اكتشاف بقايا قلعة من القرون الوسطى تحت فندق تاريخي في فرنسا
تاريخ النشر: 31st, March 2024 GMT
اكتشف علماء الآثار بقايا قلعة من القرن الرابع عشر، بما في ذلك خندق مائي، مخبأة تحت فناء فندق تاريخي في فرنسا.
تم العثور على مجوهرات وأواني ومقالي وأقفال من بين القطع الأثرية التي تم استخراجها، مما يوفر أدلة عن النبلاء الذين استخدموا القلعة لما يقرب من قرن.
في ربيع عام 2023، قام علماء الآثار في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الأثرية الوقائية (INRAP) بالتنقيب في فناء وأقبية فندق Lagorce، الذي تم بناؤه في القرن الثامن عشر فوق أنقاض قلعة من القرون الوسطى تعرف باسم Château de l'Hermine.
تم بناء القلعة، الواقعة في فان، وهي قرية على الساحل الغربي لمنطقة بريتاني، كحصن ومقر إقامة لجون الرابع، دوق بريتاني، في عام 1381.
من القرن العاشر إلى القرن السادس عشر، كانت بريتاني دولة إقطاعية من القرون الوسطى، تأسست بعد طرد الفايكنج من المنطقة.
كانت دوقية بريتاني، التي كانت دولة صغيرة في الأساس، يحكمها سلالة من الدوقات الوراثيين. عندما تولى جون الرابع السلطة في عام 1365، بدأ في بناء العديد من القلاع المنزلية في جميع أنحاء بريتاني، وأصبحت Château de l'Hermine مقر الدوقية.
لكن القلعة لم تُستخدم إلا لمدة قرن قبل أن تقع في حالة سيئة عندما نقل حفيد جون الرابع، فرانسيس الثاني، عاصمة الدوقية من فان.
أدت التجديدات في القرنين الثامن عشر والعشرين إلى تحويل المبنى في أوقات مختلفة إلى فندق، ثم مدرسة قانونية، وأخيراً مكاتب حكومية مبنية فوق القلعة الأصلية التي تعود إلى القرن الرابع عشر.
لم تكن الخطة الدقيقة لقلعة جون الرابع معروفة حتى بدأ علماء الآثار في الكشف عن أساساتها في عام 2021، تحسباً لتحويل المبنى التاريخي إلى الموقع الجديد لمتحف الفنون الجميلة.
أثناء عمليات التنقيب في فناء الفندق القديم، وجد علماء الآثار الطابق الأرضي من مسكن الدوق، إلى جانب بقايا برج يطل على خندق مائي خارجي.
يبلغ طول القلعة حوالي 138 قدمًا (42 مترًا) وعرضها 56 قدمًا (17 مترًا)، مع جدران يصل سمكها إلى 18 قدمًا (5.5 مترًا).
في الداخل، كان هناك العديد من السلالم، بما في ذلك سلم احتفالي، إلى جانب قوالب منحوتة وعتبات أبواب مزخرفة. وفقًا لبيان INRAP المترجم، فقد جمعت هذه الخطة المعمارية بذكاء بين الوظائف الدفاعية والوظائف السكنية.
في نهايات القلعة، وجد علماء الآثار مراحيض وأنابيب تصريف من المحتمل أن يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أو أربعة طوابق.
عند البحث في المراحيض يدويًا، اكتشفوا أشياء صغيرة مثل العملات المعدنية بالإضافة إلى أواني الطهي المهملة التي يعود تاريخها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
كما تم الحفاظ على الأوعية الخشبية وأجزاء من البراميل في البيئة الرطبة للمراحيض القديمة.
قام علماء الآثار أيضًا بتفتيش الخندق المائي ووجدوا مجوهرات ودبابيس وأبازيم وأطباق معدنية، بالإضافة إلى مفاتيح وأقفال.
كان من الممكن الوصول إلى القلعة المحصنة بواسطة جسر خشبي عبر الخندق المائي. لم يعد الجسر موجودًا، ولكن تم الكشف عن دعاماته أثناء التنقيب.
قال INRAP في بيان مترجم: "تم بناء المبنى على مرحلة واحدة، مما يدل على أهمية الموارد المالية والبشرية المستخدمة". "تشير البقايا إلى أن جون الرابع كان يعرف كيف يحيط نفسه بأفضل المهندسين والحرفيين في ذلك الوقت."
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علماء الآثار جون الرابع
إقرأ أيضاً:
السودان… مشاهد من يوميات حرب عبثية
(1)
صحوتُ على دويّ المدافع في الفجر، قبل أن يصل آذان الصلاة إلى مسمعي. لكأنَّ المطلوب ساعتها أن نتهيأ لتلبية دعوة عاجلة للموت، وليس لأداء الصلاة حين تبيّن خيوط الفجر الأولى. غير أن أزيز الطائرات القاتلة يشقّ الظلام الحالك، وهي طائراتٌ نعرف أنها من نوع مجهول الصلاحية، فكيف تُرى يحسن قباطنتها تصويب قنابلها على أهدافها في الأرض والظلام دامس وسواد في سواد. ليس السودان من البلدان التي تمرّست على حرب المدن، تتمدّد مساكن السودانيين في مساحات أفقية شاسعة المساحة، فليس في ثقافة معمار المدن في السودان مخابئ تُحفَر تحت الأرض، ولا كهوف يتلمّسها الناس ملاذاتٍ ليختبئوا فيها. في المدن الراشدة مثل بيروت، التي جرّبت حروب الشوارع في المدن، تسمع صافرات تنبّه السكّان الأبرياء، فيهرعون إلى الملاجئ الآمنة تحت الأرض نشداناً للسلامة.
(2)
في السودان. ليس لمقاتلات سلاح الطيران خبرات تُذكَر في التصويب المُحكم، وقبل رمي قذائفها، ولا السكّان الأبرياء في العاصمة الخرطوم مهيؤون لتفادي مثل تلك القذائف. أكثر من قتلوا بالقذائف العشوائية، هم من دفعهم حبّ الاستطلاع البريء إلى الوقوف وتقصّي ما يحدث من حولهم، وما يسمعون من دويّ فتصادفهم زخّات من رصاص طائش، وشظايا من قتلة لا يجيدون التصويب، فيقضي كثيرون نحبهم وهم يتطلّعون لمعرفة ما يجري. القاتل من جهله وسذاجته لا يدرك أبعاد جريمته، بل قد لا يدرك أنه ارتكب جريمة أصلاً. أمّا القتيل فيرحمه الله. وقد يرحمه بعض من يشهدون مقتله فيدعون الناسَ إلى ستر الجثمان في مقبرة، وفي ساعات الخطر قد لا يمرّ على القتيل أحد فتبقى جثته أياماً مسجّاة غارقةً في دمائها.
(3)
طلبة في جامعة الخرطوم في كلّية الهندسة حوصروا في فصل دراسي، فظلّوا منتظرين أن يخفّ القصف. عجزوا عن اللحاق بزميل لهم أصابته شظية في مقتل، وهم محبوسون مع قتيلهم أيّاماً عديدةً أمام فصلهم الدراسي، فاضطروا في آخر الأمر إلى ستر جثمان زميلهم في باحة كلية الهندسة، ليس بعيداً من القاعة التي تلقّى فيها الدرس الأخير قبل مقتله.
آسيا عبد الماجد، وهي من رائدات المسرح السوداني، وأول من اعتلتْ خشبة المسرح القومي السوداني في سنوات الستينيات الأولى من القرن العشرين، أنشأت إثر تقاعدها واعتزالها التمثيل مؤسّسة تربوية رعتها بعرق جبينها. أمّا وقد بلغت من الكبر مبلغاً، فإنها لم تستسلم لموجبات التقاعد، فحملتْ بإرادة غلّابة عبء أن تنشئ مشروعاً تربوياً لجيل من فتيات السودان ليواصلن رسالة الإسهام في بناء وطن أحبّته. لحقتها (والقتال العبثي في أوجِه) شظية عشوائية قاتلة، أطلقها صبي من الصبيان المسلّحين الذين سـلّحهم القتلة، فأودتْ بحياتها. من شدة احتدام الاشتباكات، فشل الذين شهدوا المقتلة في القيام بواجب ستر جثمانها في مقبرة تليق، فستروا جثمانها الطاهر في أرض المؤسّسة، التي أنشأتها ورعتها في حياتها.
السيدة الممثلة الفنّانة آسيا عبد الماجد هي (بالمناسبة) أم إيهاب، وأمّ صديقي العزيز تاج الدين، نجل الشاعر الكبير الرّاحل محمّد مفتاح الفيتوري، زوجها الأول.
(4)
مشهد ثالث من مشاهد الحرب العبثية، بل الحرب التي عبستْ في وجوه السّودانيين، وأيقظتْ في نفوس بعضهم شياطين الشرِّ وقد كانت في سباتها منسيةً في قمقمها، فإذا هي حيَّات سعت لابتلاع كلّ الذي شاع من دعاوى الأمانة الناكرة للذات، ومن غزل أهل الخليج في خصال الوفاء عند الملائكة السودانيين. نظرت حولي وأنا غير مصدّق ما رأيت في جامعة أم درمان، جيوش جرّارة من أناس عقلاء تحوّلوا فجأة عصاباتٍ من نهّابين يسرقون الكحل من العين. رأيتهم صفوفاً من "موتوسيكلات" الـ"توك توك"، وعربات تجرّها الجياد وأخرى تجرّها الحمير. حملوا كلّ ما ثقل وأيضاً ما خفَّ وزنه، وما كبرت قيمته أو قلّت، فلم يتركوا أثاث تلك الجامعة من كراس وطاولات، ومن حواسيب وأرفف كتب خشبية وحديدية. اقتلعـوا أجهزة التكييف من جدران الفصول ولم يتركوا مروحةً كهربائية، ولا مفاتيح إضاءة، ولا نوافذ زجاجية، إلا اقتلعوها. ولم يسلم من نهش أيدي السرّاقين، حتى السيراميك من أرضيّات قاعات وفصول الدراسة. ذلك ما يسمّونه بلغة الشركة "الانفلات الأمني"، لكن هل هنالك شرطة لتكبح جماحه؟
(5)
أنشأ جامعةَ أمّ درمان الأهلية نفرٌ كريم من أهل المدينة، ومن حرّ مالهم وجزيل تبرعاتهم، ما انتظروا دعماً من حكومة أو عوناً من نظام سياسي. تدافعوا من دون مَنّ ولا أذى لنصرة التعليم الجامعي في مدينتهم، يوفّرونه لأبنائها المحرومين، ولمن لم تتوفّر لهم فرصٌ لتلقّي التعليم الحكومي المدعوم، فإذا بأولئك المحرومين، وآباء أولئك المحرومين، هُم أول من تسوَّروا تلك الجامعة ونهشوا هياكلها ومقوّماتها وأثاثها، فتركوها قاعاً صفصفاً، وعرّوها من كلّ ما يذكّر بأنها كانت يوماً جامعةً تخرّج على أيدي أساتذتها اقتصاديون ودبلوماسيون وأدباء وفنّانون. شيء أشبه بأسطورة تُحكى من أساطير الخيال. أصيب مدير تلك الجامعة بحالة من الذهول إذ زارها ليجد مكتبه منهوباً وقد عرّوه من كلّ شيء فيه، حتى من كرسي المكتب الذي يجلس عليه. أسرع الرجل النبيل، وهو برفسور ومعلّم كبير، يطلب عون الشرطة وهم في مركز قريب من جامعته والقتال محتدم، ردّوه على عقبيه حزيناً كسيفاً، فقد أبلغوه أن منطقة جامعته خارج منطقة سيطرتهم. تلك هي الشرطة التي عرفت كيف تضع توصيفاً للانفلات الأمني. لعن الرجل حرباً قال عنها مشعلوها إنها حرب عبثية، وابتعد من خرائب كانت يوماً جامعةً هي من بين أرقى الجامعات وأكثرها رصانةً أكاديمية في العاصمة السودانية.
(6)
هذه بعض مشاهد حرب عُميتْ عيون من أشعلوها عن تاريخ بلاد شامخة المعالم والأثر، وهي بلادهم هُم لا بلد أعدائهم، فداسوا عليها ببنادق الجهل وصلف عسكرية خائرة القوى بلا قدرات، بلا تدريب، بلا نُبل. هكذا وقفتُ على أطلالٍ كانت يوماً لوطن عشنا نحن السودانيين في رحابه. علّمنا كبارُنا أن نحبّه لا أن نبغضه، أن نجلّهُ لا أن نستضعفه، أن نعتزّ بحمايته، لا أن ندفع به إلى ذئاب جائعة ونلقّمه لأفواه أسود متربّصة.
يذكّر مؤرّخونا أن قروناً خمسة قد انصرمتْ منذ نهوض سلطنة الفونج السودانية القوية في سنوات القرن السادس عشر الميلادي، والسودان في سنوات تكوينه الأولى، ثم شهدت أرض السودانيين حروباً تباينت شدّتها وقسوتها بين طوائفه ومجتمعاته سنوات طوال، فأضعفت تماسك تلك السلطنة، فجاء إليها محمد علي باشا الكبير في القرن التاسع عشر من الشمال، ليضمها إلى سلطنته، ثمّ جاءت الثورة المهدية فأرست حكماً وطنياً على أنقاض صلف الحكم التركي الذي ابتدره محمد علي باشا حاكم مصر فترةً قاربت الستّين عاماً في السودان. لكن حين تكالبت القوى العظمى لدحر الثورة المهدية أواخر القرن التاسع عشر، وقع السودان في براثن حكم استعماري نفذ منه بشقّ الأنفس أواسط سنوات القرن العشرين، فنال السودان استقلاله عام 1956... اختصرتُ لك تاريخاً مليئاً بالمواجهات، محتشداً بحرارة السياسة، وملتهباً بين كرٍّ وفرٍّ. لكن، وللحقيقة التي عرفناها وقرأناها في كتب تاريخ بلادنا السودان، فإنّ حرباً مثل الحرب الماثلة الآن، التي أشعلها السودانيون بأيديهم قبل أن يلهب فتيلها الآخرون، هي حرب غير مسبوقة، ولم يعرف مثلها السودانيون. تستعر الآن بغير كوابح، ولا عقلاءَ سودانيين ذوي حكمة يوقفونها.
(7)
إن كانت معركة كرري التي أنهى عبرها اللورد كيتشنر حكم المهدية الوطني في السودان في 1899، وأزهق أرواح ما يزيد على عشرة آلاف سوداني، على قسوتها حرباً أشعل أُوارَها أجنبيٌ غازٍ ضدّ نظام وطني قائم، وانتقم البحر للشهداء الذين قضى عليهم كيتشنر، بموته غرقاً في بحر الشمال، فمَن يا تُرى سينتقم للقتلى السودانيين الذين أُزهقتْ أرواحهم في حربٍ لا ناقةَ لهم فيها ولا بعير، بل أشعلها جنرالان من أبناء السودان، لا غرباء عنه مثل الجنرال كيتشنر، ولا أجانب جاؤوه من وراء البحار.
تُرى من يتحرّك قلبه لنجدة السودان. ولقد أتيح لي أن أنصتَ لكلّ خطابات من تداعوا إلى القمّة العربية أخيراً في جدّة، فرصدت (ويا للأسف!) من بين الزعماء العرب من تجاهل حتى ذكر اسم السودان في خطابه، في دورة لجامعة الدول العربية دعا من نظّمها لمناقشة بندها الرئيس الأول؛ الأزمة الطاحنة التي قد تفضي (لولا لطف الله) إلى فناء دولة عربية من خريطة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي.
نقلا عن العربي الجديد