجهاض لحلم الوعي والاستقلال، فهل تريدون أن تسمعوا قصّتنا مع التحرّش؟
و”نحن أيضا” تعرّضنا لما تعرّضت له ضحايا هذا الوسم، في مثل هذا الشهر قبل مائة عام أرسل آرثر بلفور رسالة إلى “لونيل روتشيلد” يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وقبل مائة عام كان تعداد اليهود لا يزيد عن 5% من سكّان فلسطين، لكنهم اغتصبوا الوطن كله، فحبلت الأراضي العربية بمخيّمات اللجوء وولدت الأوجاع في كل مكان.
مقالات ذات صلة موظف محكوم بجناية ومطلوب للتنفيذ القضائي منذ 2022 وما زال على رأس عمله 2024/12/26كان الفلسطينيون عندما ينصبون خيامهم يبقون أبوابها مشرعة نحو فلسطين، ليروا الضوء القادم من التلال المحتلة، ليشتموا رائحة أراضيهم التي تموج بالزيتون الحزين، للزيت الذي يتساقط دمعاً كلما داسته جرافات الاحتلال، كان الفلسطينيون يغلون قهوتهم أمام خيامهم على فجر فلسطين، الدخان المتصاعد صباحاً يرسل إلى الوطن غيمة من شوق وتنهيدات، ظلّت المفاتيح الطويلة بأيدي الكبار على أمل العودة، وظلت الثياب المطرزة تحتضن الإبرة في الكمّ، هناك في غرف الطين لم تكمل الرسمة بعد ولم يكتمل قوام الثوب المطرّز، وظل الزيت يؤنس السراج المطفأ فوق فراش “العيلة” أن اصبر فالفلسطيني عائد، فماتت الأمهات ومفاتيح “العودة” تحت الوسائد.
وسم التحرش والاغتصاب للنساء قد يتصدر أسبوعاً ويزول إلا من ذاكرة الضحية، وكذلك
وسم التحرش والاغتصاب للنساء قد يتصدر أسبوعاً ويزول إلا من ذاكرة الضحية، وكذلك “وسم” اغتصاب الأوطان مثل الوشم يبقى في ذاكرة الشعوب لا يمحوه إلا دم الحرية أو حلّ القضية
ونحن أيضاَ تعرَضنا لما تعرَضت له ضحايا هذا الوسم، ففي مثل هذا الشهر قبل خمسة عشر عاماً كان مجلس الأمن يغتصب قناعات العالم وسلام العراق، كان يروّج لأسلحة الدمار الشامل وطرد المفتّشين، كان يتحرّش بعروبتنا وبعفّة عراقنا عندما ألجمت أمريكا المجتمع الدولي بأكاذيب مارست فيها كل الوقاحة السياسية والدناءة الأخلاقية فلون النفط لدى “مقامر” البيت الأبيض أكثر إغراء من الدم العربي كله.
نزعوا عباءتها بحجة التفتيش، أغمض العرب جميعاً عيونهم كي لا يروا عوراتهم أو تنكشف سوءاتهم، وفي لحظة الإغماض الطويلة اغتصبت بغداد فأصيبت الأمة بالعمى، وصارت بلد الرشيد بلد “رامسفيلد”، واستبدل المصفقون لاحتلال أرضهم عمامة “هارون” بقبّعة “برمير”، وأُحرقت جثّة عبير! لا أحد يذكر عبير بالتأكيد، لكنني أذكرها، وأذكرها جيدا في أول الاحتلال، عبير تلك الفتاة العراقية التي اقتحم جندي أمريكي ثمل منزلها، فاغتصبها أمام مرأى عائلتها ثم أطلق النار عليهم جميعاً وأحرق عبير، لكن لسوء الحظ لم يكن في ذاك الوقت “تويتر” ولا “فيس بوك” حتى تكتب عبير قصتها ككل نساء العالم تحت وسم “أنا أيضاَ”.
ونحن أيضا تعرّضنا ما تعرّضت له ضحايا هذا الوسم، بل تعرّضنا لما هو أبشع منه والعالم كله يقيس مستوى صوت الأنين، أو التفاوض مع الجاني أو تبادل الدور معه حتى، سوريا تتعرض لاغتصاب جماعي، روسي وإيراني وأمريكي وتركي وداعشي وعربي عند الضرورة، والنتيجة إجهاض للثورة واغتصاب للثروة، والبلاد الماجدة ذات الرسالة الخالدة أصبحت مما “ملكت أيمانهم”، وممنوع على سورياً أن تكتب ككل الحرائر اللاتي تعرّضت للتحرش أو الاغتصاب قصتها تحت “أنا أيضاَ” لأن حنجرتها محتلّة بين “شبّيح” و”تاجر ثورة”، وكلاهما يخنقان الوجع الحقيقي ويفضلان الموت بصمت، بين تاء التأنيث وتاء التحرير وجع مقتسم، فوسم التحرش والاغتصاب للنساء قد يتصدر أسبوعاً ويزول إلا من ذاكرة الضحية، وكذلك “وسم” اغتصاب الأوطان مثل الوشم يبقى في ذاكرة الشعوب لا يمحوه إلا دم الحرية أو حلّ القضية.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#178يوما بقي #98يوما
#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي
#سجين_الوطن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي